شهد اليوم الأول من رضوان سنة 120 بديع، أي 21 أبريل 1963، الذي وافق الذكرى المئوية لإعلان بهاء الله عن رسالته السماويّة في بغداد، حدثاً تاريخيّا لم تعرف الإنسانيّة مثله من قبل، ألا وهو الانتخاب الأوّل لبيت العدل الأعظم، من قِبَلِ أعضاء ستة وخمسين محفلاً روحانياً مركزياً كانت قائمة في ذلك التاريخ.
شرّف الأعضاء التّسعة لبيت العدل الأعظم الاحتفال بحضورهم جميعاً فور انتخابهم، ذلك الاحتفال الفريد باليوبيل الأعظم الذي انعقد في لندن، بانجلترا، من 28 أبريل إلى 2 مايو 1963، حيث اجتمع فيه أكثر من ستّة آلاف من البهائيّين من جميع أنحاء العالم، وقُدِّم هؤلاء الأعضاء التسعة فردا فردا للمجتمعين بهذا الاحتفال العالمي العظيم، وبذلك «عرفهم عموم الجامعة البهائيّة بالعالم» كما وعد حضرة عبد البهاء في أحد ألواحه المباركة.
إن بيت العدل الأعظم الذي وصفه شوقي أفندي بأنّه «قمّة» النّظام الإداري البهائي، و«الملجأ الأخير لحضارة مترنّحة»، و«الأداة العليا لرابطة الشعوب (Commonwealth) البهائية»، لا يمكن اعتباره هيئة شورى فحسب، لأنّه يمتاز بالوعود التي أكدها له بهاء الله وعبد البهاء بكونه محطّ إلهام ومشمولاً بالعصمة والصواب. ويتأكّد ذلك الامتياز عندما يؤخذ في الاعتبار المهام والمسئوليّات التي أنيط به. إن وجود هيئة على رأس الدّين تستطيع التشريع في الأمور التي لم ينصص عليها المشرّع ثم تستطيع تعديل أو نسخ ما قامت به من تشريع في زمن لاحق، هو أمر يضفي على دورة بهاء الله برمتها المرونة التي لم تر الأديان السابقة شبهها. إن بيت العدل الأعظم جزء لا يتجزأ من «أساس ثابت راسخ متين لا تزعزعه أرياح العالم ولا إشارات الأمم» وضعت يد القدرة أمـر بهاء الله عليه، والمنارة الممتد نورها مدى الزّمان بعد صعود شوقي أفندي ليجعل يوم الله هذا، يوم ظهور بهاء الله، «لن يعقبه الليل».
وقد برهنت تلك الهيئة الجليلة، بيت العدل الأعظم، منذ اللحظة الأولى من تأسيسها، على قدرتها على القيام بالمهام والمسئوليّات المنتظرة منها. فتوالت المشاريع العالميّة النطاق منذ 1964، وهي مشاريع تهدف إلى مواصلة تحقيق مقاصد الخطة الإلهيّة لعبد البهاء؛ ونُشِرَ كتاب الأقدس؛ وتُرْجِمَت وطُبِعَت وانتشَرَت الآثار المقدّسة لبهاء الله والباب وعبد البهاء وشوقي أفندي؛ وطبقت قوانين وأحكام من كتاب الأقدس على نطاق العالم البهائي بأجمله؛ وتأسّس الأمر الإلهي في البقيّة الباقية من أقطار العالم؛ وارتفع عدد الهيئات الإداريّة المركزيّة إلى أكثر من ثلاثة أضعاف ما كانت عليه يوم تأسيس بيت العدل الأعظم؛ وخرج الدّين البهائي من طور المجهوليّة إلى عرصة المشاهدة والظهور؛ واكتسب الترابط المتين الذي نسج شوقي أفندي المجتمع البهائي العالمي عليه عند وفاته في 1957 – اكتسب حيويّة وقوة لم تزل في تطوّر ورقيّ مستمرين؛ وانتشرت في العالم البهائي مناهج التعلّم والتكوين الهادفة إلى تمهيد الطريق لدخول أعداد متزايدة من أهل العالم إلى حظيرة دين الله؛ وتبلورت وتوحّدت الرؤى لدى المؤمنين بدين بهاء الله وتركّزت جهودهم بفضل مراسلات وتوضيحات بيت العدل الأعظم المنهمرة من جبل الربّ.
أما على الصعيد الدّولي، فقد قام بيت العدل الأعظم بتقوية الروابط التي كان قد بعثها شوقي أفندي مع هيئة الأمم المتّحدة ووكالاتها المختلفة، وعزّز مشاركة البهائيّين في أنشطة هيئة الأمم المتّحدة الاجتماعيّة والاقتصاديّة، وأعدّ لمشاركة المجتمع العالمي البهائي الفعّالة في القمم الأمميّة والمؤتمرات العالميّة التي نظمتها هيئة الأمم المتّحدة وبالذات في قمة الأرض والقمّة الألفيّة والذكرى الخمسين لتأسيس هيئة الأمم المتّحدة، وتوجّه بيت العدل الأعظم إلى ملوك ورؤساء العالم لافتا انتباههم إلى ما دعاهم إليه بهاء الله أن يتفقوا فيما بينهم ويؤسّسوا السلام العام في العالم، ودعا قادة الأديان إلى تدبّر مسئولياتهم الوجدانيّة الجسيمة نحو إرساء روح الألفة والمحبّة بين الجاليات الدّينيّة المختلفة التي تتطلع إليهم وتهتدي بتوجيهاتهم، على أساس أن دين الله واحد والجنس البشري واحد.
ودأب بيت العدل الأعظم على تشجيع البهائيّين على بعث المشاريع الاجتماعيّة والاقتصاديّة والتربويّة والزراعيّة والهادفة إلى المحافظة على البيئة، وذلك في المجتمعات الأقل نموّاً في العالم، وعلى مشاركة المجتمع المدني بالعالم في مجهوده ونشاطه كلّما وأينما كان متفقاً مع المبادئ البهائيّة.
وإنه لمن دواعي سروري أن أساهم بترجمة هذه المجموعة من النصوص البهائية حيث إنها تتناول هذه المؤسسة الخطيرة الفريدة التي لا مثيل لها في تاريخ الديانات السماوية – بيت العدل الأعظم – إلى لغة الضاد لتنقل إلى قراء العربية زادا روحيا وفكريا لم يكن متيسرا من قبل.
ولم يكن من الممكن لي أن أقوم بهذا العمل المتواضع – الذي يفسح المجال للمزيد من التحسين على يد من هم أقدر منّي من المترجمين في المستقبل – دون الاستعانة بالآراء السديدة التي تفضل عليّ بها السيد جمال حسن لمساعدته الثمينة في تنقيح الكثير من الجمل والكلمات، والأستاذ عبد العزيز الهادي لمراجعته للترجمة ونصائحه الثمينة، والسيّد عبد الحسين فكري لما قدّمه من دعم، مما سمح بإخراج هذا العمل في نهاية المطاف بكيفية أرجو أن تكون لائقة.
روشن مصطفى1. قد رجعت الاوقاف المختصّة للخيرات إلى الله مظهر الآيات ليس لاحد ان يتصرّف فيها الاّ بعد اذن مطلع الوحي ومن بعده يرجع الحكم إلى الاغصان ومن بعدهم إلى بيت العدل ان تحقّق أمره في البلاد ليصرفوها في البقاع المرتفعة في هذا الأمر وفيما أمروا به من لدن مقتدر قدير. والاّ ترجع إلى اهل البهآء الّذين لا يتكلمون الاّ بعد اذنه ولا يحكمون الاّ بما حكم الله في هذا اللّوح اولئك اوليآء النّصر بين السموات والارضين. ليصرفوها فيما حدّد في الكتاب من لدن عزيز كريم.
(الكتاب الأقدس – فقرة 42)2. يا رجال العدل كونوا رعاة اغنام الله في مملكته واحفظوهم عن الذّئاب الّذين ظهروا بالاثواب كما تحفظون أبنآئكم كذلك ينصحكم الـنّاصح الأمين.
(الكتاب الأقدس – فقرة 52)3. إنّ أمور الملّة مَنوطةٌ برجال بيت العدل الإلهي أولئك أمنآء الله بين عباده ومطالع الأمر في بلاده.
يا حزب الله إنّ مربّي العالم هو العدل لأنّـه حائز للرّكنين المجازاة والمكافاة. وهذان الرّكنان هما الينبوعان لحياة أهل العالم. وحيث إنّ كلّ يوم يقتضي أمراً وكلّ حين يستدعي حكماً فلذلك ترجع الأمور إلى وزراء بيت العدل ليقرّروا ما يرونه موافقاً لمقتضى الوقت. والّذين يقومون على خدمة الأمر لوجه الله أولئك ملهمون بالإلهامات الغيبيّة الإلهيّة ويجب على الكلّ إطاعتهم. والأمور السّياسيّة كلُّها ترجع إلى بيت العدل. وأمّا العبادات فترجع إلى ما أنزله الله في الكتاب.
(لوح البشارات – البشارة الثّالثة عشرة)4. وما لم يكن منصوصاً من الحدود في الكتاب صراحة يجب على أمناء بيت العدل التّشاور فيه وإجرآء ما يستحسنونه. إنـّه يلهمهم ما يشاء وهو المدبّر العليم.
(كلمة الله في الورق الثامن من الفردوس الأعلى)5. نوصي رجال بيت العدل ونأمرهُمْ بحفظ العباد وصيانة الإماء والأطفال. ويجب أن يراعوا في جميع الأحوال مصالح العباد. طوبى لأمير أخذ يَدَ الأسير ولغنيٍّ توجّه إلى الفقير ولعادل أخذ حقّ المظلوم من الظّالم ولأمين عمل ما أمر به من لدن آمر قديمٍ.
(كلمة الله في الورق التّاسع من الفردوس الأعلى)6. إنّ الأساس الأعظم الذي أُنيطت به إدارة العالم الإنساني هو:
أوّلًا يجب على وزرآء بيت العدل أن يحقّقوا الصُّلح الأكبر حتّى يرتاح العالم ويتخلّص من المصاريف الباهظة. وهذا الأمر واجب وضروريٌّ لأنَّ الحرب والنّزاع هما أساس التعب والمشقَّةِ.
(لوح الدّنيا – مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله – ص106)
7. وفي أصول الأحكام الّتي سبق نزولها في الكتاب الأقدس وسائر الألواح قد أحيلت الأمور إلى الملوك والرّؤساء العادلين وأمناء بيت العدل. ويرى المنصفون والمتبصّرون بعد التّمعّن في ما ذُكِرَ إشْراقَ نـيّر العدل بالبصر والبصِيْرَة.
(لوح الدّنيا – مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله – ص110)
8. ولقد كتبنا بمحض الفضل والرّحمة لأمراء الأرض ووزرائها ما يضمن الحفظ والحراسة والأمن والأمان للعباد لعلّهم يظلّوا محفوظين من شرّ الظّالمين إنـّّه هو الحافظ النّاصر المعين.
ويجب على رجال بيت العدل الإلهي أن يجعلوا رائدهم في اللّيالي والأيّام ما أشرق من أفق سماء القلم الأعلى في تربية العباد وتعمير البلاد وحفظ النّفوس وصيانة النّاموس.
(لوح الإشراقات – مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله – ص 23)
9. إنّ دين الله ومذهبه قد نُزِّل وظهر من سماء مشيئة مالك القدم لمحض اتّحاد أهل العالم واتّفاقهم فلا تجعلوه سبب الاختلاف والنّفاق. ولم يزل الدّين الإلهي والشّريعة الربّانيّة السّبب الأعظم والوسيلة الكبرى لظهور نيّر الاتّحاد وإشراقه. ونموّ العالم وتربية الأمم واطمئنان العباد وراحة من في البلاد منوط بالأصول والأحكام الإلهيّة. فهي السّبب الأعظم لهذه العطيّة الكبرى تهب كأس البقاء وتعطي الحياة الخالدة وتمنح النّعمة السّرمديّة. فليبذل رؤساء الأرض وعلى الخصوص أمناء بيت العدل الإلهي الجهد الجهيد لصيانة هذا المقام ويعملوا على إعلائه وحفظه. وكذلك يجب عليهم تفقّد أحوال الرّعيّة والاطّلاع على أعمال كلّ حزب من الأحزاب وأحوالهم. نطلب من مظاهر القدرة الإلهيّة أعني الملوك والرّؤساء أن يبذلوا الهمّة عسى أن يرتفع الخلاف من بين البريـّّة ويستنير الآفاق بنور الاتّفاق.
(مجموعة من ألواح حضرة بهاء الله – الإشراق التّاسع– ص 28و29)
2. من آثار حضرة عبد البهاء1. إنّ عبد البهاء في طوفان الخطر ويمقت بشدة اختلاف الآراء.... الحمد لله ليست هناك أسباب للاختلاف.
حضرة الأعلى هو صبح الحقيقة قد أضاء إشراق نوره جميع الأرجاء. وهو أيضا المبشّر بالنيّر الأعظم الأبهى. الجمال المبارك هو الموعود في جميع الكتب والصحف والزبر والألواح والظهور المتجلّي في السّدرة المشتعلة في طور سيناء. كلّنا، أفراداً وجماعات، خدمة عتبتيهما ولدى بابيهما خاشعون...
المقصود هو هذا: أنّه قبل انقضاء ألف سنة، ليس لأحد أن يتفوّه بكلمة، حتّى ولو ليدّعي مقام الولاية. الكتاب الأقدس هو مرجع جميع الأمم وفيه نزّلت الأحكام الإلهيّة. الأحكام غير المذكورة في الكتاب ترجع إلى قرار بيت العدل (الأعظم).
لن تكون هناك أسباب للخلاف. ومن يتـعدّ بعد ذلك فأولئك هم الناعقون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الأعداء المبغضون. حذار حذار من أن تقوم نفس بافتعال انشقاق أو إثارة فتنة. إذا ما حصل اختلاف في الآراء فإنّ بيت العدل الأعظم يحلّ تلك المشاكل فوراً، وما يقرره بأغلبيّة الأصوات هو عين الحقيقة. لأنّ بيت العدل الأعظم تحت حماية وعصمة وصون سلطان الأحديّة. سوف يحفظه من الخطأ ويحميه في ظلّ جناح قدسيّته وعصمته. من يخالفه يكون مردوداً وفي العاقبة مقهوراً.
يُنتخب بيت العدل الأعظم طبقاًً للترتيب والنّظام المتّبع في انتخاب البرلمانات الأوربيّة. ولمّا تهتدي البلدان، تقوم بيوت عدل تلك البلاد المختلفة بانتخاب بيت العدل الأعظم. في أيّ وقت يقوم جميع الأحبّاء في كل الدّيار بتعيين وكلاء لهم، الّذين ينتخبون بدورهم ممثلين عنهم. هؤلاء الممثلون ينتخبون هيئة، تلك الهيئة هي بيت العدل الأعظم.
إنّ تأسيس ذلك البيت غير مشروط بإيمان جميع دول العالم. مثلاً، إذا سمحت الظروف ولن يحصل أيّ اضطراب، يقوم الأحبّاء في إيران بانتخاب ممثلين عنهم، كذلك أحبّاء أمريكا والهند ومناطق أخرى ينتخبون أيضا ممثلين، الّذين ينتخبون بدورهم بيت عدل. ذلك البيت هو بيت العدل الأعظم. والسلام.
(مكاتيب عبد البهاء – الجزء الثالث – ص 500/501 مترجم عن الفارسيّة، الخطوط العريضة أصلها عربي)
2. لهذا فإنّ المسائل الكلّيّة التي تكوّن أساس الشّريعة الإلهيّة منصوص عنها، أمّا القوانين الفرعيّة فترجع إلى بيت العدل. والحكمة في هذا هو أنّ الزّمان لا يستمر على نفس المنوال، فالتّغيير والتّبديل من لوازم الإمكان والزّمان والمكان. لهذا يتخذ بيت العدل الإجراء بمقتضاه.
لا مجال للظّنّ بأنّ بيت العدل سوف يتّخذ أيّ قرار تبعاً لرأيه أو فكره، استغفر الله، إن قرارات وأحكام بيت العدل الأعظم تجري بإلهام وتأييد روح القدس، لأنّه في حصن وحماية وصيانة جمال القدم، وإتباع قراراته فرض مسلّم وواجب محتّم ولا مفرّ لأيّ نفس كانت من ذلك أبداً.
قل يا قوم إنّ بيت العدل الأعظم تحت جناح ربّكم الرّحمن الرّحيم، أي صونه وحمايته وحفظه وكلائته، لأنّه أمر المؤمنين الموقنين بإطاعة تلك العصبة الطيّبة الطّاهرة، والثــّلةِ المقدّسة القاهرة، فسلطتها ملكوتيّة رحمانيّة وأحكامها إلهاميّة روحانيّة.
بالاختصار هذا هو المقصود من الحكمة في إرجاع أحكام المجتمع إلى بيت العدل. فشريعة الفرقان أيضا لم تنصص على جميع الأحكام، كلاّ، ولا عُشر عُشر المعشار منها كان منصوصا. ومع أنّ كلّ المسائل المهمّة كانت مذكورة بالذّات، لكن لاشكّ أنّه كان هناك آلاف الأحكام التي لم يأت ذكرها، فقام علماء العصور التّالية باستنباطها من قواعد الشّريعة، وجاء أفراد منهم باستنتاجات متضاربة من الأوامر المنزّلة الأصليّة، وقد طُبِّقَت جميعها. اليوم عمليّة الاستنباط هذه ترجع إلى بيت العدل، ولا يُعْتَمَد على ما يستنبطه أو يستنتجه العلماء إلاّ إذا صادق عليه بيت العدل. الفرق هو هذا: أنّه لن يحصل اختلاف ممّا تستنتجه وتصدّق عليه هيئة بيت العدل الذي انتخب أعضاؤه وعرفهم عموم الجامعة البهائيّة بالعالم، بينما ما يستنتجه أفراد العلماء والحكماء يكون حتماً باعثاً للتّفرقة والتّشتّت والتّبديد، وسبب اضمحلال وحدة كلمة دين الله وتزلزل بنيان شريعة الله.
(مترجم من كتاب «رحيق مختوم»– مجلد 1 ص 1/372، الخطوط العريضة أصلها عربي)
3. خلاصة القول هو أنّه قبل انتهاء ألف سنة ليس لأحد أن يتنفّس بكلمة. فليعتبر الكلّ أنفسهم من الرّعيّة الخاضعة المطيعة لأوامر الله وأحكام بيت العدل. مَنْ يحيد ولو بقدر رأس إبرة عن حكم بيت العدل العمومي أو يتردّد في الإذعان له يكون مردوداً ومطرودا.
(مترجم من منتخباتي از مكاتيب حضرت عبد البهاء – الجزء الأول – ص 65 الفقرة 33)
4. وأمّا بيت العدل بنصوص قاطعة في شريعة الله اخْتُصَّ بالرّجال حكمةً من عند الله وسَيُظْهِرُ هذه الحكمة كظهور الشّمس في رابعة النّهار.
(من مكاتيب عبد البهاء – طبعة البرازيل 139 بديع – ص 130)
5. الحمد لله جميع تلك الأبواب مسدودة في الأمر المبارك. لأنّه قد تعيّن مرجع مخصوص – مرجع يحلّ جميع المشاكل ويدفع أذى كلّ الخلافات. كذلك بيت العدل العمومي فانه يحل جميع المشاكل، وكلّ ما يقضي به بيت العدل هو المقبول، وكلّ نفس تخالف تكون مردودة. ولكن لم يتأسّس بعد بيت العدل المشرّع للقوانين.
هكذا يشاهد أنّه لم تترك أسباب للخلاف، لكن الهواجس النفسانيّة هي سبب الاختلاف كما هو الحال مع الناقضين. لا يوجد عند الناقضين شكّ في الميثاق ولكن الأغراض النّفسانيّة جرّتهم إلى هذا الحال. لا لأنّهم لا يعرفون ما يعملون – إنّهم يعلمون جيّداً، ومع ذلك يظهرون الاعتراض.
(مترجم – من مكاتيب عبد البهاء – طبعة البرازيل 139 بديع – ص 243)
6. والفرع المقدّس – أيّ وليّ أمر الله – وبيت العدل العمومي الذي يُؤسّس ويُشكّل بانتخاب العموم، كلاهما تحت حفظ وحماية الجمال الأبهى وحراسة العصمة الفائضة من حضرة الأعلى، روحي لهما الفداء، كلّ ما يقرّرانه من عند الله. من خالفه وخالفهم فقد خالف الله، ومن عصاهم فقد عصى الله، ومن عارضه فقد عارض الله، ومن نازعهم فقد نازع الله، ومن جادله فقد جادل الله، ومن جحده فقد جحد الله، ومن أنكره فقد أنكر الله، ومن انحاز وافترق واعتزل عنه، فقد اعتزل واجتنب وابتعد عن الله، عليه غضب الله، عليه قهر الله وعليه نقمة الله. إنّه بإطاعة من هو وليّ أمر الله يبقى حصن أمر الله المتين محفوظًا ومصونًا، فيجب على أعضاء بيت العدل وجميع الأغصان والأفنان وأيادي أمر الله كمال الطّاعة والتمكين والانقياد والتّوجّه والخضوع والخشوع لوليّ أمر الله.
(ألواح وصايا حضرة عبد البهاء – الترجمة العربيّة – طبعة مصر 104 ب – 1948م – ص 11 و12)
7. أمّا بيت العدل الذي جعله الله مصدر كلّ خير ومصونًا من كلّ خطأ، فيجب أن يُنتخب انتخابًا عامًّا وأن يشكّل من النّفوس المؤمنة، ويجب أن يكون أعضاؤه مظاهر تقوى الله ومطالع العلم والنّهى ومن الثابتين في دين الله والمحبّين لخير جميع نوع الإنسان. والمقصود ببيت العدل هو بيت العدل العمومي. والمقصود هو أن يُشكّل في جميع البلاد بيوت عدل خصوصيّة وهذه تَنْتَخِب بيت العدل العمومي. وهذا المجمع هو مرجع كلّ الأمور ومؤسّس القوانين والأحكام التي لم ترد في النّصوص الإلهيّة. وفي هذا المجلس تُحَلُّ جميع المسائل المشكلة. ووليّ أمر الله هو الرّئيس المقدّس لهذا المجلس والعضو الأعظم الممتاز الذي لا ينعزل. وإذا لم يحضر بذاته الاجتماعات فيختار نائباً ووكيلاً عنه. وإذا اقترف أحد الأعضاء ذنباً يلحق ضرّه العموم، فأمر إخراجه لوليّ أمر الله خاصة، وأمّا انتخاب غيره فمن حقّ الأمّة. وبيت العدل هذا هو مصدر التّشريع، والحكومة هي القوّة التّنفيذيّة. والتّشريع يجب أن يكون مؤيّداً بالتنفيذ، والتنفيذ يجب أن يكون ظهيراً ومعيناً للتّشريع، حتّى يحصل من ارتباط هاتين القوّتين والتئامهما متانة ورزانة دعائم العدل والإنصاف، فتصير الأقاليم جنّة نعيم وفردوساً أعلى.
(ألواح وصايا حضرة عبد البهاء – الترجمة العربيّة – طبعة مصر 104 ب – 1948م – ص 15)
8. فأساس عقائد أهل البهاء، روحي لهم الفداء، هو: أنّ حضرة الربّ الأعلى مظهر الوحدانيّة والفردانية الإلهيّة ومبشّر جمال القدم؛ وحضرة جمال الأبهى، روحي لأحبّائه الثابتين فداء، المظهر الكلّي الإلهي ومطلع الحقيقة المقدّسة الربّانيّة، وما دون – كلّ عباد له وكلّ بأمره يعملون. ومرجع الكلّ – الكتاب الأقدس – وكلّ مسألة غير منصوصة ترجع إلى بيت العدل العمومي، وكلّ ما يقرّره بيت العدل بالاتّفاق أو بأكثرية الآراء هو حقّ وهو مراد الله. مَن تجاوز عنه فهو ممّن أحبّ الشقاق وأظهر الـنّفاق وأعرض عن ربّ الميثاق. والمراد هو بيت العدل العمومي الذي يُنتخب من جميع البلاد، بمعنى أنّ أحبّاء الشرق والغرب الموجودين ينتخبون الأعضاء بقاعدة الانتخاب المصطلح عليها في بلاد الغرب كالإنجليز. ويجتمع هؤلاء الأعضاء في مكان ويتذاكرون في كلّ ما وقع فيه الاختلاف أو في المسائل المبهمة أو في المسائل الغير المنصوصة. وكلّ ما يقرّرونه هو كالنص. وحيث أنّ بيت العدل هو واضع قوانين المعاملات الغير المنصوصة فهو أيضا يستطيع نسخ تلك القوانين – يعني أنّ بيت العدل يضع اليوم قانونًا في مسألة ويُعمل به، ولكن بعد مائة سنة يحصل تغيير كلّي في الحالة العموميّة ويحصل اختلاف في الأزمان، فيستطيع بيت العدل الثاني أن يبدّل تلك المسألة القانونيّة حسب اقتضاء الزّمان، لأنّـها لم تكن نصًّا صريحًا إلهيَّا. فالواضع هو بيت العدل والنّاسخ أيضا هو بيت العدل.
(ألواح وصايا حضرة عبد البهاء – الترجمة العربيّة – طبعة مصر 104 ب – 1948م – ص 19 و20)
9. ...فليس لنفس حقّ في رأي واعتقاد مخصوص، بل الكلّ يقتبس من مركز الأمر وبيت العدل – وما عداهما، كلّ مخالف في ضلال مبين وعليكم البهاء الأبهى.
(ختام ألواح وصايا حضرة عبد البهاء)10. وخلاصة القول: إنّ العصمة الذّاتيّة محصورة في المظاهر الكلّيّة والعصمة الصفاتيّة موهوبة لكلّ نفس مقدّسة. مثلاً: لو يتشكّل بيت الـعدل الـعمومي بالشرائط الّلازمة، أيّ بانتخاب جميع الملّة، فإنّه يكون تحت عصمة الحقّ وحمايته. وكلّ ما لم ينصص عليه في الكتاب ويقرّره بيت العدل باتّفاق الآراء أو الأكثرية، فإنّ ذلك القرار والحكم يكون محفوظاً من الخطأ. والحال أنّه ليس لكلّ فرد من أعضاء بيت العدل العصمة الذّاتيّة. ولكن هيئة بيت العدل تحت حماية الحقّ وعصمته. وهذه تسمّى بالعصمة الموهوبة.
(النور الأبهى في مفاوضات عبد البهاء – طبعة مصر – سنة 1928 ص 153)
11. لقد أمر حضرته (أي حضرة بهاء الله) بتأسيس بيت العدل الذي يجمع بين المهمّة السياسيّة والمهمّة الدّينيّة، أيّ كامل الوحدة والاندماج بين السّلطة الدّينيّة والدّولة. هذه المؤسّسة هي تحت حفظ وحماية حضرة بهاء الله نفسه. وسوف يقام أيضا بيت عدل عالمي، أو عموميّ، قراراته تكون وفقاً لأوامر وتعاليم حضرة بهاء الله، وما يقرّره بيت العدل الأعظم يكون مُطَاَعاً من كامل الجنس البشري. وبيت العدل العمومي هذا سوف يوجد ويُنتخب من قِبَلِ بيوت العدل بالعالم أجمع، وكلّ العالم سيأتي تحت إدارته.
(من خطاب لحضرة عبد البهاء بالولايات المتحدة وكندا سنة 1912)
3. من توقيعات حضرة شوقي أفندي1. أمّا فيما يخصّ ترتيب أمور الأحبّاء الرّوحانية وتسييرها، فأهمّ شيء الآن هو تقوية أسس المحافل المقدّسة الرّوحانية في كل مركز، لأنّه على هذا الأساس المحكم المتين سوف يستوي بيت العدل الأعظم الإلهي ويستقرّ في مستقبل الأيّام. وعندما يرتفع هذا البنيان الأعظم على ذلك الأساس الأقْوَم، تنكشف وتظهر بالتّدريج النّوايا المقدّسة الإلهيّة والحِكَم والمعاني الكلّيـّّة والرّموز والحقائق الملكوتيّة، وهي الهامات غيبيّة من ودائع أمر حضرة بهاء الله في ألواح وصايا حضرة عبد البهاء المباركة.
(من توقيع إلى أحبّاء الشرق بتاريخ 19 ديسمبر 1922 – مترجم عن الفارسيّة)
2. عندما تعمل هذه المحافل المحلية منها والمركزية، بكامل الانسجام والهمّة والفعالية في جميع أنحاء العالم البهائي، تكون قد توفّرت الوسيلة الوحيدة لتأسيس بيت العدل الأعظم. وعندما تتأسّس هذه الهيئة العليا فإنّها سوف تنظر إلى الوضع برمته من جديد وتضع المبدأ الذي سوف تدار به شؤون أمر الله على المدى الذي تراه ملائما.
(من توقيع مؤرخ 12 مارس 1923م – مترجم عن الإنجليزية)
3. إنّ مولانا المحبوب في ألواح وصاياه المباركة؛ لا يدعونا فحسب إلى تبنّي نظم حضرة بهاء الله العالمي الجديد بدون تحفّظ، بل أيضاً كشف النقاب عن أهليّته لجميع أهل العالم. إنّه لسابق لأوانه وجرأة مفتعلة من طرفنا أن نحاول تقدير قيمتها كاملاً، أو نقف على دقيق معانيها في غضون مدّة قصيرة كهذه من الزّمن منذ استهلالها. لكي نحصل على فهم أكثر وضوحا وشموليّة لما تقدّمه وتتضمّنه (ألواح الوصايا) علينا أن نعتمد على الزمن وهداية بيت العدل الأعظم الإلهي.
(من توقيع بتاريخ 23 فبراير 1924 – مترجم عن الإنجليزيّة)
4. إنّ المقصود من التأكيدات المتتابعة المركّزة الدّاعية إلى تقوية تلك المحافل الرّوحانية وتدعيمها، هو هذا: أن يزداد أساس أمر الله اتساعاً واستحكاماً يوماً بعد يوم، وأن لا يطرأ أبداً أيّ خلل على النّظام الإلهي، وأن تقام روابط جديدة ومتينة بين الشرق والغرب، وأن تحفظ وحدة أمر الله وتستنير بجماله البديع أنظار أهل العالم، فتـقوم وتستـقرّ على تلك المحافل بيوت عدل إلهيّة، ويرتفع على بيوت العدل الخصوصيّة هذه، قَصْرُ بيت العدل العمومي الـمَشِـيد على أحسن نظام وترتيب وكمال وجلال، دون تعويق أو تأخير. ولمّا يظهر بيت العدل العمومي من حيّز الآمال إلى حيّز العمل والشهود ويرتفع صيته ويشتهر في كلّ الأكناف والأقاليم، تقوم تلك الهيئة المجلّلة، المستفيضة والمستمدّة السند من الإلهامات الإلهيّة، بوضع وتنفيذ مشروعات متقنة والإقدام على أنشطة عالميّة وإقامة المؤسّسات الباهرة وهي راكزة مرتكزة على الأساس المتين الرّزين لكامل الجامعة البهائيّة في الشرق والغرب. بهذه الكيفيّة يحيط العالم صيت أمر الله ويضيء نوره الأرض كلّها.
(من توقيع مؤرخ 1924 «إلى كافة البهائيين في العالم شرقًا وغربًا»– مترجم عن الفارسيّة)
5. إنّ هذه المحافل الرّوحانية تأسّست أوّلاً لمحض إجراء تلك الأمور، وثانياً بقصد تهيئة التمهيدات الكاملة المتقنة لتأسيس بيت العدل العمومي الإلهي. وعندما يتأسّس ذلك المحور المركزي لأهل البهاء بنهاية الجلال والإتقان، يشرق عصر جديد وتنهمر من ذلك المنبع النّعم والألطاف السماويّة وتتحقّق الوعود الكلّيّة.
(من توقيع بتاريخ 30 أكتوبر 1924 إلى محفل روحاني طهران، مترجم عن الفارسيّة)
6. فيما يخص المنهج الذي يجب إتّباعه لانتخاب المحافل الرّوحانية المركزيّة، فإنّه لمن الواضح أن نصوص ألواح وصايا محبوبنا عبد البهاء لا تعطينا أيّة إشارة حول الطّريقة التي تنتخب بها تلك المحافل. ولكن في إحدى ألواحه الأولى التي أرسلها حضرته إلى أحد المؤمنين في إيران، يتفضل بهذا التوضيح الجليّ بقوله:
«في أيّ وقت يقوم جميع الأحبّاء في كل الدّيار بتعيين وكلاء لهم، الذين ينتخبون بدورهم ممثلين عنهم، هؤلاء الممثلون ينتخبون هيئة، تلك الهيئة هي بيت العدل الأعظم.»
هذه الكلمات تشير بوضوح إلى أن حضرة عبد البهاء حدّد عمليّة الانتخاب لتشكيل بيت العدل الأعظم في ثلاث مراحل، وبما أنّ حضرته قد اشترط بكل دقة في ألواح وصاياه أنّ «بيوت العدل الخصوصيّة (أيّ المحافل المركزيّة) هي التي يجب عليها انتخاب أعضاء بيت العدل العمومي»، يكون من الواضح أن انتخاب أعضاء المحافل الرّوحانية المركزيّة من قِبـَلِ جمع المؤمنين في كلّ إقليم، لابد وأن يكون بطريقة غير مباشرة. وعلى ضوء هذه التعليمات المتتامّة فإن المبدأ الذي أشير إليه في رسالتي بتاريخ 12 مارس 1923 يصبح ثابتاً، وهو أن يقوم أحبّاء الله في كل قطر بانتخاب عدد من الوكلاء الّذين بدورهم ينتخبون ممثليهم بالهيئة المركزيّة (بيت العدل الخصوصي أو المحفل الرّوحاني المركزي)، ويكون لهؤلاء المسؤوليّة المقدّسة والامتياز الفريد لانتخاب بيت العدل الأعظم الإلهي في ميقاته.
(من توقيع بتاريخ 12 مايو 1925 – مترجما عن الإنجليزيّة عدى نصّ حضرة عبد البهاء مترجم عن الفارسيّة)
7. يجب أن يكون واضحاً كلّ الوضوح أن بيوت العدل المحلّيّة والعالميّة قد نصّ عليها كتاب الأقدس بالذّات؛ وأن مؤسّسة المحفل الرّوحاني المركزي، وهي هيئة وسط أشير إليها في ألواح الوصايا «ببيوت العدل الخصوصيّة»، قد أقرّها حضرة عبد البهاء بالذّات، وحدّد بنفسه، في ألواح وصاياه وفي عدد من ألواحه الأخرى، الطّريقة التي يجب إتباعها في انتخاب بيت العدل العالمي وبيوت العدل المركزيّة. وفضلاً عن ذلك فإنّ صناديق التبرّع المحليّة والمركزيّة، وهي التي أصبحت الآن من الملحقات الضروريّة لجميع المحافل الرّوحانية المحليّة والمركزيّة، لم ينصّ عليها حضرة عبد البهاء في ألواحه المباركة التي أرسلها إلى أحبّاء الشرق فحسب، بل كثيراً ما أكّد على أهميّتها وضرورتها في خطاباته وكتاباته. وقد واظب حضرته على أن يغرس في النفوس بالمثابرة والتدريج، كما تشهد بذلك ألواحه الموثقة والواسعة الانتشار: مبدأ تركيز السّلطة في أيدي ممثّلي المؤمنين المنتخبين؛ وضرورة امتثال كل المؤمنين إلى القرار الصادر من المحافل الرّوحانية؛ وتفضيله للإجماع عند اتخاذ القرارات؛ ونفوذ القرارات التي تتخذ بأغلبيّة الأصوات؛ وأيضاً أهميّة الإشراف الوثيق للمحافل البهائيّة على المطبوعات البهائيّة. أن نقبل تعاليمه الرّحبة الآفاق والإنسانيّة من جهة ونرفض بإهمال ولامبالاة أوامره الأكثر تحديّاً وتمييزاً من جهة أخرى؛ فان ذلك يكون بمثابة انحراف واضح عن أعظم ما اعتزّ به حضرته في حياته.
وقد أكّد حضرة عبد البهاء بنفسه مرارا وتكرارا أنّ المحافل الرّوحانية الموجودة حاليا سوف تُستبدل ببيوت عدل في المستقبل، وأن تلك الهيئات سوف تكون متطابقة من حيث جوهرها وعملها ولن تكون هيئات منفصلة. إذ تفضّل حضرته وأشار في لوح أرسله إلى أعضاء أول محفل روحاني بشيكاغو – وهو أوّل هيئة بهائية منتخبة تأسّست بالولايات المتّحدة – بأنهم أعضاء «بيت عدل» تلك المدينة، بذلك يكون قد أثبت حضرته بنص قلمه، وبلا أدنى شكّ، أن المحافل الرّوحانية البهائيّة الحاليـة هي نفسها بيوت العدل التي أشار إليها حضرة بهاء الله. ولأسباب ليست بعيدة عن الإدراك، بات من المستحسن مؤقتاً، تسمية الممثلين المنتخَبين عن المجتمعات البهائيّة بكامل أنحاء العالم «بالمحافل الرّوحانية»، وهي تسمية سوف تحلّ محلّها تدريجيّاً التسمية الدّائمة والأكثر ملائمة، ألا وهي بيت العدل، بعدما يزداد التقدير لمقام الدّين البهائي ومقاصده ويحظى باعتراف أوسع. لن يكون إبداع المحافل الرّوحانية القائمة اليوم مختلفاً قي المستقبل فحسب، بل سوف يضاف إلى مهامهـا الحاليـّة، تلك السّلطات والمسؤوليّات والامتيازات التي يتطلبها الاعتراف بأمر حضرة بهاء الله، لا كمجرد واحد من الأنظمة الدّينيّة المعترف بها بالعالم، بل كالدّين الرّسمي لدولة مستقلة ذات سيادة وسلطان. ومع نفوذ أمر حضرة بهاء الله بين جماهير الشرق والغرب، وإيمان غالبيّة شعوب عدد من دول العالم المستقلّة به، عندئذ يبلغ بيت العدل الأعظم أوج سلطانه، ويمارس، بوصفه الهيئة العليا لرابطة شعوب العالم البهائي، كامل الحقوق والواجبات والمسئوليات اللاّزمة لقيام دولة العالم العليا(1) المستقبليَّة.
ولكن لابدّ من الإشارة في هذا الخصوص، إلى أنّه على عكس ما تردّد سابقا ً، فإنّ تأسيس بيت العدل الأعظم لا يتوقّف بتاتاً على اعتناق جماهير شعوب العالم لأمر الله، ولا يفترض أيضًا أن يقبله غالبية سكّان أيّ بلد من بلدان العالم. لقد توقّع حضرة عبد البهاء بنفسه، في أحد ألواحه المباركة الأولى، إمكانية تأسيس بيت العدل الأعظم في أثناء حياته؛ ولولا الظّروف غير الملائمة التي كانت قائمة تحت الحكم التركيّ آنذاك، لاتـّّخذ حضرته، على الأرجح، الخطوات الأولى لتأسيسه. وهكذا يصبح من الواضح أنّه لو توفّرت الظروف الملائمة للبهائيين في إيران وفي البلدان المجاورة الواقعة تحت الحكم السوفيتّي، من انتخاب ممثليهم للهيئة المركزيّة طبقاً للتوجيهات التي وردت في آثار حضرة عبد البهاء، يكون قد أزيلت آخر عقبة في طريق تأسيس بيت العدل العمومي. إذ إنّه على عاتق بيوت العدل المركزية في شرق العالم وغربه يقع انتخاب أعضاء بيت العدل العمومي انتخاباً مباشراً، وذلك طبقاً للنّصوص الصريحة الواردة بالوصيّة المباركة. إلى أن تُمثِّّل بيوت العدل المركزيّة جمهور المؤمنين ببلدانهم حقّ التمثيل، وإلى أن تحصل على الخبرة اللاّزمة والمكانة المرموقة التي سوف تمكّنها من أداء وظيفتها بكلّ همّة ونشاط في الحياة العضويّة لأمر الله، لن تتمكّن من القيام بواجبها المقدس وإعداد القاعدة الرّوحيّة اللاّزمة لتأسيس هيئة – بمثل هذا الجلال – بالعالم البهائي.
يجب أيضاً أن يكون مفهوماً بكلّ وضوح لدى كل فرد من أفراد المؤمنين، أن مؤسّسة ولاية الأمر لا تلغي بأيّ حال من الأحوال، ولا تنتقص بأيّة درجة مهما كانت ضئيلة، أيّا من السّلطات التي منحها حضرة بهاء الله إلى بيت العدل الأعظم في كتابه الأقدس، وهو ما أكّد عليه مرارًا وبإجلال حضرة عبد البهاء في ألواح وصاياه المباركة. إنّها (مؤسّسة ولاية الأمر) لا تشكّل بأيّ وجه من الوجوه أيّ تناقض مع وصيّة حضرة بهاء الله وآثاره المباركة، ولا تبطل أيّا من أوامره المنزّلة. إنّّ مؤسّسة ولاية الأمر تعزّز من هيبة بيت العدل الأعظم وترسّخ مقامه الأسمى، وتصون وحدته، وتكفل استمراريّة مجهوداته، دون أدنى انتهاك لحرمة مجال اختصاصه الذي تحدّدت معالمه بكلّ وضوح. إنّنا فعلاً نقف قريباً جدّاً من وثيقة (ألواح الوصايا) على هذا القدر الكبير من العظمة والأهميّة بحيث لا يمكننا أن ندّعي أنّنا فهمنا بصورة كاملة كلّ ما تتضمّنه من معان أو نفترض أنّنا أدركنا الأسرار الخفيّة العديدة التي لاشكّ موجودة فيها. إنّ الأجيال القادمة وحدها هي القادرة على فهم المعاني العظيمة المكنونة في هذه الرّائعة السّماويّة(2) التي أبدعها بـنّـاء العالم الماهر(3) من أجل توحيد ونصرة أمر حضرة بهاء الله العالمي النّطاق. إن الّذين سيأتون من بعدنا سيكونون في موقف يمكّنهم من إدراك قدر التأكيدات القويّة المذهلة الواردة في ألواح الوصايا عن أهميّة مؤسسة بيت العدل الأعظم وولاية الأمر...
(من توقيع بتاريخ 27 فبراير 1929 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
8. (عن قريب بحول الله ربّنا البهيّ الأبهى وطبقاً لما وصّانا وأخبرنا به مولانا ومحبوبنا عبد البهاء، روح الوجود لمرقده الفداء سينكشف النّقاب عن عروس الآمال القديمة لأهل البهاء وتخرج من خلوة الآمال إلى عالم الشّهود والبيان وتتجلّى بما يحيّر العقول في مجامع أهل الشرق والغرب وتظهر العزّة القديمة على رؤوس الأشهاد رغمًا لأنف كلّ حاسد لدود ومكذّب عنود) وتثبت وتستقرّ في كلّ إقليم بالتّدريج أعمدة المحافل المقدّسة المركزيّة لأهل البهاء على أسّ أساس المحافل الرّوحانية المحلّيّة المتين الرزين، وينتصب ويرتفع على هذه الأعمدة الجليلة قصر عدله الأعظم المشيد في قطب الإمكان. وتتحقّق وتتجسّم وحدة أهل البهاء على الأرض من أقصاها إلى أقصاها، وتنفّذ وتطبّق الأحكام المنصوصة في كتابه الأقدس المستطاب بأحسن ما يمكن في الإبداع، ويسري وتجري من معين نظم الله العالميّ، ماء الحيوان الكافل للحياة الأبدية والدّافع لمكاره وشرور العوالم التّرابيّة، والشّافي للأسقام والعلل المزمنة لكلّ أقوام وملل العالم المتباينة المتباغضة. فتزلزل السّلطة الظّاهرة للاسم الأعظم أركان الممالـك والبلدان وتنبّه وترعب البعض من علماء الرّسوم من كلّ فرقة وفي كلّ إقليم، وتشتّت وتُقهر وتُخذل وتمحو البعض الآخر (تالله الحقّ تأتيهم صواعق يوم القهر ثمّ هبوب أرياح كره عقيم).
(يا أعزّاء حضرة عبد البهاء، روحي لمحبتكم ووفائكم الفداء،) إنّ ما يعدُّ في هذه الأيّام من ألزم الـلّوازم لتقوية أساس الأمر الإلهي وارتفاع شأن ومنزلة الدّين السماويّ وترويج أحكام الشّريعة البهائيّة معلّق ومشروط على أمرين خطيرين، أولهما الإسراع في تهيئة موجبات تشكيل بيت العدل الأعظم الإلهي وثانيهما إتمام بناء مشرق أذكار أمريكا.
(توقيع بتاريخ 27 نوفمبر 1929 – مترجم عن الفارسيّة. ما بين قوسين () غير وارد في الإنجليزي. الخط العريض أصله عربي.)
9. ... حينئذ يستقرّ عرش حكومة البهاء في أرض الميعاد وينصّب ميزان العدل ويتموّج عَلَمُ الاستقلال وينشقّ حجاب السّتر عن وجه ناموسه الأعظم وتتدفّق أنهر السّنن والأحكام من بقعته المنوّرة البيضاء بغلبة وهيمنة لم ترَ شبْهها القرون الأوّلون. إذاً يظهر مصداق ما نزل من لسان الكبرياء بأن:
«يا كرمل بشّري صهيون(4) قولي أتى المكنون بسلطان غلب العالم وبنور ساطع به أشرقت الأرض ومن عليها...
«يا كرمل... طوبى لعبد طاف حولك وذكر ظهورك وبروزك وما فزت به من فضل الله ربّك...
«سوف تجري سفينة الله عليك ويظهر أهل البهاء الّذين ذكرهم في كتاب الأسماء»
.... بها تستحكم دعائم الأمر على وجه الغبراء. بها تظهر خفيّاته وتتجلّى آثاره وتتموّج راياته وتسطع أنواره على الخلائق أجمعين.
(من توقيع إلى أحبّاء الشرق بتاريخ 27 نوفمبر 1929– الأصل عربي)
10. إذ أن حضرة بهاء الله – كما يتعين علينا أن ندركه دونما تردد – لم يغمر الإنسانيّة بروح جديدة فحسب، ولم يعلن عن مبادئ عالمية فقط، أو قدّم فلسفة معيّنة – مهما بدت كلها مقنعة وسليمة وعالمية المدى. وإنّما إضافة إلى كلّ هذا وخلافا للدّورات السّابقة، قام حضرته، ومن بعده حضرة عبد البهاء، بالإعلان عن مجموعة من القوانين الواضحة الدّقيقة، وتعيين مؤسّسات محددة، وتوفير الوسائل الجوهريّة اللاّزمة لتدبير إلهي شامل(5). كلّ ذلك مقدّر له أن يكون نموذجا لمجتمع المستقبل، وأداة عليا لاستقرار الصّلح الأعظم، والواسطة الفريدة لتوحيد العالم والإعلان عن استتباب الصلاح والعدل على وجه البسيطة. لم يكشف حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء فقط عن كلّ التعليمات اللاّزمة لكي تتحقّق فعلاً تلك المثل العُلْيَا التي تنبّأ بها رسل الله السّابقون في رؤاهم، والتي أشعلت منذ القدم خيال العرفاء والشّعراء في كلّ زمان؛ لكنهما قاما أيضًا، وبلغة حاسمة جليّة، بتعيين هاتين المؤسّستين التوأمتين – بيت العـدل (الأعظم) وولاية الأمر، بكونهما وريثتيهمـا المختارتيْن، المقدّر لهما تطبيق المبادئ، ونشر الأوامر، وصيانة المؤسّسات، وتهيئة أمر الله بإخلاص وذكاء لاحتياجات مجتمع تقدّميّ، وبناء الميراث المنيع الذي تركه للعالم مؤسّسو هذا الدّين.
(من توقيع بتاريخ 28 نوفمبر 1931 مترجم عن الإنجليزية.)
11. (ويباشرون بكمال الهمّة والتوجّه والانقطاع، وبأسلوب بديع وحزم متين ليس له مثيل، منقطعين عن الجهات طالبين هدايته ومستمدين من فيوضاته ومتمسكين بحبل أحكامه وتعاليمه، انتخاب رجال بيت العدل الأعظم الإلهي من بين جمهور المؤمنين في الشرق والغرب والجنوب والشمال.)
عند ذلك تتحقّق آمالنا وتثمر شجرة مجهوداتنا وتتمكّن وصاياء محبوبنا ومولانا وتتجلّى خفيّات أمر ربـّنا وإلهنا، وتنكشف أمام أعيننا وأبصارنا فاتحة عصر لم تر شبهه القرون الأوّلون. هذا أعظم رجائي منكم وبلاغ منّي إليكم إن أنتم تقبلون.
(من توقيع إلى أحبّاء إيران مؤرخ 13 ديسمبر 1932 – ما بين قوسين() مترجم عن الفارسيّة وأضافه المترجم، الخط العريض أصله عربي)
12. على أثر إخوانهم الإيرانيين، الّذين نالوا إكليل الشّهادة خلال العصر البطوليّ لأمر الله، جاء الآن دور المؤمنين الأمريكان، طلائع عصره الذهبيّ، ليخلفوهم باستحقاق في حمل لواء نصر عزيز المنال. إن السجّل المتواصل لمآثرهم الباهرة قد برهن بدون أدنى شكّ، عن نصيبهم الأرجح في تقرير مصير أمرهم المحبوب. ففي عالم يتلوّى ألمـاً ويتدهور حاله إلى اضطراب كبير، نجح هذا المجتمع البهائي – طليعة القوى المحررة التي أطلقها حضرة بهاء الله – خلال السنوات التي تلت وفاة حضرة عبد البهاء، في إحكام بناء مؤسّسة تسمو على المؤسّسات التي شيدتها المجتمعات البهائيّة الشّقيقة في الشرق أو في الغرب والتي قد تشكل الدّعامة الرئيسية لبيت العدل الأعظم في المستقبل – بيت سوف تعتبره الأجيال القادمة الملجأ الأخير لحضارة مترنّحة.
(من توقيع بتاريخ 21 ابريل 1933 مترجم عن الإنجليزية.)
13. ففي ألواح حضرة بهاء الله التي عيّنت بالتحديد بيت العدل العالمي وبيوت العدل المحلية وأقامتها رسميّا؛ وفي مؤسّسة أيّادي أمر الله التي أماط اللّثام عنها أوّلاً حضرة بهاء الله ومن بعده حضرة عبد البهاء؛ وفي مؤسّستي المحافل المحلّيّة والمركزيّة التي بدأت تعمل وهي مازالت في مرحلة الجنين قبل صعود حضرة عبد البهاء؛ وفي السّلطة التي اختار مؤسّس أمر الله ومركز عهده أن يمنحاها في ألواحهما لهاتين المؤسّستين؛ وفي نظام صندوق الخيريّة المحلّي الذي تأسّس طبقاً لتعليمات حضرة عبد البهاء الدقيقة إلى بعض من المحافل المحلّيّة في إيران؛ وفي آيات الكتاب الأقدس المتضمّنة بوضوح قيام مؤسّسة ولاية الأمر؛ وفي الشرح الّذي أكّد حضرة عبد البهاء في أحد ألواحه مبدأ الوراثة وحق «البِكر بعد البِكر» كما أقرّه أنبياء الله السّابقون – في كلّ هذا يمكن لنا أن نتبيّن وميضاً لكفاءة ذلك النّظام الإداري ونكتشف الملامح الأوّليّة لصفاته الممتازة، وهو النظام الذي قدّر أن تعلن عنه وصية حضرة عبد البهاء في وقت لاحق وتقيمه رسميا.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
14. في عملهما المقترن مع بعضهما، تقوم هاتان المؤسّستان المتلازمتان (ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم) على إدارة شؤون أمر الله، وتنسيق أنشطته، وترويج مصالحه، وتطبيق أحكامه، وحماية مؤسّساته الفرعيّة. أمّا في مقام الانفصال، فكلّ منهما يعمل في دائرة اختصاص واضح ومحدّد، وكلّ منهما مجهّز بمؤسّسات ملازمة لها – أدوات مهيّأة لتمكينها من القيام بمسئولياتها وبمهامها الدّقيقة على أحسن وجه. وتمارس كلّ من هاتين المْؤسّستين سلطاتها ونفوذها وحقوقها وصلاحياتها في نطاق القيود المفروضة عليها، التي لا تتعارض فيما بينها ولا تنتقص أيّما قدر من المكانة التي تتبوأها كل واحدة منهما. إنّهما بعيدتان كلّ البعد عن أيّ تضارب أو تعارض، وتبْقَيَان مكملتين لسلطة ومهام بعضهما البعض، ومتحدتين في غاياتهما دائماً وأساساً.
إذا جُرِّدَ هذا النّظام الذي أقامه حضرة عبد البهاء في وصيّته المباركة، من مؤسّسة بيت العدل الأعظم التي لا تقلّ جوهريّة (عن ولاية الأمر)، فإنّه يصبح مشلولاً في فعاليّاته وعاجزاً عن ملء تلك الفجوات التي تعمّد تركها مُنَـزِّل الكتاب الأقدس في هيكل أحكامه التّشريعية والإدارية.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
15. من هذه البيانات يتّضح ويتأكد بما لا شكّ فيه، أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ المبيّن لكلمات الله وأنّ بيت العدل الأعظم قد مُنِحَ سلطة التّشريع في الأمور التي لم تكن منصوصة صراحة في الكتاب. إنّ تبيين وليّ أمر الله، وهو يعمل في دائرته، له نفس السّلطة والإلزام مثل القوانين التي يصدرها بيت العدل العمومي، الذي ينفرد بحق وامتياز إبداء الرأي وإصدار الحكم النهائي فيما يتعلّق بالأوامر والأحكام التي لم ينصّ عليها حضرة بهاء الله صراحة. لا يمكن لأيّ منهما في الحال أو الاستقبال، أن يتعدى على المجال المقدس المحدّد للآخر. ولن يسعى أيّ منهما إلى النّيل من النفوذ الدقيق الوثيق الذي منحه الله لكلّ منهما.
وعلى الرّغم من أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ الرئيس الدّائم لهيئة بهذا الجلال، فإنّه لا يستطيع بتاتا، حتّى ولو بصورة مؤقتة، أن يباشر حقّ التّشريع المقصور (على بيت العدل الأعظم). ولا يمكنه أن يتجاوز قراراً اتّخذه غالبية رفاقه الأعضاء، ولكنّه ملزَم في نفس الوقت بالإصرار على مطالبتهم بإعادة النّظر في أيّ تشريع يعتقد بضميره أنّه يتعارض مع معنى الآثار المنزّلة لحضرة بهاء الله ويحيد عن روحها.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
16. لا يمكن اعتبار النّظام الإداري لدين حضرة بهاء الله بحال ما ديمقراطيا بحتا، نظراً لأن الافتراض الأساسي الذي تستند عليه كلّ الديمقراطيات، وهو الحصول على تفويض من الشعب، لا وجود له تماماً في هذا الدّور. يجب أن نضع نصب أعيننا، أنّ أعضاء بيت العدل الأعظم في اضطلاعهم بشؤون أمر الله الإداريّة وبمهمّة سنّ الأحكام التي يلزم إضافتها إلى أحكام الكتاب الأقدس، لا يكونون، وذلك طبقاً لبيانات حضرة بهاءالله
الصريحة، مسئولين أمام أولئك الّذين يمثلونهم، ولا يسمح لهم أن يتأثروا لا بمشاعر سواد المؤمنين أو الّذين ينتخبونهم مباشرة ولا بآرائهم ولا حتّى براسخ حججهم. بل عليهم أن يستجيبوا، بتضرّع وخشوع، لما يوحي ويملي عليهم وجدانهم. يمكنهم، بل إنّه لمن واجبهم، أن يطّلعوا على الأحوال السّائدة في الجامعة البهائيّة، وأن يزنوا بكلّ هدوء أمر كل قضيّة تعرض عليهم، ولكن عليهم الاحتفاظ لأنفسهم بحقّ إصدار القرار المتحرّر من كلّ قيد. لقد أكّـد حضرة بهاء الله تأكيداً قاطعـاً أنّهم هم الّذين «يلهمهم ما يشاء»، وليس جمهور الّذين ينتخبونهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهم الّذين جُعِلُوا محط هذه الهداية الإلهيّة – هداية هي في آن واحد قوام حياة(6) هذا الظهور وسبب حفظه وحمايته...
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
17. الأوّل (وهو الاتّصاف باستقامة عالية في حياتهم الاجتماعيّة وأنشطتهم الإداريّة) موجّه بالخصوص، ولو أنّه ليس على وجه الحصر، إلى ممثليهم المنتخبين، محليّاً كان أو إقليميّا أو مركزيّاً، الّذين، بصفتهم أمناء وأعضاء الهيئات الوليدة لأمر حضرة بهاء الله، يحملون المسؤوليّة الأولى في إرساء الأساس المتين لبيت العدل الأعظم، الذي، كما يدل اسمه، سيكون النصير والحافظ لذلك العدل الإلهي الذي هو وحده الكفيل باستتباب الأمن وبتحقيق سيادة القانون والنّظام في عالم تسوده فوضى واضطراب غريب....
(من توقيع بتاريخ 25 ديسمبر 1938 – مترجم عن الإنجليزيّة)
18. إذ أن الأمر الذي يجب أن يكون مفهوما بجلاء، ولا يمكن إيفاؤه الحق في التأكيد عليه، هو أن إرفاق مرقد الورقة المباركة العليا (بهية خانم) بمرقدي شقيقها (ميرزا مهدي) ووالدتها (نواب خانم) يعزز بلا حدود، من القدرات الرّوحيّة لهذه البقعة المباركة المقدّر لها – وهى تستظل تحت أجنحة مقام حضرة الباب، وتجاور مشرق الأذكار الذي سيشيد بجانبه في المستقبل – أن تتطوّر لتصبح المحور الذي ستلتف من حوله تلك المؤسّسات الإداريّة التي سوف تهزّ العالم وتحتضنه وتوجّهه، والتي أمر بإقامتها حضرة بهاء الله واستبق تشييدها حضرة عبد البهاء. إنّ هذه المؤسّسات سوف تعمل بتناغم مع المبادئ التي تسير بموجبها المؤسّستان التوأمان، أي ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم. عندئذ، وعندئذ فقط، تتحقّق هذه النبوءة الخطيرة التي تزيّن الفقرات الأخيرة من لوح الكرمل بقوله تعالى: «سوف تجري سفينة الله عليك ويظهر أهل البهاء الّذين ذكرهم في كتاب الأسماء»
ومما يفوق إمكانياتي وطاقتي بدرجة كبيرة، أن أحاول أن أرسم صورة، ولو بأبسط الخطوط، لذلك المجد الذي لابد وأن يحيط بهذه المؤْسّسات، أو أن آتى بوصف – مهما كان مرتجلاً ومجزّأًً – لخصائصها أو أسلوب عملها، أو أن أتبين – ولو بقدر ضئيل – مسار الأحداث المؤدية في نهاية المطاف إلى بروزها ثم إحكام بنيانها. يكفي القول في هذه المرحلة المضطربة من تاريخ العالم، أنّ الربط بين هذه النفوس الثلاثة الغالية بلا مثال – والتي تلي في المكانة بعد الشخصيات المقدسة الثلاثة لديننا العزيز (حضرة بهاء الله وحضرة الباب وحضرة عبد البهاء)، وتسمو بمقامها على زمرة أبطال أمر حضرة بهاء الله وحروفاته وشهدائه وأياديه ومبلغيه وإدارييه، والتحام مراقدها الشريفة بمركز له هذا القدر من الإمكانات الروحانيّة والإداريّة، هو في حد ذاته حدث سوف يطلق من القوى ما يعجل – في أرض هي بمثابة القلب الجغرافي والرّوحي والإداري لكوكبنا بأسره – ببروز بعض من أبهر جواهر ذلك النظم العالمي الذي ينمو الآن في رحم عصر المخاض هذا.
(توقيع بتاريخ 21 ديسمبر 1939 إلى أحبّاء أمريكا الشماليّة – مترجم عن الإنجليزيّة.)
19. في دستور الحضارة العالميّة هذا (الكتاب الأقدس) يعلن صاحبه، الذي هو ديّان الجنس البشري ومشرّعه وموحّده ومخلّصه في آن واحد، لملوك الأرض مجيء «الناموس الأكبر»... وفي هذا الكتاب ينص على مؤسّسة «بيت العدل» ويعرّف مهماته ويحدّد موارده ويصف أعضاءه بأنّهم «رجال العدل» و«وكلاء الله» و«أمناء الرّحمن»....
(من «كتاب القرن البديع» صفحة 261)20. إلى جانب كل من عمليتي التدعيم والبناء المتلازمتين، تجب إعارة اهتمام خاص إلى توفير الأسباب اللاّزمة لإيجاد الترابط بين المراكز الحديثة التّأسيس في كلّ من كندا وجمهوريّات أمريكا اللاّتينيّة وتقوية أسسها، وذلك عن طريق تشييد ثلاثة محافل روحانيّة مركزيّة تكون مستعدّة للمشاركة، عندما يحين الوقت، في الانتخابات العالميّة التي لابد أن تسبق تأسيس أول بيت عدل أعظم. إنّ تشييد هذه الأعمدة الثّلاثة التي سوف يرتفع بها عدد المحافل الرّوحانية المركزيّة القائمة حاليّاً إلى أحد عشر محفلاً، والتي سوف تُعْرَف في المستقبل باسم بيوت العدل الخصوصيّة، الـمُعَدَّة ليرتفع عليها أعلى هيئة تشريعيّة في السّلسلة الهرميّة للإدارة البهائيّة، سوف يُدَعَّم، مع توالي ظهور مقاصد الخطّة الإلهيّة لحضرة عبد البهاء، بفضل تشكيل هيئات مماثلة أخرى التي بدورها وبتضاعف أعدادها، لابد وأن توسّع قاعدة المؤسّسة المنتخبة العليا وتقوّي صفتها التمثيليّة. وباقترانها مع مؤسّسة ولاية الأمر، سوف تدير هذه الهيئة المنتخبة العظمى (بيت العدل الأعظم)، وتنسّق نشاط أمر الله حول العالم بأسره. وبفضل تشكيل هذه المحافل الرّوحانية المركزيّة (الثلاثة)، مع تواصل ظهور مقاصد الخطة الإلهية لحضرة عبد البهاء في السنوات القادمة، تكون الجامعة البهائيّة الأمريكية قد ساهمت مباشرة، بالإضافة إلى نشاطها لنشر أمر الله في قارّات العالم الخمس وجزر البحار السبع، في إرساء الأساس المتين والإسراع في إقامة تلك المؤسّسة، التي عندما يتم تشكيلها، تكون العملية ذات الأجزاء الثلاثة لإقامة كامل صرح النّظام الإداري لأمر حضرة بهاء الله قد اكتملت.
( بتاريخ 15 يونيو 1946 Messages to America)21. لابد وأن يتوقّف على نجاح ذلك المشروع الضّخم في إمكانياته الرّوحيّة (حَمْلَةُ إفريقيا)، والذي ليس له في السّابق من مثيل، الشّروع في إنجازات تقوم على تحقيقها جميع المحافل المركزيّة القائمة بكامل العالم البهائي، خلال فترة لاحقة في عصر التّكوين لأمر الله. تلك الإنجازات، هي في حدّ ذاتها مقدّمة لانطلاق مشاريع عالميّة النّطاق في مراحل قادمة من نفس ذلك العصر، مقدّر أن يباشر تنفيذها بيت العدل الأعظم، وهو رمز وحدة تلك المحافل المركزيّة والمنسّق والموحّد لأنشطتها.
إنّ ميلاد المشروع الإفريقيّ هذا، في العقد الأوّل من القرن الثاني البهائي، وتزامنه مع تشكيل الهيئة البهائيّة العالميّة (المجلس البهائي العالمي)(7)، لابد وأن يرحّب به بوصفه حدثا ذا دلالة متميّزة في تطوّر أمرنا المحبوب. كلا الحدثين، سوف تقدِّرُهما الأجيال القادمة حتمًا، كدليلين متتاليّين واضحين على التجلّي القاهر الغلاّب لنظام إداري أعدّته العناية الإلهيّة، وعن نموّ مؤسّساته الفرعيّة على نطاق عالميّ، مبشراً بتأسيس الهيئة التّشريعية العليا المقدّر لها أن تتوج الصّرح الإداري القائم على تشييده بهمّة وعناء البناءون المميّزون لنظام إلهي وَضَعَ خطوط معالمه العريضة مركز العهد والميثاق في ألواح وصاياه المباركة، وكشف عن أحكامه الأساسيّة مؤسّس ديننا الأعظم في كتابه «الأقدس»، وتنبّأ بقدومه المبشّر بالدّورة البهائيّة في كتابه «البيان» الأفخم.
(مترجم من توقيع لحضرة شوقي أفندي بتاريخ 25 فبراير 1951 إلى الجامعة البهائيّة بالجزر البريطانيّة)
22. لقد حان الوقت لاتّخاذ خطوة وردت في وصيّة حضرةعبد البهاء، اِضْطُرَّّ تأجيلها لمدّة طويلة، ومقترنة بالخطوات الستّة المذكورة أعلاه، ألا وهي تعيين أوّل دفعة من اثنيّ عشر أيادي أمـر الله، موزّعين بالتّساوي بين أرض الأقدس وقارّات أسيا وأمريكا وأوروبا. إنّ هذه الخطوة الأوّليّة تعتبر خطوة تمهيديّة للتّطور الكامل للمؤسّسة الوارد ذكرها في وصيّة حضرة عبد البهاء،
وتتوازى مع الإجراء التّمهيدي الذي اتّخذ لتأسيس الهيئة البهائيّة العالميّة المقدرّ أن يبلغ ذروته بتأسيس بيت العدل الأعظم. سوف تسوغ هذه المؤسّسة الوليدة حلقات جديدة لربط مركز الأمر العالمي الصاعد بالمجتمع العالمي لأتباع الاسم الأعظم، ممهّدة الطّريق لاتّخاذ إجراءات إضافيّة تهدف إلى تقوية أسس صرح النّظام الإداري البهائي...
(برقيّة من حضرة شوقي أفندي بتاريخ 24 ديسمبر 1951 إلى العالم البهائي)
23. في هذا اللّوح العظيم (لوح الكرمل) الذي يكشف النقاب عن أسرار إلهيّة ويبشّر بتحقيق مشروعين عظيمين جليلين خطيرين، أحدهما روحاني والآخر إداري، كلاهما بالمركز العالمي البهائي – يشير حضرة بهـاء الله إلى «سفينة»، راكبوها هم رجال بيت العدل الأعظم، وهو الهيئة التي ستسن – طبقا للنصوص القاطعة في ألواح وصايا مركز العهد الأتم الأقوم – ما لم ينصّ عليه صراحة في الكتاب من أحكام. وسوف تجري هذه الأحكام، في هذا الدّور البديع، من هذا الجبل المقدّس كما جرت وسارت شريعة الله من جبل صهيون في عهد حضرة الكليم. إنّ إبحار سفينة الأحكام هذه، إشارة إلى استقرار ديوان العدل الإلهي الذي هو في الحقيقة دار التّشريع وواحد من شعب المركز الإداري البهائي على هذا الجبل المقدّس...
(من توقيع بتاريخ نيروز سنة 111 بديع – 1954 – مترجم عن الفارسيّة)
24. إنّ إقامة ذلك الصّرح (دار الآثار) يبشّر بدوره بتشييد عدّة مبانٍ أخرى، خلال المراحل المتتالية من عصر التّكوين لأمر الله، لتكون مراكز لمؤسّسات إلهيّة مثل ولاية الأمر، وأيادي أمر الله، وبيت العدل الأعظم. سوف تشيّد تلك المباني على شكل قوس مترامي الأطراف وفي إبداع معماريّ في غاية من الانسجام، يدور حول مرقد حضرة الورقة العليا المباركة، التي تتبوّأ المقام الأول بين أعضاء جنسها في الدّورة البهائيّة، ومرقد أخيها، الذي وهبه حضرة بهاء الله افتداء لإحياء العالم واتحاد من فيه، ومرقد والدتهما، التي جعلها حضرته «صاحبة له في كلّ عالم من عوالمه». إنّ الانتهاء من إتمام هذا المشروع الهائل سوف يتزامن مع ذروة بلوغ النّظام الإداري العالمي الإلهيّ التّعيين الذي يمكن اقتفاء آثار بدايته في السّنوات الأخيرة من العصر البطوليّ لأمر الله.
(من توقيع بتاريخ 27 نوفمبر 1954، مترجم عن الإنجليزيّة)
4. رسائل بيت العدل الأعظمإنّ حضرة بهاء الله هو مصدر الوحي الإلهي في هذا اليوم، وهو مطلع الأمر ومنبع العدل ومؤسّس النّظام العالمي الجديد ورافع لواء السلام الأعظم ومصدر الإلهام وواضع أساس المدنيّة الإلهيّة في العالم، ومشرّع دين الله وقاضيه ومؤلف القلوب ومحيي الأمم، وقد أعلن عن ظهور الملكوت الإلهي على بسيط الغبراء وأنزل حدوده وأحكامه وبيّن أصوله وأوجد مؤسّساته. ولكي يقود قواه المقدّسة المنبعثة من ظهوره الأعظم، لتظل جارية في مجراها نحو الجهة المقصودة لها، أسّس عهداً متيناً وميثاقاً غليظاً، وبالقوّة الدّافعة لهذا العهد ضَمِنَ أصالة أمره المبين وكفل وحدته الأساسيّة إبّان دورة مركز الميثاق وفي عهد ولاية حضرة شوقي أفندي، وكان هذا العهد باعثاً لتقدم أمره العزيز تقدّماً عالميّ النّطاق. واستمرّت قوّة هذا الميثاق في تحقيق أهدافه الحيويّة من خلال إجراءات يتّخذها بيت العدل الأعظم الذي يهدف أساساً، كأحد المرجعين اللذين نصّ عليهما حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء، إلى ضمان استمراريّة القدرة الإلهيّة المتدفّقة من مصدر الشّريعة الربّانيّة وحفظ وحدة أتباعها والمحافظة على سلامة تعاليمها ومرونتها.
(من دستور بيت العدل الأعظم الترجمة العربيّة طبعة 156 بديع 1999 م)
2. الأساس الذي يقوم عليه بيت العدل الأعظمإنّ مصدر سلطة بيت العدل الأعظم ووظائفه ونطاق أعماله كلّها منبعثة من الآيات المنزّلة من يراعة حضرة بهاء الله، فهذه الآيات الباهرات وما بيّنه ووضّحه مركز الميثاق وحضرة وليّ أمر الله، الذي هو المبيّن الوحيد المنصوص عليه بعد حضرة عبد البهاء، كلّ ذلك يعتبر مرجعاً مطاعاً لبيت العدل الأعظم وأسّ أساسه. إنّ سلطة هذه النّصوص المباركة سلطة مطلقة وقاطعة وهي المرجع الثّابت الذي لن يتغير حتى يظهر في العالم مظهر أمر إلهيّ جديد بمشيئة الله ويوضع يومئذ زمام الأمر والحكم في قبضة قدرته.
وبالنظر إلى عدم وجود وليّ أمر يقوم مقام حضرة شوقي أفندي بعد صعوده، فإنّ رئاسة أمر الله ترجع إلى بيت العدل الأعظم الذي هو الهيئة العليا ومرجع أهل البهاء وتؤول إليه مسؤوليّة الحفاظ على وحدة الأمر الإلهي ونشره وتقدّمه وازدهاره.
(من دستور بيت العدل الأعظم الترجمة العربيّة طبعة 156 بديع 1999 م)
من رسائل بخصوص تأسيس بيت العدل الأعظمإنّنا مسرورون بما بعثت لنا بالأسئلة التي تحيّر بعض المؤمنين. لأنّه من الأفضل طرح هذه الأسئلة بحرّيّة وصراحة، حتى لا يثقل كتمانها قلوب المؤمنين المخلصين. عندما يفهم الفرد بعض المبادئ الأساسيّة لرسالة حضرة بهاء الله، يصبح من السّهل عليه تبديد مثل هذه الشّكوك. هذا لا يعني أنّه ليست هناك خفيّات غيبيّة في أمر الله. الخفيّات الغيبيّة موجودة، ولكنّها ليست من النّوع الذي يهز إيمان الفرد إذا ما باتت المعتقدات الأساسيّة لأمر الله والحقائق التي لا جدال فيها بشأن أيّة قضيّة، مفهومة بوضوح.
تقع الأسئلة التي طرحها عدد من المؤمنين في ثلاث مجموعات. المجموعة الأولى تركّز على التساؤلات الآتية: لماذا اتـُّخِذَت الخطوات لانتخاب بيت العدل الأعظم مع العلم المسبق بأنّه لن يكون هناك وليّ للأمر؟ وهل كان الوقت قد حان لمثل ذلك الإجراء؟ ألم يكن في إمكان الهيئة العالميّة البهائيّة(8) القيام بالعمل؟
2. أساس الانتخــابعند وفاة محبوبنا شوقي أفندي كان واضحاً أن الظروف التي كانت قائمة، وما ورد في النّصوص المباركة من شروط أساسيّة بيّنة، جعلت من المستحيل على حضرته تعيين من يخلفه طبقا لما ورد في ألواح وصايا حضرة عبد البهاء. إنّ هذا الوضع – أيّ وفاة حضرة وليّ الأمر دون أن يستطيع تعيين من يخلفه – طرح سؤالاً غامضاً لم تتعرّض له النّصوص الصّريحة المباركة، لذلك كان لابدّ من الرّجوع في شأنها إلى بيت العدل الأعظم. على الأحبّاء أن يتأكدوا تماماَ أنّه قبل انتخاب بيت العدل الأعظم لم يكن هناك علم بأنّه لن يكون هناك وليّ للأمر. لا يمكن أن تكون لمثل هذه المعلومة وجود مسبق مهما كان لدى فرادى الأحبّاء من آراء. فلا حضرات أيادي أمر الله ولا الهيئة العالميّة البهائيّة ولا أيّ هيئة كانت موجودة حينذاك، كان يمكن لهم أو لها أن تتّخذ قراراً في هذه المسألة الهامة. إنّ بيت العدل الأعظم هو المؤسّسة الوحيدة التي لديها السّلطة للبتّ في هذا الموضوع. هذا كان أحد الأسباب الملحّة للدّعوة لانتخاب بيت العدل الأعظم في أقرب وقت ممكن.
بعد وفاة حضرة شوقي أفندي، تولّى حضرات أيادي أمر الله زمام الشئون الإداريّة للأمر المبارك على المستوى العالمي بكامل الرضاء والولاء من قبل المحافل الروحانيّة المركزيّة ومجموع المؤمنين. وكان هذا مطابقا للتّسمية التي أطلقها حضرة وليّ أمر الله على حضرات الأيادي بأنّهم: «الحماة الرئيسيون(9) لرابطة شعوب حضرة بهاء الله العالميّة الجنين».
أدرك حضرات الأيادي منذ بداية ائتمانهم على شؤون أمر الله، أنّه نظراً إلى عدم تأكدهم من نيل هداية إلهيّة كتلك المكفولة بغير جدال لحضرة وليّ أمر الله وبيت العدل الأعظم، أصبح المنهج الوحيد السليم أمامهم هو إتباع توجيهات حضرة شوقي أفندي وأسلوبه بحزم لا انحراف فيه. لم يسجّل تاريخ الأديان برمّته مثل هذا الانضباط الدقيق والولاء الصرف والتجرّد التّام من قبل رؤساء دين يجدون أنفسهم وقد حرموا فجأة من مرشدهم الحائز على الإلهام الإلهيّ. إنّ العرفان بالجميل الذي تدين به البشريّة لأجيال قادمة، بل لعصور آتية، إلى تلك الثّلة من النّفوس المكلومة الرّاسخة النّبيلة لهو أعظم من أن يقدّر حقّ التقدير.
وكان حضرة وليّ أمر الله قد أعطى العالم البهائي مشروعات دقيقة ومفصّلة لفترة تنتهي في رضوان 1963، أي نهاية حملة العشر سنوات. ومن بعد ذلك وحتّى لا يتعرّض أمر الله إلى المخاطر، كان لابد من وجود هداية إلهيّة. أصبح ذلك سبباً ثانياً ملحّاً للدّعوة لانتخاب بيت العدل الأعظم. ويؤكد صحّة اختيار هذا الوقت أيضا ما ورد في توقيعات حضرة شوقي أفندي من إشارات إلى أن هناك مشروعات عالميّة بعد حملة العشر سنـوات، سوف يشرف على تنفيذها بيت العدل الأعظم. وردت إحدى هذه الإشارات في الفقرة التّالية من رسالة إلى المحفل الرّوحاني المركزي للجزر البريطانيّة بتاريخ 25 فبراير 1951 بشأن مشروع العامين الذي سبق حملة العشر سنوات مباشرة:
لابد وأن يتوقّف على نجاح ذلك المشروع الضّخم في إمكانياته الرّوحيّة (حَمْلَةُ إفريقيا)، والذي ليس له في السّابق من مثيل، الشّروع في إنجازات تقوم على تحقيقها جميع المحافل المركزيّة القائمة بكامل العالم البهائي، خلال فترة لاحقة في عصر التّكوين لأمر الله. تلك الإنجازات، هي في حدّ ذاتها مقدّمة لانطلاق مشاريع عالميّة النّطاق في مراحل قادمة من نفس ذلك العصر، مقدّر أن يباشر تنفيذها بيت العدل الأعظم، وهو رمز وحدة تلك المحافل المركزيّة والمنسّق والموحّد لأنشطتها.
وبعد ست سنوات من حمل مسئوليّة إدارة أمر الله، قام حضرات الأيادي يحدوهم إيمان مطلق بالآثار المباركة، بدعوة الأحبّاء إلى انتخاب بيت العدل الأعظم، وذهبوا إلى حدّ أن طلبوا عدم انتخابهم لعضويّة هذه المؤسسة الإلهيّة. وكان الحدث الوحيد المؤسف الذي فيه سوّل الغرور نفساً لكسب السّلطة، هو تلك المحاولة المثيرة للرثاء التي قام بها تشارلز ميسون ريمي لاغتصاب ولاية الأمر.
إنّ المقتطفات التّالية من لوح لحضرة عبد البهاء تنصّ بوضوح وتأكيد على المبادئ التي تحدّد قاعدة انتخاب بيت العدل الأعظم، وهي المبادئ التي يعرفها الأحبّاء من ألواح وصايا المولى ومن التوقيعات المختلفة لحضرة شوقي أفندي. أرسل حضرة وليّ أمر الله المحبوب بنفسه هذا اللوح إلى إيران، في أوائل سنوات ولايته لأمر الله، لنشره بين المؤمنين:
إنّ عبد البهاء في طوفان الخطر ويمقت بشدة اختلاف الآراء.... الحمد لله ليست هناك أسباب للاختلاف.
حضرة الأعلى هو صبح الحقيقة قد أضاء إشراق نوره جميع الأرجاء. وهو أيضا المبشّر بالنيّر الأعظم الأبهى. الجمال المبارك هو الموعود في جميع الكتب والصحف والزبر والألواح والظهور المتجلّي في السّدرة المشتعلة في طور سيناء. كلّنا، أفراداً وجماعات، خدمة عتبتيهما ولدى بابيهما خاشعون...
المقصود هو هذا: أنّه قبل انقضاء ألف سنة، ليس لأحد أن يتفوّه بكلمة، حتّى ولو ليدّعي مقام الولاية. الكتاب الأقدس هو مرجع جميع الأمم وفيه نزّلت الأحكام الإلهيّة. الأحكام غير المذكورة في الكتاب ترجع إلى قرار بيت العدل (الأعظم).
لن تكون هناك أسباب للخلاف. ومن يتـعدّ بعد ذلك فأولئك هم الناعقون وأولئك هم الظالمون وأولئك هم الأعداء المبغضون. حذار حذار من أن تقوم نفس بافتعال انشقاق أو إثارة فتنة. إذا ما حصل اختلاف في الآراء فإنّ بيت العدل الأعظم يحلّ تلك المشاكل فوراً، وما يقرره بأغلبيّة الأصوات هو عين الحقيقة. لأنّ بيت العدل الأعظم تحت حماية وعصمة وصون سلطان الأحديّة. سوف يحفظه من الخطأ ويحميه في ظلّ جناح قدسيّته وعصمته. من يخالفه يكون مردوداً وفي العاقبة مقهوراً.
يُنتخب بيت العدل الأعظم طبقاًً للترتيب والنّظام المتّبع في انتخاب البرلمانات الأوربيّة. ولمّا تهتدي البلدان، تقوم بيوت عدل تلك البلاد المختلفة بانتخاب بيت العدل الأعظم. في أيّ وقت يقوم جميع الأحبّاء في كل الدّيار بتعيين وكلاء لهم، الّذين ينتخبون بدورهم ممثلين عنهم. هؤلاء الممثلون ينتخبون هيئة، تلك الهيئة هي بيت العدل الأعظم.
إنّ تأسيس ذلك البيت غير مشروط بإيمان جميع دول العالم. مثلاً، إذا سمحت الظروف ولن يحصل أيّ اضطراب، يقوم الأحبّاء في إيران بانتخاب ممثلين عنهم، كذلك أحبّاء أمريكا والهند ومناطق أخرى ينتخبون أيضا ممثلين، الّذين ينتخبون بدورهم بيت عدل. ذلك البيت هو بيت العدل الأعظم. والسلام.
(مكاتيب عبد البهاء – الجزء الثالث – ص 500/501 مترجم عن الفارسيّة، الخطوط العريضة أصلها عربي)
على الأحبّاء أن يدركوا أنّه لا يوجد في النّصوص المباركة ما يشير إلى أنّ المناداة لانتخاب بيت العدل الأعظم لا يقوم به سوى حضرة وليّ أمر الله. بالعكس، إنّ حضرة عبد البهاء كان قد فكّر في الدّعوة إلى انتخاب بيت العدل الأعظم في أثناء حياته. ففي وقت وصفه حضرة وليّ الأمر بكونه «أحلك فترات حياته (أي حياة المولى)، تحت حكومة عبد الحميد، عندما واجه الإبعاد إلى أقاصي مناطق شمال إفريقيا»، بل وكانت نفس حياته مهدّدة، كتب حضرة عبد البهاء إلى الحاج ميرزا تقي أفنان، ابن عمّ حضرة الباب والباني الرئيسي لمشرق أذكار عشق آباد، آمراً إيّاه بعمل الترتيبات لانتخاب بيت العدل الأعظم إذا ما تحقّقت التهديدات الموجّهة ضدّه. القسم الثاني من ألواح وصايا المولى وثيق الصلة أيضاً بهذا الوضع وعلى الأحبّاء أن يدرسوه.
3. مسألة العصمةالمجموعة الثّانية من المسائل التي تثير تساؤلات بعض الأحبّاء تتركّز حول مسألة عصمة بيت العدل الأعظم وقدرته على العمل في غياب وليّ الأمر. وبصورة خاصّة، صَعُبَ عليهم فهم المعاني التي تضمنها البيان التالي لحضرة وليّ أمر الله المحبوب:
إذا جُرِّدَ نظم حضرة بهاء الله العالمي من مؤسّسة ولاية الأمر، تشوّه معالمه ويحرم نهائيّا من مبدأ الوراثة الذي قال عنه حضرة عبد البهاء بأنّه كان في جميع الأوقات مقرّراً في شريعة الله. ففي لوح إلى أحد أتباع أمر الله في إيران، تفضّل حضرة عبد البهاء: «في جميع الدّورات الإلهيّة، أُعطي الابن الأكبر امتيازات خاصة، بل إنّ مقام النّبوة كان من حقّه عند مولده». فبدون هذه المؤسّسة (ولاية الأمر)، تكون سلامة الدّين مهدّدة، واستقرار بنيته بأكملها معرضاً للخطر الجسيم. ويتضاءل نفوذه، وتنعدم تماماً الوسائل الضّروريّة لبقائه قادراً على رعاية مصالح سلسلة من الأجيال دون انقطاع، وتسلبه كلياً الهداية اللاّزمة لتحديد دائرة العمل التّشريعي لممثليه المنتخَبين.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934، مترجم عن الإنجليزيّة)
على الأحبّاء الّذين يرغبون الحول على فهم أوضح لتلك الفقرة السّابقة في الوقت الحالي، أن يفكروا فيها مليّاً في ضوء النّصوص العديدة الأخرى التي تتناول هذا الموضوع، كالفقرات التّالية المقتطفة من توقيعات حضرة شوقي أفندي على سبيل المثال:
بل إنّهما قاما (أي حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء) أيضا، وبلغة واضحة جليّة، بتعيين هاتين المؤسّستين التوأمتين: بيت العدل (الأعظم) وولاية الأمر، بوصفهما وريثتيهما المختارتين، المقدّر لهما تطبيق المبادئ، ونشر الأوامر، وصيانة المؤسّسات، وتهيئة الأمر بإخلاص وذكاء لاحتياجات مجتمع دائم التطوّر، وإتمام بناء الميراث المنيع الذي أوصى به مؤسّسا أمر الله للعالم...
(من توقيع بتاريخ 21 مارس 1930 مترجم عن الإنجليزيّة)
يجب أيضاً أن يكون مفهوماً بكلّ وضوح لدى كل فرد من أفراد المؤمنين، أن مؤسّسة ولاية الأمر لا تلغي بأيّ حال من الأحوال، ولا تنتقص بأيّة درجة مهما كانت ضئيلة، أيّا من السّلطات التي منحها حضرة بهاء الله إلى بيت العدل الأعظم في كتابه الأقدس، وهو ما أكّد عليه مرارًا وبإجلال حضرة عبد البهاء في ألواح وصاياه المباركة. إنّها (مؤسّسة ولاية الأمر) لا تشكّل بأيّ وجه من الوجوه أيّ تناقض مع وصيّة حضرة بهاء الله وآثاره المباركة، ولا تبطل أيّا من أوامره المنزّلة. إنّّ مؤسّسة ولاية الأمر تعزّز من هيبة بيت العدل الأعظم وترسّخ مقامه الأسمى، وتصون وحدته، وتكفل استمراريّة مجهوداته، دون أدنى انتهاك لحرمة مجال اختصاصه الذي تحدّدت معالمه بكلّ وضوح. إنّنا فعلاً نقف قريباً جدّاً من وثيقة (ألواح الوصايا) على هذا القدر الكبير من العظمة والأهميّة بحيث لا يمكننا أن ندّعي أنّنا فهمنا بصورة كاملة كلّ ما تتضمّنه من معان أو نفترض أنّنا أدركنا الأسرار الخفيّة العديدة التي لاشكّ موجودة فيها.
(من توقيع بتاريخ 27 فبراير 1929 – مترجم عن الإنجليزيّة)
من هذه البيانات يتّضح ويتأكد بما لا شكّ فيه، أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ المبيّن لكلمات الله وأنّ بيت العدل الأعظم قد مُنِحَ سلطة التّشريع في الأمور التي لم تكن منصوصة صراحة في الكتاب. إنّ تبيين وليّ أمر الله، وهو يعمل في دائرته، له نفس السّلطة والإلزام مثل القوانين التي يصدرها بيت العدل الأعظم، الذي ينفرد بحق وامتياز الحكم النهائي فيما يتعلّق بالأوامر والأحكام التي لم ينصّ عليها حضرة بهاء الله صراحة. لا يمكن لأيّ منهما في الحال أو الاستقبال، أن يتعدى على المجال المقدس المحدّد للآخر. ولن يسعى أيّ منهما إلى النّيل من النفوذ الدقيق الوثيق الذي منحه الله لكلّ منهما…
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934، مترجم عن الإنجليزيّة)
وتمارس كل من هاتين المؤسستين سلطاتها ونفوذها وحقوقها وصلاحياتها في نطاق القيود المفروضة عليها، التي لا تتعارض فيما بينها ولا تنتقص مهما كان ضئيلاً من المكانة التي تتبوأها كل واحدة منها…
(نفس المرجع السّابق)وعلى الرّغم من أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ الرئيس الدّائم لهيئة بهذا الجلال، إلاّ أنّه لا يمكنه بتاتاً، حتّى ولو بصورة مؤقتة، أن يباشر حقّ التّشريع المقصور (على بيت العدل الأعظم). ولا يمكنه أن يتجاوز قراراً اتّخذه غالبية رفاقه الأعضاء …
وفضلا عن هذا وذاك فلتطمئن قلوب الأحبّاء بهذه الكلمات لحضرة بهاء الله:
...إنّه وضع أمره على أساس ثابت راسخ متين لا تزعزعه أرياح العالم ولا إشارات الأمم...
كذلك بما تفضّل حضرة عبد البهاء:يفعل الله ما يشاء؛ لا يبطل عهده من شيء؛ لا يمنع عنايته أو يقاوم أمره من شيء؛ يفعل بإرادته ما يشاء وهو على كلّ شيء قدير.
(مترجم عن الإنجليزيّة)يجب أن يكون مفهوماً لدى الأحبّاء، أنّه قبل أن يُـشَرِّع بيت العدل الأعظم في أيّ شأن، يدرس بدقّة وشمول كامل النّصوص المباركة وبيانات حضرة شوقي أفندي في الموضوع. لأنّ بيانات حضرة وليّ الأمر المحبوب تناولت مجالات واسعة من المواضيع، ولها من الإلزام ما للنصّ ذاته.
4. التبيين والتّشريعهناك فارق كبير بين تبيين حضرة وليّ أمر الله وإيضاحات بيت العدل الأعظم عند قيامه بوظيفة «ويتذاكرون في كلّ ما وقع فيه اختلاف أو في المسائل المبهمة أو في المسائل الغير المنصوصة صراحة في الكتاب». إذ أن حضرة وليّ أمر الله يكشف عما تعنيه الآثار المباركة؛ وتبيينه هو بسط لحقيقة لا يمكن تغييرها. أما بيت العدل الأعظم، فقد قال حضرة وليّ الأمر أنّه «ينفرد بحقّ التّشريع في الأمور الغير منصوص عليها صراحة في الآثار البهائيّة». وأحكامه القابلة للتّعديل والإلغاء من قبل بيت العدل نفسه، تعمل على تكملة الأحكام الإلهيّة وتطبيقها. وعلى الرّغم من أنّ بيت العدل الأعظم لم يُعْهَد له مهمّة التبيين، إلاّ أنّه في مركز يجعله قادراً على القيام بكل ما يحتاجه تشييد نظم حضرة بهاء الله العالمي على بسيط الغبراء. إنّ وحدة التعاليم الإلهيّة تصونها النّصوص والآثار المباركة والبيانـات الضافية لكل من حضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي، بالإضافة إلى التحريم القاطع لأيّ كان أن يدّعي الإتيان بتفسير «جازم أو ملهم» أو أن يغتصب مهمّة ولاية أمر الله. أمّا وحدة الإدارة فتضْمنها سلطة بيت العدل الأعظم.
«هكذا يكون ثبات كلمته العليا» يقول حضرة شوقي أفندي، «هكذا تكون المرونة التي اختصّت بها مهام وزرائه المعيّنين. الأولى تحفظ هويّة أمره وتأتمن سلامة أحكامه. والثّانية تمكّنه، وكأنّه كائن حيّ، من الاتساع والتكيّف مع احتياجات ومطالب مجتمع يتغيّر على الدّوام.»
(من توقيع بتاريخ 21 مارس 1930 مترجم عن الإنجليزيّة)
كلّ مؤمن حقيقي يريد أن يُـدَعِّم فهمه للأمر الإلهي، لابد له أن يجمع بين التحلّي بالاقتناع التّام بدوام فعاليّة رسالة حضرة بهاءالله وميثاقه المتين، والتّواضع في الاعتراف بأنّه لا يوجد مِنْ بين هذا الجيل مَنْ يمكنه الادّعاء بالوقوف على عظمة أمره، أو إدراك الأسرار الغيبيّة والإمكانيات العديدة المكنونة فيه. كلمات حضرة شوقي أفندي التّالية تشهد لهذه الحقيقة بكل جلاء ووضوح:
ما أغزر رسالة حضرة بهاء الله وما أشملها! وما أعظم قدر بركاته التي أمطرها على البشرية في هذا اليوم! ومع ذلك، ما أوهن إدراكنا لمغزاها وجلالها وما أضأله. إن هذا الجيل يقف قريبا جداً من رسالة بهذه العظمة بحيث لا يمكنه إيفاء دين حضرة بهاء الله حق قدره من التقدير لإمكانياته التي لا تحصى ولصفاته التي لم يسبق لها مثيل ولعطاياه الغيبية الآتية من فضل عنايته.
(من توقيع بتاريخ 21 مارس 1930 مترجم عن الإنجليزيّة)
إنّ مولانا المحبوب في ألواح وصاياه المباركة؛ لا يدعونا فحسب إلى تبنّى نظم حضرة بهاء الله العالمي الجديد بدون تحفّظ، بل أيضاً إلى كشف النّقاب عن أهليّته لجميع أهل العالم. إنّه لسابق لأوانه وجرأة مفتعلة من طرفنا أن نحاول تقدير قيمتها كاملاً، أو نقف على دقيق معانيها في غضون مدّة قصيرة كهذه من الزّمن منذ استهلالها. لكي نحصل على فهم أكثر وضوحا وشموليّة لما تقدّمه وتتضمّنه (ألواح الوصايا) علينا أن نعتمد على الزمن وهداية بيت العدل الأعظم الإلهي.
(توقيع بتاريخ 23 فبراير 1924 – مترجم عن الإنجليزيّة)
أمّا فيما يخصّ ترتيب أمور الأحبّاء الرّوحانية وتسييرها، فأهمّ شيء الآن هو تقوية أسس المحافل المقدّسة الرّوحانية في كل مركز، لأنّه على هذا الأساس المحكم المتين سوف يستوي بيت العدل الأعظم الإلهي ويستقرّ في مستقبل الأيّام. وعندما يرتفع هذا البنيان الأعظم على ذلك الأساس الأقْوَم، تنكشف وتظهر بالتـّدريج النـّوايا المقدّسة الإلهيّة والحِكَم والمعاني الكلّيـّّة والرّموز والحقائق الملكوتيّة، وهي الهامات غيبيّة من ودائع أمر حضرة بهاء الله في ألواح وصايا حضرة عبد البهاء المباركة.
(من توقيع إلى أحبّاء الشرق بتاريخ 19 ديسمبر 1922 – مترجم عن الفارسيّة)
تشير مثل هذه البيانات إلى أن المعنى الكامل لألواح وصايا حضرة عبد البهاء، وكذلك الفهم لما يتضمنه النظم العالمي الذي أزاحت عنه الستار تلك الوثيقة الخطيرة، لن يتّضح لأعين العالم إلاّ بالتّدريج، وبعد مجيء بيت العدل الأعظم إلى حيّز الوجود. وما على الأحباء إلاّ الاعتماد على مرور الزمن وانتظار إرشادات بيت العدل الأعظم الذي سوف يُجْري من الأحكام، طبقا لما تتطلبه الظروف، ما يكون الفصل في الأمور الغامضة.
5. سلطة الطـردتتعلّق المجموعة الثّالثة من الاستفسارات التي أثارها الأحبّاء، بتفاصيل حول عمل بيت العدل الأعظم في غياب وليّ الأمر، وبالذّات موضوع طرد أعضاء لبيت العدل. سوف توضّح هذه الأسئلة في دستور بيت العدل، الذي يجري إعداده في نطاق أهداف مشروع تسع السنوات. في الأثناء، للأحباء أن يعلموا أنّه إذا ارتكب أيّ عضو «ذنباً يلحق ضرّه بالعموم»، يمكن طرده من عضويّة بيت العدل الأعظم بأغلبيّة أصوات البيت نفسه. أمّا إذا ارتكب أيّ عضو، لا قدّر الله، نقضاً للعهد والميثاق، فإنّ أيادي أمر الله يقومون في هذه الحالة بالتحقيق في الموضوع، ويُطْرَد النّاقض للعهد والميثاق بقرار أيادي أمر الله المقيمين بالأرض المقدّسة شريطة موافقة بيت العدل الأعظم، كما هو الحال بالنّسبة لأيّ مؤمن آخر. وقرار الأيادي في هذه الحالة، يعلنه بيت العدل الأعظم على البهائيـّين بالعالم.
إنّنا واثقون أنّه عندما تقوم باطْلاع الأحبّاء على هذه الرّسالة وتعرض عليهم هذه الفقرات من النّصوص المباركة ومن توقيعات حضرة وليّ أمر الله، ستزول شكوكهم وتتبدّد ظنونهم ويصبح في استطاعتهم تكريس كلّ جهودهم لنشر رسالة حضرة بهاء الله، وهم على ثقة تامّة أنّ قوّة عهد وميثاق حضرة بهاء الله قادرة على التغلّب على أية امتحانات قد تأتي عليها بتقدير من عناية غيبيّة إلهيّة. بذلك تبرهن تلك القوّة على قدرتها أن تخلّص العالم من عذابه الأليم وترفع لواء ملكوت الله على الأرض.
(من رسالة لبيت العدل الأعظم بتاريخ 9 مارس 1965 إلى إحدى المحافل الرّوحانية المركزية)
6. ولاية الأمر وبيت العدل الأعظمأمّا ما سألت عن توقيت انتخاب بيت العدل الأعظم بالنظر إلى بيان حضرة وليّ أمر الله القائل: «... وهكذا يصبح من الواضح أنّه لو توفّرت الظروف الملائمة للبهائيين في إيران وفي البلدان المجاورة الواقعة تحت الحكم السوفيتيّ، من انتخاب ممثليهم للهيئة المركزيّة... يكون قد أزيلت آخر عقبة في طريق تأسيس بيت العدل العمومي». توجد الإجابة على هذا السؤال في رسالة بتاريخ 19 أبريل 1947 كتبها سكرتير حضرة وليّ الأمر نيابة عن حضرته، رداً على استفسار أحد المؤمنين حول هذه الفقرة، حيث نقرأ:
«عندما أشار حضرته إلى روسيا كان فيها بهائيون، ولكن الآن تكاد الجامعة البهائيّة أن تكون مفقودةً تمامًا هناك، لذا لا يمكن أن يتوقّف تأسيس بيت العدل العمومي على وجود المحفل الرّوحاني المركزي لروسيا. ولكن لابدّ من إقامة محافل روحانية مركزية أخرى قويّة حتّى يمكن تشييد بيت العدل العمومي.»
إنّك تعتقد أنّه يمكن أن تكون هناك بعض معلومات حول خلافة حضرة شوقي أفندي قد أخفيت عن المؤمنين لمصلحة الأمر الإلهي. إنّنا نؤكد لك أنّه لا يوجد أيّ شيء بتاتاً مستورٌ عن الأحبّاء لأيّ سبب كان. ليس هناك أدنى شكّ أنّه بمقتضى ألواح وصايا حضرة عبد البهاء، فإنّ حضرة شوقي أفندي هو السّلطة المخوّل لها تعيين من يخلفه. إلاّ أنّه لم يكن لحضرته أولادٌ، كما أنّ جميع الأغصان الّذين كانوا على قيد الحياة كانوا قد نقضوا العهد والميثاق. وبناء عليه، وكما أعلن حضرات أيادي أمر الله في عام 1957، يصبح واضحاً أنّه لم يكن أمام حضرته أيّ شخص يمكن تعييّنه بمقتضى ما جاء بالوصيّة المباركة. أما أن يقوم حضرة ولي الأمر بتعيين شخص خلافا للشّروط الواضحة الدقيقة التي وردت في ألواح وصايا المولى إنّما هو عمل لا يمكن أن يحصل ولا يمكن تصوّر حصوله من قِبَلِ حضرته وهو المعيّن إلهياً حامياً وناصراً لعهد الله وميثاقه. وفضلا عن ذلك، وكما هو معلوم لديك، فإنّ تلك الوصيّة المباركة نفسها تضمّنت بوضوح الطّريقة التي تتم بها المصادقة على مَنْ يعيّنه وليّ الأمر خليفة له. إذ كان لابد من موافقة الأيادي التّسعة الّذين ينتخبهم جميع الأيادي، على من يختاره وليّ الأمر خليفة له بالاقتراع السرّي. في 1957 أعلن جميع الأيادي، بعد البحث والتّدقيق، أن حضرة شوقي أفندي لم يعيّن خلفاً له ولم يترك وصيّة. وهذا أمر موثّق وثابت بما لا يقبل الشك.
لا يمكن أن يؤخذ على حضرة شوقي أفندي أن في عدم تركه وصيّة تقصير في طاعته لحضرة بهاء الله. بل على عكس ذلك علينا الإقرار بأنّ في صمته حكمة ودليل على عصمته. علينا أن نفكّر بإمعان في ما لدينا من الآثار المباركة، ونسعى نحو الحصول على فهم المعاني التي لا تحصى المكنونة فيها. لا تنس ما تفضّل به حضرة شوقي أفندي بأنّ شيئين لازمين لنموّ فهمنا لنظم حضرة بهاء الله العالمي وهما مرور الزّمن وهَدْي بيت العدل الأعظم.
7. مجالان منفصلان للمسئوليّة والوظيفةلم تعلّق عصمة بيت العدل الأعظم، وهو يعمل في نطاق المجال المقدّر له، بوجود وليّ الأمر عضوًا به. وعلى الرّغم من أنّ ما قاله حضرة وليّ أمر الله في مجال التبيين، يبقى مُلْزِماً دائمًا، إلاّ أنّه في مجال مشاركة وليّ الأمر في التّشريع يكون قرار بيت العدل نفسه هو النّافذ دائماً. إنّ كلمات حضرة وليّ الأمر التّالية تؤيد هذا بوضوح:
إنّ تبيين وليّ أمر الله، وهو يعمل في دائرته، له نفس السّلطة والإلزام مثل القوانين التي يصدرها بيت العدل العمومي، الذي ينفرد بحق وامتياز إبداء الرأي وإصدار الحكم النهائي فيما يتعلّق بالأوامر والأحكام التي لم ينصّ عليها حضرة بهاء الله صراحة. لا يمكن لأيّ منهما في الحال أو الاستقبال، أن يتعدى على المجال المقدس المحدّد للآخر. ولن يسعى أيّ منهما إلى النّيل من النفوذ الدقيق الوثيق الذي منحه الله لكلّ منهما.
وعلى الرّغم من أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ الرئيس الدّائم لهيئة بهذا الجلال، فإنّه لا يستطيع بتاتا، حتّى ولو بصورة مؤقتة، أن يباشر حقّ التّشريع المقصور (على بيت العدل الأعظم). ولا يمكنه أن يتجاوز قراراً اتّخذه غالبية رفاقه الأعضاء، ولكنّه ملزَم في نفس الوقت بالإصرار على مطالبتهم بإعادة النّظر في أيّ تشريع يعتقد بضميره أنّه يتعارض مع معنى الآثار المنزّلة لحضرة بهاء الله ويحيد عن روحها.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
8. دائرة اختصاص وليّ أمر اللهومع ذلك، وبعيدا عن مهمته كعضو بيت العدل ورئيسه المقدس مدى الحياة، فإن من حق ولىّ الأمر ومن واجبه وهو يعمل في دائرة اختصاصه، أن «يحدّد مجال العمل التّشريعي» لبيت العدل الأعظم. أو بعبارة أخرى كانت لديه السّلطة لأن يقرّر ما إذا كانت النصوص المباركة قد تناولت موضوعاً معيّناً أو لم تتناوله، وبالتّالي ما إذا كان من اختصاص بيت العدل الأعظم أن يشرّع فيه. لا يوجد شخص آخر، سوى حضرة وليّ الأمر، له الحقّ أو السّلطة لأن يحدّد مثل هذه الأمور. والآن يأتي السؤال: هل أنّ بيت العدل الأعظم معرّض، في غياب وليّ أمر الله، لخطر الضّياع إلى خارج المجال المحدّد له وعندئذ يرتكب خطأ؟
علينا هنا أن نتذكّر ثلاثة أمور: أولاً، لقد قدّم حضرة شوقي أفندي خلال ستة وثلاثين سنة من ولايته لأمر الله، عددا لا يحصى من الإيضاحات، إضافة إلى تلك التي تفضل بها حضرة عبد البهاء وما تفضل به حضرة بهاء الله نفسه. وكما أُعْلِنَ على الأحبّاء من قبل، فإنّ بيت العدل يقوم بدراسة دقيقة للنّصوص المقدّسة والبيانات المباركة التي تخصّ أيّ موضوع ينوي التّشريع فيه، قبل إصدار هذا التّشريع. ثانيا فإنّ بيت العدل الأعظم، وهو واثق من الهداية الإلهيّة، يدرك تماما أن وليّ الأمر غير موجود، ولا يتناول أيّاً من شئون التّشريع إلاّ بعد التأكد من أنها تدخل في دائرة اختصاصه، وهي دائرة وصفها حضرة وليّ الأمر بكامل الثقة بأنّها «واضحة محدّدة». ثالثاً، علينا ألاّ ننسى البيان الذي دوّنه حضرة وليّ الأمر عن هاتين المؤسّستين بأنّهما «لا يمكن لأيّ منهما في الحال أو الاستقبال أن يتعدى على المجال المقدس للآخر».
أمّا فيما يخص ضرورة الحصول على «استنتاجات» من النّصوص المباركة لتساعد على سَنِّ قوانين بيت العدل، هناك النصّ التّالي من قلم حضرة عبد البهاء:
.... لهذا فإنّ المسائل الكلّيّة التي تكوّن أساس الشّريعة الإلهيّة منصوص عنها، أمّا القوانين الفرعيّة فترجع إلى بيت العدل. والحكمة في هذا هو أنّ الزّمان لا يستمر على نفس المنوال، فالتّغيير والتّبديل من لوازم الإمكان والزّمان والمكان. لهذا يتخذ بيت العدل الإجراء بمقتضاه.
لا مجال للظّنّ بأنّ بيت العدل سوف يتّخذ أيّ قرار تبعاً لرأيه أو فكره، استغفر الله، إن قرارات وأحكام بيت العدل الأعظم تجري بإلهام وتأييد روح القدس، لأنّه في حصن وحماية وصيانة جمال القدم، وإتباع قراراته فرض مسلّم وواجب محتّم ولا مفرّ لأيّ نفس كانت من ذلك أبداً.
قل يا قوم إنّ بيت العدل الأعظم تحت جناح ربّكم الرّحمن الرّحيم، أي صونه وحمايته وحفظه وكلائته، لأنّه أمر المؤمنين الموقنين بإطاعة تلك العصبة الطيّبة الطّاهرة، والثــّلةِ المقدّسة القاهرة، فسلطتها ملكوتيّة رحمانيّة وأحكامها إلهاميّة روحانيّة.
بالاختصار هذا هو المقصود من الحكمة في إرجاع أحكام المجتمع إلى بيت العدل. فشريعة الفرقان أيضا لم تنصص على جميع الأحكام، كلاّ، ولا عُشر عُشر المعشار منها كان منصوصا. ومع أنّ كلّ المسائل المهمّة كانت مذكورة بالذّات، لكن لاشكّ أنّه كان هناك آلاف الأحكام التي لم يأت ذكرها، فقام علماء العصور التّالية باستنباطها من قواعد الشّريعة، وجاء أفراد منهم باستنتاجات متضاربة من الأوامر المنزّلة الأصليّة، وقد طُبِّقَت جميعها. اليوم عمليّة الاستنباط هذه ترجع إلى بيت العدل، ولا يُعْتَمَد على ما يستنبطه أو يستنتجه العلماء إلاّ إذا صادق عليه بيت العدل. الفرق هو هذا: أنّه لن يحصل اختلاف ممّا تستنتجه وتصدّق عليه هيئة بيت العدل الذي انتخب أعضاؤه وعرفهم عموم الجامعة البهائيّة بالعالم، بينما ما يستنتجه أفراد العلماء والحكماء يكون حتماً باعثاً للتّفرقة والتّشتّت والتّبديد، وسبب اضمحلال وحدة كلمة دين الله وتزلزل بنيان شريعة الله.
(مترجم من كتاب «رحيق مختوم»– مجلد 1 ص 1/372، الخطوط العريضة أصلها عربي)
9. تكامل أهداف المؤسساتيوجد في نظم حضرة بهاء الله مهام معيّنة تنفرد بها مؤسّسات بذاتها دون سواها، كما توجد مهام مشتركة فيما بينها حتى لو كانت هذه المهام واقعة بقدر أكبر في مجال اختصاص هذه المؤسسة أو تلك. فمثلاً، في الوقت الذي يختص أيادي أمر الله بمهمّة حماية ونشر أمر الله، ويتفرّغون لهذه الأعمال، فإنّ بيت العدل الأعظم والمحافل الرّوحانية أيضا عليها حماية وتبليغ أمر الله. بل إنّ التبليغ فريضة مقدّسة وضعها حضرة بهاء الله على عاتق كلّ مؤمن. وبالمثل، بينما انفرد حضرة وليّ أمر الله بصفة المبيّن لكلمات الله من بعد حضرة المولى، ومع أنّ مهمّة التّشريع مقصورة على بيت العدل الأعظم، إلاّ أنّ حضرة شوقي أفندي قال إن هاتين المؤسّستين «مكمّلتين لبعضهما في الهدف والمقصد.» «هدفهما المشترك والأساسي هو ضمان استمرار تلك السّلطة الإلهيّة الأصل الجارية من منبع ديننا العزيز وحفظ وحدة أتباعه وصيانة سلامة تعاليمه ومرونتها.» وفي حين أنّه لا يمكن لبيت العدل الأعظم القيام بأيّ مهمّة من المهام المقصورة على حضرة وليّ أمر الله، مع ذلك عليه السعي لتحقيق الهدف الذي يشترك فيه مع ولاية الأمر.
وكما أشرتم واستشهدتم بالعديد من البيانات المباركة، فقد أكّد حضرة شوقي أفندي مراراً وتكراراً عدم انفصال هاتين المؤسّستين عن بعضهما. ومع أنّه من الواضح أن حضرته أخذ في الاعتبار إمكانيّة عملهما معاً، إلاّ أنّه لا يمكن الاستنتاج من هذا أن الواحدة لن تعمل في غياب الأخرى. فقد قام حضرة شوقي أفندي بولاية الأمر خلال ستة وثلاثين عاماً بدون بيت العدل الأعظم. والآن بيت العدل الأعظم يجب أن يعمل دون وليّ للأمر، ولكن مبدأ تلازم هاتين المؤسستين يبقي قائماً. إنّ ولاية الأمر لا تفقد أهميتها ولا مكانتها في نظم حضرة بهاء الله لمجرّد أنّه لا يوجد وليّ للأمر على قيد الحياة. يجب علينا الاحتراز من نقيضين: أولهما الاحتجاج بأنه طالما لم يعد لدينا ولى للأمر، فإنّ كل ما كتب عن ولاية الأمر ومكانتها في نظم حضرة بهاء الله العالمي شيءُ انتهى ولا قيمة له، والآخر أن تغمرنا عظمة ولاية الأمر بدرجة تجعلنا نستهن في تقديرنا بقوّة العهد والميثاق، أو ننزلق إلى التّهاون بمحكم الكتاب لكي نجد بطريقة ما «وليّاً للأمر».
10. الأمانة والتّواضعإنّ خدمة أمر الله تحتاج إلى الإخلاص الصّرف والنزاهة الكاملة، والإيمان الرّاسخ بالله. وإذا أخذنا مسئوليّة مستقبل أمر الله في أيدينا وحاولنا دفعه في طرق نحن نريده أن يسير فيها بغض النظر عن النّصوص الصريحة ودون مراعاة لعجزنا وقصورنا، فهذا سوف لن يجلب أيّ خير بل سيأتي فقط بالشرّ. فالأمر أمره هو، وهو الذي وعد بأنّ نور أمره لن يُطفى. إنّ دورنا هو التّمسّك بالكلمة المنزّلة والتّشبّث بالمؤسّسات التي بعثها الله لحماية عهده وميثاقه.
لأنّه في هذا الخصوص بالذّات يجب على المؤمنين أن يدركوا أهميّة الأمانة والتّواضع الفكري. لقد وقعت أخطاء عديدة في الدّورات السّابقة لأنّ المؤمنين بالظهور الإلهي كانوا متلهفين أكثر من اللاّزم على استيعاب الرّسالة الإلهيّة في إطار إدراكهم المحدود، وتوضيح معتقدات يفوق توضيحها طاقاتهم، وشرح أمور غيبيّة لم يكن من الممكن إدراكها إلاّ بحكمة وتجربة عصر لاحق، والمجادلة لإثبات شيء لمجرّد أنّه مرغوب فيه أو لأنّه في الظاهر ضروري. مثل هذه المساومات على الحقيقة الجوهريّة، ومثل هذا الغرور الفكري، علينا الابتعاد عنه بكلّ ما لدينا من قوّة.
على الأحبّاء أن يدركوا بأنّه إن كانت بعض بيانات بيت العدل الأعظم تنقصها التفاصيل، فإنّ السّبب في هذا ليس السّريّة، بل تصميم هذه الهيئة على تجنّب أيّة تبيين للآثار المباركة، وعلى المحافظة على صدق بيان حضرة وليّ أمر الله حيث تفضّل: «ليس لرؤساء الأديان، ولا لأصحاب النظريّات السّياسيّة، ولا لحكّام المؤسّسات الإنسانيّة... أن يكون لديهم أيّ شكّ أو تخوّف فيما يخصّ جوهر أو مصدر أو شرعيّة المؤسّسات التي يعمل أتباع أمر الله على تشييدها بجميع أنحاء العالم، لأنها جزء لا يتجزأ من التّعاليم الإلهيّة نفسها، تبقى محفوظة من أن تـمسّها أو تغشاها استنتاجات غير مسموح بها أو تفاسير غير معتمدة من كلمته العليا».
11. التّمييز بين التبيين المعتمد والفهم الفردييوجد في أمرنا المبارك تمييز واضح بـين التبيين المعتمد والتّفسير أو الفهم الذي يصل إليه كلّ فرد لنفسه من دراسته للتّعاليم البهائيّة. ففي الوقت الذي يكون الأوّل مقصورا على حضرة وليّ أمر الله، فإنّ الثاني كما يوضّح لنا حضرته، يجب ألاّ يُكْبَت بأيّ حال من الأحوال. إنّ مثل هذه التفاسير الفردية هي في الواقع ثمرة القوة المفكرة للإنسان التي تساعد على الوصول إلى فهم أفضل للتّعاليم، بشرط ألاّ يكون ذلك سببا للنّزاع والجدال بين الأحبّاء، وأن يفهم الفرد نفسه هذا، ويوضّح أنّ آراءه ما هي إلاّ وجهة نظره الشّخصيّة. فالتفاسير الشخصية دائما ما تتغير مع نموّ الفرد في فهمه للتّعاليم. وقد وضّح لنا حضرة شوقي أفندي تلك النقطة في رسالة كتبها سكرتير حضرته لأحد المؤمنين بتاريخ 25 أغسطس 1926 جاء فيها ما يلي: «التّعمّق في أمر الله يعني أن نقرأ آثار حضرة بهاء الله وحضرة المولى بإمعان وعناية بحيث يمكننا تقديمها إلى الآخرين في صورتها الصحيحة. هناك الكثير ممّن لديهم فكرة سطحيّة عمّا يمثّله أمر الله. فيقدّمونه مع العديد من المفاهيم الناتجة من أفكارهم الشخصية. وبما أن أمر الله ما زال في أول عهده، علينا أن نحذر كلّ الحذر خشية أن نقع في مثل هذا الخطأ ونسيء إلى الدعوة التي نكنّ لها كلّ محبّة. دراسة الأمر المبارك لا تحدها الحدود، فكلّما ازدادت قراءتنا للآثار المباركة كلما تراءى لنا المزيد من الحقائق الكامنة فيها واتضح لنا شيئا فشيئا أن انطباعاتنا الشّخصيّة السّابقة كانت غير صحيحة.» لذلك، في الوقت الذي يمكن للمفاهيم الشّخصيّة أن تكون نوراً وهدى، يمكن أيضا أن تكون سبب ضياع. على الأحبّاء إذاً أن يستمعوا إلى وجهات نظر بعضهم البعض من دون خوف ولا وجل، ومن دون أن يتركوها تؤثّر على إيمانهم، ويعبروا بدورهم عن وجهات نظرهم، دون فرضها على زملائهم في أمر الله.
إنّ أمر الله عضويّ، يكبر وينمو مثل الكائن الحيّ. لقد واجه أمر الله من الأزمات ما حيّرت المؤمنين المرّة تلو الأخرى، إلاّ أنه كان يتغلب في كل مرة على الأزمة ويرقى إلى مراتب أعلى، مدفوعا إلى العلى بمشيئة الله النافذة.
12. الحفاظ على أمر اللهمهما عظم قصورنا في فهم السرّ الغيبيّ لصعود حضرة شوقي أفندي ومغزاه، فإنّ العهد والميثاق يبقى هو الحبل المتين الذي على الجميع التّمسّك به بثقة وثبات. كما تبقى الكلمات الرائعة القويّة التي تفضّل بها حضرة عبد البهاء في ألواح وصاياه الحافظة لأمر الله في هذه الآونة مثلما كانت حين صعود حضرته:
ومرجع الكل – الكتاب الأقدس – وكلّ مسألة غير منصوصة ترجع إلى بيت العدل العمومي، وكلّ ما يقرّره بيت العدل بالاتّفاق أو بأكثرية الآراء هو حقّ وهو مراد الله. من تجاوز عنه فهو ممّن أحبّ الشقاق وأظهر النّفاق وأعرض عن ربّ الميثاق...»
ثمّ:«... بل الكلّ يقتبس من مركز الأمر وبيت العدل – وما عداهما، كلّ مخالف في ضلال مبين وعليكم البهاء الأبهى».
إنّ بيت العدل الأعظم الذي قال عنه حضرة وليّ أمر الله أنّ الأجيال القادمة سوف تراه «كالملجأ الأخير لحضارة مترنّحة»، هو الآن، وفي غياب وليّ أمر الله، الهيئة الوحيدة الملهمة المعصومة في العالم التي على الكلّ أن يتوجّه إليها، والتي يقع على عاتقها مسئوليّة صيانة وحدة أمر الله وتقدمه طبقاً للكلمة المنزّلة. هناك بيانات من المولى ووليّ الأمر تدلّ على أن بيت العدل الأعظم، فضلاً عن كونه أعلى هيئة تشريعيّة في الأمر المبارك، هو أيضا تلك الهيئة التي على الكلّ أن يتوجه إليها، وأنّه «قمّة» النّظام الإداري البهائي، و«الأداة العليا لرابطة الشّعوب (كومونولث) البهائيّة». لقد عيّن حضرة وليّ أمر الله في آثاره المباركة وظائف أساسيّة لبيت العدل الأعظم منها وضع خطط عالميّة لتبليغ أمر الله، وإدارة الأمور الإداريّة للأمر، وتوجيه شؤون أمر الله وتنظيمها وتوحيدها في جميع أرجاء العالم. وقد ورد من قلم حضرة وليّ أمر الله في «كتاب القرن البديع» أنّ:
«الكتاب الأقدس ....لم يحتفظ للأجيال بالشرائع الأساسيّة والأحكام الجوهريّة التي يقوم عليها صرح النّظام العالمي المقبل فحسب، بل واختص خليفته بمهمّة التبيين كما نصّ على الهيئات التي لا يمكن للدّين أن تصان سلامته ويؤمن تماسكه وصلابته إلاّ بها هي وحدها».
(القرن البديع ص 260 و261)كذلك تفضّل في توقيع «دورة بهاء الله» في حقّ أعضاء بيت العدل الأعظم:
إنّهم هم الّذين «يلهمهم ما يشاء»، وليس جمهور الّذين ينتخبونهم بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وهم الّذين جُعِلُوا محط هذه الهداية الإلهيّة، وهي التي في آن واحد قوام حياة(10) هذا الظهور وسبب حفظه وحمايته...
لقد أعلن بيت العدل الأعظم سلفاً، أنّه لا يمكنه التّشريع بما يسمح بتعيين خليفة لحضرة شوقي أفندي، ولا التّشريع بما يسمح بتعيين أيادي أمر الله آخرين، ولكن عليه عمل كلّ ما في استطاعته لضمان استمرار أداء الوظائف التي يشترك فيها مع هاتين المؤسّستين العظيمتين. ثمّ عليه توفير الوسيلة أيضاً لضمان استمرار مهام حماية ونشر أمر الله في المستقبل، وهي مهام تشترك فيها الهيئات الإداريّة مع ولاية الأمر وأيادي أمر الله؛ وفي غياب وليّ أمر الله عليه أيضا استلام حقوق الله والتصرّف فيها بمقتضى بيان حضرة عبد البهاء: «التّصرّف في الحقوق كلّيّـاً أو جزئيّـاً جائز، ولكن بعد إذن وإجازة مرجع الأمر»؛ كما أن على بيت العدل اتخاذ الترتيبات بحيث يحتوي دستوره على الإجراءات اللازمة لإقالة أيّ عضو من أعضائه إذا ارتكب «ذنباً يلحق ضرّه العموم». وفوق كلّ شيء عليه القيام، بإيمان راسخ بحضرة بهاء الله، على إعلان أمره وتطبيق أحكامه حتّى يتحقّق الصلح الأعظم في هذا العالم ويتأسّس ملكوت الله على الأرض.
(مترجم من رسالة لبيت العدل الأعظم بتاريخ 27 مأيّو 1966 إلى أحد الأفراد)
13. دورة بهاء اللهلقد تمّ النظر مليّا في رسالتك الأخيرة التي وردت فيها أسئلة خطرت لبعض الشّباب في معرض دراستهم لتوقيع «دورة بهاء الله»، ورأينا أنّه يجب إبداء بعض الملاحظات حول الفقرة الواردة بالتّوقيع المبارك التي ذكرتها في رسالتك، وكذلك حول فقرة أخرى لها صلة بالموضوع وردت أيضاً في نفس التّوقيع، لأنّ الفقرتين تتحدثان عن العلاقة بين ولاية الأمر وبيت العدل الأعظم.
الفقرة الأولى تخصّ مسئوليّة وليّ أمر الله بأن يصرّ على إعادة النظر من طرف زملائه الأعضاء ببيت العدل الأعظم في أيّ تشريع يعتقد حضرته أنّه يتعارض مع مضمون النصوص المقدسة وينحرف عن روحها. والفقرة الثّانية تخصّ عصمة بيت العدل الأعظم في غياب وليّ الأمر، وبالذّات بيان حضرة شوقي أفندي أنّه:
«بدون مؤسّسة كهذه (أيّ ولاية الأمر)... تصبح الهداية اللاّزمة لتحديد دائرة العمل التّشريعي لممثليه المنتخبين مسلوبة تماما.»
لقد أشرتَ إلى أنّ بعض الشّباب كانوا في حيرة من التّوفيق بين أولى الفقرتين والبيانات الأخرى مثلما جاء في ألواح وصايا حضرة عبد البهاء التي تؤكد أن بيت العدل الأعظم «مصونٌ من كلّ خطأ».
وكما أن ألواح وصايا حضرة عبد البهاء لا تتعارض بأي حال من الأحوال مع «الكتاب الأقدس»، بل إنّها، كما تفضّل حضرة وليّ الأمر، «تـؤكّد وتكمّل وتربط بين ما جاء في الكتاب الأقدس»، كذلك فإنّ ما كتبه وليّ أمر الله لا يتعارض مع الكلمة المنزّلة ولا مع بيانات حضرة المولى. عندما يحاول الفرد فهم الآثار المباركة، عليه أن يدرك أوّلاً، أنّه لا يوجد ولا يمكن أن يوجد أيّ تضارب بينها. في ضوء هذا الفهم، يمكننا أن نبحث بكلّ ثقة عن وحدة المعنى الموجودة فيها.
يشترك وليّ أمر الله وبيت العدل الأعظم في مسئوليّات ووظائف معيّنة، في حين أن كلّ منهما يعمل أيضاً في مجال منفصل وواضح المعالم. يتّضح هذا من الشرح التالي لحضرة شوقي أفندي:
من هذه البيانات يتّضح ويتأكد بما لا شكّ فيه، أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ المبيّن لكلمات الله وأنّ بيت العدل الأعظم قد مُنِحَ سلطة التّشريع في الأمور التي لم تكن منصوصة صراحة في الكتاب. إنّ تبيين وليّ أمر الله، وهو يعمل في دائرته، له نفس السّلطة والإلزام مثل القوانين التي يصدرها بيت العدل العمومي، الذي ينفرد بحق وامتياز إبداء الرأي وإصدار الحكم النهائي فيما يتعلّق بالأوامر والأحكام التي لم ينصّ عليها حضرة بهاء الله صراحة.
ثمّ يستمرّ حضرته ويؤكّد:لا يمكن لأيّ منهما في الحال أو الاستقبال، أن يتعدى على المجال المقدس المحدّد للآخر. ولن يسعى أيّ منهما إلى النّيل من النفوذ الواضح الدّقيق الوثيق الذي منحه الله لكلّ منهما.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
من المستحيل أن نتخيّل أنّه يمكن أن يحدث خلاف أو تعارض بين مركزين للسلطة يقول عنهما حضرة المولى: «كلاهما تحت حفظ وصيانة الجمال الأبهى وحراسة العصمة الفائضة من حضرة الأعلى»، لأنّ كليهما قناة لنفس الهداية الإلهيّة.
وإلى جانب مهمته كمشرع للقوانين والأحكام، أنيط بيت العدل الأعظم بمهام حماية الأمر وإدارة شئونه، وحلّ المسائل الغامضة والفصل في الأمور التي هي موضع الخلاف. لا يوجد أيّ نصّ يقول إنّ عصمة بيت العدل الأعظم تستند إلى عضوية وليّ أمر الله أو تواجده بتلك الهيئة. إذ أكّد حضرة عبد البهاء صراحة في ألواح وصاياه المباركة، وكذلك حضرة شوقي أفندي في توقيع «دورة بهاء الله» بأن أعضاء بيت العدل الأعظم المنتخبين يتلقون مددا لا ينقطع من الهداية الإلهية عندما يجتمعون للمشاورة. وعلاوة على هذا، فقد أكّد حضرة وليّ أمر الله في كتاب «نظم بهاء الله العالمي(11)» على أنّه:
يجب أن يكون مفهوماً أيضاً وبكلّ وضوح لدى كل فرد من أفراد المؤمنين، أن مؤسّسة ولاية الأمر لا تلغي بأيّ حال من الأحوال، ولا تنتقص بأيّة درجة مهما كانت ضئيلة، أيّا من السّلطات التي منحها حضرة بهاء الله إلى بيت العدل الأعظم في كتابه الأقدس، وهي ما أكّد عليها مرارًا وبإجلال حضرة عبد البهاء في ألواح وصاياه المباركة. إنّها لا تشكّل بأيّ وجه من الوجوه أيّ تناقض مع وصيّة حضرة بهاء الله وآثاره المباركة، ولا تبطل أيّا من أوامره المنزّلة.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
ومع أنّ وليّ أمر الله قد اختصّ بمسئوليّة المبيّن لكلمات الله، إلاّ أنّ حضرته قد مُنِحَ أيضا كل السّلطات والصلاحيّات اللازمة للقيام بمهام وليّ أمر الله ورأس أمر الله وحاميه الأعلى. وقد جُعل حضرته أيضا الرئيس الذي لا ينعزل للهيئة التّشريعيّة العليا للدّين البهائي وعضوها الدائم مدى الحياة. ويشترك حضرته في عمليّة التّشريع بصفته رئيساً لبيت العدل الأعظم وعضواً بتلك الهيئة. وإذا اعتبرنا أنّ الفقرة التّالية، وهي التي أثارت سؤالك، تشير إلى هذه العلاقة الأخيرة، فإنّك سترى بأنّه لا يوجد تعارض بينها وبين النّصوص الأخرى:
وعلى الرّغم من أنّ وليّ أمر الله قد جُعِلَ الرئيس الدّائم لهيئة بهذا الجلال، إلاّ أنّه لا يمكنه أبداً، حتّى ولو بصورة مؤقتة، أن يباشر حقّ التّشريع المقصور (على بيت العدل الأعظم). ولا يمكنه أن يتجاوز قرارا اتّخذه غالبية رفاقه الأعضاء، ولكنّه ملزَم في نفس الوقت بالإصرار على مطالبتهم بإعادة النّظر في أيّ تشريع يعتقد بضميره أنّه يتعارض مع معنى الآثار المنزّلة لحضرة بهاء الله أو يحيد عن روحها.
(من توقيع بعنوان دورة بهاء الله مؤرّخ 8 فبراير 1934 – مترجم عن الإنجليزيّة.)
ومع أن وليّ أمر الله، في علاقته مع رفاقه الأعضاء داخل بيت العدل الأعظم، لا يمكنه تجاوز قرار الأغلبيّة، لا يمكن أن يعقل أن الأعضاء الآخرين سيتجاهلون أيّ اعتراض يكون قد أبداه حضرته أثناء المشاورة أو يصدرون تشريعاً يتناقض مع ما اعتبره حضرته متفقاً مع روح الأمر المبارك؛ لأنّ الحكم النهائي الذي يصدره بيت العدل الأعظم هو الذي تصونه العصمة، وليست أيّ آراء طرحت في أثناء عمليّة التّشريع.
هكذا يصبح واضحا أنّ بيانات حضرة المولى بخصوص الهداية الإلهيّة المستمرّة الموهوبة لبيت العدل الأعظم، لا تتعارض مع الفقرة المذكورة آنفا من توقيع «دورة بهاء الله».
وقد يساعد الأحبّاء على فهم تلك العلاقة إذا ما اطلعوا على بعض العمليّات التي يتّخذها بيت العدل الأعظم عند قيامه بالتشريع. يولي بيت العدل الأعظم بطبيعة الحال كلّ العناية أولاً بدراسة النّصوص المقدّسة وبيانات حضرة وليّ أمر الله، ويأخذ في الاعتبار وجهات نظر جميع الأعضاء. بعد التشاور المستفيض تبدأ عمليّة وضع صيغة تمهيديّة للقرار. خلال هذه العمليّة قد يعاد النظر كلّيّـاً في الموضوع. وقد يترتب على إعادة النّظر هذه أن يختلف القرار النهائي تماما عن الرأي الذي كان مرجحاً في البداية، أو أنّه قد يتقرّر صرف النّظر آنذاك عن إصدار أيّ تشريع في تلك المسألة. للمرء أن يقدّر إذاً، ما كان سَيُوْلَى لآراء حضرة وليّ أمر الله من الاهتمام الكبير في معرض عملية التشريع هذه، لو كان حضرته موجوداً على قيد الحياة.
وإذا تمعنّا في الفقرة الثانية من بيانات حضرة وليّ أمر الله المذكورة أعلاه، فلا بدّ أن يتضح لنا مرة أخرى، أن علينا التمسّك بمبدأ كون التعاليم المباركة متّفقة مع بعضها البعض ولا تتعارض بتاتاً فيما بينها.
14. ولاة لأمر الله آخرون في المستقبلتشير النّصوص المباركة بوضوح إلى ولاة للأمر آخرين في المستقبل، إلاّ أنّه لا يوجد أيّ وعد أو ضمان أن سلسلة ولاة أمر الله سوف تستمرّ إلى الأبد. على العكس من ذلك، هناك مؤشرات واضحة على إمكانية انقطاع تسلسلها. ولكن، وعلى الرّغم من ذلك، هناك إصرار متكرّر في الآثار المقدّسة على مناعة العهد والميثاق وثبات المقصد الإلهي لهذا اليوم.
أحد النصوص الأكثر صراحة التي تفترض إمكانية حدوث انقطاع كهذا في سلسلة ولاية الأمر توجد في الكتاب الأقدس نفسه، إذ يطالعنا بقوله:
قد رجعت الأوقاف المختصّة للخيرات إلى الله مظهر الآيات ليس لأحد أن يتصرّف فيها إلاّ بعد إذن مطلع الوحي ومن بعده يرجع الحكم إلى الأغصان ومن بعدهم إلى بيت العدل إن تحقّق أمره في البلاد ليصرفوها في البقاع المرتفعة في هذا الأمر وفيما أمروا به من لدن مقتدر قدير وإلاّ ترجع إلى أهل البهاء الّذين لا يتكلمون إلاّ بعد إذنه ولا يحكمون إلاّ بما حكم الله في هذا الّلوح أولئك أولياء النصر بين السموات والأرضين ليصرفوها فيما حدّد في الكتاب من لدن عزيز كريم.
(الكتاب الأقدس الفقرة 42)صعود حضرة شوقي أفندي في سنة 1957 عجّل هذا الوضع الذي أوردته الفقرة المذكورة، إذ انقطعت سلسلة الأغصان قبل انتخاب بيت العدل الأعظم. ومع أنّ النصوص أشارت إلى إمكانيّة انقطاع سلسلة الأغصان في أيّ وقت من الأوقات، فإنّ علينا ألاّ نستهين بالخسارة الجسيمة التي أصابت أمر الله بانقطاع هذه السّلسلة. ومع ذلك يبقى ما يريده الله للبشرية ثابتا لا يتغير، ويظل عهد وميثاق حضرة بهاء الله المتين حصنا منيعا. ألم يتفضل حضرة بهاء الله بهذا التأكيد المطلق:
...إنّه وضع أمره على أساس ثابت راسخ متين لا تزعزعه أرياح العالم ولا إشارات الأمم...
ثمّ يؤكّد حضرة عبد البهاء بقوله:يفعل الله ما يشاء، لا يبطل عهده من شيء، لا يُوْقِفُ عنايته أو يقاوم أمره من شيء.
(مترجم عن الإنجليزيّة)كلّ شيء معرض للانحلال ولكن عهد ربّك سوف يسري في كلّ الأرجاء.
(مترجم عن الإنجليزيّة)امتحانات كلّ دور بمقدار عظمة ذلك الدّور، وبما أنّه لم يبرم حتّى الآن عهد بيّن مثل الذي خطّه القلم الأعلى، فإنّ الامتحانات ستكون خطيرة بنفس القدر... أمّا شبهات النقض فهي مثل زبد البحر... ليس لزبد البحر بقاء عن قريب سوف يذهب ولن يكون له وجود، في حين يبقى بحر الميثاق عارماً موّاجاً.
(مترجم عن الفارسيّة)الأساس المتين الذي يقوم عليه هذا النّظام الإداري إنّما هو إرادة الله الثابتة للبشريّة في هذا اليوم.... هذه الجوهرة الفريدة للرسالة الإلهية، التي مازالت في طور الجنين، سوف تنمو في صدف شريعته لتمضي قدما إلى الأمام، لا يفرقها فارق ولا يعوقها عائق إلى أن تحتضن البشريّة جمعاء.
(مترجم عن الإنجليزيّة)تعيّن في الدّين البهائي مركزان للسلطة يجب أن يتوجّه إليهما المؤمنون، لأنّ مبيّن الكلمة هو في الحقيقة امتداد لذلك المركز الذي هو الكلمة نفسها. الكتاب هو السجلّ لما نطق به حضرة بهاء الله في حين أن المبيِّن الملهم من الله هو الناطق الحيّ لذلك الكتاب – وله وحده دون سواه السلطة لتحديد ما يعنيه الكتاب. وبناءً عليه فان احد المركزين هو الكتاب ومبينّه، والمركز الآخر هو بيت العدل الأعظم المؤيّد من الله ليبتّ فيما ليس منصوصاً صراحة في الكتاب. هذا النموذج للمراكز وعلاقتها ببعضها موجود في كلّ مرحلة من مراحل تجلّي أمر الله. ففي الكتاب الأقدس، يوصي حضرة بهاء الله المؤمنين بالرجوع بعد صعوده إلى كتاب الله وإلى «من أراده الله الذي انشعب من هذا الأصل القديم». ويوضّح حضرته في «كتاب عهدي» أن المقصود من هذا المرجع هو حضرة عبد البهاء. وينصّ حضرة بهاء الله في الكتاب الأقدس أيضاً على مؤسّسة بيت العدل الأعظم ويمنحها الصلاحيّات اللازمة للقيام بوظائفها المقرّرة لها. كما ينصّ حضرة المولى في ألواح وصاياه بكل جلاء على مؤسسة ولاية الأمر وهي التي قال عنها حضرة شوقي أفندي أنّ آيات الكتاب الأقدس قد أشارت إليها بكل وضوح. ثمّ يؤكد المولى في ألواح وصاياه سلطات بيت العدل الأعظم ويتناولها بالشرح والتوضيح، ويدعو المؤمنين مرّة أخرى إلى الرّجوع إلى الكتاب: «مرجع الكلّ – الكتاب الأقدس – وكلّ مسألة غير منصوصة ترجع إلى بيت العدل العمومي.»، ويختم ألواح وصاياه بقوله: «... فليس لنفس حقّ في رأي واعتقاد مخصوص، بل الكلّ يقتبس من مركز الأمر وبيت العدل – وما عداهما، كلّ مخالف في ضلال مبين وعليكم البهاء الأبهى.»
بما أن سلطة بيت العدل الأعظم في الأمور التّشريعية تنبسط على ما لم يرد صراحة في النصّ المقدّس، يصبح من الواضح أن الكتاب هو أعلى سلطة وهو الذي يحدّد مجال عمل بيت العدل. وبنفس الكيفية لابد وأن يكون لمبيّن كلمات الله سلطة تحديد مجال التّشريع لوكلاء أمر الله المنتخبين. إنّ بيانات حضرة وليّ أمر الله وتوجيهاته خلال ستة وثلاثين سنة من ولايته لأمر الله، تبيّن الطريق الذي انتهجه حضرته في قيامه بتلك المهمّة حيال كلّ من بيت العدل الأعظم والمحافل الرّوحانية المركزيّة والمحليّة.
أن يكون لدى حضرة وليّ أمر الله السّلطة لتحديد مجال العمل التّشريعي لبيت العدل الأعظم، لا يعني ضمناً أنّه بدون تلك الهداية قد يخرج بيت العدل الأعظم عن حدود سلطته؛ إنّ مثل هذا الاستنتاج يتنافى مع سائر النصوص المباركة التي تشير إلى عصمة بيت العدل، وبالتحديد، مع تأكيد حضرة وليّ الأمر الواضح أنّه لا يمكن لبيت العدل الأعظم في الحال أو الاستقبال أن يتعدى على المجال المقدس الذى تحدّد لولاية الأمر. وفي حين أنّه من الممكن أن تشمل الهداية الإلهيّة المحافل الروحانيّة المركزيّة والمحليّة إذا كانت مشاوراتها مطابقة للروح التي وصفها حضرة عبد البهاء، إلاّ أنّ تلك المحافل الروحانيّة لا تتمتّع بنفس الضمانات الصّريحة للعصمة الموهوبة إلى بيت العدل الأعظم. يمكن لأيّ طالب مجتهد في أمر الله أن يشاهد مدى العناية التي أولاها حضرة وليّ أمر الله، بعد صعود حضرة عبد البهاء، في توجيه وكلاء المؤمنين المنتخبين للقيام على تشييد صرح النظام الإداري وصياغة الدّساتير البهائيّة المركزيّة والمحليّة.
أملنا أن تساعد هذه التوضيحات الأحبّاء على فهم تلك العلاقات بوضوح أكبر، ولكن علينا جميعاً أن نتذكّر أنّنا نقف قريباً جدّاً من بداية ذلك «الترتيب(12)» الذى أعلن عنه حضرة بهاء الله، بدرجة لا تمكننا من أن ندرك إدراكا كاملاً إمكانياته المكنونة والأواصر التي تربط بين العناصر التي تكوّنه. فقد كتب سكرتير حضرة شوقي أفندي نيابة عن حضرته إلى أحد أفراد المؤمنين بتاريخ 25 مارس 1930: «ما تتضمنه وصيّة المولى أكثر بكثير من أن يدركه الجيل الحالي. إذ أنه يحتاج إلى ما لا يقل عن مائة سنة من العمل قبل أن تظهر كنوز الحكمة المكنونة فيها...»
(من رسالة لبيت العدل الأعظم بتاريخ 7 ديسمبر 1969 إلى أحد المؤمنين)
(1 World's future super-state4) صهيون هو جبل في القدس، المكان المعروف بوجود قبر الملك داود ويرمز إلى القدس كمدينة مقدّسة
5) Divine Economy9) ترجمت بالمركز العالمي إلى الفارسيّة “حرّاس اعظم” Chief Stewards
10) life-blood