إنّ الأيّام التّسعة التي يحتفل بها البهائيّون فِي كلّ عام لهي أيّام وأعياد مباركة حدّدت فِي النّصوص المقدّسة، ويمجّدها الاحبّاء ويعتبرونها مصدر فيض ملكوتيّ وتأييد سماويّ وموضع عبرة وتذكرة لهم عَلَى ممرّ الأعوام.
ونظرًا لكثرة الألواح والنّصوص المباركة والأذكار الخاصّة والمعلومات التّاريخيّة الغزيرة المرتبطة بهذه الأيّام المباركة والموجودة فِي طيّات الكتب المتعدّدة والمنتشرة بلغات مختلفة، فقد جمع غيض من فيض تلك النّصوص والآثار والبيانات المقدّسة والحوادث التّاريخيّة فِي كتاب واحد هو الأوّل من نوعه باللّغة العربية عَلَى غرار الكتاب المنشور باللّغة الفارسيّة سنة ١٠٣بديع، وذلك تسهيلاً لأمر تنظيم هذه المناسبات الرّوحانيّة وتبجيلها كما ينبغي ويليق، وتوقّعًا للحصول عَلَى ما يرجى منها من فيض روحي وانتعاش وجداني.
والفضل فِي إصدار هذا الكتاب يعود للحبيب الرّوحاني الدّكتور شوقي مرعي الذي بذل جهدًا خاصًّا فِي جمع موادّه وترجمتها وترتيبها عاونه فِي ذلك لجنة مختصّة من الاحبّاء أيّده الله وإيّاهم عَلَى نشر كلمته المقدّسة بين العالمين.
هذا ونلفت نظر القارئ الكريم إلى أنّ ما أدرج من النصوص العربيّة المباركة فِي الكتاب متميّزة بتحريك حروفها، وأما ما نقل عَنْ الفارسية أو الإنجليزية من النّصوص المباركة إلى العربيّة فقد طبعت دون وضع الحركات عَلَى حروفها، كذلك الموضوعات التّاريخيّة والبيانات الأخرى عربيّة كَانَتْ أم معرّبة فقد طبعت أيضًا دون تحريك.
وتجدر الإشارة أخيرًا إلى أنّه قد أضيف إلى الكتاب فصل خاصّ بمناسبة صعود حضرة عبد البهآء أوردت فيه النّصوص المباركة والبيانات والتّواريخ المتعلّقة بالاحتفال لذكرى صعوده الذي يعتبر يومًا مخصوصًا دون أن يكون محرّمًا شأن الأيّام التّسعة المقدّسة، إلا أن إحياء ذكراه فِي كلّ عام ضروريّ بناء عَلَى توجيهات حضرة وليّ أمر الله المباركة.
النّاشر"... قَدِ انْتَهَتِ الأَعيادُ إِلى العِيدَينِ الأَعْظَمَيْنِ، أَمَّا الأَوَّلُ أَيَّامٌ فيها تَجَلّى الرَّحْمَنُ عَلَى مَنْ فِي الإِمْكَانِ بأَسْمآئِهِ الحُسْنَى وَصِفَاتِه العُليَا، وَالآخَرُ يَوْمٌ فيهِ بَعَثْنا مَنْ بَشَّرَ النَّاسَ بِهَذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ قامَتِ الأَمْوَاتُ وَحُشِر مَنْ فِي السَّمَوَاتِ والأَرَضِينَ، وَالآخَرَيْن فِي يَوْمَيْنِ كَذَلِك قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ عَلِيمٍ، طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِاليَوْمِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ البَهآء الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِهَذَا الاسْمِ العَظِيمِ، طُوبَى لِمَنْ يُظْهِرُ فِيهِ نِعْمَةَ اللهِ عَلَى نَفْسِهِ إِنَّه مِمَّنْ أَظْهَرَ شُكْرَ اللهِ بِفِعْلِهِ المُدِلِّ عَلَى فَضْلِهِ الَّذي أَحَاطَ العَالَمينَ، قُلْ إِنَّهُ لَصَدْرُ الشُّهُورِ وَمَبْدَئُهَا وَفِيه تَمُرُّ نَفْحَةُ الحَيَوةِ عَلَى المُمْكِناتِ طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَهُ بالرَّوْحِ وَالرَّيْحانِ نَشْهَدُ أَنَّه مِنَ الفَائِزِينَ، قُلْ إِنَّ الْعِيدَ الأَعْظَمَ لَسُلطَانُ الأَعْيَادِ اذْكُرُوا يا قَوْمِ نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُم إِذْ كُنْتُمْ رُقَدآءَ أَيْقَظَكُمْ مِنْ نَسَمَاتِ الوَحْي وَعَرَّفَكُم سَبِيلَهُ الوَاضِحَ المُسْتَقِيمَ".
"يَا قَلَمَ الأَعْلَى قُلْ يَا مَلأَ الإِنشآءِ قَدْ كَتَبْنَا عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ أَيَّامًا
مَعْدُودَاتٍ وَجَعَلْنَا النَّيرُوزَ عِيدًا لَكُمْ بَعْدَ إِكْمالِها كَذلكَ أَضآئَتْ شَمْسُ البَيَانِ مِنْ أُفُقِ الكِتَابِ مِنْ لَدُنْ مالِكِ المَبْدَءِ وَالمآبِ".
وجَاءَ فِي لوح مبارك لحضرة عبد البهاء قوله جلّ ثناؤه:
"في أيّام السّنة هناك تسعة أيّام فِي الحقيقة العمل فيها غير جائز، بعضها وفقًا للنّصوص الإِلهيّة والبعض الآخر يقاس بها، يوما الأوَّل والثّاني من شهر محرّم والأيّام الثّلاثة من عيد الرّضوان واليوم السّبعون بعد النّيروز و يوم النّيروز و اليَوم الثّامن والعشرون من شهر شعبان واليوم الخامس من شهر جُمادى الأولى... إنّ هذه الأيّام التّسعة لا يجوز فيها الاشتغال بالمهن والتّجارة والزّراعة وأيضًا العمل فِي مهام المناصب والوظائف الحكوميّة".
وفي لوح آخر لحضرة عبد البهاء قوله عزّ بيانه:"أمّا تواريخ هذا الظّهور الأعظم بعضها شمسيّ وبعضها قمريّ. عيد الرّضوان وعيد النّيروز وليلة الصّعود شمسيّة ولكنّ العيدين المباركين بصريح الكتاب توأمان ولا يتحقّق هذا إلا بالحساب القمريّ وفي أيّام حضرة بهاءالله المباركة كان عيد بعثة حضرة الأعلى وذكرى استشهاده يحييان بالحساب القمريّ غير أنه لم يصرّح بهما فِي الكتاب الأقدس".
من تواقيع حضرة وليّ أمر الله قوله الأحلى:"تسألون بخصوص الخبّازين والقصّابين وأصحاب مثل هذه المهن التي تنحصر بين الأحباء فِي بعض المناطق عمّا إذا كان هنالك أيّ استثناء لهم فِي هذه الأيّام المحرّمة المتبرّكة للاشتغال فتفضّل حضرته قائلاً أن اكتب أنّ كسر الحدود بأيّ وجه من الوجوه غير جائز والاستثناء غير مقبول وغير محبوب والإهمال والتّهاون فِي هذه الأمور سيُؤدّي إلى مزيد من جرأَة أعداء أمر الله وتجاسرهم".
"يجب عَلَى الموظّفين الإداريّين والأطفال الذين يذهبون إلى مدارس غير بهائية أن يسعوا سعيًا حثيثًا للحصول عَلَى إجازة وإعفائهم من العمل فِي هذه الأيّام، وفي حالة عدم القبول وعدم حصولهم عليها فيجب الطّاعة والانقياد".
* "إنّ الاشتغال بالأمور فِي اللّيل والنّهار كليهما محرّم تحريمًا قاطعًا".
* "إنّ وحدة العمل فِي هذه الأمور الحيويّة هامّ مثل أهميّة رعاية التّعطيل فِي الأيّام المحرّمة وإنّها لمسؤوليّة المحفل الرّوحاني المركزيّ أن يذكّر ويحثّ الأحبّاء بإخلاص فِي أن يقوموا باتّباع هذه القوانين والأوامر الأمريّة وإنّ اجبار تنفيذها لا يسبّب كسرًا لحدود الدّولة وقوانينها".
* "بخصوص بيع الشّاي والمرطّبات فِي السّينما الّتي يملكها غير البهائيّين فإنّ هؤلاء الأحبّاء الذين استأجروا من مالك السّينما القاعة لبيع أنواع المرطّبات يجب أن يبذلوا كل همّة ليحصلوا عَلَى الاذن للإغلاق فِي التّعطيلات البهائيّة. وفي حالة وجود مالك أو شريك غير بهائيّ يرفض منح هذا الإذن فليس هناك طريق آخر غير الطّاعة.
والحالة تكون مختلفة مع المخبز الذي يمتلكه أحد الأحبّاء ففي هذه الحالة ليس هناك مبرّر عَلَى الإطلاق لأن لا يغلق ويعطّل أيّام التّعطيلات البهائيّة لأنّه يوجد دائمًا خبّازون غير بهائيّين يمكن للعموم الشّراء منهم".
* "بالنسبة لسئوالك المتعلّق بالتّقيّد بأيّام العطل البهائيّة فإنّ اليوم البهائيّ يبتدئ من الغروب وينتهي إلى الغروب لذلك تعتبر اللّيلة التي تسبق النّهار الواجب تعطيله ضمن ذلك النّهار وبناء عليه يمتنع العمل فِي هذه الفترة كلّها".
* "أما المحافل واللّجان والمؤسّسات الأمريّة فِي أيّام الأعياد والأحزان فإنّ تعطيلها أحسن وأولى ولكنّ القرار القطعيّ والنهائيّ بهذا الخصوص يرجع لبيت العدل العموميّ".
لائحة بمواعيد الأَيَّام التّسعة٢- ميلاد حضرة بهاء الله: الثّاني من محرم سنة ١٢٣٣ﻫـ
الموافق ﻟ١٢ تشرين الثّاني (نوفمبر) سنة ١٨١٧م٣- إعلان دعوة حضرة الأعلى: ٥ جُمادى الأولى سنة ١٢٦٠ﻫـ
الموافق ﻟ٢٣ أيار(مايو) سنة ١٨٤٤م٦- التّاسع من عيد الرّضوان: ١١ ذو القعدة سنة ١٢٧٩هـ
الموافق ﻟ ٢٩ نيسان(إبريل) سنة ١٨٦٣م٧- الثّاني عشر من عيد الرّضوان: ١٤ ذو القعدة سنة ١٢٧٩هـ
الموافق لـ٢ أيّار (مايو) سنة ١٨٦٣م٨- عيد النّيروز هو عيد رأس السّنة البهائيّة وعيد انتهآء الصّيام ٢١ آذار من كلّ عام.
٩- صعود حضرة بهاء الله: ٢ ذو القعدة سنة ١٣٠٩هـيحيي البهائيّون فِي جميع أنحاء العالم ذكرى صعود حضرة عبد البهآء ليلة الثّامن والعشرين من شهر تشرين الثّاني وطبقًا لما ورد فِي بيانات حضرة وليّ أمر الله يعتبر هذا اليوم من الأيّام المخصوصة التي تحيي ذكراه فِي كلّ عام، إلا أنّ العمل فيه ليس محرّمًا كالمناسبات التّسعة الواردة شرحها وتاريخها طيّ هذا الكتاب، بناءً عَلَى ذلك خصّص فصل مستقلّ لذكرى صعود حضرة عبد البهآء فِي آخر الكتاب.
ملحوظة:١- يحتفل الأحبّاء فِي الأيّام التّسعة المتبرّكة وفقًا للتّاريخ الشّمسيّ فِي جميع أنحاء العالم ما عدا بعض بلدان الشّرق حيث يحيون عيد ميلاد حضرة بهاء الله وعيد ميلاد حضرة الأعلى وعيد إعلان دعوته وذكرى استشهاده بالتّاريخ القمريّ.
٢- سيحيي العالم البهائيّ بأسره فِي المستقبل هذه الاحتفالات موحّدًا طبقًا للتّقويم الشّمسيّ ما عدا الأوّل والثّاني من المحرّم وهما عيدا ميلاد حضرة بهاء الله وحضرة الباب لأنّهما يوم واحد عند الله طبقًا لما أكّده حضرة بهاء الله.
٣- اليوم البهائي يبدأ من الغروب إلى الغروب.٤- بناء عَلَى توقيع مبارك صدر من قلم حضرة وليّ أمر الله لقد حدّد ساعة الاحتفال فِي المناسبات الواردة اعلاه كما يلي:
* عيد بعثة حضرة الباب: ساعتان واحدى عشر دقيقة بعد الغروب.
* اليوم الأوّل من عيد الرّضوان: السّاعة الثّالثة من بعد الظّهر.
* ذكرى استشهاد حضرة الباب: مقارن الظهر.* ذكرى صعود حضرة بهاء الله: السّاعة الثّالثة صباحًا.
* ذكرى صعود حضرة عبد البهاء: السّاعة الواحدة والدّقيقة الثّلاثون بعد منتصف اللّيل.
* وفي سائر الايّام المباركة يحتفل فِي الوقت الذي يراه الأحبّاء مناسبًا.
بعض النّصوص المباركة بخصوص ميلاد حضرة الأعلى:"الميلاد المبارك وقع فِي شهر المحرّم وبذلك رفعه الله بالحقّ وجعله من الأعياد للعباد".
"إنّ ولادة الأقدس الأبهى فِي أوّل فجر الثّاني من محرّم، واليوم الأوّل هو ميلاد المبشّر وكلا اليومين يعتبران يومًا واحدًا عند الله".
" إذا وقع عيد المولود أو البعثة فِي أيّام الصّيام فإنّ حكم الصّوم فِي هذا اليوم مرفوع".
وتفضل حضرة عبد البهاء بقوله الأحلى:" بخصوص يومي المَوْلد فإنّهما كما جَاءَ فِي النّص اليوم الأوّل والثّاني من محرم".
صفحة خالية"أَيْ رَبِّ أَنْتَ أَنْشَأْتَنِي بِفَضْلِكَ فِي مِثْلِ هَذِهِ اللَّيْلَةِ وأَنَا ذَا عَلَى جَبَلٍ وَحْدَهُ، سُبْحَانَكَ لَكَ الحَمْدُ بِمَا أَنْتَ تُحِبُّ فِي مَلَكُوتِ السَّمَواتِ والأَرْضِ، وَلَكَ المُلْكُ فِي غَياهِبِ مَلَكُوتِ الأَمْرِ وَالخَلْقِ، أَيْ رَبِّ قَدْ خَلَقْتَنِي بِفَضْلِكَ وَحَفِظْتَنِي فِي ظُلُماتِ البُطُونِ بِمَنِّكَ وَرَزَقْتَنِي بِدَمِ الحَيَوَانِ بِلُطْفِكَ ثُمَّ لَمَّا صَوَّرْتَنِي بِأَحْسَنِ صُورَةٍ مِنْ فَضْلِكَ وَأَتْمَمْتَ خَلْقِي بِأَحْسَنِ صُنْعٍ مِنْ عِنْدِكَ وَنَفَخْتَ مِنْ رُوحِكَ فِي جَسَدِي بِمُنْتَهَى رَحْمَتِكَ وَظُهُورِ فَرْدَانِيَّتِكَ، هُنَالِكَ قَدْ أَخْرَجْتَنِي مِنْ عَالَمِ البُطونِ إِلى عَالَمِ الظُّهُورِ عُرْيانًا ما كُنْتُ أَعْلَمُ شِيْئًا وَلا أَسْتَطِيعُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ رزَقْتَنِي بِلُطْفِكَ مِنْ لَبَنٍ طَرِيٍّ وَرَبَّيْتَنِي فِي أَيْدِي الأُمَّهَاتِ وَالآبآءِ بِلُطْفٍ جَلِيٍّ حَتَّى عَلَّمْتَنِي مَوَاقِعَ الأَمْرِ مِنْ فَضْلِكَ وَعَرَّفْتَنِي مِنْهَاجَ الدِّينِ مِنْ كِتَابِكَ، فَلَمَّا بَلَغْتُ إِلَى مُنْتَهَى حَدِّ البُلُوغِ أَشْهَدْتَنِي ذِكْرَكَ المَمْنُوعَ وَأَصْعَدْتَنِي إِلَى مَقامٍ مَعْلُومٍ وَرَبَّيْتَنِي هُنالِكَ بِلَطَائِفِ صُنْعِكَ وَرَزَقْتَنِي عَلَى تِلْكَ الأَرْضِ بِأَكْرَمِ آلائِكَ حَتَّى قُضِيَ ما قَضَيْتَ فِي كِتَابِكَ، قَدْ أَصْعَدْتَنِي بَفَضْلِكَ إِلَى أَعْلَى رَوْضَة القُدْسِ وَأَنْزَلْتَنِي بِمَنِّكَ عَلَى حَظِيرةِ الأُنْسِ حَتَّى اسْتَدْرَكْتُ فِيهِ
مِنْ ظُهُوراتِ رَحْمَانِيَّتِكَ وَشُئُونَاتِ فَرْدَانِيَّتِكَ وَتَجَلِّياتِ كِبْريائِيَّتِكَ وَبِدَايَاتِ أَحَدِيَّتِكَ وَنِهَايَاتِ قَيُّومِيَّتِكَ وَآياتِ وَاحِدِيَّتِكَ وَعَلامَاتِ سُبُّوحِيَّتِكَ وَمَقَامَاتِ قُدُّوسِيَّتِكَ ومَا لا يُحِيطُ بِعِلْمِ أَحَدٍ دُونَكَ..."
من مناجاة حضرة الباب"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ إِنَّكّ أَنْتَ علاَّمُ الغُيُوبِ، قَدِّرْ لَنا مِنَ الخَيْرِ ما قَدْ أَحاطَ بهِ عِلْمُكَ. فَإِنَّكَ أَنْتَ المَلِكُ العَزِيزُ المَحْبُوبُ. سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ إَنَّا كُنَّا يَومَئِذٍ مِنْ فَضْلِكَ سائِلِينَ، وإِنَّا كُنَّا يَومَئِذٍ عَلَى رَبَّنَا مُتَوَكِّلِينَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ قَدِّرْ لَنَا مِنَ الخَيْرِ ما يُغْنِينَا عَنْ دُونِكَ فَإِنَّكَ أَنْتَ رَبُّ العَالَمينَ، رَبِّ اجْزِ الَّذِينَ هُمْ يَصْبرُونَ فِي أَيَّامِكَ وَأَثْبِتْ أَفْئِدَتَهُمْ عَلَى صِرَاطِ حَقٍّ قَويمٍ، وَقَدِّرِ اللَّهُمَّ لَهُمْ مِنَ الخَيْرِ ما يُدْخِلُهُم فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَنْزِلْ عَلَى بُيوتِ الَّتِي آمَنَتْ أَهْلُها بَرَكاتِ السَّماءِ عِنْدكَ فَإِنَّكَ أَنْتَ خَيْرُ المُنْزِلِينَ، وَأَرْسِلِ اللَّهُمَّ جُنُودًا لِيَنْصُرُنَّ عِبادَكَ المُؤْمِنِينَ، إِنَّكَ تُبْدِعُ كَيْفَ تَشآءُ بِأَمْرِكَ وإِنَّكَ أَنْتَ المَلِكُ المُبْدِعُ الحَكِيمُ، قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشآءُ مِنْ عِبادِه وَهُوَ الخَلاقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ العَزِيزُ المُبْدِعُ الحَكِيمُ. لَهُ الأَسْماءُ الحُسْنَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَما بَيْنَهُما كُلٌّ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُون. يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَكُلٌّ إِلَيهِ يَنْقَلِبُونَ".
"سُبْحَانَكَ رَبِّ يا مَحْبُوبِي ثَبِّتْنِي عَلَى أَمْرِك ثُمَّ اجْعَلْنِي مِنَ الَّذِينَ ما نَقَضُوا مِيثاقَكَ وَما اتَّبَعُوا أَصْنَامَ ظُنُونِهِمْ. ثُمَّ اجْعَلْ لِي مَقْعَدَ صِدْقٍ عِنْدَكَ وَهَبْنِي مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً أَلْحِقْنِي بِعِبادِكَ الَّذِينَ لا خَوفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أَيْ رَبِّ لا تَدَعْنِي بِنَفْسِي وَلا تَجْعَلْنِي مَحْرُومًا عَنْ
عِرْفانِ مَظْهَرِ نَفْسِكَ. وَلا تَكْتُبْنِي مِنَ الَّذِينَ هُمْ غَفَلُوا عَنْ لِقائِكَ. وَاجْعَلْنِي يا إِلهِي مِنَ الَّذِينَ هُمْ إِلَى جَمَالِكَ يَنْظُرُونَ وَمِنْهُ يَسْتَلِذُّونَ، بِحَيْثُ لَمْ يُبَدِّلُوا آنًا مِنْهُ بِمَلَكُوتِ مُلْكِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَبِكُلِّ ما كَانَ وَمَا يَكُونُ، أَيْ رَبِّ فَارْحَمْنِي فِي تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي أَخَذَتِ الغَفْلَةُ كُلَّ سُكَّانِ أَرْضِكَ. ثُمَّ ارْزُقْنِي يا إِلهِي خَيْرَ ما عِنْدَكَ وإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ الكَرِيمُ الغَفُورُ. وَلا تَجْعَلَنِي يا إِلهِي مِنَ الَّذِينَ هُمْ بِالأُذُنِ صَمَّاءُ وَبِالعَيْنِ عَميآءُ وبِالِلِّسَانِ بَكْمآءُ وَبِالقَلبِ هُمْ لا يَفْقَهُونَ، أَي رَبِّ خَلِّصْنِي مِنْ نارِ الجَهْلِ وَالهَوَى ثُمَّ أَدْخِلْنِي فِي جِوارِ رَحْمَتِكَ الكُبْرَى. ثُمَّ أَنْزِلْ عَلَيَّ ما قَدَّرْتَه لأَصْفِيائِكَ وإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتدرُ عَلَى ما تَشآء وَإِنَّكَ أَنْتَ المُهَيْمِنُ الْقَيُّوم".
بِسْمِ المَوْلُودِ الَّذِيْ جَعَلَهُ اللهُ مُبَشِّرًا لاسْمِهِ العَزِيزِ الْوَدُودِ
لَوْحٌ مِنْ لَدُنَّا إِلَى لَيْلَةٍ فِيهَا لاَحَتِ السَّمَواتُ وَالأَرْضُ مِنْ نَيِّرٍ بِهِ أَنَارَ مَنْ فِي الْعَالَمِينَ، طُوبَى لَكِ بِمَا وُلِدَ فِيكِ يَوْمُ اللهِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ مِصْبَاحَ الْفَلاَحِ لأَهْلِ مَدَائِنِ الأَسْمَاءِ وَأَقْدَاحَ النَّجَاحِ لِمَنْ فِي مَيَادِينِ البَقَآءِ وَمَطْلِعَ الْفَرَحِ وَالابْتِهَاجِ لِمَنْ فِي الإِنْشآءِ، تَعَالى الله فَاطِرُ السَّمَآءِ الَّذِي أَنْطَقَهُ بِهَذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ خُرِقَتْ حُجُبَاتُ الْمَوْهُوْمِ وَسُبُحَاتُ الظُّنُونِ وَأَشْرَقَ اسْمُ الْقَيُّومِ مِنْ أُفُقِ اليَقِينِ، وَفِيهِ فُكَّ خَتْمُ رَحِيقِ الْحَيَوَانِ وفُتِحَ بَابُ الْعِلْمِ وَالْبَيَانِ لِمَنْ فِي الإِمْكَانِ وَسَرَتْ نَسَمَةُ الرَّحْمَنِ عَلَى الْبُلْدَانِ، حَبَّذَا ذَاكَ الْحِيْنُ الّذِي فِيهِ ظَهَرَ كَنْزُ اللهِ الْمُقْتَدِرِ العَلِيْمِ الْحَكِيمِ، أَنْ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ إِنَّهَا الْلَيْلَةُ الأُولى قَدْ جَعَلَهَا اللهُ آيَةً لِلَّيْلَةِ الأُخْرى الَّتِيْ فِيْها
وُلِدَ مَنْ لاَ يُعْرَفُ بِالأَذْكَارِ وَلاَ يُوصَفُ بِالأَوْصَافِ، طُوبَى لِمَنْ تَفَكَّرَ فِيهِمَا إِنَّهُ يَرَى الظِّاهِرَ طِبْقَ البَاطِنِ وَيَطَّلِعُ بِأَسْرَارِ اللهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الَّذِي بِهِ ارْتَعَدَتْ أَرْكَانُ الشِّرْكِ وَانْصَعَقَتْ أَصْنَامُ الأَوْهَامِ وَارْتَفَعَتْ رَايَةُ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَالِي الْوَاحِدُ الْفَرْدُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْمَنِيعُ، وَفِيهَا هَبَّتْ رَائِحَةُ الْوِصَالِ وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْلِقآءِ فِي الْمَآلِ وَنَطَقَتْ الأَشْيَاءُ الْمُلْكُ للهِ مَالِكِ الأَسْمَاءِ الَّذِي أَتَى بِسُلْطَانٍ أَحَاطَ الْعَالَمِينَ، وَفِيهَا تَهَلَّلَ الْمَلأُ الأَعْلَى رَبَّهُمُ الْعَلِيَّ الأَبْهَى وَسَبَّحَتْ حَقَائِقُ الأَسْمَآءِ مَالِكَ الآخِرَةِ وَالأُولَى بِهَذَا الظُّهُورِ الَّذِي بِهِ طَارَتِ الجِبَالُ إِلَى وَجْهِ الْمَحْبُوبِ وَتَحَرَّكَتِ الأَوْرَاقُ مِنْ أَرْيَاحِ الاشْتِيَاقِ وَنَادَتِ الأَشْجَارُ مِنْ جَذْبِ نِدَآءِ المُخْتَارِ وَاهْتَزَّ العَالَمُ شَوْقًا لِلِقَآءِ مَالِكِ الْقِدَمِ وَبُدِعَتِ الأَشْيَاءُ مِنَ الكَلِمَةِ الْمَخْزُونَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ بَهَذَا الاسْمِ العَظِيمِ أَنْ يَا لَيْلَةَ الْوَهَّابِ قَدْ نَرَى فِيكِ أُمَّ الْكِتَابِ أَإِنَّهُ مَوْلُودٌ أَمْ كِتَابٌ لا وَنَفْسِي كُلُّ ذَلِكَ فِي مَقَام الأَسْمَآءِ قَدْ جَعَلَهُ اللهُ مُقَدِّسًا عَنْهَا، بِهِ ظَهَرَ الْغَيْبُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ المَخْزُونُ لاَ وَعَمْرِيْ كُلُّ ذَلِكَ يُذْكَرُ فِي مَقَامِ الصِّفَاتِ وَإِنَّهُ لَسُلْطَانُهَا بِهِ ظَهَرَ مَظَاهِرُ لاَ قَبْلَ إِلهٍ إلاَّ اللهُ طُوبَى لِلْمُوقِنِينَ، إِذًا انْصَعَقَ الْقَلَمُ الأَعْلَى وَيَقُوْلُ يَا مَنْ لاَ تُذْكَرُ بِالأَسْمَاءِ فَاعْفُ عَنِّي بِسُلْطَانِكَ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ، لأَنّي خُلِقْتُ بِإِبْدَاعِكَ كَيْفَ أَقْدِرُ أَنْ أَذْكُرَ مَا لاَ يُذْكَرُ بَالإِبْدَاعِ، مَعَ ذَلِكَ وَعِزَّتِكَ لَوْ أَذْكُرُ مَا أَلْهَمْتَنِيْ لَيَنْعَدِمَنَّ المُمْكِنَاتُ مِنَ الفَرَحِ وَالابْتِهَاجِ فَكَيْفَ تَمَوُّجَاتُ بَحْرِ بَيَانِكَ فِي هَذَا الْمَقَامِ الأَسْنَى وَالْمَقَرِّ الأَعْلَى الأَقْصَى، أَيْ رَبِّ فَاعْفُ هَذَا الْقَلَمَ الأَبْكَمَ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْمَقَامِ الأَعْظَمِ ثُمَّ
ارْحَمْنِيْ يِا مِالِكِيْ وَسُلْطَانِي وَتَجَاوَزَ عَنّي بِمَا اجْتَرَحْتُ بَيْنَ يَدَيْكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْمُعْطِي الْمُقْتَدِرُ الْغَفُورُ الْكَرِيمُ.
مقتطف من لوح «رؤيا» الذي نزّل من قلم حضرة بهاء الله فِي ميلاد حضرة الأعلى:
"... قَدْ تَصَادَفَ هَذَا الذِّكرُ يَومًا فِيه وُلِدَ مُبَشِّري الَّذِي نَطَقَ بِذِكري وَسُلطَاني وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِسَمَاءِ مَشِيَّتِي وَبَحْرِ إِرَادَتِي وَشَمْسِ ظُهُورِي، وَعَزَّزْنِاهُ بِيَوْمٍ آخَر الَّذِي فِيه ظَهَرَ الغَيْبُ المَكٍنُونُ وَالسِّرُّ المَخزُونُ والرَّمزُ المَصُون الَّذِي بِهِ أَخَذَ الاضْطِرَابُ سُكَّانَ مَلَكُوتِ الأَسْمَآءِ وَانصَعَقَ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ إِلاَّ مِنْ أَنقَذْنَاهُ بِسُلْطانٍ مِنْ عِندِنَا وَقُدْرَةٍ مِنْ لَدُنَّا وَأَنا الْمُقْتَدِرُ عَلَى ما أَشَاءُ لا إَلَهَ إِلاَّ أَنَا العَلِيمُ الحَكِيمُ، طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَ اللهِ فِي هَذَا اليَومِ الَّذِي كانَ مَطْلِعَ الظُّهُورِ وَمَشْرِقَ اسْمِي الغَفُورِ وفِيه فاحَتِ النَّفْحَةُ وَسَرَتِ النَّسَمَةُ وَأَخَذَ جَذْبُ الظُّهُورِ مَنْ فِي الْقُبُورِ وَنَادَى الطُّورُ المُلْكُ للهِ الْمُقْتَدِرِ المُتَعالِي العَلِيمِ الخَبِيرِ، وفِيهِ فازَ كُلُّ قاصدٍ بِالمَقْصُودِ وَكُلُّ عَارِفٍ بِالمَعْرُوفِ وَكُلُّ سَالِكٍ بِصِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ، سُبْحَانَكَ يا إِلَهِي بَارِكْ عَلَى أَحِبَّائِكَ ثُمَّ أَنزِل عَلَيْهِم مِنْ سَمَآءِ عَطَائِكَ مَا يَجْعَلُهُم مُنْقَطِعِينَ عَن دُونِكَ ومُتَوَجِّهِينَ إِلَى الأُفُقِ الَّذِي مِنْهُ أَشْرَقَتْ شَمْسُ فَضْلِكَ وَقَدِّرْ يا إِلَهِي ما يَنفَعُهُم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِر المُتَعالي المُعطي البَاذِلُ الغَنِيُّ الكَريمُ".
ولادة حضرة الباب ونشأتهأمّا الباب فاسمه السّيّد علي محمّد وولد فِي مدينة شيراز سنة ١٢٣٥ هجريّة فِي أوّل المحرّم من بيت مشهور بالشّرف والانتماء إلى الرّسول وكان تاريخ ميلاده مطابقًا للحديث المرويّ عَنْ الإمام عليّ (إنّي أصغر من ربّي بسنتين)، وأعلن دعوته بعد أن بلغ من العمر خمسة وعشرين سنة وأربعة أشهر وأربعة أيام، وتوفّي والده وهو طفل وكان والده من نسل النّبي ( وهو السّيّد محمد رضا ومشهورًا فِي جميع إقليم فارس بالتّقوى والفضل وذا احترام عظيم من الجميع، وكان والداه كلاهما من الأشراف ولهما مكانة واحترام من الجميع، وكفله خاله الحاج الميرزا سيد علي أحد الشّهداء فِي الأمر وسلّمه إلى معلم يدعى الشّيخ عابد، ولو أنّ الباب كان غير ميّال للدّرس إلا أنّه أطاع رغبة خاله، وكان الشّيخ عابد المعروف عند تلامذته بـ "شيخُنا" رجلاً صالحًا متفقّهًا، وكان تلميذًا لكلّ من الشّيخ أحمد والسّيّد كاظم ومما حكاه قال: (ذات يوم سألت الباب أن يقرأ فاتحة القرآن بسم الله الرّحمن الرّحيم فلم يقبل قراءتها إلا إذا عرف معناها، فتظاهرت بأنّي لا أعرف المعنى فأجابني "أنا أعرف معنى هذه الكلمات" واستأذن منّي أن يشرحها لي وتكلّم فِي ذلك بطلاوة ومعرفة أدهشتني، وفسّر الله والرّحمن الرّحيم بكيفيّة لم أكن أعرفها مِنْ قَبْلُ ولا سمعتها، وكَانَتْ حلاوة عباراته لا تزال ماثلة فِي مخيّلتي، فشعرت باضطراري أن أرجعه إلى خاله وأن أوصيه بتلك الوديعة الَّتِي عهد بها إليّ قائلاً له: (إني أشعر أنّي لست مستحقًّا أن أعلّم مثل هذا الطّفل الفذّ) وكنت رأيت خاله عَلَى انفراد فِي مكتبه فقلت له: (إنّي أعيده إليك وأعهد بِهِ إلى يقظتك وحمايتك ولا يمكن معاملته كطفل عاديّ، لأنّي أشاهد فيه قوّة عجيبة ممّا لا تظهر إلا من صاحب الزّمان وحده، فالواجب عليك أن تحيطه بكلّ عنايتك ومحبّتك فاحفظه فِي منزلك لأنّه الحق أقول لك لا يحتاج
إلى معلّمين مثلي). ولكنّ خاله أمره بالرّجوع إلى الدّرس ووبّخه قائلاً: (ألم أنصحك أن تتّبع مثال أقرانك وأن تلتزم جانب السّكون وتستمع إلى كلّ كلمة يقولها لك معلّمك). وبناء عَلَى ذلك عاد ولكنّ روحه لم تقف فِي سبيل إفاضة ما لديها من العلم اللّدنيّ بل كَانَتْ تظهر عليه يومًا فيومًا علائم الحكمة الفائقة الحدّ والخارجة عَنْ حدود البشريّة حتى اضطرّ أخيرًا خاله إلى سحبه من المدرسة وإشراكه معه فِي التّجارة، وفيها أظهر نجابة وعظمة وقوّة لا يصل إليها إلا القليل، وبعد بضع سنين تزوّج بأخت الميرزا سيد حسن والميرزا أبي القاسم وولد له ابن يدعى أحمد توفّي سنة ١٢٥٩، وهي السّنة السّابقة لإظهار الدّعوة وكان يقول: (إلهي إلهي لو أعطيتَ لإبراهيمك ألف إسماعيل لفديتهم فرادى وجمعًا فِي سبيل محبتك، فيا محبوب قلبي إنّ فداء أحمد الَّذِي قدّمه عبدك علي محمد فداء عَلَى مذبح محبتك لَنْ يكفي لإطفاء اشتعال شوقه المتأجّج فِي قلبه حتى يفدي قلبه تحت قدمك ويقع جسمه ضحيّة لأقسى أنواع الظّلم فِي سبيلك وحتّى يكون صدره هدفًا لآلاف السّهام فِي مرضاتك وبذلك يسكن اضطراب روحه، إلهي هذا هو مرغوبي، فاجعل اللّهم فداء ابني ووحيدي مقبولاً عندك ومقدّمة لفداء نفسي وكينونتي فِي سبيل مرضاتك، وامنحني فضل سفك دمي وفداء حياتي فِي سبيلك، واجعله يروي وينبت بذور دينك واشمله بقوّتك السّماويّة حتى ينمو ذلك البذر الجديد فِي قلوب الرجال وينتعش ويعظم إلى أن يصير شجرة كبيرة وتجتمع وتستظلُّ الأمم والأقوام تحت ظلها فأجب يا إلهي دعائي وأتمم لي مراد قلبي إِنَّك أَنْتَ القويّ الكريم).
وكان السّيّد كاظم عَلَى تمام العلم باقتراب السّاعة التي يظهر فيها الموعود، وبالحجبات الّتي تمنع الباحثين من تفهّم ومعرفة جمال الظّهور المستور، وقد بذل جهده تدريجيًّا بالحكمة فِي إزالة تلك الحجب والعقبات التي تقف فِي سبيل كنز الله المستور، وكان دائمًا يشير إلى
أتباعه: (بأنّ الموعود الذي تنتظرونه لا يأتي من جابلقا ولا من جابرسا بل هو موجود فِي وسطكم وترونه بأعينكم ولكنّكم لا تعرفونه). وكان يقول لتلاميذه عَنْ علائم الظهور: (بأنّه من نسلٍ شريفٍ من سلالة رسول الله من سبط هاشم، وهو حديث السّنّ وعلمه لدنّيّ وليس مستفادًا من تعاليم الشّيخ أحمد بل من الله، وإنّ علمي لم يكن إلا كقطرة بالنسبة إلى بحر علمه واجتهادي إلا كالنّقطة من التّراب أمام عجائب فضله وقدرته، ولا يوجد قياس بينهما فأين الثّرى من الثّريّا، وإنه لمتوسط القامة ولا يشرب الدّخان وعلى غاية من الاستقامة والصّلاح والتّقوى). وكان البعض من التّلاميذ يظنون أن السّيّد هو الموعود رغم صدور هذِهِ التّعليمات منه، وظنّوا أنّ جميع العلائم تنطبق عليه، وأخذ أتباعه فِي ذكر هذَا الاعتقاد علانية فانتهره السّيّد وغضب عليه وكان عَلَى وشك طرده من جملة الأتباع المخلصين ولكن التّلميذ المذكور رجاه أن يصفح عنه بعد توبته.
وممّا حكاه لي الشّيخ حسن الزّنوزي أنّه كَانَ يعتقد مثل هذَا الاعتقاد وكان يطلب من الله دائمًا أن يخلّصه من هذَا الوهم إذا كَانَ اعتقاده غير صحيح وقال: (كنت اضطربت من هذَا الأمر لدرجة أنّي لم آكل ولم أنم جملة أيام، وكنت أصرف الوقت دائمًا فِي خدمة السّيّد كاظم الَّذِي كُنْتَ دائم التّعلّق بِهِ، وذات يوم فِي الفجر أيقظني الملاّ نوروز أحد أتباعه وأمرني بولهٍ أن أقوم وأتبعه، فقمت وذهبنا سويًّا إِلَى منزل السّيّد كاظم حيث وجدناه مرتديًا عباءة ومستعدًّا للذّهاب معنا قائلاً: "قَدْ حضر شخص جليل القدر وواجب علينا زيارته نحن الإثنين" وكان الفجر قَدْ انبثق ونحن نسير فِي شوارع كربلاء ووصلنا إلى منزلٍ كَانَ شاب واقفًا عَلَى بابه كأنه ينتظر مقابلتنا، وهو يلبس عمّة خضراء ويظهر عَلَى محيّاه الخشوع واللّطف الَّذِي لا أقدر أن أصفه، وتقدّم نحونا ببطء وعانق السّيّد بكلّ محبّة، وكان شغفه ولطفه
فِي معانقة السّيّد لا يقلّ عَنْ احترام السّيّد له احترامًا عميقًا، وقد قابل أشواق واحترام الشّاب المتكرّرة بالتزام السّكوت وإحناء الرّأس، وسرعان ما أخذنا إلى غرفةٍ عُليا مزيّنة بالزّهور ومعطّرة بأروج الطّيب وأمرنا بالجلوس، وكان السّرور قَدْ شملنا بدرجة أنّنا لم نكن نشعر بالمقاعد الَّتِي جلسنا عليها وشاهدنا كوبًا من فضّة موضوعًا فِي وسط الحجرة وسرعان ما ملأه مضيفنا وناوله للسّيّد كاظم قائلاً: "وسقاهم ربّهم شرابًا طهورًا" فأمسك السّيّد الكأس من يده وانتهله وامتلأ هيكله بسرور فائق عَنْ الحدّ. وأنا أيضًا أعطاني كوبًا من ذلك المشروب ولم يخاطبني بأيّ كلمة، وكلّما دار من الحديث كَانَ خاصًّا بالآية القرآنيّة السّابقة، ثُمَّ بعد هنيهة قام مضيفنا وودّعنا لغاية عتبة باب المنزل، وأنا كدت أذوب من التّعجّب ولم أقدر أن أعبّر عَنْ شدّة إكرامه وترحيبه وجلال هيكله وجمال ذلك الوجه، وكم كَانَتْ دهشتي إذ رأيت أستاذي قَدْ نهل ذلك المشروب بدون أدنى تردّد من الكأس الفضّيّ، مع أن استعمال هَذَا المعدن محرّم حسب قواعد الإسلام، ولم يمكنني أن أعلّل سبب شدّة احترام السّيّد وإجلاله لذلك الشّاب احترامًا لا يسدى حتّى لمقام سيّد الشّهداء، وبعد ثلاثة أيّام رأيت ذلك الشّاب جالسًا وسط حلقة تلاميذ السّيّد كاظم قريبًا من العتبة وكان يستمع للدّرس بأدب ووقار، وبمجرّد أن وقعت عينه عَلَى ذلك الشّاب سكت عَنْ الدرس فترجّاه أحد تلاميذه أَن يستمرّ فأجاب قائلاً: "ماذا أقول لكم زيادة عَنْ ذلك" ولفت وجهه نحو شخص الباب ثُمَّ قال: "إنّ الحق أظهر من شعاع الشّمس الواقع عَلَى هذَا الذّيل" وفي الحين لاحظتُ أن أشعّة الشّمس كَانَتْ واقعة فِي حجر هذَا الشب الَّذِي زرناه أخيرًا فأجابه السّائل: "ولماذا لا تكشف لنا عَنْ اسمه أو تظهر لنا شخصه" فأشار السّيّد إلى حنجرته بأصبعه، يعني أنّه لو كشف ذلك لتعرضا للقتل فِي الحال، وقد زاد ذلك حيرتي وسمعت من أستاذي مرارًا بأنّ ضلال
هذَا الجيل كَانَ بدرجة أنّه لو أشار بإصبعه إلى الموعود وقال: "هذَا هو محبوب قلبي وقلبكم" لأنكروه وما قبلوه، وقد رأيت بنفسي ذلك السيد يشير بإصبعه إلى حجر ذلك الشّاب، ومع ذلك لم يفقه أحد المعنى المقصود من الإشارة، وأمّا أنا فكنت مقتنعًا بأنّ السّيّد لا يمكن أن يكون هو الموعود، ولكنّ بعض السّرّ المستسرّ أصبح يحوم حول هذَا الشّاب الغريب الجذّاب، وكثيرًا ما أردت أن أتجاسر بالتّقدم نحو السّيّد لسؤاله عَنْ كشف هذَا السر، ولكنّ هيبته كَانَتْ تحول دون ذلك وكثيرًا ما كُنْتَ أسمعه يقول يَا شيخ حسن: "افرح لأن اسمك حسن فابتداؤك حسن وانتهاؤك حسن وإنّك تشرفت بلقاء الشّيخ أحمد وتقابلت معي وفي المستقبل سيكون لك فرح عظيم لأنك سترى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر عَلَى قلب بشر".
وكنت كثيرًا ما أشعر باشتياق لمقابلة هذَا الشّاب الهاشميّ لأكشف سرّه، وكنت أرقبه يصلّي فِي مشهد الإمام الحسين وهو مستغرق فِي مناجاته حتّى كأنّه غير شاعر بمن حوله وكَانَتْ الدّموع تذرف من عينيه وتنحدر من فمه كلمات لا تزيد عنها الآيات فِي الحسن والقوّة والشّرف، وتتردّد فِي فمه كثيرًا عبارات "يَا إلهي ومحبوب قلبي" حتّى إنَّ المصلّين كانوا كثيرًا ما يقطعون صلواتهم ويستمعون لآيات الرّحمة والخشوع الَّتِي تظهر من فم ذلك الشّاب، وكانوا مثله يذرفون الدّموع مدرارًا ويتعلّمون منه كيفيّة العبادة الحقّة، وكان هذَا الشّاب يعود بسكون بعد إتمام صلوته إلى منزله بدون أن يمرّ عَلَى عتبة المقام وبدون أن يتكلّم مع الَّذِين حوله، وقد رأيت ضرورة مخاطبته وكنت كلّما حاولت الاقتراب منه أجد قوّة تحجزني عنه ممّا لا أقدر أن أصفها، وبالبحث عنه علمت أنّه قاطن فِي شيراز وأنّه يشتغل بالتّجارة وأنّه لم يكن من طائفة علماء الدّين، وأنّه هو وأخواله وأقاربه من المعجبين بالشّيخ أحمد والسّيّد كاظم، وسمعت بعد ذلك أنّه مسافر إلى
النّجف فِي طريقه إلى شيراز وكان قَد أشعل قلبي وذكراه لا تغيب عَنْ مخيّلتي وكَانَتْ روحي متعلّقة بِهِ....".
أوصاف حضرة الباب وشمائله من المصادر المتعددة"...إنّ الباب ترك شيراز إلى بوشهر وهو فِي سنّ السّابعة عشرة، ومكث هناك خمس سنوات مشتغلاً بالتّجارة وفي تِلْكَ المدّة كسب احترام جميع التّجّار الَّذِينَ تعامل معهم بصداقته وتقواه، وكان دائم الالتفات إلى واجباته الدّينيّة وكان يصرف مبلغًا كبيرًا فِي الصّدقة وذات مرة أعطى لجار فقير ٧٠ تومان".
"إنّ الباب كَانَ دائم التأمّل كثير الصّمت مع أنّ هيكله الجميل ونور محيّاه وسكون ذاته كَانَ يجذب أنظار مواطنيه، ومع صغره كَانَتْ المسائل الدّينيّة تجذبه بقوّة. وفي سنّ التّاسعة عشرة كتب أوّل كتاب له وهو الرّسالة الفقهيّة وأظهر فِيهَا تقواه ونفحة إسلاميّة بشرّته بمستقبلٍ باهر".
"إنّ الباب كَانَ يتباحث مع العلماء فِي المجالس ويستمع لروايات الزوّار الَّذِينَ يحضرون فِي تِلْكَ المدينة التّجاريّة، وكانوا يعدّونه من أبناء الطّريقة الَّتِي كَانَتْ محترمة فِي تِلْكَ البلاد".
"...إنّ الباب كَانَ وسيم الطّلعة حليمًا مهابًا ساكنًا زائد الفصاحة والبلاغة سريع الكتابة".
"إنّ الباب كَانَ يختلي بنفسه ليشتغل دائمًا بالعبادة ببساطة متناهية وحلاوة جاذبة، وكَانَتْ هذِهِ المواهب قَدْ نسبت إلى حداثة سنّه وكمال طلعته، وانجذب حوله كثيرون من المتنوّرين الَّذِينَ كانوا يستمعون لعلومه ومعارفه ويسرّون من فصاحته، وكان أصدقاؤه يؤكّدون أنه لم يفتح فاه إلا بما حرَّك أعماق القلوب، وكان يسرّ المتديّنين المتمسّكين
لشّدة احترامه للرّسول والأئمّة وأصحابهم فِي كلّ عبارته، وفي الوقت نفسه كَانَ فِي أحاديثه الخاصّة يبهج أرواح المستمعين إليه ويحدث فيهم اشتعالاً ولم يجدوا فِي أحاديثه غضاضة بل سرورًا حتّى فيما لم يكونوا يتحمّلونه لأنّها كَانَتْ تفتح أمامهم آفاقًا لا نهاية لها وأبوابًا متنوّعة ويكتشف الكثير من الأسرار بطريقة مغطّاة بغطآء رقيق يسهل بِهِ تصديق أهالي تِلْكَ البلاد".
الفصل الثاني"طُوبَى لِمَنْ وَجَدَ عَرْفَ اللهِ فِي هَذَا اليَومِ الَّذِي كانَ مَطْلِعَ الظُّهُورِ وَمَشْرِقَ اسْمِي الغَفُورِ، وفِيه فاحَتِ النَّفْحَةُ وَسَرَتِ النَّسَمَةُ وَأَخَذَ جَذْبُ الظُّهُورِ مَنْ فِي الْقُبُورِ، وَنَادَى الطُّورُ المُلْكُ للهِ الْمُقْتَدِرِ المُتَعالِي العَلِيمِ الخَبِيرِ، وفِيهِ فازَ كُلُّ قاصدٍ بِالمَقْصُودِ وَكُلُّ عَارِفٍ بِالمَعْرُوفِ وَكُلُّ سَالِكٍ بِصِرَاطِهِ المُسْتَقِيمِ، سُبْحَانَكَ يا إِلَهِي بَارِكْ عَلَى أَحِبَّائِكَ ثُمَّ أَنزِل عَلَيْهِم مِنْ سَمَاءِ عَطَائِكَ مَا يَجْعَلُهُم مُنْقَطِعِينَ عَن دُونِكَ ومُتَوَجِّهِينَ إِلَى الأُفُقِ الَّذِي مِنْهُ أَشْرَقَتْ شَمْسُ فَضْلِكَ، وَقَدِّرْ يا إِلَهِي ما يَنفَعُهُم فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِر المُتَعالي المُعطي البَاذِلُ الغَنِيُّ الكَريمُ".
الأَقْدَسُ الأَمْنَعُ الأَعْظَمقَدْ جَاءَ عِيْدُ الْمَوْلُودِ وَاسْتَقَرَّ عَلَى الْعَرْشِ جَمَالُ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَزِيزِ الْوَدُودِ، طُوبَى لِمَنْ حَضَرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ لَدَى الْوَجْهِ وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ طَرْفُ اللهِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ، قُلْ إِنَّا أَخَذْنَا الْعِيْدَ فِي السِّجْنِ
الأَعْظَمِ بَعْدَ الَّذِي قَامَ عَلَيْنَا الْمُلُوكُ، لا تَمْنَعُنَا سَطْوَةُ كُلِّ ظَالِمٍ وَلاَ تَضْطَرِبُنَا جُنُوْدُ الْمُلْكِ، هَذَا مَا شَهِدَ بِهِ الرَّحْمَنُ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْمَحْمُوْدِ، قُلْ هَلْ تَضْطَرِبُ كَيْنُوْنَةُ الاطْمِئْنَانِ مِنْ ضَوضَاءِ الإِمْكَانِ، لاَ وَجَمَالِهِ الْمُشْرِقِ عَلَى مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، هَذِهِ سَطْوَةُ اللهِ قَدْ أَحَاطَتْ كُلَّ الأَشْيَاءِ وَهَذِهِ قُدْرَتُهُ الْمُهَيْمِنَةُ عَلَى كُلِّ شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ، تَمَسَّكُوا بِحَبْلِ الاقْتِدَارِ ثُمَّ اذْكُرُوا رَبَّكُمُ الْمُخْتَارَ فِي هَذَا الْفَجْرِ الَّذِي بِهِ أَضَاءَ كُلُّ غَيْبٍ مَكْنُوْنٍ، كَذَلِكَ نَطَقَ لِسَانُ الْقِدَم فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ فُكَّ الرَّحِيْقُ الْمَخْتُومُ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَضْطَرِبَكُمْ أَوْهَامُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللهِ أَوْ تَمْنَعَكُمُ الظُّنُونُ عَنْ هَذَا الصِّرَاطِ الْمَمْدُوْدِ.
يَا أَهْلَ الْبَهَاءِ طِيرُوا بِقَوَادِمِ الاْنْقِطَاعِ فِي هَوآءِ مَحَبَّةِ رَبِّكُمُ الرَّحْمَنِ ثُمَّ انْصُرُوهُ بِمَا نَزَلَ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، إِيَّاكُمْ أَنْ تُجَادِلُوا مَعَ أَحَدٍ مِنَ الْعِبَادِ، أَنِ اظْهَرُوا بِعَرْفِ اللهِ وَبَيَانِهِ بِهِمَا يَتَوَجَّهُ كُلُّ الْوُجُوهِ، إِنَّ الَّذِينَ غَفَلُوا الْيَوْمَ أُوْلَئِكَ فِي سُكْرِ الهَوَى وَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ، طُوبَى لِمَنْ تَوَجَّه إِلَى مَطْلِعِ آيَاتِ رَبِّهِ بِخُضُوعٍ وَأَنَابَ، إِنَّكَ أَنْتَ قُمْ بَيْنَ الْعِبَادِ ثُمَّ ذَكِّرْهُمْ بِمَا نَزَلَ فِي كِتَابِ رَبِّهِم الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ، قُلِ اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَتَّبِعُوا أَوْهَامَ الَّذِينَ تَعَقَّبُوا كُلَّ فَاجِرٍ مُرْتَابٍ. أَنْ أَقْبِلُوْا بِقُلُوبٍ نَوْرآءَ إِلَى شَطْرِ عَرْشِ رَبِّكُمْ مَالِكِ الأَسْمَاءِ إَنَّهُ يُؤَيِّدُكُمْ بِالحَقِّ لاَ إِلهَ إَلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْمَنَّانُ، هَلْ تُسْرِعُوْنَ إِلَى الْغَدِيْرِ وَالْبَحْرُ الأَعْظَمُ أَمَامَ وُجُوهِكُمْ تَوَجَّهُوا وَلاَ تَتَّبِعُوا كُلَّ مُشْرِكٍ مَكَّارٍ، كَذَلِكَ دَلَعَ دِيْكُ الْبَقَاءِ عَلَى أَفْنَانِ سِدْرَتِنَا الْمُنْتَهَى، تَاللهِ بِنَغْمَةٍ مِنْهَا اسْتُجْذِبَ الْمَلأُ الأَعْلى ثُمَّ سُكَّانُ مَدَائِنِ الأَسْمَاءِ ثُمَّ الَّذِينَ
يَطُوفُونَ حَوْلَ الْعَرْشِ فِي الْعَشِيِّ وَالإِشْرَاقِ، كَذَلِكَ هَطَلَتْ أَمْطَارُ الْبَيَانِ مِنْ سَمَاءِ مَشِيْئَةِ رَبِّكُمُ الرَّحْمَنِ، أَنْ أَقْبِلُوا يَا قَوْمِ وَلاَ تَتَّبِعُوا الَّذِينَ جَادَلُوا بِآيَاتِ اللهِ إِذْ نَزَلَتْ وَكَفَرُوا بِرَبِّهِمِ الرَّحْمَنِ إِذْ أَتَى بِالحُجَّةِ وَالْبُرْهَانِ.
هُوَ اللهأَنْ يَا مَعْشَرَ الْعُشَّاقِ تَاللهِ هَذِهِ لَلَيْلَةٌ مَا ظَهَرَ مِثْلُهَا فِي الإِمْكَانِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنْ لَدَى اللهِ الْعَزِيْزِ الْمَنَّانِ، وَنَطَقَ فِيْهَا الرُّوحُ بِنَغْمَةٍ يَهْتَزُّ مِنْهَا حَقَايِقُ الإِنْسَانِ بِأَنْ أَبْشِرُوا يَا أَهْلَ مَلإِ الأَعْلَى فِي حَقَائقِ الرِّضْوَانِ، ثُمَّ نَادَى اللهُ عَنْ خَلْفِ سُرَادِقِ القُدْسِ وَالإِحْسَانِ بِأَنَّ هَذِهِ لَلَيْلَةٌ وُلِدَتْ فِيْهَا حَقِيقَةُ الرَّحْمَنِ وَفِيهَا فُصِّلَت كُلُّ أَمْرٍ أَزَليٍّ مِنْ قَلَمِ السُّبْحَانِ، إِذَنْ فَـأَبْشِرُوا ثُمَّ اسْتَبْشِروا يَا مَلأَ الْبَيَانِ، وفِيها نادَتِ الْوَرْقَاءُ عَلَى الأَغْصَانِ وَالأَفْنَانِ بِأَنْ أَبْشِرُوا يَا مَلأَ الرِّضْوَانِ. قُلْ فِيهَا شُقَّتْ سِتْرُ حُجُبَاتِ الجَلالِ عَلَى الإِيقانِ وغَنَّتْ وَرَنَّتْ حَمامَةُ الفِرْدَوسِ فِي قُطْبِ الجِنَانِ، إِذَنْ فَأَبْشِرُوا يَا هَيَاكِلَ القُدسِ فِي مَدِينَةِ الزَّمَانِ، وَفِيهَا تَجَلَّى اللهُ بِكُلِّ اسْمٍ عَظْمَانٍ، ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى كُلِّ قَلبٍ دُرِّيٍّ نَزْهَانٍ، وَأَنْتُم فَأَبْشِرُوا يَا مَلأَ الْبَيَانِ، وَفِيهَا تَمَوَّجَت أَبْحرُ الغُفْرَانِ وَهَبّتْ نَسَائِمُ الإِحْسَانِ إِذًا فاسْتَبْشِروا يَا أَصْحَابَ الرَّحْمَنِ فِيهَا غُفِرَ كُلُّ الْعِصْيَانِ مِنْ أَهْلِ الإِمْكَانِ، وَهَذِهِ بِشَارَةٌ عَلَى كُلِّ مَنْ خُلِقَ فِي سَرَائِرِ الإِمْكَانِ، قُلْ هَذِهِ لَلَيْلَةٌ قُدِّرَ فِيهَا مَقَادِيرُ الْجُودِ وَالْفَضْلِ فِي صَحَائِفِ الْعِزِّ وَالإِيقَانِ لِيُرْفَعَ بِذَلِكَ كُلُّ الأَحْزَانِ عَنْ كُلِّ الأَشْيَآءِ فِي كُلِّ حِيْنٍ وَزَمَانٍ، إِذًا فَـأَبْشِرُوا فِي قُلُوبِكُمْ يَا مَنْ
دَخَلَ فِي مَمَالِكِ الوُجُودِ وَالأَكْوَانِ، إِذًا يُنَادِي مُنَادِي الرُّوحِ فِي قُطْبِ الْبَقَآءِ مَرْكَزِ الْعُلُوِّ وَالرُّفعَان وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللهِ الْعَزِيْزِ الْمَنَّانِ، تَاللهِ قَدْ فُتِحَ خَتْمُ إِنَاءِ الْمِسْكِ مِنْ يَدِ الْقُدْرَةِ مِنْ ذِي شَوْكَةٍ وَسُلْطَانٍ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، وَأَدَارَ كَأْسَ خَمْرٍ رُمَّانٍ مِنْ يَدِ يُوسُفِ الأَحَدِيَّةِ بِجَمَالِ السُّبْحَانِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، إذًا فاسْرُعوا وَتَكَأَسوا يا مَلأَ الإِنْسَانِ مِنْ هَذَا السَّلْسَبِيْلِ الْحَيَوَانِ وإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَليِّ الْمَنّانِ، قُلْ يَا مَلأَ الْعُشَّاقِ قَدْ أَشْرَقَ جَمَالُ الْمَعْشُوقِ مِنْ غَيْرِ حِجَابٍ وَقُمْصَانٍ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، وَيَا مَعْشَرَ الأَحْبَابِ قَدْ طَلَعَ جَمَالُ المَحْبُوبِ عَنْ أُفُقِ الْقُدْسِ فَهَلُمُّوا وَتَعَالُوا بِأَرْوَاحِكُمْ يَا أَصْحَابَ الْبَيَانِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، وَقَدْ ظَهَرَتِ الحُجَّةُ وَالبُرْهَانُ بِمَا قَامَتِ الْقِيَامَةُ بِقِيَامِ اللهِ بِمَظْهَرِ نَفْسِهِ الْقَدْمَانِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، وَلَجَتِ الأَدْوَارُ وَتَلَجْلَجَتِ الأَكْوَارُ وَتَبَهَّجَتِ الأَنْوَارُ بِمَا تَجَلَّى اللهُ عَلَى كُلِّ دَوْحَةٍ ذَاتِ أَفْنَانٍ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، تَعَالُوا يَا مَلأَ الأَصْفِيَآءِ بِمَا حَضَرَتِ الأَرْوَاحُ وَنُشِرَتِ الأَرْيَاحُ وَخُرِقَتِ الأَشْبَاحُ وَرَنَّتْ أَلْسُنُ الْبَقَآءِ عَلَى كُلِّ شَجَرَةٍ ذَاتِ أَغْصَانٍ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، تَاللهِ قَدْ خُرِقَتِ الّحُجُبَاتُ وَحُرِقَتِ السُّبُحَاتُ وَكُشِفَتِ الدَّلالاتُ وَرُفِعَتِ الإِشَارَاتُ مِنْ ذِي قُدْرَةٍ وَقَدْرَانٍ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ، سُرُّوا وَأَسِرُّوا بالْكِتْمَانِ هَذَا الرَّمْزَ الْخَفِيَّ الأَخْفَى الْخَفْيَانَ لِئلّا يَعْرفُوا الأَغْيَارُ مَا تُكَأسُونَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرِ الَّتِي كَانَتْ ذِي لَذَّةٍ وَجَذْبَانٍ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ. يَا مَلأَ الْبيَانِ تَاللهِ قَدْ
تَمَّ النِّعْمَةُ وكَمُلَ الرَّحْمَةُ ولاَحَ الْوَجْهُ بِالرُّوحِ وَالرَّيْحَانِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ. أَنِ اشْرَبُوا يَا مَلأَ الأَصْحَابِ وَأَنْ أَبْشِرُوا مَلأَ الأَحبَابِ مِنْ هَذَا السَّلْسَبِيْلِ الدُّرِّيِّ الشَّعْشَعَانِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مِنَ اللهِ الْعَلِيِّ الْمَنَّانِ.
مقتطفات من ألواح حضرة بهاء الله"فَياحَبَّذَا مِنْ هَذِهِ السِّدْرَةِ الَّتِي ارْتَفَعَتْ بِالحَقِّ لِيَسْتَظِلَّ فِي ظِلِّهَا الْعَالَمِينَ".
"هَذَا لَهُو الَّذِي أَرْسَلَ مِنَ عِنْدِهِ المُرْسَلِينَ وَجَاءَ مِنَ لَدُنهُ مَعْشرُ النَّبِيِّينَ".
"وَلَو يَكُونُ مَشَارِقُ الوَحْي كُلُّها فِي هَذَا الحِينِ الَّذِي فِيه يَنْطِقُ لِسَانُ العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ وَيَتَوَقَّفْنَ فِي هَذَا الأَمْرِ أَقَلَّ مِنْ آنٍ لَيَحْبِطُ أَعْمَالُهُم، كَذَلِكَ قُضِيَ الأَمْرُ مِنْ لَدَى الحَقِّ عَلاَّمُ الغيُّوب... تَاللهِ إِنَّهُ لا يُقَاسُ بِمَا أَتَى وَيَأْتِي، يَشْهَدُ بِذَلِكَ عِبَادٌ مُقَرَّبُونَ".
"تَاللهِ قَدْ أَتَى مَنْ كانَ مَخزَونًا فِي أَفْئِدَةِ الأَنْبِيَآءِ وَمَسْطُورًا مِنَ القَلَمِ الأَعْلَى فِي كُتُبِ اللهِ رَبِّ العَالَمِينَ".
"قُلْ هَذَا لَهُو الَّذِي لَولاَه ما أُرْسِلَ رَسُولٌ وَمَا نُزِّل كِتَابٌ، يَشْهَدُ بِذَلِكَ كُلُّ الأَشْيَآءِ".
"هَذَا لَهُو الَّذِي قَدْ أَخَذَ نُقْطَةُ البَيانِ عَهْدَه فِي ذَرِّ البَيانِ وَمُحمَّدٌ رَسُولُ اللهِ فِي ذَرِّ الفُرقَانِ وَالرُّوحُ فِي ذَرِّ الإِنْجِيلِ وَالكَلِيمُ فِي ذَرِّ التَّورَاةِ وَالخَلِيلُ فِي ذَرِّ الأَمرِ إِنْ أَنْتُم مِنَ العَالِمِينَ".
"وَظَهَرَ مِنْهُ حُجَّةُ عَلِيٍّ ثُمَّ بُرْهَانُ مُحَمَّدٍ ثُمَّ دَليلُ الرُّوحِ ثُمَّ ما أَتَى بِهِ الكَلِيمُ وَمِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ قَدْ ظَهَرَ بسُلْطَانٍ ما شَهِدَتْ عَينُ الإِبْدَاعِ شِبْهَهُ وَلاَ عُيُونُ مَلائكَةِ المُقُرَّبينَ".
"لَولاَهُ ما اشْتَعَلَتِ النَّارُ فِي سِدْرَةِ السِّينآءِ عَلَى بُقْعَةِ الطُّورِ لِمُوسَى الكَلِيمِ وَمَا جُعِلَ النَّارُ نُورًا لاسْمِنَا الخَليلِ وَمَا ثَبَتَ أَمْرُ اللهِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَما أَشْرَقتْ عنْ أُفُقِ القُدْسِ شَمْسُ البَقَاءِ باسْمِ رَبِّكُمُ العَلِيِّ الأَعْلَى".
"هَذَا الغُلامُ الَّذِي فِي حُبِّهِ سُفِكَتْ دِمآءُ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ".
"قُلْ تَاللهِ قَدْ رَقَمَ قَلَمُ الْقُدْسِ مِنْ رَحِيقِ الْمِسْكِ عَلَى جَبِينِي البَيَضَاءِ بِخَطٍّ أَبْهَى أَنْ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ إِنَّ هَذَا لَهُوَ المَحْبُوبُ الَّذِي مَا شَهِدَتْ عَيْنُ الإِبْدَاعِ مِثْلَهُ وَلاَ عَيْنُ الاخْتِرَاعِ شِبْهَهُ وَإِنَّهُ لَهُوَ الَّذِي قَرَّتْ بِجَمَالِه عَيْنُ اللهِ المَلِكِ العَزِيزِ الجَمِيلِ".
ولادة حضرة بهاء الله ونشأتهولد حضرة بهاء الله فِي اليوم الثّاني من شهر محرّم عام ١٢٣٣ هجريّة فِي طهران وفي محلّة بوّابة شميران... وقد تعلّقت بِهِ والدته تعلّقًا شديدًا بحيث لم يكن يهدأ روعها من الحيرة فِي أطواره المباركة، فكَانَتْ تقول مثلاً إنّ هذَا الطفل لا يبكي أبدًا ولا يصدر منه ما يصدر عادة من الأطفال الرّضّع كالعويل والصّراخ والبكاء والجزع وعدم القرار، وخلاصة القول مضت فترة حتى فطم وكان لوالده تعلّق عظيم
بِهِ، وكان يدري مدى عظمة الجمال المبارك وعلوّ مناقبه ومقام مظهريّته المقدّسة، والبرهان عَلَى ذلك أنّه قد شيّد قصرًا ملوكيًّا فِي قرية تاكور الَّتِي كَانَتْ ملكًا له، وكان الجمال المبارك يقضي معظم فصل الصّيف فِي ذلك القصر، وكان قد كتب المرحوم الميرزا (أي والد حضرة بهاء الله) فِي موقع من مواقع ذلك القصر بخطّ يده وبقلم جليّ هذين البيتين (ما معناهما):
عند وصولك إلى عتبة المحبوب قل لبيكوذات يوم كان الجمال المبارك يتمشّى وهو فِي السّابعة من عمره، ألقت والدته نظرة شاخصة إلى قامته الجميلة وقالت إنّها قصيرة شيئًا ما، قال والده لا تدرين مدى استعداده وقابليّته ودرجة فطانته وذكائه، إنّه شعلة من النّار وفي هذا العمر يمتاز من الشّباب البالغين، وإن لم تكن قامته طويلة ذلك لا يضرّه شيئًا، مجمل القول نال حضرة بهاء الله شهرة واسعة وهو طفل بحيث ظهرت فيه آثار المواهب الإلهيّة وأصبح محبوب قلوب الجميع، إنّ الوزراء الّذين كانوا أعداء والده الألدّاء كانوا يحبّونه ويحترمونه ويراعونه رعاية مخصوصة، مثلاً كان الحاج الميرزا آقاسي فِي منتهى العداوة مع والده... لكنّه بالرّغم من ذلك كان يبدي محبّة فائقة للجمال المبارك بحيث جعل النّاس فِي حيرة من أمره قائلين كيف أن هذا الرجل الّذي يعتبر عدوًّا لوالده يكنّ مثل هذا الاحترام لابنه... ومع أن الجميع كانوا يعلمون أنّ الجمال المبارك لم يدخل مدرسة ولم يتتلمذ لدى معلّم ولكنّهم جميعًا كانوا يشهدون عَلَى أنّه لا نظير له فِي العلم والفضل والكمال...
وفي فجر يوم من الأيّام ذهبت جدّتي إلى دار الميرزا محمّد تقي المجتهد كي تصلّي، قال لها المجتهد بعد الصّلاة أودّ أن أبشّرك بأنّني حلمت البارحة أنّ حضرة القائم الموعود موجود فِي منزلي ولمّا أردت أن أدخل منزلي منعني الحارس وقال ليس لأحد أن يدخل الآن فِي المنزل لأنّ حضرة القائم الموعود هو فِي خلوة مع الجمال المبارك، ثُمَّ سكت هنيهة وهو متفكّر فقال هذا أمر عجيب كيف حصل للجمال المبارك هذا المقام مع أنّه من بيت الوزارة، فعاد وقال ربّما للصّلة البعيدة الّتي تربطه بأسرتنا نال هذا الشّرف، وباختصار ذاع هذا الحديث أطراف منطقة "نور"، فعلّق عليه بعض ذوات الفطنة والذّكاء وقالوا كيف أنه لم يكن للمجتهد نفسه سبيل للوصول ثمّ لسبب قرابته له حصل للجمال المبارك شرف ذلك اللّقاء، وبالإجمال كان العظماء والأكابر والعلماء الَّذين لهم معرفة بحضرة بهاء الله سواء كانوا فِي مازندران أو فِي طهران يشهدون عَلَى عظمة الجمال المبارك ونبله، وكلّ مسألة هامّة يعرضونها عليه ملتمسين حلاّ لها، وإن أردت أن أشرح تفاصيل كلّ قضية سيطول بنا الكلام.
ولمّا كان الجمال المبارك فِي سنّ الخامسة أو السّادسة رأى حلمًا وشرح ما رأى فِي المنام لوالده فطلب الوالد مفسّرًا للأحلام واستفسر منه عَنْ تفسير ذلك الحلم، وكان رؤيا الجمال المبارك هو أنّه رأى نفسه فِي حديقة فلاحظ أنّ طيورًا عظيمي الجثّة مهاجمون عَلَى رأسه ولكنهم ليسوا قادرين عَلَى أذيته، ثُمَّ ذهب إلى البحر فرأى أن تِلْكَ الطيور وأسماك البحر مجتمعة هاجمة عَلَى رأسه من الهواء والبحر ولكنّهم أيضًا لا يؤذونه، وبعدما سمع المفسّر شرح الرّؤيا قال إِن ذلك دليل عَلَى أن هذَا الطفل سوف يصبح مصدر أمر عظيم الأمر الَّذِي له صلة بالعقل والفكر لأن الرأس مركز العقل والفكر ولذلك جميع رؤساء العالم وأعاظمه سوف يهجمون عَلَى رأس هَذَا الطفل كهجوم طيور الهواء
وأسماك البحر لكنهم لا يضرّونه شيئًا وهو يتغلّب عَلَى الجميع وسوف يخضعون له ويظهر عجزهم...
ثناء حضرة ولي أمر الله وصلاته لحضرة بهاء الله"وَالصَّلوةُ وَالثَّناءُ عَلَى أَعْظَمِ نُورٍ سَطَعَ وَلاَحَ مِنْ مَطْلِعِ الإِشْرَاقِ عَلَى الآفاقِ، جَمالِ القِدَمِ وَالاسْمِ الأَعْظَمِ وَالرَّمْزِ المُنًمْنِم، بَهَاءِ اللهِ الأَفْخَمِ الأَكْرَمِ، حَقِيقَةِ الحَقَائِقِ، جَوهَرِ الجَواهِرِ، نُورِ الأَنْوَارِ، الاسْمِ المَكْنُونِ وَالسِّرِّ المَصُونِ، الأَصْلِ القَدِيمِ وَالنَّبَإِ العَظِيمِ، المَظْهَرِ الكُلِّي الإِلَهِي، مَطَافِ الرُّسُلِ، وَالمَوعُودِ فِي الكُتُبِ وَالصُّحُفِ وَالمَذْكُورِ بِلِسَانِ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِينَ، رَبِّ الجُنُودِ، مُكَلِّمِ الطُّورِ، بانِي الهَيكَلِ، مُطَهِّرِ العِلَلِ، الجَالِسِ عَلَى كُرْسِيِّ داوُدَ، الأَبِ السَّمَاوِيِّ، الأَلِفِ وَاليَاءِ، مَلِكِ المُلُوكِ، رَبِّ المَلَكُوتِ، مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، صَاحِبِ العَهْدِ، رَبِّ المِيثَاقِ، نَيِّرِ الآفاقِ، الظَّاهِرِ بـاسْمِ القَيُّومِ، المُلَقَّبِ فِي الكِتَاب المَجِيدِ بِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ، بَقِيَّةِ اللهِ المُنْتَظَرِ وَالمَنْظَرِ الأَكْبَرِ لِلْبَشَرِ، مَظْلُوم العَالَمِ وَمُحْيِي الرِّمَمِ وَرَافِعِ بُنيَانِ الصُّلْحِ الأَعْظَمِ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِي بِظُهُورِه فُكَّ الرَّحِيقُ المَختُومُ وَامْتَحَنَ اللهُ حَقَائِقَ النَّبِيِّينَ وَالمُرْسَلِين، وَظَهَرَتِ الطَّامَّةُ الكُبْرَى وَالرَّادِفَةُ العُظْمَى، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ مَرَّةً أُخْرَى، إِذًا أَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَأَخْرَجَتْ أَثْقَالَها، تَعَالَى تَعَالَى عِزُّهُ وَبَهَاؤُه وَمَجْدُهُ وَعَلاؤه وَسَلْطَنَتُهُ وَجَبَرُوتُه وَكِبرِيَاؤُهُ.
وعن ميلاد حضرة بهاء الله اورد المؤرّخ البهائيّ النّبيل الزّرندي فِي تاريخه ما يلي:
ومن بين الَّذِينَ انتبهوا لفحوى الدذعوة الَّتِي قام بها ذلك المطلع الإلهيّ فِي مدينة يزد الحاج عبد الوهاب، وهو رجل ذو تقوى عظيمة ومستقيم ويخاف الله وكان يزور الشّيخ أحمد كلّ يوم بصحبة من يدعى عبد الخالق يزدي الَّذِي كَانَ مشهورًا بنفوذه وعلمه، وفي كثير من الأحيان كَانَ يريد الشيخ أحمد أن يحادث عبد الوهاب سرًّا، فكان يطلب من عبد الخالق أن يتركه عَلَى انفراد مع تلميذه المحبوب، وكان هذَا التّفضّل المشهود لرجل أمّيّ مثل عبد الوهاب سببًا لدهشة زميله الَّذِي كَانَ يظنّ نفسه أقدر وأعلم منه، وكان بعد رحيل الشّيخ أحمد من يزد أن اعتكف عبد الوهاب واعتزل الناس فظنّوه قَدْ زهد وتصوّف، فقام عليه الرّؤساء واتّهموه بأنّه دخيل ويريد أن يسلبهم سلطتهم، وأمّا عبد الوهاب الَّذِي لم يكن منجذبًا لطريقة التّصوّف فلم يكن له كبير اعتناء بادعاآتهم واحتقر اتّهامهم وامتنع عَنْ صحبتهم، ولم يكن له من الأصحاب سوى الحاج حسن النّائيني الَّذِي انتخبه كصديق حميم وأطلعه عَلَى السّرّ الَّذِي أدلى بِهِ إليه سيّده، فلمّا قضى عبد الوهاب نحبه استمرّ ذلك الصّاحب فِي السبيل الَّذِي أرشده إليه وكان يبشّر كلّ شخص مستعدّ ببشارة قرب ظهور دين الله.
وقابلت فِي كاشان الميرزا محمود القمصري الَّذِي كَانَ رجلاً مسنًّا ويبلغ التّسعين من عمره ومحبوبًا ممّن يعرفونه وأخبرني بالرّواية الآتية: (أتذكر أنّي كُنْتَ أسمع وأنا صغير وقاطن فِي كاشان أنّ رجلاً فِي بلدة نائين كَانَ يبشّر النّاس بقرب الظّهور، وكلّ من يسمعه سواء من العلماء أو الموظّفين أو العوام كَانَ يزهد فِي الدّنيا ويحتقرها، وإذ كُنْتَ أريد التّحقّق من صدق ذلك سافرت إلى نائين بدون إطلاع إخواني، وهناك تحقّقت من الرّواية الَّتِي سمعتها عنه، وكَانَتْ طلاقة وجهه تنطق عن
النّور الَّذِي اشتعل فِي روحه وسمعته ذات مرّة – بعد أن أدّى صلاة الصّبح – يقول: (عن قريب سوف تتبدّل الأرض بالجنّة وستكون بلاد إيران كعبة القصّاد من جميع أمم العالم ويطوفون حولها). وفي إحدى الأيّام رأيته لفرط دهشتي فِي الفجر ساجدًا يردّد بإخلاص كلمة الله أكبر كثيرًا، ثُمَّ التفت إليَّ وقال: (إنّ الَّذِي كُنْتَ أبلغك عنه قَدْ ظهر ففي هَذِهِ السّاعة انبثق نور الموعود وهو يضيء العالم بأنواره، يَا محمود الحقّ أقول لك إنّك سوف ترى وتشاهد بعينك يوم الأيّام). فبقيت تِلْكَ الكلمات الَّتِي خاطبني بها ذلك الرجل المقدّس تدوّي فِي أذني إلى أن جَاءَ اليوم الموعود فِي سنة السّتّين، فكان لي الشّرف أن أستمع للنّداء الَّذِي ظهر من شيراز، وكنت ويا للأسف بسبب مرضي غير قادر عَلَى الذّهاب إلى تِلْكَ المدينة، وفيما بعد عندما زار الباب صاحب الظّهور مدينة كاشان ونزل ضيفًا ثلاث ليال فِي منزل الحاج الميرزا جاني لم أكن أعلم بزيارته، وبذلك منعت من شرف المثول بين يديه، وفيما بعد بينما كُنْتَ أتحادث مع أصحاب الأمر علمت بتاريخ ميلاد الباب أنّه يقع فِي أول محرّم سنة ١٢٣٥ هـ. ووجدت أن ذلك التاريخ لم يكن مطابقًا للتّاريخ الَّذِي تكلّم عنه الحاج حسن النّائيني بل كَانَ هناك فرق بمقدار سنتين بين التّاريخين فأزعجني ذلك الأمر وحيّرني، ولكن بعد ذلك بمدّة قابلت الحاج الميرزا كمال الدّين النّراقي الَّذِي أخبرني بظهور بهاء الله فِي بغداد وقصّ عليّ بعضًا من القصيدة الورقائيّة وبعض قطع من الكلمات المكنونة الفارسيّة والعربيّة، فحرّكت أعماق روحي تلاوة هَذِهِ الكلمات القدسيّة وتذكّرت منها ما يأتي: (يَا ابْنَ الْوُجُوْدِ فُؤَادُكَ مَنْزِلِيْ، قَدِّسْهُ لِنُزُوْلِيْ، وَرُوْحُكَ مَنْظَرِيْ، طَهِّرْهَا لِظُهُوْرِيْ. يَا ابن الأرض إذا أردتني لا تطلب سواي ولو تنظر إلى جمالي فأَغمض عينيك عَنْ العالمين لأنّ إرادتي وإرادة غيري كالماء والنّار لا يسكنان فِي قلب واحد). فسألت عَنْ تاريخ ميلاد بهاء الله
فعلمت أنّه سنة ١٢٣٣ هجرية فِي فجر اليوم الثّاني من المحرم، فتذكّرت إذ ذاك كلام الحاج حسن النّائيني وفي اليوم الَّذِي ذكّرني فيه سجدت لله قائلاً: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يَا إلهي أحمدك عَلَى ما أعلمتني بيومك الموعود فإذا دعوتني إليك الآن فإني أموت راضيًا مطمئنًّا) وفعلاً توفّي فِي تِلْكَ السنة وهي سنة ١٢٧٤هـ وصعدت إلى الله روحه الطّيّبة.
من أوصاف طفولة حضرة بهاء اللهوقد حكى عبدالبهاء أكبر أولاد بهاءالله لمؤلّف هذا الكتاب فِي إحدى المناسبات التّفاصيل الآتية عَنْ أوائل أيّام حياة والده فقال ما ترجمته:
"كان منذ طفولته شفوقًا سخيًّا للغاية، وكان محبًّا للعيشة فِي الأرياف، فكان يقضي أغلب أوقاته فِي البساتين أو الحقول، وكَانَتْ له قوّة جاذبيّة خارقة يشعر بها الجميع، فكان النّاس يلتفّون حوله كما كان الوزراء ورجال البلاط يحبّون مجالسته، وكذلك كان يحبّه الأطفال. ولما بلغ السّن الثّالثة عشرة أو الرّابعة عشرة اشتهر بدرايته الواسعة وعلمه الغزير، فكان يتكلّم فِي أيّ موضوع ويحلّ أيّة معضلة تعرض عليه، ويتباحث فِي المجامع مع العلماء، ويفسّر المسائل الدّينيّة المعضلة، وكان الكلّ ينصتون إليه بكلّ ارتياح.
ولمّا بلغ سنّ الثّانية والعشرين، توفّي والده، وأرادت الحكومة أن تسند إليه منصب والده فِي الوزارة، كما هي الحال فِي إيران، ولكنّ بهاءالله لم يقبل ذلك المنصب، وعندئذ قال رئيس الوزراء: "اتركوه لنفسه فإنّ هذا المنصب لا يليق به، فإنّ له غرضًا أسمى تحت نظرِه، ولا أقدر
أن أفهمه، ولكنّني مقتنع بأنّ مهمّة سامية قد قدّرت له، فإنّ أفكاره ليست كأفكارنا، فاتركوه لنفسه".
وفي كتاب «بهاء الله» تأليف ايادي أمر الله حسن باليوزي جَاءَ ما يلي:
"كَانَ والد حضرة بهاء الله هو الميرزا بزرك الوزير فِي بلاط الشّاه، وكان بهاء الله فِي طفولته يملك قوى عجيبة خارقة، ففي السّابعة من عمره وقف أمام الشّاه ليدافع بالنّيابة عَنْ والدِه فِي قضيّة كسب لها موافقة الشّاه، وكان والده يعلم بأن ابنه ذو صفات عظيمة ولو أنّه لم يكن ليعلم ما كَانَ مقدّرًا لابنه فِي مستقبل الأيّام، ولقد نشأَ جمال القدم بجوار البلاط وعاش وسط الغنى والرّفاه، ولما توفّي والده عرضت عليه وظيفته ولكنّه لم يقبلها".
صفحة خاليةمقتطفات من كتاب "قيّوم الأَسمآء" (تفسير سورة يوسف)
"أَلحَمْدُ للهِ الَّذِي نَزَّلَ الكِتَابَ عَلَى عَبْدِهِ بِالحَقِّ لِيَكُونَ لِلعَالَمِينَ سِرَاجًا وَهَّاجًا".
"إِنَّ هَذَا لَهُوَ الحَقُّ صِرَاطُ اللهِ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْض فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَهُ إِلَى اللهِ بِالحَقِّ سَبِيلاً، إِنَّ هَذَا لَهُو الدِّينُ القَيِّمُ وَكَفَى بِاللهِ وَمَنْ عِنْدَه عِلْمُ الكِتَابِ شَهِيدًا، إِنَّ هَذَا لَهُوَ الحَقُّ بِالحَقِّ عَلَى الكَلِمَةِ الأَكْبَرِ مِنَ اللهِ القَدِيمِ قَدْ كَانَ مِنْ حَوْلِ النَّارِ مَبْعُوثًا، إِنَّ هَذَا لَهُوَ السِّرُّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَعَلَى الأَمْرِ البَدِيعِ بِأَيْدي اللهِ العَلِيِّ قَدْ كَانَ بِالحَقِّ فِي أُمِّ الكِتَابِ مَكْتُوبًا".
"يَا مَلِكَ المُسْلِمِيْنَ فَـانْصُرْ بَعْدَ الكِتَابِ ذِكْرَنَا الأَكْبَرَ بِالحَقِّ فَإِنَّ اللهَ قَدْ قَدَّرَ لَكَ وَلِلْحَافِّينَ مِنْ حَوْلِكَ فِي يَومِ القِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ مُوقِفًا عَلَى الحَقِّ مَسئُولاً".
"يَا أَهْلَ الأَرْضِ مَنْ أَطَاعَ ذِكْرَ اللهِ وَكِتَابَهُ هَذَا فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ وَأَوْلِيائَه بِالحَقِّ وَقَدْ كَانَ فِي الآخِرَةِ مِنْ أَهْلِ جَنَّةِ الرِّضْوَانِ عِنْدَ اللهِ مَكْتُوبًا".
"يَا مَعْشَرِ العُلَمَآءِ اتَّقُوا اللهَ فِي آرائِكُمْ مِنْ يَومِكُم هَذَا فإنَّ الذِّكْرَ فِيكُمْ مِنْ عِندِنا قَدْ كَانَ بِالحَقِّ حَاكِمًا وَشَهِيدًا وَأَعْرِضُوا عَمَّا تَأْخُذُونَ مِنْ غَيْرِ كِتَابِ اللهِ الحَقِّ فَإِنَّ لَكُم فِي القِيَامَةِ عَلَى الصِّرَاطِ مُوقِفًا عَلَى الحَقِّ قَدْ كَانَ مَسْؤُولاً".
"وَإِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِبَابِ اللهِ الرَّفِيعِ إِنَّا قَدْ أَعْتَدْنَا لَهُم بِحُكْمِ اللهِ الحَقِّ عَذابًا أَلِيمًا، وَهُوَ اللهُ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا، إِنِّا نَحْنُ قَدْ نَزَّلْنَا عَلَى عَبدِنا هَذَا الكِتابَ مِنْ عِنْدِ اللهِ بِالحَقِّ".
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُم تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَحْدَهُ فـَاتَّبِعُونِي فِي ذِكْرِ اللهِ الأَكْبَرِ مِنْ رَبِّكُمْ لِيَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَإِنَّ اللهَ قَدْ كَانَ بِالمُؤْمِنِينَ غَفَّارًا رَحِيمًا".
"اتَّقُوا اللهَ وَلاَ تَقُولُوا فِي ذِكْرِ اللهِ الأَكْبَرِ بِشَيْءٍ مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنَّا نَحْنُ قَدْ أَخَذْنَا مِيثَاقَهُ عَنْ كُلِّ نَبيٍّ وَأُمَّتِهِ بِذِكْرِهِ وَمَا نُرْسِلُ المُرْسَلِينَ إلاَّ بِذَلِكَ العَهْدِ القَيِّمِ".
"ولا تَقُولُوا كَيفَ يُكَلِّمُ عَنِ اللهِ مَنْ كَانَ فِي السِّنِّ عَلَى الحَقِّ بِالحَقِّ خَمْسةً وَعِشْرونًا، اسْمَعُوا فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرِضِ إِنِّي عَبْدُ اللهِ أَتَانِي البَيِّنَاتُ مِنْ عِنْدِ بَقِيَّةِ اللهِ المُنْتَظَرِ أَمَامَكُمْ هَذَا كِتابي قَدْ كَانَ عِنْدَ اللهِ فِي أُمِّ الكِتابِ بِالحَقِّ عَلَى الحَقِّ مَسطُورًا، وَقَدْ جَعَلَني اللهُ مُبارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ وَأَوصَانِي بِالصَّلَوةِ وَالصَّبْرِ ما دُمْتُ فِيكُمْ عَلَى الأَرْضِ حَيًّا".
مقتطفات من توقيع حضرة النّقطة الأولى"الحَمْدُ للهِ الَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ العَزِيزُ المَحْبُوبُ، وَإِنَّمَا البَهَاءُ مِنَ اللهِ عَزَّ ذِكْرُهُ عَلَى مَنْ يُظْهِرُه اللهُ جَلَّ أَمْرُهُ، وَمَنْ يُخْلَقُ بِأَمْرِهِ وَلاَ يُرَى فِيهِ إِلاَّ ما قَدْ تَجَلَّى اللهُ لَهُ بِقَولِهِ، أَلا إِنَّه لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ المُهَيْمِنُ القَيُّومُ، وَبَعد فَقدْ سَمِعتُ كِتابَكَ وَإِنَّ ما فِيهِ جَوهَرُ لَولا فِيهِ ما أَجَبْتُكَ عَلَى ذلكَ القِرطاسِ ولا حِينَئِذٍ بأَعْلى ما قُدِّرَ فِي الإِبْدَاعِ، فمَا أَعْظَمَ ذِكْرَ مَنْ قَدْ سَئَلْتَ عَنه، وَإِنَّ ذَلِكَ أَعْلى وأَعَزُّ وأَجَلُّ وأَمْنَعُ وأَقْدَسُ مِنْ أَنْ يَقْدِرَ الأَفْئِدَةُ بِعِرْفَانِه وَالأَرْوَاحُ بالسُّجُودِ وَالأَنْفُسُ بِثَنَائِهِ وَالأَجْسَادُ بِذِكْرِ بَهائِهِ، فما عَظُمَتْ مَسْئَلَتُكَ وَصَغُرَتْ كَيْنُونَتُكَ، هَلِ الشَّمْسُ الَّتِي هِي فِي مَرَايَا ظُهُورِهِ فِي نُقْطَةِ البَيَانِ يَسْأَلُ عَنِ الشَّمْسِ الَّتِي تِلْكَ الشُّمُوسُ فِي يَوْمِ ظُهُورِهِ سَجَّادٌ لِطَلْعَتِهَا إِنْ كَانَتْ شُمُوسًا حَقِيْقِيَّةً، وَإِلاَّ لا يَنْبَغِي لَعُلوِّ قُدْسِهَا وَسُمُوِّ ذِكْرِهَا، وَلَولاَ كُنْتَ مِنَ الوَاحِدِ الأَوَّل لَجَعَلْتُ لَكَ مِنَ الحَدِّ حَيثُ قَدْ سَأَلْتَ عَنِ اللهِ الَّذِي قَدْ خَلَقَكَ وَرَزَقَكَ وأَمَاتَكَ وأَحْيَاكَ وبَعَثَكَ فِي هَيْكَلِكَ...
"فها أَنَا مُسْتَأْذِنٌ بِجُودِكَ عَنْ جُودِكَ أَنْ تَأْذَنَ بِفُؤادِي أَنْ يَخْطُرَ بِهِ ذِكْرُ مَنْ تُظْهِرَنَّهُ، وَأَنْ تَجْعَلَنَّهُ وَكُلَّ مالِي وعَلَيَّ مُتَيَّمًا بِحُبِّهِ عَلَى شَأْنٍ لأَجِدَنَّهُ مُسْتَحِقًّا عَلَى ما أَنْتَ مُقَدَّسٌ عَنْهُ، إِنْ أَجِدَنَّهُ وَحْدَهُ وَحْدَهُ لَكُنْتُ سَاجِدًا لَه بـاستِحَاقِ نَفْسِه، إِذْ ذلِكَ سُجُودي لَكَ وَحْدَكَ وَحْدَكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ، وَإِنْ أَجِدَنَّ كُلَّ مِنْ عَلَى الأَرْضِ سَجَّادًا بَيْنَ يَدَيْهِ لا يَكْبُرُ عَظَمَتَهُ فِي فُؤادِي بِذَلِكَ، إِذْ لَوْ أُشَاهِدَنَّ بِمِثْلِ ما عَلَى الأَرْضِ بِعَدَدِ كُلِّ شَيْءٍ
وكُلٌّ كانوا لَسَجَّادًا لَه حِينَ ما يَقُولُ إِنَّنِي أَنا اللهُ لا إِله إِلاَّ أَنَا وَإِنَّ ما دُوني خَلْقِي، قُلْ أَنْ يَا خَلْقِي إِيَّايَ فـاسْجُدُون، ذَلِكَ مُسْتَحِقٌّ بِهِ ولَم يُغَيِّرْني خَلْقُ كُلِّ شَيْءٍ عَنْ تَعْظِيمِي إِيّاه وتَكْبِيري عَظَمَتَه".
"وقَدْ كَتَبْتُ جَوهَرَةً فِي ذِكْرِهِ وَهُوَ أَنَّه لا يُسْتَشَارُ بِإِشَارَتي وَلاَ بِمَا ذُكِرَ فِي البَيَانِ، بَلَى وَعِزَّتِهِ تِلْكَ الكَلِمَةُ عِنْدَ اللهِ أَكْبَرُ عَنْ عِبَادِةِ مَا عَلَى الأَرْضِ إذْ جَوْهَرُ كُلِّ العِبَادَةِ يَنْتَهِي إِلَى ذَلِكَ، فَعَلَى ما قَدْ عَرَفْتَ اللهَ فـاعْرِفْ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ، فَإِنَّهُ أَجَلُّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا بِدُونِهِ أَوْ مُسْتَشِيرًا بإِشَارَةِ خَلْقِهِ، وإِنَّنِي أَنَا أَوَّلُ عَبْدٍ قَدْ آمَنْتُ بِهِ وَبآيَاتِه وأَخَذْتُ مِنْ أَبْكَارِ حَدَائِقِ جَنَّةِ عِرْفَانِهِ حَداَئِقَ كَلِمَاتِهِ، بَلَى وَعِزَّتِهِ هُوَ الحَقُّ لا إِله إِلاَّ هُوَ كُلٌّ بِأَمْرِه قَائِمُونَ".
"أَلا إِنَّكَ أَنْتَ لَو أَدْرَكْتَ يَومَ ظُهُورِهِ إِنْ عَرَفْتَهُ بِأَعْلَمِ عُلَمَاءِ البَيانِ ما عَرَفْتَهُ، وَإِنْ رَأَيْتَهُ وَاقِفًا فِي أَمْرِهِ ثُمَّ ذَكَرْتَ عَلَيهِ اسْمَ الإِنْسَانِيَّةِ ما أَنْفَيْتَ حُرُوفَ النَّفْي لإِثْبات مَظْهَرِ الأَحَدِيَّة، ألا إِنَّه جَلَّ ذِكْرُهُ يُعَرِّفُ كُلَّ شَيْءٍ نَفْسَهُ، وإِنّي أَسْتَحْيِيْ أنْ أَقُولَ يُعَرِّفُ كُلَّ شيءٍ نَفْسَهُ بِمِثْلِ ما إِنِّي قَدْ عَرَّفْتُ كُلَّ شَيْءٍ نَفْسِي بآياتِي إِذْ كُلُّ ما تَجِدَنَّ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلْقٌ له، وَإِنَّ اللهَ أَجَلُّ وَأَعْلَى مِنْ أَنْ يُعْرَفَ بِخَلْقِهِ بل الخَلْقُ يُعْرَفُ بِهِ، هُوَ الَّذِي إِذَا يَتَلَجْلَجُ لِسَانُ قُدْسِ أَزَلِيَّتِهِ يَخْلُقُ فِي قَوْلٍ ما يَشآءُ بينْ نَبِيٍّ أَوْ وَلِيٍّ أَوْ صِدِّيقٍ أَو تَقِيٍّ، إِذْ كُلُّ ما قَدْ خُلِقَ أَدِلاَّءُ مِنْ عِنْدِهِ وَسُفَرآءُ مِنْ لَدُنْهُ، كُلٌّ قَالُوا أَنْ لا إِله إِلاَّ اللهُ وَانْتَظِرُوا مَنْ يُذَكِّرُكُمُ اللهَ وَجْهُهُ فَإِنَّكُمْ ما خُلِقْتُمْ إِلاَّ لِلِقَائِهِ وَهُوَ الَّذِي يَخْلُقُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِه، إِيَّاكَ إِيَّاكَ يَومَ ظُهُورِهِ أَنْ تَحْتَجِبَ بِالوَاحِدِ البَيَانِيَّةِ فَإِنَّ ذَلِكَ الوَاحدَ
خَلْقٌ عِنْدَهُ، وَإِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَحْتَجِبَ بِكَلِمَاتِ ما نُزِّلَتْ فِي البَيَانِ، فإِنَّهَا كَلِمَاتُ نَفْسِهِ فِي هَيْكَلِ ظُهُورِهِ مِنْ قَبْلُ، ذَلِكَ شَمْسُ الحَقِيقَةِ وَوِجْهَةُ الأَحَدِيَّة وَطَلْعَةُ الرُّبُوبِيَّةِ وَكَيْنُونَةُ الأُلُوهِيَّةِ وَإِنِّيَّةُ الأَزَلِيَّةِ لَو يَسْتَقِرُّ عَلَى التُّرابِ تُنَادِي ذَرَّاتُ التُّرابِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ عَرْشٌ قَدِ اسْتَوَى الرَّحْمَنُ عَلَيْهِ، فَمَنْ يَفْتَخِرُ الطِّينُ بِمَحَلِّ عَرْشِهِ بِذَلِكَ الافْتِخَارِ فَكَيْفَ يَنْبَغِي أُولُو الأَفْكَارِ أَنْ يَفْتَخِرُونَ باللهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ وَيَسْتَنبئونَ عَنِ اللهِ الوَاحِدِ الظَّهَّارِ، فاشْهَدْ بِعَيْنِ فُؤَادِكَ ولا تَنْظُر إِلَيهِ إِلاَّ بِعَيْنِه، فإنَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِعَيْنِهِ يُدْرِكُهُ وَإِلاَّ يَحْتَجِبُ، إِنْ أَرَدْتَ اللهَ ولِقَاءَهُ فَأَرِدْهُ وانْظُرْ إِلَيْهِ، وَلَكِنْ فـاشْهَدْ بأنَّ لَيْسَ وَرَاءَ اللهِ غَايَةٌ، وَإِنَّ ذَاتَ الأَزَلِ لَنْ يُرَى، وَإِنَّ ما يُمْكِنُ أَنْ يُرَى وَيَنْبَغِي أَنْ يُنْسَبَ إِلَى اللهِ نَفْسِهِ ذَلِكَ الطَّلْعَةُ الفَرْدَانِيَّةُ والوِجْهَةُ الصَّمَدَانِيَّةُ."
"فَوَالَّذِي فَلَقَ الحَبَّةَ وبَرَئَ النَّسَمَةَ لَوْ أَيْقَنْتُ بأَنَّكَ يَومَ ظُهُورِهِ لا تُؤْمِنُ بِهِ لأَرْفَعْتُ عَنْكَ حُكْمَ الإِيمَانِ فِي ذَلِكَ الظُّهُورِ، لأَنَّكَ ما خُلِقْتَ إِلاَّ لَه وَلَو عَلِمْتُ أَنَّ أَحَدًا مِنَ النَّصَارَى يُؤْمِنُ بِهِ لَجَعَلْتُه قُرَّةَ عَينايَ وحَكَمْتُ عَلَيهِ فِي ذَلِكَ الظُّهُورِ بالإِيمانِ مِنْ دُونِ أَنْ أَشْهَدَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ إِذْ ذَلِكَ الأَحَدُ يَومَ ظُهُورِهِ لو يُؤْمِنُ بِهِ يُبَدِّلُ كُلَّ عَوَالِمِهِ بالنُّورِ، وَلَكِنْ ذَلِكَ المُؤْمِنُ لو يَحْتَجِبُ عَنْهُ يَومَ ظُهُورِهِ يُبَدِّلُ كُلَّ عَوَالِمِهِ بالنَّارِ، فَوَحَقِّ نَفْسِهِ الَّذِي لاَ حَقَّ عِنْدَ اللهِ كُفْؤُهُ ولا شِبْهُهُ ولا عِدْلُهُ ولا قَرِينُهُ ولا مِثَالُهُ لَمْ يُؤْمِنْ أَحَدٌ بـِالبَيَانِ حَقَّ الإِيْمَانِ إلاَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بِمِثْلِ ما آمَنَ بـِالقُرآنِ حَقَّ الإِيمَانِ إلاَّ مَنْ آمَنَ بـِالبَيَانِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ ما آمَنَ بِالإِنْجيلِ مِنْ قَبْلُ حَقَّ الإِيمَانِ إِلاَّ مَنْ آمَنَ بِالقُرْآنِ، وَإِذًا يومَ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ كُلُّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ عِنْدَهُ سَواءٌ،
فَمَنْ يَجْعَلُه نَبِيًّا كَانَ نَبِيًّا أَوَّلَ الَّذِي لاَ أَوَّلَ لَهُ إِلَى آخِرِ الَّذِي لا آخِرَ لَه، لأَنَّ ذلك ما قَدْ جَعَلَهُ اللهُ، وَمَنْ يَجْعَلُهُ وَلِيًّا فذلِكَ كانَ وَلِيًّا فِي كل العَوَالِمِ."
"فَلِتَسْتَعْصِمَنَّ بِهِ فإِنَّ يَومَه يَومُ الآخِرَةِ بالنَّسْبَةِ إِلَى تِلْكَ الحَيَوةِ الأولى وَلَولا كانَ كِتَابهُ ما نُزِّلَ ذلِكَ الكِتَابُ، وَلَولا كانَ نَفْسُهُ ما أَظْهَرَني الله، وإِنَّنِي أَنا إِيَّاهُ وَإِنَّهُ هُوَ إِيَّاي، وإِنَّما المَثَلُ مَثَلُ الشَّمْسِ لو تَطْلَعُ بما لا نهايةَ إِنَّها هِي شَمْسٌ وَاحِدَةٌ."
"لَعَلَّكَ فِي ثمانِيَةِ سنةَ يَومَ ظُهُورِهِ تُدْرِكُ لِقَاءَ اللهِ إِنْ لم تُدِرِكْ أَوَّلَهُ تُدْرِكُ آخِرَهُ."
"وَرُبَّما يَأْتِيكَ مَنْ أَنْتَ قَدْ سَأَلْتَ عَنْ عُلُوِّ ذِكْرِهِ وَارْتِفَاعِ أَمْرِهِ، وَإِنَّ مَنْ فِي البَيَانِ يَقْرَأُ تِلْكَ الكَلِمَاتِ وهم لا يَلْتَفِتُونَ بظُهُورِهِ."
"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فاشْهِدْ عَلَيَّ بأَنِّي بِذَلِكَ الكِتابِ قَدْ أَخَذْتُ عَهْدَ وِلاَيَةِ من تُظْهِرَنَّه عَنْ كُلِّ شَيْءٍ قَبْلَ عَهْدِ وِلاَيَتِي، وَكَفَى بِك وبِمَنْ آمَنَ بِآياتِكَ عَلَيَّ شَهِيدًا، وإِنَّكَ أَنْتَ حَسْبِي عَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإِنَّكَ كُنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا، أَنْ يَا ذَلِكَ الحَرْفُ خُذْ عَهْدَ وِلاَيَتِهِ عَنْ كُلِّ مَنْ يُقِرُّ بالإِيمان عَنْ كُلِّ ما يُحيطُ بِهِ عِلْمُكَ بِما كُتِبَ بِخَطِّهِ، وإِنَّما إِنِّي قَدْ كَتَبْتُ كُلَّ البَيَانِ وَإِنَّ مَنْ يَكْتُبُ هَذَا يُقِرُّ بالإِيمَانِ بِهِ قَبْلَ ظُهُورِهِ، فاذًا فـاسْتَعْلِمْ عَنْ كُلِّ ما يُمْكِنُ ان تَسْتَعْلِمَ لِيُثْبِتَ ذِكْرَهُ فِي الكِتَابِ إِلَى يَومِ ظُهُورِهِ، فَإِنَّ هَذَا لَهُو العِزُّ الشَّامِخُ المَنِيعُ والفَضْلُ البَاذِخُ الرَّفِيعُ."
مِنْ مُناجاةٍ لِحَضْرَةِ الأَعْلَى"يا إلَهِي أَنْتَ الحَقُّ لَمْ تَزَلْ، وَمَا سِوَاكَ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ، وأَنا ذا يا إِلهِي انْقَطَعْتُ عَنْ كُلِّ النَّاسِ بِالتَّوَسُّلِ إِلَى حَبْلِكَ، وأَعْرَضْتُ عَنْ كُلِّ المَوجُودَاتِ بِالتَّوَجُّهِ إِلى تِلْقاءِ مَدْيَنِ رَحْمَتِكَ، فأَلْهِمْنِي اللَّهُمَّ ما أَنْتَ عَليهِ مِنَ الفَضْلِ والعَطَاءِ وَالعَظَمَةِ والبَهَاءِ والجَلالِ وَالكِبْرِياءِ، فَإِنَّي لا أجِدُ دُونَكَ عالِمًا مُقَتَدِرًا، وَاحْرُسْنِي اللَّهُمَّ بِكُلِّ مَنْعِكَ وَكِفايَتِكَ وجُنُودِ السَّمواتِ وَالأَرضِ، فَإِنِّي لا أَجِدُ دُونَكَ مُعْتَمَدًا ولا سِوَاكَ مَلجَأً، وأَنْتَ أَنْتَ اللهُ رَبِّي تَعْلَمُ حاجَتِي وَتَشْهَدُ مَقَامِي، وَأَحاطَ عِلْمُكَ بِمَا نَزَلَ عَليَّ مِنْ قَضَائِكَ وبَلا الدُّنْيا بإِذْنِكَ جُودًا وإِكْرَامًا."
"يَا إلهِي كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ تَفَضَّلْتَ بِهَا عَلَيَّ، قُلْ لَكَ عِنْدَهَا شُكْرِي، وَكَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا، قُلْ لَكَ عِنْدَهَا صَبْرِي، وَكَمْ مِنْ كَلِمَةِ إِلْهَامٍ أَلْهَمَتْنِي فِي سِرِّي وَلَمْ أَسْجُدْ بِعَلاَنِيَّتِي لِوَجْهِكَ، وَكَمْ مِنْ كَلِمَةِ سِرٍّ أَيَّدْتَنِي وَلَمْ أُقْبِلْ بِكُلِّي إِلَيْكَ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ أَنْتَ المَعْرُوفُ الدَّائِمُ وَالمُقْتَدِرُ القَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَأَنَا يَا إِلَهي كُنْتُ ذَا العِصْيَانِ الكُبْرَى وَالسَّيِّئَاتِ العُظْمَى، لَوْ لَمْ تَرْحَمْنِي وَلَوْ لَمْ تَغْفُرْ لِي فَمَنْ يَغْفُرُ لِي."
"فَلْتُرَاقِبُنَّ يَوْمَ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ فَإِنِّي ما أَغْرَسْتُ شَجَرَةَ البَيَانِ إِلاَّ لِتُعَرِّفَنِي وَإنَّنِي أَنَا أَوَّلُ سَاجِدٍ لَهُ وَمُؤْمِنٍ بِنَفْسِهِ فَلا تُضَيِّعُنَّ عِرْفَانَكُمْ فَإِنَّ البَيَانَ مَعَ عُلُوِّهِ يُؤْمِنُ بِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ وَإِنَّهُ لأَحَقُّ بِأَنْ يَكُونَنَّ عَرْشَ الحَقِيْقَةِ مَعَ إِنَّهُ هُوَ إِيَّايَ وَإِنَّنِي أَنَا إِيَّاهُ وَلَكِنْ لَمَّا رُفِعَتْ شَجَرَةُ البَيَانِ بِمُنْتَهَى عُلُوِّهَا فَإِذَا نُقْطَتُها تَسْجُدُ للهِ رَبِّهَا فِي هَيْكَلِ مِنْ يُظْهِرُهُ اللهُ
لَعَلَّكُمْ تُعَظِّمُونَ اللهَ عَلَى مَا تَسْتَحِقُّ بِهِ نَفْسُهُ فَإِنَّكُمْ قَدْ خُلِقْتُمْ بِنُقْطَةِ البَيَانِ فَلَمَّا اسْتَسْلَمَتْ لِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ تِلْكَ النُّقْطَةُ وَاسْتَرْفَعَتْ بِرِفْعَتِهِ وَاسْتَظْهَرَتْ بِظُهُورِ عِزَّتِهِ وَاسْتَجْلَلَتْ بِجَلاَلِ وَحْدَانِيَّتِهِ هَلْ لِمَنْ خُلِقَ بِهَا مِنْ شَأْنٍ يَقُولُ لِمَ أَوْ بِمَ، فَأَنْ يَا كُلَّ شَيْءٍ فِي البَيَانِ فَلْتَعْرِفُنَّ حَدَّ أَنْفُسِكُم فَإِنَّ مِثْلَ نُقْطَةِ البَيَانِ يُؤْمِنُ بِمَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ قَبْلَ كُلَّ شَيْءٍ وإِنَّنِي أَنَا بِذَلِكَ لأَفْتَخِرَنَّ عَلَى مَنْ فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ والأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا لأَنَّ لا عِزَّ إِلاَّ فِي عِرْفَانِ اللهِ وَلاَ لِذَّةَ إِلاَّ فِي تَوْحِيدِ اللهِ فَلاَ تَحْتَجِبُنَّ عَنِ اللهِ بَعْدَ ظُهُورِهِ فَإِنَّ كُلَّ مَا رُفِعَ البَيَانِ كَخَاتَمٍ فِي يَدِي وَإِنَّنِي أَنَا خَاتَمٌ فِي يَدَيْ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ... ".
" رَبَّنا اعْصِمْنا بِفَضْلِكَ عَمَّا يَكْرَهُ رِضَاكَ، وَهَبْ لَنَا ما أَنْتَ تَسْتَحِقُّ بِهِ، وَزِدْ لَنَا بِفَضْلِكَ وَبَارِكْ، وَاعْفُ عَنَّا ما اكْتَسَبْنَا، وكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَاصْفَحْ عَنَّا بِجَمِيلِ صَفْحِكَ إِنَّكَ أَنْتَ المُتَعَالِي القَيُّومُ، وَسِعَتْ رَحْمَتُكَ ما فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَسَبَقَتْ مَغْفِرَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ. وَلَكَ المُلْكُ وَبِيَدِكَ الخَلْقُ وَالأَمْرُ وَفِي يَمِينِكَ كُلُّ شَيْءٍ وَفِي قَبْضَتِكَ مَقَادِيرُ العَفْوِ، تَعْفُو عَمَّنْ تَشَاءُ مِنْ عِبَادِكَ إِنَّكَ أَنْتَ العَفُوُّ الوَدُودُ، لاَ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِكَ مِنْ شَيْءٍ وَلاَ يَخْفَى عَلَيْكَ دُونَ ذلكَ. رَبَّنا اعْصِمْنَا بِحَوْلِكَ وَأَدْخِلْنَا فِي لُجَّةِ بِدْعِكَ وَهَبْ لَنَا ما أَنْتَ تَسْتَحِقُّ بِهِ. إِنَّكَ أَنْتَ المَلِكُ الفَضَّالُ المُتَعَالِي المَودُودُ".
"أَسْتَغْفِرُكَ اللَّهُمَّ مِنْ كُلِّ ذِكْرٍ بِغَيْرِ ذِكْرِكَ، وَمَنْ کُلِّ ثَنَآءٍ بِغَيْرِ ثَنَائِكَ، وَمِنْ كُلِّ لَذَّةٍ بِغَيْرِ لَذَّةِ قُرْبِكَ وَمِنْ كُلِّ رَاحَةٍ بِغَيْرِ راحَةِ أُنْسِكَ وَمِنْ كُلِّ سُرُورٍ بِغَيرِ سُرُورِ مَحَبَّتِكَ وَرِضَاكَ. وَمِنْ كُلِّ مَا نُسِبَ إَلَيَّ
بِمَا نُسِبَ إِلَيْكَ يَا رَبَّ الأَرْبَابِ وَمُقَدِّرَ الأَسْبَابِ وَمُفَتِّحَ الأَبْوَابِ".
"فَأَسْأَلُكَ اللَّهُمَّ بِنُورِ وَجْهِكَ العَظِيمِ وَجَلالِ كِبْرِيائِكَ القَدِيمِ وَسُلْطانِ رُبُوبِيَّتِكَ المَنِيعِ أَنْ تُقَدِّرَ لَنا فِي ذلِكَ الحِينِ مَواقِعَ الخَيْرِ كُلَّها وَمَعادِنَ الفَضْلِ بِأَسْرِها، إِذِ العَطآءُ لا يَضُرُّكَ وَالمَوْهِبَةُ لا تُنْقِصُ مِنْ مُلْكِكَ، سُبْحانَكَ رَبِّ إِنَّنِي أَنا فَقيرٌ وَإِنَّكَ أَنْتَ غَنِيٌّ، وَإِنَّنِي أَنا حَقِيرٌ وَإِنَّكَ أَنْتَ كَبِيرٌ، وَإِنَّنِي أَنا عَاجِزٌ وَإِنَّكَ أَنْتَ مُقْتَدِرٌ، وَإِنَّنِي أَنا ذَلِيلٌ وَإِنَّكَ أَنْتَ عَزِيزٌ، وَإِنَّنِي أَنا مُضْطَرٌّ وَإِنَّكَ أَنْتَ قَديرٌ".
"سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ فَاغْفِرْ لِي وَلِلَّذِينَ هُمْ قَدْ حَمَلُوا أَمْرَكَ إِنَّكَ أَنْتَ المَلِكُ الغَفَّارُ الكَرِيمُ، وَأَدْخِلِ اللَّهُمَّ عِبادَكَ الّذِينَ هُمْ يَوْمَئِذٍ لا يَعْلَمُونَ. وَهُمْ لَوْ عَلِمُوا يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ وَلا يُنْكِرُونَ فِي رَحْمَتِكَ، وَأَنْزِلْ عَلَيْهِمْ مَواقِعَ فَضْلِكَ وَزِدْ عَلَيْهِمْ فِي مَقَاعِدِهِمْ مَا قَدْ قَدَّرْتَ لِلْمُتَّقِينَ مِنْ عِبَادِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المَلِكُ الوَهَّابُ الكَرِيمُ، وَأَنْزِلِ اللَّهُمَّ عَلَى بُيوتِ الّتي آمَنَتْ أَهْلُها مَقادِيرَ فَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ وَفَضْلاً مِنْ لَدُنْكَ إِنَّكَ أَنْتَ خَيْرُ الغَافِرينَ...".
"يَا إِلهِي مَا أَعْرِفُكَ كَمَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَلا أَخَافُكَ كَما أَنا أَهْلُه، فَبِأَيِّ حَالَتِي أَذْكُرُكَ وَبِأَيِّ طَاعَتِي أَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ، خَلَقْتَنِي لا لإِظْهَارِ قُدْرَتِكَ لأَنَّها بَاهِرةٌ ظاهِرَةٌ وَأَنْتَ اللهُ لَمْ يَزَلْ كَانَ وَلَمْ يَكُ شَيْءٌ بَلْ قَدْ خَلَقْتَنا بِقُدْرَتِكَ جُودًا لِذِكْرِ أَنْفُسِنا عِنْدَ تَجَلِّي ذِكْرِكَ، فَيا إِلهي ما أَعْلَمُ مِنْكَ إِلاّ ما أَلْهَمْتَنِي مِنْ مَعْرِفَةِ نَفْسِكَ إِلاّ العَجْزَ وَالتَّقْصِيرَ، فَهَا أَنَا ذَا يَا إِلهي قَدْ أَقَمْتُ بِكُلِّي إِلَيْكَ عَمَّا تُريدُ مِنِّي وَأَلْقَيْتُ نَفْسِي لَدَى فَضْلِكَ مُعْتَرِفًا بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَريكَ لَكَ وَلَيْسَ
كَمِثْلِكَ شَيْءٌ كَمَا أَنْتَ تَشْهَدُ لِنَفْسِكَ وَتَسْتَحِقُّهُ".
"يَا إِلهِي أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتُوبُ إِلَيْكَ كَمَا تُحِبُّ مِنْ عِبَادِكَ لِنَفْسِكَ، فَتُبْ عَلَيْنا كَمَا أَنْتَ أَهْلُهُ وَاغْفِرْ لِي وَلأَبَوَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتَ مَحَبَّتِكَ كَمَا يُحِيطُ عِلْمُكَ كَما يَنْبَغِي لِعِزِّ عَظَمَتِكَ وَجَلالِ قُدْرَتِكَ، فَيا إِلهِي أَنْتَ أَلْهَمْتَنِي دَعْوَتِي إِلَيْكَ فَلَوْلا أَنْتَ ما أَدْعُوكَ، فَسُبْحانَكَ أَحْمَدُكَ كَمَا أَنْتَ عَرَّفْتَنِي نَفْسَكَ وَأَسْتَغْفِرُكَ كَمَا أَنَا قَدْ قَصَّرْتُ عَنْ مَعْرِفَتِكَ وَعَنْ سَبِيلِ سُلُوكِ مَحَبَّتِكَ".
"هَلْ مِن مُفِّرجٍ غَيرُ اللهِ قُلْ سُبْحَانَ اللهِ هُوَ اللهُ كلٌّ عِبَادٌ لَهُ وكلٌّ بأمرِهِ قَائِمُونَ."
"يا إِلهِي تَعْلَمُ أَنَّ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ الَّذِي قَدْ خَلَقْتَنِي مِنْ مَاءِ مَحَبَّتِكَ إِلَى أَن قَضَى مِنْ عُمْرِي خَمْسَ وَعَشَرَ سَنَةً، لَقَدْ كُنْتُ فِي أَرْضِ الَّتِي قَدْ شَهِدَتْ عَلَى خَلْقِي عَلَيْها ثُمَّ قَدْ أَصْعَدْتَنِي عَلَى جَزِيرَةِ البَحْرِ هُنالِكَ اتَّجَرْتً بِآلاءِ مَمْلَكَتِكَ وَمَا قَدْ خَصَّصْتَنِي مِنْ جَوَاهِرِ بَدَايِعِ عِنَايَتِكَ إِلَى أَنْ قَضَى خَمْسَةً هُنَالِكَ قَدْ صَعِدْتُ إِلَى أَرْضِ المُقَدَّسَةِ وَقَدْ قَضَى عَنِّي حَوْلاً هُنالِكَ، ثُمَّ قَدْ رَجَعْتُ إِلَى أَرْضِ الَّتِي قَدْ شَهِدَتْ خَلْقِي عَلَيْها وَاسْتَشْهَدَتْ فَوَاضِلَكَ العُلْيَا وَمَوَاهِبَكَ العُظْمَى هُنَالِكَ، فَلَكَ الحَمْدُ عَلَى كُلِّ آلائِكَ وَلَكَ الشُّكْرُ عَلَى كُلِّ نَعْمَائِكَ، ثُمَّ قَدْ صَعِدْتُ إِلَى بَيْتِكَ الحَرَامِ فِي حَوْلِ الخَامِسِ بَعْدَ العَشَرِ الثَّانِي وَقَدْ قَضَى عَنِّي حَوْلاً هُنالِكَ، ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَرْضِ الأُولَى الَّتِي قَدْ شَهِدَتْ خَلْقِي هُنالِكَ، ثُمَّ قَدْ صَبَرْتُ هُنالِكَ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِكَ وَاسْتَشْهَدْتُ مَوَارِدَ جُودِكَ وَعِنايَتِكَ إِلَى ما قَدَّرْتَ لِيَ الصُّعُودَ إِلَيْكَ وَالتَّهاجُرَ لَدَيْكَ،
فَخَرَجْتُ بِإِذْنِكَ مِنْ هُنالِكَ وَقَدْ قَضَى عَنِّي نِصْفَ حَوْلٍ عَلَى أَرْضِ الصَّادِ ثُمَّ سَبْعَةَ أَشْهُرٍ عَلَى جَبَلِ الأَوَّلِ الَّذِي قَدْ نَزَّلْتَ عَلَيَّ فِيهِ مَا يَنْبَغِي لِجَلالِ قُدْسِ عَطَائِكَ وَعُلُوِّ فَضْلِكَ وَامْتِنانِكَ، ثُمَّ هذا سَنَةُ الثَّلاثِينَ حَيْثُ لَتَشْهَدَنَّ عَلَيَّ عَلَى ذَلِكَ الجَبَلِ الشَّدِيدِ وَقَدْ قَضَى حَوْلاً يَا إِلهِي لأَكُونَنَّ عَلَيْها، فَلَكَ الحَمْدُ يا إِلهِي فِي كُلِّ حِينٍ وَقَبْلَ حِينٍ وَبَعْدَ حِينٍ، وَلَكَ الشُّكْرُ يا رَبِّي فِي كُلِّ شَأْنٍ وَقَبْلَ شَأْنٍ وَبَعْدَ شَأْنٍ، قَدْ تَمَّتْ آلائُكَ فِي حَقِّي وَكَمُلَتْ نَعْمَائُكَ فِي شَأْنِي وَمَا شَهِدْتُ فِي حِينٍ إِلاّ كُلَّ فَضْلِكَ وَإِحْسانِكَ وَجُودِكَ وَامْتِنانِكَ وَكَرَمِكَ وَارْتِفاعِكَ وَسُلْطَانِكَ وَإِعْزَازِكَ وَنُورِكَ وَإِبْهائِكَ وَمَا يَنْبَغِي لِبِسَاطِ قُدْسِ قَيُّومِيَّتِكَ وَإِجْلالِكَ وَبِساطِ مَجْدِ دَيْمُومِيَّتِكَ وَارْتِفَاعِكَ."
هُوَ العَزِيزُهَذِهِ رَوْضَةُ الفِرْدَوْسِ ارْتَفَعَتْ فِيهَا نَغْمَةُ اللهِ المُهَيْمِنِ القَيّوُمِ، وَفِيهَا اسْتَقَرَّتْ حُورِيَّاتُ الخُلْدِ مَا مَسَّهُنَّ أحَدٌ إلاّ اللهُ العَزِيزُ القُدُّوسُ، وَفِيهَا تَغَرَّدَ عَنْدَلْيبُ الْبَقآءِ عَلى أفْنَانِ سِدْرَةِ المُنْتَهَى بِالنَّغْمَةِ الَّتِي تَتَحَيَّرُ مِنهَا العُقُولُ، وَفِيهَا مَا يُقَرِّبُ الْفُقَرآءَ إلى شَاطِىءِ الْغَنآءِ وَيَهْدِي النَّاسَ إلى كَلِمَةِ اللهِ وَإنَّ هَذَا لَحَقٌّ مَعْلُومٌ، بِسْمِكَ الْهُو وإنَّكَ أنْتَ الْهُو يَا هُو، يَا رَاهِبَ الأحَديَّةِ اضْرِبْ عَلى النَّاقُوسِ بِمَا ظَهَرَ يَوْمُ اللهِ وَاسْتَوى جَمَالُ الْعِزِّ عَلى عَرْشِ قُدْسٍ مُنِيرٍ، سُبْحَانَكَ يا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يا مَنْ لَيْسَ أحَدٌ إلاَّ هُو. يَا هُودَ الحُكْمِ اضْرِبْ عَلَى النَّاقُورِ بِاسْمِ اللهِ العَزِيزِ الكَرِيمِ بِمَا استَقَرَّ هَيْكَلُ القُدْسِ عَلَى كُرْسِيِّ عِزٍّ مَنِيعٍ. سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ
هُو. يَا طَلعَةَ البَقَآءِ اضْرِبْ بِأَنَامِلِ الرُّوحِ عَلَى رَبَابِ قُدْسٍ بَدِيعٍ بِمَا ظَهَرَ جَمَالُ الهُوِيَّةِ فِي رِدَاءِ حَرِيرٍ لَمِيعٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا مَلَكَ النُّورِ انْفُخْ فِي الصُّورِ فِي هَذَا الظُّهُورِ بِمَا رَكِبَ حَرْفُ الهَاءِ بِحَرْفِ عِزٍّ قَدِيمٍ. سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا عَنْدَلِيبَ السَّنَاءِ غَنِّ عَلَى الأَغْصَانِ فِي هَذَا الرِّضْوَانِ عَلَى اسْمِ الحَبِيبِ بِمَا ظَهَرَ جَمَالُ الوَرْدِ عَنْ خَلْفِ حِجَابٍ غَلِيظٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا بُلبُلَ الفِرْدَوْسِ رِنِّ عَلَى الأَفْنَانِ فِي هَذَا الزَّمَنِ البَدِيعِ بِمَا تَجَلَّى اللهُ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي المُلْكِ أَجْمَعِينَ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا طَيْرَ البَقَاءِ طِرْ فِي هَذَا الهَوَاءِ بِمَا طَارَ طَيْرُ الوَفَاءِ فِي فَضَاءِ قُربٍ كَرِيمٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا أَهْلَ الفِرْدَوسِ غَنُّوا وتَغَنُّوا بِأَحْسَنِ صَوْتٍ مَلِيحٍ بِمَا ارْتَفَعَتْ نَغْمَةُ اللهِ خَلْفَ سُرَادِقِ قُدْسٍ رَفِيعٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا أَهْلَ المَلَكوتِ تَرَنَّمُوا عَلَى اسْمِ المَحْبُوبِ بِمَا لاَحَ جَمَالُ الأَمْرِ عَنْ خَلْفِ الحُجُبَاتِ بِطَرازِ رُوحٍ مُنِيرٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا أَهْلَ مَلَكُوتِ الأَسْمَآءِ زَيِّنُوا الرَّفَارِفَ الأَقْصَى بِمَا رَكِبَ الاسْمُ الأَعْظَمُ عَلَى سَحَابِ قُدْسٍ عَظِيمٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا أَهْلَ جَبَرُوتِ الصِّفَاتِ فِي أُفُقِ الأَبْهَى اسْتَعِدُّوا لِلِقَاءِ اللهِ بِمَا هَبَّتْ نَسَمَاتُ القُدْسِ عَنْ مَكْمَنِ الذَّاتِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ مُبِينٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا رِضْوَانَ الأَحَدِيَّةِ تَبَهَّجْ فِي نَفْسِكَ بِمَا ظَهَرَ رِضوَانُ اللهِ
العَلِيِّ المُقْتَدِرِ العَلِيمِ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا سَمَاءَ العِزِّ اشْكُرِي اللهَ فِي ذَاتِكَ بِمَا ارْتَفَعَتْ سَمَاءُ القُدْسِ فِي هَوَآءِ قَلْبٍ لَطِيفٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُوَ يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا شَمْسَ المُلْكِ اكْسِفِي وَجْهَكِ بِمَا أَشْرَقَتْ شَمْسُ البَقَاءِ عَنْ أُفُقِ فَجْرٍ لَمِيعٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا أَرْضَ المَعْرِفَةِ ابْلَعِي مَعَارِفَكِ بِمَا انْبَسَطَتْ أَرْضُ المَعْرِفَةِ فِي نَفْسِ اللهِ المُتَعَالِي العَزِيزِ الكرِيمِ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا سِرَاجَ المُلْكِ أَطْفِئْ فِي نَفْسِكَ بِمَا أضَآءَ سِرَاجُ اللهِ فِي مِشْكاةِ البَقَآءِ، وَاسْتَضَاءَ مِنْهُ أَهْلُ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا بُحُورَ الأَرْضِ اسْكُنُوا عَنِ الأَمْوَاجِ فِي أَنْفُسِكُم بِمَا تَمَوَّجَ البَحْرُ الأَحْمَرُ بِأَمْرٍ بَدِيعٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا طَاوُوسَ الأَحَدِيَّةِ تَشَهَّقْ فِي أَجَمَةِ اللاَّهُوتِ بِمَا ظَهَرَتْ نَغْمَةُ اللهِ عَنْ كُلِّ طَرَفٍ قَرِيبٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا دِيكَ الصَّمَدِيَّةِ تَدَلَّعْ فِي أَجَمَةِ الجَبَرُوتِ بِمَا نَادَى مُنَادِي اللهِ عَنْ كُلِّ شَطْرٍ مَنِيعٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا مَلأَ العُشَّاقِ أَبْشِرُوا بِأَرْوَاحِكُم بِمَا تَمَّ الفِرَاقُ وَجَاءَ المِيثَاقُ وظَهَرَالمَعْشُوقُ بِجَمَالِ عِزٍّ مَنِيعٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، يَا مَلأَ العِرْفَانِ سُرُّوا بِذَوَاتِكُم بِما ذَهَبَ الهِجْرَانُ وَجَاءَ الإِيقَانُ وَلاحَ جَمَالُ الغُلامِ بِطَرازِ القُدْسِ فِي فِرْدَوسِ اسْمٍ مَكِينٍ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي أَسْأَلُكَ بِيَوْمِكَ الَّذِي فِيهِ بَعَثْتَ
كُلَّ الأَيَّامِ وبِآنٍ مِنْهُ أَحْصَيتَ زَمَنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، سُبْحانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، وَباِسْمِكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ سُلْطَانًا فِي جَبَرُوتِ الأَسْمَاءِ وَحَاكِمًا عَلَى مَنْ فِي السَّموَاتِ وَالأَرَضِينَ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مِنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، أَنْ تَجْعَلَ هؤُلاءِ أَغْنِيآءَ عَنْ دُونِكَ وَمُقْبِلِينَ إِلَيْكَ وَمُنْقَطِعِينَ عَمَّنْ سِوَاكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ الرَّحِيمُ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، ثُمَّ اجْعَلْهُمْ يَا إِلَهِي مُقِرِّينَ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَمُذْعِنِينَ بِفَرْدَانيَّتِكَ بِحَيْثُ لا يُشَاهِدُونَ دُونَكَ وَلا يَنظُرُونَ غَيْرَكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ عَلَى ذلِكَ لَمُقْتَدِرٌ قَدِيرٌ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، ثُمَّ أَحْدِثْ يَا مَحبُوبِي فِي قُلُوبِهِمْ حَرَارَةَ حُبِّكَ عَلَى قَدْرٍ يَحْتَرِقُ بِهَا ذِكْرُ غَيْرِكَ لِيَشْهَدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ بِأَنَّكَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ فِي عُلُوِّ البَقَآءِ وَلَم يَكُنْ مَعَكَ مِنْ شَيْءٍ وَتَكُونُ بِمِثْلِ مَا قَدْ كُنْتَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الكَرِيمُ العَظِيمُ، سُبْحَانَكَ يَا هُوَ يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، لأَنَّ عِبَادَكَ الَّذِينَ يُرِيدِونَ أَنْ يَرتَقُوا إِلَى مَعَارِجِ تَوْحِيدِكَ لَو تَستَقِرُّ أَنْفُسُهُم عَلَى ذِكْرِ دُونِكَ لَنْ يَصْدُقَ عَلَيْهِم حُكْمُ التَّوْحِيدِ وَلَنْ يَثْبُتَ فِي شَأْنِهِم سِمَةُ التَّفْرِيدِ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو، فَسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي لَمَّا كانَ الأَمْرُ كذَلِكَ أَنْزِلْ مِنْ سَحَابِ رَحمَتِكَ مَا يُطَهَّرُ بِهِ أَفئِدَةُ مُحِبِّيكَ وَيُقَدَّسُ بِهِ قُلُوبُ عَاشِقِيكَ ثُمَّ ارْفَعْهُمْ بِرِفْعَتِكَ ثُمَّ غَلِّبْهُمْ عَلَى مَنْ عَلَى الأَرْضِ، وَهذَا مَا وَعَدْتَ بِهِ أَحِبَّاءَكَ بِقَوْلِكَ الحَقِّ: نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً ونَجْعَلَهُمُ الوَارِثِينَ، سُبْحَانَكَ يَا هُو يَا مَنْ هُوَ هُو يَا مَنْ لَيْسَ أَحَدٌ إِلاَّ هُو.
لوح غلام الخلدهَذَا ذِكْرُ مَا ظَهَرَ فِي سَنَةِ السِّتِّينَ فِي أيَّامِ اللهِ المُقْتَدِرِ المُهَيْمِنِ الْعَزِيزِ العَلِيمِ.
إذًا قَدْ فُتِحَ أبْوَابُ الفِرْدَوْسِ وَطَلَعَ غُلامُ الْقُدْسِ بِثُعْبَانٍ مُبِينٍ، فَيَا بُشْرَى هَذا غُلامُ الخُلدِ قَدْ جَاءَ بِمَاءٍ مَعِينٍ، وَعَلَى وَجْهِهِ نِقَابٌ نُسِجَ مِنْ إِصْبَعِ عِزٍّ قَدِيرٍ، فَيَا بُشْرَى هَذا غُلامُ الخُلدِ قَدْ جَاءَ باسْمٍ عَظِيمٍ، وَعَلَى رَأسِهِ تَاجُ الجَمَالِ واسْتَضَآءَ مِنْهُ أهْلُ السَّمَواتِ وَالأرَضِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذا غُلامُ الخُلدِ قَدْ جَاءَ بأمْرٍ عَظِيمٍ، وَعَلى كَتِفِهِ غَدَائِرُ الرُّوحِ كَسَوادِ المِسْكِ عَلَى لُؤلُؤٍ بِيضٍ مُنِيْرٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِأمْرٍ مَنِيعٍ، وَعَلَى إصْبَعِهِ اليُمْنَى خَاتَمٌ مِنْ لُؤْلؤٍ قُدْسٍ حَفِيظٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بروحٍ عَظِيمٍ، وَنُقِشَ فِيهِ مِنْ خَطٍّ أزَلِيٍّ خَفِيٍّ تَاللهِ هَذَا مَلَكٌ كَرِيمٌ إذًا صَاحَتْ أفْئِدَةُ أهْلِ البَقآءِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِنُورٍ قَدِيمٍ، وَعَلَى شَفَتِهِ اليُمْنَى خَالٌ تَخَلْخَلَتْ مِنْهُ أدْيَانُ العَارِفِينَ إذًا صَاحَ أهْلُ حِجَابِ اللاّهوتِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِسِرٍّ عَظِيمٍ، وهَذَا مِنْ نُقْطَةٍ فُصِّلَتْ عَنْهَا عُلُومُ الأوَّليِنَ وَالآخَرِينَ إذًا غَنَّتْ أهْلُ مَقَامِ المَلَكُوتِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِعِلْمٍ عَظِيمٍ، وَهَذَا لفارِسُ الرُّوحِ فِي حَوْلِ عَيْنٍ سَلْسَبِيلٍ إذًا ضَجَّ أهْلُ سِتْرِ الجَبَرُوتِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِكَشْفٍ عَظِيمٍ، وَنَزَلَ عَنْ سُرَادِقِ الجَمَالِ حَتَّى وَقَفَ كَالشَّمْسِ فِي قُطْبِ السَّمَآءِ بَجَمَالٍ بِدْعٍ مَنِيعٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِبِشْرٍ عَظِيمٍ، فَلَّمَا وَقَفَ فِي وَسَطِ
السَّمَآءِ أَشْرَقَ كَالشَّمْسِ فِي قُطْبِ الزَّوَالِ عَلَى مَرْكَزِ الْجَمَالِ بِاسْمٍ عَظِيمٍ، إذًا نَادى المُنادِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا جَمَالُ الْغَيْبِ قَدْ جَآءَ بِرُوحٍ عَظِيمٍ، وَضَجَّتْ أَفْئِدَةُ الحُورِيَاتِ فِي الْغُرُفَاتِ بِأَنْ تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ إذًا غَنَّتِ الْوَرْقآءُ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ مَا رَأَتْ بِمِثْلِهِ عُيُونُ أَحِدٍ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْفِرْدَوْسِ مَرَّةً أُخْرَى بِمِفْتَاحِ اسْمٍ عَظْيمٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِاسْمٍ عَظِيمٍ، وَطَلَعَتْ حُورِيَةُ الْجَمَالِ كَإشْرَاقِ الشَّمْسِ عَنْ أُفُقِ صُبْحٍ مُبِينٍ، فَيَا بُشْرَى هَذِهِ حُورِيَّةُ الْبَهَآءِ قَدْ جَاءَتْ بِجَمَالٍ عَظِيمٍ، وَخَرَجَتْ بِطِرَازٍ تَوَلَّهَتْ عَنْهَا عُقُولُ الْمُقَرَّبِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذِهِ حُورِيَّةُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَتْ بِمِلْحٍ عَظِيمٍ، وَنَزَلَتْ عَنْ غُرُفَاتِ الْبَقَآءِ ثُمَّ غَنَّتْ عَلَى لَحْنٍ اسْتَجَذَبَتْ عَنْهُ أَفْئِدَةُ الْمُخْلِصِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذَا جَمَالُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِسِرٍّ عَظِيمٍ، وَعُلِّقَتْ فِي الْهَوَآءِ إذًا أَخْرَجَتْ شَعْرًا مِنْ شَعَرَاتِهَا عَنْ تَحْتِ نِقَابِهَا الْمُنِيرِ، فَيَا بُشْرَى هَذِهِ حُورِيَّةُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَتْ بِرُوحٍ بَدِيعٍ، إذًا تَعَطَّرَتْ مِنْ شَعْرِهَا كُلُّ مَنْ فِي الْعَالَمِينَ. ثُمَّ اصْفَرَّتْ وُجُوهُ الْمُقَدَّسِينَ وَاسْتَدْمَتْ مِنْهَا كَبِدُ الْعَاشِقِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذِهِ حُورِيَّةٌ قَدْ جَآءَتْ بِعِطْرٍ عَظِيمٍ، تَاللهِ مَنْ يُغْمِضُ عَيْنَاهُ عَنْ جَمَالِهَا عَلَى مَكْرٍ عَظِيمٍ وَتَزْوِيرٍ مُبِينٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا جَمَالُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِنُورٍ عَظِيمٍ، دَارَتْ وَأَدَارَتْ فِي حَوْلِهَا خَلْقَ الكَوْنَينِ، فَيَا بُشْرَى هَذِهِ حُورِيَةُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَتْ بِدَوْرٍ عَظِيمٍ، وَجَآءَتْ حَتَّى قَامَتْ فِي مُقَابَلَةِ الْغُلامِ بِطِرَازٍ عَجِيبٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا جَمَالُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِحُسْنٍ عَظِيمٍ، وَبَعْدُ أَخْرَجَتْ عَنْ الْقِنَاعِ كَفَّ الْخَضِيبِ كَشُعَاعِ الْشَّمْسِ عَلَى وَجْهِ مِرْآةٍ لَطِيفٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا جَمَالُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِطرْزٍ
عَظِيمٍ، وَأَخَذَتْ طَرَفَ بُرْقَعِ الْغُلامِ بِأَنَامِلِ يَاقُوتٍ مَنِيعٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا جَمَالُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِطَرَفٍ عَظِيمٍ، وَكَشَفَتِ الْحِجَابَ عَنْ وَجْهِهِ إذًا تَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُ عَرْشٍ عَظِيمٍ، فَيِا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ انْعَدَمَتْ الأَرْوَاحُ عَنْ هَيَاكِلِ الْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَشُقَّتْ ثِيَابُ أَهْلِ الْفِرْدَوْسِ عَنْ هَذَا الْمَنْظَرِ الْمُشْرِقِ الْقَدِيمِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَاءَ بِنُورٍ عَظِيمٍ، إذًا ظَهَرَ صَوْتُ الْبَقآءِ عَنْ وَرَآءِ حُجُبَاتِ الْعَمَآءِ بِنِدَآءِ جَذْبٍ مَلِيحٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِجَذْبٍ عَظِيمٍ، وَنَادَى لِسَانُ الْغَيْبِ عَنْ مَكْمَنِ الْقَضَآءِ تَاللهِ هَذَا غُلامٌ مَا فَازَتْ بِلِقَائِهِ عُيُونُ الأَوَّلِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَصَاحَتْ حُورِيَّاتُ الْقُدْسِ عَنْ غُرُفَاتِ عِزٍّ مَكِينٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ تَاللهِ هَذَا غُلامٌ يَشْتَاقُ جَمَالَهُ أَهْلُ مَلأ الْعَالِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِأَمْرٍ عَظيِمٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ رَفَعَ الْغُلامُ رَأْسَهُ إلى مَلأِ الكَرُّوبِينَ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَاءَ بِرُوحٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ إذًا قَامَ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ بِرُوحٍ جَدِيدٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِصُورٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ تَوَجَّهَ إلَى أَهْلِ الأَرْضِ بِنَظْرَةِ عِزٍّ بَدِيعٍ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَآءَ بِنَظْرَةٍ عَظِيمٍ، وَحُشِرَ كُلُّ مَنْ فِي الْمُلْكِ عَنْ هَذِهِ الْنَظْرَةِ الْعَجِيبِ، فَيَا بُشْرَى هَذَا غُلامُ الْخُلْدِ قَدْ جَاءَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، ثُمَّ أَشَارَ بِطَرْفِهِ إلَى مَعْدُودٍ قَلِيلٍ فَرَجَعَ إلَى مَقَامِهِ فِي جَنَّةِ الْخُلْدِ وَهَذَا مِنْ أَمْرٍ عَظِيمٍ.
في ليلة المبعث ص جناب حاء عليه بهاء الله الأبهىقَدْ نَطَقَ اللِّسَانُ بِأَعْلَى البَيَانِ ونَادَتِ الكَلِمَةُ بِأَعْلَى النِّدَاءِ المُلْكُ للهِ خَالِقِ السَّمَاءِ ومَالِك الأَسْمَاءِ وَلكِنَّ العِبَادَ أَكثَرَهُمْ مِنَ الغَافِلِينَ قَدْ أَخَذَتْ تَرَنُّمَاتُ الرَّحْمنِ مَنْ فِي الإِمْكَانِ وَأَحَاطَ عَرْفُ القَمِيصِ مَمَالِكَ التَّقْدِيسِ وَتَجَلَّى اسْمُ الأَعْظَمُ عَلَى مَنْ فِي العَالَمِ وَلَكنَّ النَّاسَ فِي حِجَابٍ مُبِينٍ، أَنْ يَا قَلَمَ الأَعْلَى غَنِّ عَلَى لَحْنِ الكِبْرِياءِ لأَنَّا نَجِدُ عَرْفَ الوِصَالِ بِمَا تَقَرَّبَ يَوْمُ الَّذِي فِيهِ زُيِّنَ مَلَكُوتُ الأَسْمَاءِ بِطِرَازِ اسْمِنَا العَلِيِّ الأَعْلَى الَّذِي إِذَا ذُكِرَ لَدَى العَرْشِ غَنَّتِ الحُورِيَّاتُ بِبَدَايعِ النَّغَمَاتِ وَهَدَرَتِ الوَرْقَاءُ بِبَدَايعِ الأَلْحَانِ وَنَطَقَ لِسَانُ الرَّحْمنِ بِمَا انْجَذَبَ مِنْهُ أَرْوَاحُ المُرْسَلِينَ ثُمَّ أَرْوَاحُ المُخْلِصِينَ ثُمَّ أَرْوَاحُ المُقَرَّبِينَ، هَذِهِ لَيْلَةٌ طَلَعَ صُبْحُ القِدَمِ مِنْ أُفُقِ يَوْمِهَا وَاسْتَضَاءَ العَالَمُ مِنْ أَنوَارِهِ الَّتِي أَشْرَقَتْ مِنْ ذَاكَ الأُفُقِ المُنِيرِ، قُلْ إِنَّهُ لَيَوْمٌ فِيهِ أَخَذَ اللهُ عَهْدَ مَنْ يَنْطِقُ بِالحَقِّ إِذْ بَعَثَ مَنْ بَشَّرَ العِبَادَ بِهَذَا النَّبَإِ العَظِيمِ وَفِيهِ ظَهَرَتْ آيَةُ الأَعْظَمِ نَاطِقًا بهَذَا الاسْمِ العَظِيمِ، وَانْجَذَبَ فِيهِ المُمْكنَاتُ مِنْ نَفَحَاتِ الآيَاتِ طُوبَى لِمَنْ عَرَفَ مَوْلاهُ وَكانَ مِنَ الفَائِزيِنَ، قُلْ إِنَّهُ لَقِسْطَاسُ الأَعْظَمِ بَيْنَ الأُمَمِ وَبِهِ ظَهَرَتِ المَقَاديِرُ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيمٍ، قَدْ أَسْكَرَ أُولِي الأَلْبَابِ مِنْ رَحيِقِ بَيانِهِ وخَرَقَ الأَحْجَابَ بِسُلْطَانِ اسْمِيَ المُهَيْمِنِ عَلَى العَالَمِينَ، قَدْ جَعَلَ البَيَانَ وَرَقَةً لِهَذَا الرِّضوَانِ وَطَرَّزَهَا بِذِكْرِ هَذَا الذِّكْرِ الجَمِيلِ، قَدْ وَصَّى العِبَادَ أَنْ لا يَمْنَعُوا أَنْفُسَهُم عَنْ مَشْرِقِ القِدَمِ وَلا يَتَمَسَّكُوا عِنْدَ
ظُهُورِهِ بِمَا عِنْدَهُم مِنَ القِصَصِ وَالأَمْثَالِ، كذَلِك قُضِيَ الأَمْرُ فِيمَا ظَهَرَ مِنْ عِنْدِهِ يَشْهَدُ بِذَلِك مَنْ يَنْطِقُ بِالحَقِّ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنَا العَزِيزُ الكَرِيمُ، إِنَّ الَّذِينَ أَعْرَضُوا عَنِ الآخِرِ مَا آمَنُوا بِالأَوَّلِ هَذَا مَا حَكَمَ بِهِ مَالِكُ العِلَلِ فِي هَذَا الطِّرَازِ القَويِمِ، قُلْ إِنَّهُ بَشَّرَكُمْ بهَذَا الأَصْلِ وَالَّذِينَ مُنِعُوا بِالفَرْعِ إنَّهُمْ مِنَ المَيِّتِين، إِنَّ الفَرْعَ هُوَ مَا تَمَسَّكُوا بِهِ القَوْمُ وَأَعْرَضُوا عَنِ اللهِ المَلِكِ العَزِيزِ الحَمِيدِ، قَدْ عُلِّقَ كُلُّ مَا نُزِّل بِقَبُولِي وَكُلُّ أَمْرٍ بِهَذَا الأَمْرِ المُبْرَمِ المُبِينِ، لَولا نَفْسِي مَا تَكلَّمَ بِحَرْفٍ وَمَا أَظْهَرَ نَفْسَهُ بَيْنَ السَّموَاتِ وَالأَرَضِينَ، قَدْ نَاحَ فِي أَكثَرِ الأَحْيانِ لِغُرْبَتِي وَسِجْنِي وَبَلائِي يَشْهَدُ بِذَلِكَ مَا نُزِّلَ فِي البَيَانِ إِنْ أَنْتُم مِنَ العَارِفِينَ، إِنَّ القَوِيَّ مَنِ انْقَطَعَ بِقُوَّةِ اللهِ عَمَّا سِوَاهُ وَالضَّعِيفَ مَنْ أَعْرَضَ عَنِ الوَجْهِ إِذْ ظَهَرَ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، يَا مَلأَ الأَرْضِ اذْكُرُوا اللهَ فِي هَذَا اليَوْمِ الَّذِي فِيهِ نَطَقَ الرُّوحُ وَاسْتَعْرَجَتْ حَقَائِقُ الَّذِينَ خُلِقُوا مِنْ كلِمَةِ اللهِ العَزِيزِ المَنِيعِ، قَدْ قُدِّرَ لِكُلِّ نَفْسٍ أَنْ يَسْتَبشِرَ فِي هَذَا اليَوْمِ وَيَلْبَسَ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيُهَلِّلَ رَبَّهُ وَيَشْكُرَهُ بِهَذَا الفَضْلِ العَظِيمِ، طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِمُرَادِ اللهِ وَوَيْلٌ لِلْغَافِلِينَ، لَمَّا نُزِّلَ هَذَا اللَّوْحُ فِي هَذَا اللَّيلِ أَحْبَبْنَا أَنْ نُرْسِلَهُ إِلَيْكَ فَضْلاً مِنْ لَدُنَّا عَلَيْكَ لِتَكُونَ مِنَ الشَّاكِرِينَ، إِذَا فُزْتَ بِهِ أَنِ اقْرَأْهُ بَيْنَ الأَحْبَابِ لِيَسمَعُنَّ الكُلُّ مَا تَكَلَّمَ بِهِ لِسَانُ العَظَمَةِ ويَكُونُنَّ مِنَ العَامِلِينَ، كذَلِكَ اخْتَصَصْنَاكَ وَزَيَّنَّاكَ بِمَا زُيِّنَتْ بِهِ هَيَاكِلُ المُخْلِصِينَ الحَمْدُ للهِ ربِّ العَالَمِينَ.
مقتطفات من الآثار المباركة حول ليلة المبعث"... أَلا إِنَّنِي رُكْنٌ مِنْ الْكَلِمَةِ الأُولَى الَّتِي مَنْ عَرَفَهَا عَرَفَ كُلَّ حَقٍّ وَيَدْخُلُ فِي كُلِّ خَيْرٍ... لأَنَّ اللهَ قَدْ جَعَلَ كُلَّ خَيْرٍ أَحَاطَ بِهِ عِلْمُهُ فِي طَاعَتِي وَكُلَّ نَارٍ يُحْصِيهَا كِتَابُهُ فِي مَعْصِيَتِي ... أَنَا النُّقْطَةُ الَّتِي ذُوِّتَ بِهَا مَنْ ذُوِّتْ وَإِنَّنِي أّنَا وَجْهُ اللهِ الَّذِي لا يَمُوتُ وَنورُه الَّذِي لا يَفوتُ...".
"حضرة الباب""... أَنْ يَا قَوْمِ فَاسْمَعُوا نِدَآءَ اللهِ عَنْ شَجَرَةِ القُصْوى مِنْ هَذَا المَنْظَرِ الدُّرِّيِّ العَلِيِّ الأَبْهَى، بِأَنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُو، وَإِنَّ الَّذِي أَرْسَلَهُ بِاسْمِ عَلِيٍّ لَسُلْطَانُ المُمْكِنَاتِ وَمَلِيكُ المَوْجُودَاتِ وَكَلِمَةُ اللهِ بَيْنَ خَلْقِهِ وَكِتَابُ اللهِ بَيْنَ عِبَادِهِ وَقُدْرَةُ اللهِ بَيْنَ بَرِيَّتِهِ...".
"حضرة بهاء الله""كَبِّرِ الْلَّهُمَّ يَا إِلَهِي عَلَى النُّقْطَةِ الأَوَّلِيَّةِ وَالسِّرِّ الأَحَدِيَّةِ وَالْغَيْبِ الْهُوِيَةِ وَمَطْلِعِ الأُلُوهِيَةِ وَمَظْهَرِ الرُّبُوْبِيَّةِ الَّذِي بِهِ فَصَّلْتَ عِلْمَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، وَظَهَرَتْ لآلِئُ عِلْمِكَ الْمَكْمُونِ وَسِرِّ اسْمِكَ المَخْزُوْنِ وَجَعَلْتَهُ مُبَشِّرًا لِلَّذِي بِاسْمِهِ أُلِّفَ الْكَافُ بِرُكْنِهَا الْنُّونِ، وَبِهِ ظَهَرَتْ سَلْطَنَتُكَ وَعَظَمَتُكَ وَاقْتِدَارُكَ وَنُزِّلَتْ آيَاتُكَ وَفُصِّلَتْ أَحْكَامُكَ وَنُشِرَتْ آثَارُكَ وَحُقِّقَتْ كَلِمَتُكَ وَبُعِثَتْ قُلُوبُ أَصْفِيَائِكَ
وَحُشِرَ مَنْ فِي سَمَائِكَ وَأَرْضِكَ، الَّذِي سَمَّيْتَهُ بِعَلِيٍّ قَبْلَ نَبِيْلٍ فِي مَلَكُوتِ أَسْمَائِكَ وَبِرُوحِ الرُّوحِ فِي أَلْوَاحِ قَضائِكَ، وَأَقَمْتَهُ مَقًامَ نَفْسِكَ وَرَجَعَتْ كُلُّ الأَسْمَاءِ إِلِى اسْمِهِ بِأَمْرِكَ وَقُدْرَتِكَ، وَبِهِ انْتَهَتْ أَسْمَاؤُكَ وَصِفَاتُكَ وَلَهُ أَسْمَاءُ فِي سُرَادِقِ عِفَّتِكَ وَفِي عَوَالِمِ غَيْبِكَ وَمَدَائِنِ تَقْدِيْسِكَ".
"إن أول ظهور شجرة البيان هو بعد مرور ساعتين وإحدى عشرة دقيقة من غروب ليلة الخامس من شهر جُمادى الأولى سنة 1260".
"حضرة الباب""... بناء عَلَى ما نصّت به الشّريعة الإلهيّة والأمر المبرم الإلهيّ أنّ اليوم الخامس من جُمادى الأولى هو يوم بعثة حضرة الأعلى روحي له الفداء، لذا يجب الاحتفال فِي ذلك اليوم باسم بعثة نيّر الآفاق حضرة الأعلى... ويكون الأحبّاء فِي ذلك اليوم فِي غاية السّرور والحبور مبشّرين بعضهم بعضًا بالبشارات السّماويّة، إذ إنّ ذلك الوجود المقدّس كان مُبَشِّرًا بالاسم الأعظم ولا يجوز فِي ذلك اليوم أي فِي الخامس من جُمادى الأولى غير ذكر بعثة حضرة الأعلى روحي له الفداء. لأنّ ذلك هو النّصّ القاطع فِي الشّريعة الإلهيّة، أمّا وقوع ولادة هذا العبد فِي هذا اليوم إنّما هو دليل عَلَى شمول عناية الله وألطافه فِي حقّ عبده هذا، ويجب اعتبار ذلك اليوم يومًا خاصًّا لبعثة حضرة الأعلى وبداية لطلوع صُبح الحقيقة، ولهذا السّبب يجب أن يمضي الأحبّاء أوقاتهم بالفرح والسّرور والابتهاج. هذا هو الحقّ. حذار حذار أن تتجاوزوا عمّا ذُكر لأن ذلك يؤدّي إلى حزن عبد البهاء الشّديد وتكدُّر قلبه..."
"حضرة عبد البهاء""كنتم قد كتبتم بشأن يوم بعثة حضرة الأعلى روحي له الفداء، جاء فِي رسالة سؤال وجواب أنّه وقع فِي يوم الكمال من شهر العظمة، واستشهاده وقع فِي يوم السّلطان من شهر الرّحمة، وهذا هو النّص القاطع وليس هناك من أمر يعارض النّصوص القاطعة، وهكذا سيجري فِي المستقبل، غير أنّه لما كان الأحباء فِي أيّام حضرة بهاء الله المباركة يحتفلون فِي محضره المقدّس بمناسبة هذين اليومين فِي الخامس من جُمادى الأولى والثّامن والعشرين من شهر شعبان، وكان الأحباء يحضرون ساحته المقدسة، وكان الجمال المبارك يُبدي سروره بمناسبة يوم البعثة، وكَانَتْ إمارات الحزن والتأثر بأشدّهما بادية عَلَى شمائله المباركة فِي يوم الاستشهاد لذلك نحن أيضًا نحتفل الآن بمناسبة هذين اليومين فِي التّاريخ نفسه غير أن ما هو المنصوص سيجري فِي المستقبل.".
"حضرة عبدالبهاء""... إنّ لوح الناقوس نزّل فِي اسطنبول بالتماس من جناب آقا محمّد علي إصفهاني عَنْ طريق حضرة عبد البهاء. وكُتِبَ هذا اللّوح بخطّ جمال القدم المبارك فِي ليلة الخامس من شهر جُمادى الأولى الّتي هي ليلة بعثة حضرة الأعلى، فتلاوة هذا اللوح فِي اللّيلة المباركة محبوبٌ ومقبول.".
"حضرة ولي أمر الله"الخطبة المباركة أُلقيت بمنزل السّيد والسّيدة دريفوس بباريس
مساء 23 أيّار سنة 1913حيث أنّ اليوم يوم بعثة حضرة الأعلى لذا أهنّئكم جميعًا. لقد كان اليوم يومًا أظهر حضرة الباب فِي ليلته أمره المبارك إلى حضرة باب الباب فِي شيراز. إنّ ظهور حضرة الباب عبارة عَنْ طلوع الصّبح، فكما أنّ طلوع الصّبح يبشّر بشروق الشّمس فكذلك كان ظهور حضرة الباب علامة لطلوع شمس البهاء، أي أنّه كان صُبحًا نورانيًّا بحيث نوّر الآفاق وظهرت تلك الأنوار شيئًا فشيئًا إلى أن تجلّت شمس طلعته المنيرة.
لقد كان حضرة الباب مبشّرًا بطلوع شمس بهاء الله، وبشّر بظهوره فِي جميع كتبه حتّى إنّه يتفضّل فِي أوّل كتابه المسمّى ﺑِ "أحسن القصص" "يا سيدي الأكبر قد فديت بكلّي لك ورضيت السَّبَّ فِي سبيلك وما تمنّيت إلا القتل فِي محبّتك". لقد كَانَتْ نهاية آمال حضرة الباب الاستشهاد فِي هذا السّبيل، وقد وضع تاج السّلطنة الأبديّة عَلَى هامته المباركة بحيث ستُنير جواهره الزّواهر جميع القرون والعصور. إنّ حضرة الأعلى روحي له الفداء تحمّل صدمات شديدة، فقد كان فِي بداية الأمر سجينًا فِي بيته فِي شيراز ثمّ بعد ذلك توجّه إلى إصفهان وأصدر العلماء فيها حكم القتل عليه وأظهروا بذلك منتهى الظّلم والاعتساف، فأرسلت الحكومة حضرته إلى تبريز وحبسته فِي ماه كو ومنها أرسلوه إلى قلعة جهريق ليبقى فيها سجينًا. ولقي حضرته الضّرب الشّديد وتحمّل أذىً لا يعدّ ولا يحصى وأخيرًا أُعيد إلى تبريز ورموا عَلَى صدره المبارك آلافًا من الرّصاص لكنّ هذا الاستشهاد زاد
سراجه نورًا وزاد رايته ارتفاعًا وزاد ظهوره قوّة فانتشر اسمه المبارك فِي الشّرق والغرب إلى يومنا هذا.
وخلاصة القول لقد ظنّ البعض أنّ المظاهر المقدّسة لا تعلم شيئًا عَنْ حقيقة نفسها حتّى يوم ظهورها كالزّجاج المحروم من النّور وعندما يشتعل سراج الأمر يتنوّر ذلك الزّجاج الرّوحانيّ، هذا خطأ لأن المظاهر المقدّسة ممتازة منذ البداية ولهذا يتفضّل حضرة المسيح "في البدء كان الكلمة". إذن فالمسيح كان مسيحًا منذ البدء وكان الكلمة "وكان الكلمة عند الله". وظنّ البعض أنّ حضرة المسيح حينما عمّده يحيى فِي نهر الأردنّ نزل الرّوح القدس عليه وبعث بالرّسالة فِي حين أنّ حضرة المسيح تفضّل بصريح الإنجيل أنه كان منذ البدء مسيحًا وكذلك يتفضّل حضرة الرسول ( "كنت نبيًّا وآدم بين الماء والطّين"، ويتفضّل الجمال المبارك "كنتُ فِي قدم ذاتي وأزليّة كينونتي عرفت حبّي فيك خلقتك" فالشّمس شمسٌ دائمًا وإذا أظلمت زمنًا فإنّها ليست بشمس فالشّمس شمسٌ بحرارتها وهكذا كَانَتْ المظاهر المقدّسة وستبقى عَلَى ما هي عليه من النّورانيّة، وإنّهم ما زالوا نورانيّين وحقائق سماويّة ومؤيّدين بالرّوح القدس وكانوا مظاهر الكمالات الإلهيّة. وما يوم البعثة إلا عبارة عَنْ إعلان الدّعوة.
ومثله مثل هذه الشّمس فمع أنّ نقاط طلوعها متعدّدة وتطلع كلّ يوم من برج من الأبراج ومن مطلع من المطالع ولكن لا يجوز القول بأن شمس اليوم شمس حادثة بل إنّها نفس تلك الشّمس القديمة لكنّ المطالع والمشارق حادثة وجديدة. وخلاصة القول إنّ حضرة الأعلى، روحي له فداء، بشّر فِي جميع كتبه بظهور حضرة بهاءالله وبأنّ ظهورًا عجيبًا سيظهر فِي "سنة التّسع" ويحصل كلّ خير فيها ويفوز الجميع بلقاء الله أي سيحصل ظهور ربّ الجنود وستطلع شمس الحقيقة وستنفخ
روح أبديّة. وهناك بيانات كثيرة كلّها تبشّر بظهور حضرة بهاء الله، ولهذا عندما أظهر حضرة بهاء الله أمره فِي بغداد فِي يوم الرّضوان اعترف به جميع البابيّين إلا قليلاً منهم. وقد كَانَتْ قوّة حضرة بهاء الله وقدرته ظاهرة قبل إظهار أمره وكان جميع النّاس حيارى من شخصيّته الجليلة وكمالاته وعلمه وفضله وقدرته، ولهذا فقد انتبه الناس – بمجرد إظهار أمره وفي أيّام قليلة – إلى حقيقة أمره.
ومع أنّ حضرة بهاءالله كان فِي السّجن لكنّ أمره أحاط الشّرق والغرب وأراد ملكان مستبدّان أن يمحوا أمره ويطفئا سراجه لكنّه ازداد نورًا، وقد رفع رايته وهو تحت السّلاسل وسطع نوره وهو فِي غياهب السّجن ولم يستطع جميع أهل الشّرق ملوكهم ومملوكهم أن يقاوموه، وكلّما ازدادوا منعًا وقتلوا أصحابه ازداد الإقبال فأقبل مائة شخص بدل شخص واحد مقتول وغلب أمره. وكَانَتْ قدرة حضرة بهاء الله واضحة قبل ظهوره ولم يتشرّف شخص بمحضره الأنور إلا وأصابته الدّهشة وقد اعترف جميع علماء آسيا وفضلائها قائلين "إنّ هذا الشخص عظيم لكنّنا نحن لا نستطيع أن نتخلّى عَنْ تقاليدنا أو نترك ميراث آبائنا وأجدادنا" ولو أنّهم لم يكونوا مؤمنين بحضرته فإنّهم كانوا يعلمون أنّه شخص عظيم. هذا وإنّ حضرة بهاءالله لم يكن قد دخل مدرسة، ولم يكن له معلم، وكَانَتْ كلماته كلمات ذاتيّة، وكان الّذين يعرفونه جميعًا يعلمون جيّدًا بهذه المسألة. ومع كلّ هذا فقد شاهدتم آثاره وسمعتم علومه وكمالاته وشاهدتم حكمته وفلسفته التي اشتهرت فِي الآفاق، وإنّ تعاليمه روح هذا العصر ويشهد جميع الفلاسفة بذلك ويقولون أنّ هذه التّعاليم نور للآفاق.
وخلاصة القول إنّ المظهر الإلهيّ يجب أن يكون نورًا إلهيًّا وتكون نورانيّته من ذاته لا من غيره كالشّمس نورها منها، أمّا نور القمر وبعض
النّجوم فمن نور الشّمس وهكذا نورانيّة المظاهر المقدّسة فهي نورانيّة صادرة منهم ولا يمكن أن يقتبسوها من غيرهم فغيرهم يجب أن يكتسب العلوم منهم ويقتبس الأنوار منهم لا أنّهم يقتبسون من غيرهم.
إنّ جميع المظاهر الإلهيّة كَانَتْ عَلَى هذا المنوال: إبراهيم وموسى وعيسى ومحمّد والباب وبهاءالله لم يدخل أيّ واحد منهم مدرسة إلا أنهم كتبوا كتبًا شهد الكلّ عَلَى أنّها لا مثيل لها. وقضيّة عدم دخول الباب وبهاءالله المدارس دليل وبرهان يستدلّ به بعض النّفوس فِي إيران اليوم وفي الّشرق يستدلّون بكتب بهاءالله عَلَى صحّة دعوته قائلين إنّه لا يستطيع أحد أن تصدر عنه مثل هذه الآيات، ولم يظهر شخص يستطيع أن يكتب شبهها لأنّ هذه الكتب والآثار صدرت من شخص لم يدخل مدرسة وهي برهان عَلَى صحّة دعوته. وخلاصة القول هذه الكمالات كَانَتْ كمالات ذاتيّة ولا يمكن أن يكون الأمر بغير ذلك، فالنّفوس المحتاجة إلى التّعلّم من الآخرين كيف يمكن أن تصبح مظاهر إلهية؟ فالسّراج المحتاج إلى نور كيف يهب النّور؟ إذًا يجب أن يكون المظهر الإلهي نفسه جامعًا للكمالات بالفطرة لا بالاكتساب، وأن يكون شجرة مثمرة بذاتها لا ثمرة اصطناعيّة، هذه هي الشّجرة المباركة التي تظلّل الآفاق وتعطي الثّمار الطّيّبة.
إذًا فانظروا فِي الآثار والعلوم والكمالات التي ظهرت من حضرة بهاءالله والتي كَانَتْ بقوّة إلهيّة وتجلّيات رحمانيّة ولقد بشّر حضرة الباب فِي جميع كتبه بظهور تلك الفيوضات والكمالات الإلهيّة. لذا فأهنّئكم بيوم بعثة حضرة الأعلى، روحي له الفداء، وأرجو أن يكون هذا العيد السّعيد واليوم الجديد مباركًا عليكم جميعًا وسببًا لسرور القلوب.
مقتطف من لوح حضرة عبد البهاء"يا أحباء الله إنّ أرض شيراز منسوبة إلى الله الغنيّ المتعال وهي موطن كاشف الأسرار لمن كان أهلاً لها، ففي تلك البقعة طلع القمر المضيء، ومن ذلك الإقليم لاح الصُّبح المنير، ومن تلك الأرض المنوّرة رفع مبشّر الجمال المبارك النّدآء الإلهيّ وقرأ عَلَى مسامع الشّرق والغرب فِي كتاب أحسن القصص بشرى ظهور موعود البيان بأبدع تبيان، فكَانَتْ تلك الدّيار أوّلَ أَرْضٍ ارتفع النّدآء فيها حيث صاحت نفوس مباركة صيحة: ربنا إنّنا سمعنا مناديًا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمَّنا، الحمد لله إنّ ذلك الإقليم مضيءٌ الآن بنور العرفان وتلك الأرض منوّرة ببوارق عناية الله، وهناك نفوس قائمة بالخدمة فِي تلك البقعة ينعتهم المخلصون ويغبطهم أهل الأرض أجمعون .....".
وقائع إعلان الدعوةكما جاء فِي كتاب "مطالع الأنوار" تاريخ النّبيل الزّرندي
"... سافر الملاّ حسين ومعه رفيقاه إلى النّجف وكان سفره من كربلاء ليلاً وبعد زيارة مشهد النّجف واصل سيره إلى بوشهر عَلَى الخليج الفارسيّ، وهناك ابتدأ يسأل عَنْ محبوب قلبه وفيها استنشق طيب الأنفاس التي عبقت ممّن كان يقطن تلك المدينة مشتغلاً فيها كتاجرٍ بسيط، وشاهد روائح القدس التي ملأت أرجاء تلك المدينة من أثر مناجاة المحبوب.
ولكنّه لم يقدر عَلَى المكث كثيرًا فِي بوشهر، وأحسّ أن شيئًا يجذبه بقوّة إلى الشّمال نحو شيراز حتّى إذا وصل إليها طلب من رفيقيه
أن يذهبا إلى مسجد إيلخاني وينتظراه هناك إلى أن يلحقهما، وأخبرهما أنّه سوف يصلّي معهما صلاة المغرب إن شاء الله.
وفي ذلك اليوم بينما كان الملاّ حسين يتمشّى قبل الغروب ببضع ساعات خارج سور المدينة إذ بصر فجأة بشاب وضّاح الجبين لابسًا عمامة خضراء قد أقبل عليه وحيّاه بابتسامة مرحّبًا بوصوله بالسّلامة، وعانق الملاّ حسين بمحبّة وإخلاص كأنّه صديق قديم، وكان الملاّ قد ظنّه فِي أوّل الأمر أحد تلاميذ السّيّد كاظم وأنّه حضر للتّرحيب به بعد أن سمع بسفره إلى شيراز.
وممّا قصّه الميرزا أحمد قزويني الشّهيد عَلَى المؤمنين ما سمعه من الملاّ حسين مرارًا من كيفيّة مقابلته للباب تلك المقابلة التّاريخيّة العظمى وتتلخّص فِي الآتي: "إنّ الشّاب الذي قابلني خارج أبواب شيراز أدهشني بإشارات محبّته وألحّ فِي دعوتي لزيارته لأستريح قليلاً من وعثاء السّفر، وسألته أن يعفيني من ذلك لأن رفيقيَّ قد عملا ترتيبًا لنزولي فِي هذه المدينة وهما بانتظار رجوعي، فقال: (اتركهما لحراسة الله فهو لا شكّ حافظهما). ولمّا تفوه بذلك أمرني باتّباعه، وكنت قد تأثّرت جدًّا من اللّطف الّذي واجهني به أثناء محادثته ولما تتبّعته ازداد تعجّبي من هذه المفاجأة ومن حُسنِ ذوقه وحلاوة صوته وكمال هيئته، ولم تمضِ بُرهة وجيزة حتى وجدتُ نفسي عند باب منزل ظريف طرق بابه ففتح له خادمٌ حبشيّ ولمّا دخل عَلَى العتبة أمرني باتّباعه قائلاً: (ادخلوها بسلام آمنين). وكَانَتْ تحيّته بقوّة وجلال نفذا إلى أعماق قلبي واستبشرت خيرًا من الفال الحسن الصّادر من هذه الكلمات الّتي خاطبني بها وأنا واقف عَلَى عتبة باب أوّل منزل دخلته فِي شيراز تلك المدينة التي سبق أن طفح السّرور عَلَى قلبي من تأثير جوّها سرورًا لا مزيد عليه، وقلت فِي نفسي لعلّي أصل إلى بغيتي أو تقرّبني هذه الزّيارة
إلى من أبحث عنه وتقصّر عليّ مدّة انتظاري وبحثي الشّاق، وإذ دخلت المنزل وتبعت مضيفي إلى غرفته شعرت بسرور لا مزيد عليه، وبمجرّد أن جلسنا أمر بالطّشت والإبريق وأمرني أن أغسل يديّ وقدميّ من وعثاء السّفر فاستأذنت منه لأغسل فِي الغرفة المجاورة ولكنّه رفض وشرع يصبّ الماء بنفسه عَلَى يديّ، ثم ناولني مشروبًا لطيفًا وطلب السّماور وجهّز الشّاي بنفسه وناولني منه، وبعد أن غمرني بلطفه طلبت منه الانصراف وقلت بأن صلاة المغرب قد اقتربت ووعدت أصحابي أن ألتحق بهم فِي مسجد إيلخاني، فبكلّ احترام وهدوء أجابني: (لا بدّ وأن تكون قد علّقت عودتك عَلَى مشيّة الله ويظهر أنّه ما أراد ذلك، فلا تخف من خلف الوعد). وكان بهاؤه واطمئنانه قد أسكتني وقمت فأعدت وضوئي وابتدأت فِي الصّلاة، وأخذ هو أيضًا يصلّي بجانبي وأثناء الصّلاة ارتاحت نفسي من تحيُّرها من غرابة هذه المقابلة ومن البحث الذي تعلّقت به وشرعت أثناء الصّلاة أقول: (يا إلهي لم آلُ جهدًا فِي البحث وللآن لم أوفّق لضالتي المنشودة ورسولك الموعود وإنّ وعدك الحقّ وإنّك لَنْ تخلف الميعاد).
وكَانَتْ تلك اللّيلة العشيّة السّابقة عَلَى 5 جُمادى الأول سنة 1260 الموافق ليلة الثّالث والعشرين من شهر أيّار 1844، وكان مضيفي الشّاب ابتدأ يحادثني بعد المغرب بنصف ساعة وسألني إذ ذاك قائلاً: (من ذا الذي تعتبره خلفًا للسّيّد كاظم رئيسًا لكم). فأجبته بأن السّيّد عندما حانت منيّته نصحنا بشدّة أن نترك أوطاننا ونتفرّق فِي كلّ مكان طلبًا للمحبوب الموعود، ولذلك سافرت إلى إيران وقمت لتنفيذ إرادته وللآن لا أزال مشتغلاً بالبحث). فسألني: (هل أعطاكم معلّمكم أوصافًا مفصّلة وامتيازات فِي موعودكم) فقلت: (نعم فإنّه من السّلالة الطّاهرة والعترة النّبويّة ومن ذرّيّة فاطمة وأمّا سنّه فأكثر من العشرين وأقلّ من الثلاثين، وعنده علم لدنّيّ وهو متوسّط القامة ويمتنع عَنْ شرب
الدّخان وخالٍ من العيوب والعاهات الجسمانيّة). فسكت هُنيهة ثمّ قال بصوت جهوريّ: (انظر هل ترى هذه العلامات فِي شخصي). ثم عدّد العلامات وأظهر أنّها جميعها تنطبق عليه، فحصلتْ عندي دهشة كبيرة وقلت له فِي أدب: (إنّ الّذي ننتظره هو شخص قدسيّ ليس فوق قداسته قداسة ويظهر من الأمر ما له قوّة فائقة، وشرائطه وعلائمه عديدة فكم أشار السّيّد إلى سعة علمه وكم كان يقول: (إن علومي بالنسبة لعلمه كقطرة من بحر ممّا وهبه الله، وإنّ جميع ما حصّلته لم يكن إلا كذرّة من التّراب فِي مقابلة اتّساع معارفه والفرق بينهما شاسع). وما كدت أتفوّه بهذه الكلمات حتّى شعرتُ بالخوف والخجل بدرجة لم أتمكّن من إخفائها، ووبّختُ ضميري وعزمتُ عَلَى تغيير أسلوبي وتخفيف حدّتي، وعاهدتُ الله بأنّه لو عاد للموضوع فإنّي أقول له بكل خضوع: (إذا أردتَ أن تؤسّس دعوتك فإنّك تخلّصني ولا شكّ من عبء الانتظار والتّوقّف الّذي أثقل كاهلي وأكون مدينًا لك لهذا الخلاص). وكنت فِي ابتداء طلبي وبحثي قد جعلت أمام عينيّ علامتين أعرف بهما صحّة دعوى القائم، وهما أوّلاً رسالة ألّفتها تختصّ بالأمور والأحوال الغامضة والأقوال المتشابهة والتّعاليم الباطنيّة الصّادرة من الشّيخ أحمد والسّيّد كاظم وصمّمت عَلَى أنّ الذي يحلّ معضلات هذه المسائل اسلّمه زمام أمري، وثانيًا أن أطلب منه أن يملي عليّ تفسيرًا لسورة يوسف بلغة وطريقة مغايرة للأصول المعروفة فِي زماننا، ذلك لأنّي سبق أن طلبت من السّيّد تفسيرًا لهذه السّورة فامتنع قائلاً: (إنّ هذا ليس فِي مقدوري فإنّ الذي يأتي بعدي وهو أعظم مني سيكتب تفسيرًا لها بدون أن يطلبه أحد، وهذا التّفسير هو أكبر الأدلّة عَلَى رفعة شأنه وعلوّ مقامه وأكبر شاهد عَلَى صدق دعوته).
وبينما كُنتُ مشتغلاً بحلّ هذه الأمور فِي عقلي قال لي مُضيفي مرّة أخرى: (أنعم النّظر هلاّ يمكن أن يكون الشّخص الذي يعنيه السّيّد
كاظم إنّما هو أنا). فاضطررت إذ ذاك أن أقدّم له نسخة من الرّسالة التي كَانَتْ معي وسألته: (هل لك أن تقرأ هذا الكتاب وتتصفّحه بعين الرّضا وتصفح عمّا تجده فيه من ضعفي وتقصيري). فأجابني إلى طلبي وفتح الكتاب ونظر فِي بعض صفحاته، ثم أغلقه وابتدأ يخاطبني وفي ظرف بضعة دقائق كشف لي عَنْ جميع الأسرار الّتي فيه وحلّ جميع معضلاته ولما أتمّ ما أردته فِي برهة قصيرة فسّر لي أيضًا كثيرًا من الحقائق الّتي لم توجد فِي أقوال الأئمّة ولا فِي كتابات الشّيخ أحمد ولا السّيّد كاظم، وهذه الحقائق الّتي لم أسمعها مِنْ قَبْلُ كَانَتْ تُتلى بطلاوة مُبهِجة وقوّة فائقة ثم قال لي: (لو لم تكن ضيفي لكان موقفك خطيرًا ولكنّ الرّحمة الإلهيّة شملتك، فإنّ لله أن يمتحن عبيده وليس للعبيد أن يمتحنوه بما عندهم من الموازين، ولو كنتُ فرضًا لم أحلّ لك هذه المعضلات فهل تعتبر الحقيقة المشرقة فِي باطني عاجزة أو تتّهم علمي بالنّقص، حاشا لله بل ينبغي فِي هذا اليوم لملل الأرض فِي الشّرق والغرب أن يسرعوا إلى هذه العتبة وعندها ينشدون فضل الرّحمن، وكلُّ من يتردّد فِي ذلك فهو فِي خسران مبين، أفلا يشهد أهل الأرض أنّ الغرض الأصليّ من خلقهم إنّما هو معرفة الله وعبادته، إذًا ينبغي لهم أن يقوموا بأنفسهم ويبذلوا الجهد كما قمت أنت ويطلبوا بالاستقامة والثّبات محبوبهم الموعود). ثم شرع يقول: (والآن وقت إنزال التّفسير لسورة يوسف). وأخذ قلمه وبسرعة لا تكاد تُصدّق نزّلت سورة المُلك وهو أوّل باب من تفسيره عَلَى سورة يوسف، وكَانَتْ قوّة تأثير كلماته قد زادتها حلاوة الصّوت الذي كان يتلوها به، ولم يتوقّف لحظة أثناء تلاوة الآيات التي نزّلت من قلمه حتّى تمّت السّورة، وكنت جالسًا استمع مأسورًا من سحر صوته وقوّة بيانه، وأخيرًا قُمتُ وأنا أقدّم رجلاً وأؤخّر أخرى واستأذنت منه فِي الانصراف، فأمرني بابتسامة بالجلوس قائلاً: (إذا انصرفت عَلَى هذه الحال فإنّ كلّ من يراك يقول إنّ هذا
الغلام قد فقد رشده). وكَانَتْ السّاعة إذ ذاك اثنين وإحدى عشرة دقيقة بعد الغروب من اللّيلة الخامسة والسّتين بعد النّوروز أو هي تطابق ليلة اليوم السّادس من خرداد سنة نهنك، ثم قال لي: (إنّ هذه اللّيلة وهذه السّاعة سيُحتفل بها فِي الأيّام الآتية كأعظم الأعياد وأهمّها، فاشكر الله الذي أوصلك إلى مرغوب قلبك وأشربك من رحيق كلامه المختوم، طوبى للّذين هم إليه واصلون).
وفي السّاعة الثّالثة بعد الغروب أمر مضيفي بتجهيز العشاء، وظهر الخادم الحبشيّ وأحضر أمامنا أشهى طعام ممّا أبهج جسمي وروحي معًا، وشعرتُ كأنّي أتناول من فواكه الجنّة وكنت أكبر أخلاق هذا الخادم الذي كأنّ حياته قد تجدّدت من تأثير سيّده ومن ذلك عرفت معنى الحديث الشريف (أعددت لعبادي الصّالحين ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر عَلَى قلب بشر) ولو لم يكن عند مضيفي سوى ما قابلني به من الكرم والمحبّة التي أقنعتني أنّها لا تصدر أبدًا من أيّ مخلوق آخر لكان ذلك شاهدًا كافيًا للدّلالة عَلَى عظمته، ومكثتُ جالسًا مسحورًا من حديثه ناسيًا الوقت ومن كانوا عَلَى انتظار عودتي، ولم أنتبه من النّشوة التي وقعتُ فيها إلّا عَلَى صوت المؤذّن بغتة يدعو المؤمنين إلى صلاة الصّبح، وفي تلك اللّيلة شعرت بجميع المسرّات والنّعم الّتي ذكر الله فِي كتابه أنّه يهبها لأهل الجنّة وأحسست أنّي فِي مكان (لايمسّنا فيه نصب ولا لغوب) ويصدق عليه قوله تعالى ﴿لا يسمعون فيها لغوًا ولا تأثيمًا إلا قيلاً سلامًا سلامًا﴾ و ﴿ دعواهم فيها سُبْحَانَكَ اللّهم وتحيّتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله ربّ العالمين﴾.
وفارقني النّوم تلك اللّيلة فكنت أُعير أُذنًا صاغية لنغمات صوته فِي صعودها وهبوطها أثناء نزول قيّوم الأسماء (وهو تفسير الباب لسورة
يوسف) متلذّذًا من ترنّمات مناجاته الّتي كان يتلوها فِي صلواته وكان بين كل مناجاة وأخرى يكرّر الآية ﴿ سبحان ربّك ربّ العزّة عمّا يصفون وسلام عَلَى المرسلين والحمد لله ربِّ العالمين﴾.
ثم التفت إليّ وخاطبني بقوله: (يا من هو أوّل من آمن بي حقًّا إنّني أنا باب الله وأنت باب الباب، ولا بدّ وأن يؤمن بي ثماني عشرة نفسًا من تلقاء أنفسهم ويعترفون برسالتي وسينشدني كلّ منهم عَلَى انفراد بدون أن يدعوهم أحد أو ينبّههم إليها، وعندما يتمّ عددهم يجب انتخاب أحدهم لمرافقتي فِي الحجّ إلى مكّة والمدينة، وهناك أبلّغ الرّسالة الإلهيّة إلى شريف مكّة ثم أرجع إلى الكوفة وفي مسجد تلك المدينة أُظهر الأمر وعليك الآن أن تكتم عَنْ أصحابك وعن كلّ شخص آخر وواصل الانقطاع فِي مسجد إيلخاني وواظب عَلَى الدّرس فيه واحذر أن تُظهِر َمكنون هذا السّرّ من سلوكك أو هيئتك إلى وقت مفارقتي للحجاز، وسأعيّن لكلّ من الثّماني عشرة نفسًا رسالته ومهمّته وسأعرّفهم كيفيّة تبليغ كلمة الله وإحياء النّفوس). ولمّا أتمّ هذه الكلمات أمرني بالانصراف ورافقني إلى الباب وجاءت هذه الرّسالة عليَّ غرّة كالصّاعقة التي خدّرت جميع قواي وقتًا ما، وكان بهاء إشراقها يخطف الأبصار وأخذتني قوّتها السّاحرة وحرّكت أعماق قلبي بشدّة الفرح وفرط التّعجّب والدّهشة والخوف، وكان الحبور هو الغالب عليّ من جميع هذه الإحساسات وكذلك القوّة، فإنّهما أخذا بمجامع قلبي واستوليا عَلَى هيكلي ولبّي، فكم كُنْتَ أحسّ بالضّعف والإهمال والجبن قبل ذلك، وما كُنْتَ أقدر عَلَى الكتابة ولا عَلَى المشي وكَانَتْ يداي ورجلاي ترتعشان عَلَى الدّوام، ولكنّ معرفة أمره بعد ذلك كهربت جسمي وأحسست بوجود قوّة وشجاعة لا يقدر العالم بأجمعه عَلَى مقاومتها بل لو اجتمع أهل الأرض وما عندهم من قوّة لرأيت فِي نفسي من الجسارة ما أقاوم به هجومهم وحدي، فكان الوجود أمامي كقبضة
من تراب فِي يدي وكأنّ جبريل قد تجسّد فيّ وهو ينادي العالمين: (تنبّهوا أيّها الأقوام فقد انبلج نور الصّباح ولاح الأمر وفُتحت أبواب الرّحمة لتدخلوا فيها لأنّ الموعود الّذي وعدتم به قد ظهر).
وعلى هذه الحالة تركتُ المنزل وعدتُ إلى أخي وابن عمي ورأيتُ الكثيرين من أتباع الشّيخ أحمد ممّن بلغهم خبر حضوري فِي مسجد إيلخاني أتوا لمقابلتي، وطبقًا لإرادة محبوبي قمتُ لتنفيذ رغبته ولما رتّبتُ الدّرس اجتمع حولي الكثيرون وجاء لزيارتي وجهاء وعلماء المدينة وكان الجميع قد أُعجبوا من الرّوح التي كنتُ أُلقي بها الدّرس غير عالمين بأنّ المنبع الذي صدرت عنه إنّما هو ذلك الموعود الذي ينتظرونه بشغف.
وفي هذه الأثناء كان الباب يدعوني لزيارته ويرسل لي ذلك الخادم الحبشيّ برسالة المحبّة والتّرحيب، وكلما زرته كنتُ أصرف اللّيل بتمامه عنده وأبقى متيقّظًا إلى مطلع الفجر تحتَ أقدامه مبهوتًا من حلاوة حديثه متناسيًا الدّنيا وما فيها، وكَانَتْ تمرّ تلك السّويعات كالبرق الخاطف ولا أفارقه إلا فِي الفجر بعد التردّد وكنت كلّ يوم أنتظر المساء بشغف حتّى إذا دنا الفجر امتلأت حزنًا وأسفًا لفراقه، وقال لي مضيفي ذات ليلة سوف يأتي باكرًا ثلاثة عشر شخصًا من أصحابك وعليك أن تُظهر لكلّ منهم محبّتك الزّائدة ولا تتركهم وشأنهم لأنّهم خصصوا حياتهم لطلب المحبوب، وادعُ الله أن يمكّنهم بمنّه وكرمه عَلَى أن يسيروا باطمئنان فِي هذا الصّراط الذي هو أحدّ من السّيف وأدقّ من الشّعر ومنهم من هو معدود عند الله من عباده المنتخبين المخلصين، وآخرون يسلكون طريقًا وسطًا ولا يظهر نصيب الباقين حتى تأتي السّاعة الّتي يظهر فيها كلّ أمر مكنون، وفي صبيحة ذلك اليوم فِي وقت الفجر عند عودتي من منزل الباب جاء الملاّ علي
البسطامي فِي مسجد إيلخاني ومعه باقي أصحابه الّذين أخبرني عنهم الباب، وفي الحال قمتُ لهم بواجب الضّيافة وذاتَ ليلةٍ بعد مرور بضعة أيّام عَلَى وفودهم كلّمني الملاّ علي نيابة عَنْ باقي أصحابه قائلاً: (إنّك لتعلم عظم ثقتنا فيك وإنّ طاعتنا لك بدرجة لو تدّعي أنّك القائم الموعود فإنّنا جميعًا لا نتأخّر عَنْ إجابتك، وطبقًا لأمرك قد تركنا أوطاننا للبحث عَنْ موعودنا المحبوب وإنّك كُنْتَ أوّل قدوة حسنة لنا وقد تبعنا خطواتك وعزمنا أن لا نتوانى فِي بحثنا حتّى نعثر عَلَى ضالّتنا المنشودة، ولقد تبعناك إلى هذا المكان ونحن مستعدّون لقبول كلّ من تقبله أملاً فِي الاستظلال فِي ظلّ حمايته والفوز من المخاطر التي تؤذن بدنوّ السّاعة الأخيرة، وقد رأينا من ملامح وجهك أنّ الترقّب قد انتهى وأنّ الاضطراب قد زال، ولذلك نرجوك أن تخبرنا عَنْ سبب ذلك حتّى نتخلّص نحن أيضًا من عبء الانتظار والشّكّ). فأجبتهم بلطف قائلاً: (إنّ أصحابك ربّما نسبوا هدوئي وسروري إلى الصّيت والشّهرة التي نلتهما فِي هذه المدينة ولكنّ الحقّ بعيد عَنْ ذلك، فالعالم جميعه بأبّهته وملاذه لا يثني هذا الحسين البشروئي عَنْ محبوبه ومنذ بداية هذه المهمّة المقدّسة الّتي نزلت فِي ساحتها أقسمت بأن يكون نصيبي أن أختم حياتي بخاتم دمي، فرحّبت بالولوج فِي بحر البلايا، فلا أحنّ لأمور هذه الدنيا ولا أبغي إلا رضا المحبوب فلا تنطفىء هذه النّار المشتعلة فِي قلبي إلا إذا سفك دمي فِي سبيله وإنّكم والحمد لله سترون ذلك اليوم، فبفضله العميم وبمنّه وكرمه قد فُتحت أبواب رحمته أمام الملاّ حسين، واتّباعًا لأمره وحكمته قد أمرني بالسّير عَلَى هذا المنهج لإخفاء هذه الحقيقة). فحرّكت هذه الكلمات روح الملاّ عليّ ورأى بنفسه معناها وألحّ عليّ بعينٍ دامعة أن أكشف له عَنْ حقيقة ذلك الّذي أبدل الشّكّ باليقين والاضطراب بالاطمئنان وقال: (أقسمك بربّك الرّحمن أن تهبني نصيبًا من ذلك الرّحيق القدسيّ الّذي تناولته من يد
الرّحمة، ففي ذلك إطفاء للهيب ظمأي وتهدئة لاضطراب قلبي من ألم الانتظار). فأجبته: (لا تطمح فِي أن تنال منّي هذا المرغوب وثق به فسوف يسدّد خطواتك ويُهدّأ روع قلبك).
فأسرع الملاّ عليّ إلى أصحابه وأخبرهم بما دار بينه وبين الملاّ حسين من الحديث وأشعل فِي قلوبهم الرّغبة فِي البحث، وتفرّقوا للخلوة طالبين بالصّوم والتضرّعات كشف الحجاب الذي حال بينهم وبين معرفة محبوبهم، وكانوا يقولون فِي مناجاتهم (اللّهم ربّنا إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، اهدنا الصّراط المستقيم يا ربّنا وإلهنا أظهر لنا ما وعدتنا عَلَى لسان أنبيائك ورسلك، ولا تخزنا يوم الدّين إنّك لَنْ تخلف الميعاد). وفي ثالث ليالي الخلوة بينما كان الملاّ علي البسطامي مستغرقًا فِي الصّلاة رأى رؤيا فظهر أمام عينيه نور تحرّك أمامه فتبعه وهو مأخوذ من بهجته إلى أن أدّاه ذلك إلى محبوبه الموعود فانتبه فِي تلك السّاعة فِي نصف اللّيل وهو مغتبط فرحًا وفتح باب مخدعه وأسرع إلى الملاّ حسين وارتمى فِي أحضانه وعانقه الملاّ حسين بغاية المحبّة قائلاً: (الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله). وفي فجر ذلك اليوم ذهب الملاّ حسين يتبعه الملاّ علي إلى منزل الباب فرأيا ذلك الخادم الحبشيّ واقفًا عَلَى الباب فعرفهما وحيّاهما قائلاً: (قبل الفجر ذهبت لمقابلة سيّدي فأمرني أن أفتح باب المنزل وأنتظر عَلَى عتبته قائلاً إنّه سيحضر فِي هذا الصباح باكرًا ضيفان فباسمي رحّب بهما وقل لهما ادخلوها بسلام عَلَى اسم الله).
وكَانَتْ مقابلة الملاّ علي مع الباب شبيهة بمقابلة الملاّ حسين ولم تختلف عنها إلّا فِي أنّ المقابلة السّابقة كَانَتْ تدور حول الحجج والبراهين عَلَى رسالة الباب بينما فِي هذه الدّفعة سادت روح الخضوع والخشوع التّام وامتلأت الغرفة بالحياة من أثر تلك القوة السّماوية،
وكأن كلّ شيء فيها ينادي: (قد انبثق فجر اليوم الجديد وتسلّط الموعود عَلَى قلوب العالمين وبيده كأس الأسرار ومعين الخلود طوبى للشّاربين). وكذلك وجد كلّ من باقي الاثنيّ عشر من الأصحاب المرافقين للملاّ علي محبوبه كلّ بدوره وبكامل سعيه وجدّه فرآه البعض فِي الرّؤيا والبعض الآخر أثناء صلواته، ومنهم من وجده أثناء تأمّلاته مسترشدًا بالإلهام الرّبّاني الذي ألهمهم لمعرفة قوّة بهائه وتشرّف هؤلاء بحضرة الباب كما تشرف الملاّ علي مِنْ قَبْلُ وكَانَتْ زيارتهم له مصحوبة بالملاّ حسين ودعوا بحروف الحيّ وكمل منهم سبعة عشر حرفًا وثبت اسمهم فِي لوح الله المحفوظ بالتّدريج وتعيّنوا رسلاً للباب وأمناء لدينه وناشرين لنفحاته.
وتكلّم الباب أثناء محادثته مع الملاّ حسين ذات ليلة قائلاً: (قد أثبتنا سبعة عشر حرفًا وانضمّوا للواء دين الله ولم يبقَ إلا حرف واحد عَلَى تمام العدد فعلى هؤلاء الحروف القيام لدعوة الأمر وتأسيس دين الله وسيأتي الحرف الأخير فِي اللّيلة القادمة ليكمل العدد). ففي اليوم التّالي فِي الغروب بينما كان الباب راجعًا إلى منزله متبوعًا بالملاّ حسين إذ ظهر شاب عليه غبار السّفر واقترب من الملاّ حسين وعانقه وسأله إذا كان قد وصل إلى بغيته، فاجتهد الملاّ حسين أن يهدّئ روعه وطلب منه أن يترقّب ووعد بإرشاده فلم يقبل ذلك الشّاب أن يلتفت إلى نصحه ووجّه نظره إلى الباب وقال للملاّ حسين: (لماذا تكتم عنّي. فإنّي أعرفه من هيئته وإن أشهد فِي سرّي أنّه لا يقدر أحد خلافه فِي الشّرق أو الغرب أن يدّعي أنّه الحقّ). فدُهِشَ الملاّ حسين من كلماته واعتذر إليه وطلب منه أن يضبط حواسّه حتّى يأتي الوقت الّذي يقدر فيه أن يبوح له بالحقّ وتركه مسرعًا نحو الباب وأخبره بما دار بينه وبين ذلك الشّاب من المحادثة فأجابه الباب: (لا تدهش من ذلك المسلك فإنّنا كنّا فِي عالم الرّوح نتحادث مع ذلك الشّاب ونعرفه مِنْ قَبْلُ وكنّا ننتظر قدومه
فاذهب إليه وأحضره أمامنا) فتذكّر الملاّ حسين حالاً من كلمات الباب تلك الفقرة (إنّه فِي اليوم الأخير تجوب رجال الغيب فضاء العالم عَلَى أجنحة الرّوح ويحضرون أمام القائم الموعود ويبتغون منه ذلك السّرّ الذي يحلّ لهم معضلاته ويزيل متاعبهم). ومع أنّ هؤلاء الأبطال كانوا بعيدين عنه بالجسد إلا أنّهم روحيًّا كانوا مشغولين بالمناجاة مع محبوبهم ويشاركونه فِي أحاديثه وصحبته، وإلا فكيف يمكن للشّيخ أحمد والسّيّد كاظم أن يعرفا الباب وكيف تمكّنا من الاطّلاع عَلَى السّرّ المودع فيه بل كيف يتمكّن الباب نفسه والقدّوس تلميذه المحبوب أن يحصل بينهما ما دوّناه لولا وجود رابطة سرّيّة تجمع أرواحهما، ألم يشر الباب فِي ابتداء دعوته فِي أوائل سور قيّوم الأسماء التي هي تفسير سورة يوسف إلى أهمّيّة وجلال بهاء الله وأمره؟ ألم يكُ قصده فِي بيان الأضرار التي لحقت بيوسف من أخوته وما ظهر منهم من الغدر والجفاء أن يتنبّأ بما يصيب بهاء الله من أخيه وأقاربه؟ ألم يكُ القدّوس مستمرًّا ليل نهار وهو محاط بجموع الأعداء من كلّ الجهات وبنيران لا تخبو أوارها فِي قلعة الشّيخ طبرسي فِي إعداد وتكميل مديحه فِي بهاء الله فِي تفسيره الخالد لحرف الصّاد من سورة الصّمد الذي يبلغ نحوًا من خمسمائة ألف بيت؟ يشهد بذلك كلّ من يمعن النّظر فِي آيات وكلمات تفسير قيّوم الأسماء.
وقد كمل عدد التّلاميذ المُنتخبين بقبول القدّوس لدعوة الباب واسمه محمّد علي وينتمي من والدته إلى سلالة الإمام الحسن أكبر أحفاد الرّسول، وكان مولده فِي بارفروش فِي إقليم مازندران وممّا ينقل عَنْ الّذين حضروا دروس السّيّد كاظم أنّ القدّوس تتلمذ عليه وكان يجلس فِي الصّفّ الأخير من المجلس ويقوم بعد انتهاء الدّرس قبل غيره، وامتاز عَنْ بقيّة الأصحاب بالهدوء والسّكينة ودماثة الأخلاق، وكان السّيّد كثيرًا ما يقول إنّ بعض التلاميذ مع أنّهم يجلسون فِي آخر
الصّفوف ويظهر منهم سكوت تامّ لهم فِي نظره مقام جليل عَلَى شأن لا يستحقّ بنفسه أن يكون من خدّامهم، وكان تلاميذه يلاحظون تواضع القدّوس ويعترفون بسموّ وشرف أخلاقه ولكنّهم ما كانوا يعرفون قصد السّيّد كاظم، ولما وصل القدّوس إلى شيراز واعتنق الأمر كان له من العمر اثنان وعشرون عامًا. ومع صغر سنّه أظهر شجاعة نادرة وإيمانًا تامًّا لم يصل إليه أحد خلافه من أتباع مولاه، وكان قد مثّل فِي أدوار حياته واستشهاده المجيد صحّة الحديث القائل: (من طلبني وجدني ومن تقدّم إليّ شبرًا تقدمت إليه باعًا ومن أحبّني أحببته ومن أحببته قتلته ومن قتلته فعليّ ديّته).
صفحة خالية"يا بَقِيَّةَ اللهِ قَدْ فَدَيْتُ بِكُلِّي لَكَ وَرَضِيتُ السَّبَّ فِي سَبِيلِكَ وَمَا تَمَنَّيْتُ إِلا القَتْلَ فِي مَحَبَّتِكَ وَكَفَى بِاللهِ العَلِّيِ مُعْتَصِمًا قَدِيمًا وَكَفَى بِاللهِ شَاهِدًا وَوَكِيلاً يَا قُرَّةَ العَينِ قَدْ أَحْزَنَنِي كَلامُكَ فِي هَذَا الجَوَابِ الأَكْبَرِ وَلا الحُكْمُ إِلا للهِ وَلا الأَمْرُ إِلا مِنَ اللهِ. وَلَعَمْرِي إِنَّكَ المَحْبُوبُ لَكَ الحَقُّ وَالخَلْقُ وَلا حَوْلَ إِلا بِاللهِ وِكَفَى بِاللهِ مَوْلاكَ مُنْتَقِمًا عَلَى الحَقِّ بِالحَقِّ بِاللهِ شَدِيدًا".
"حضرة الباب"أَلثَّنَاءُ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ نَفْسِكَ الأَعْلَى وَالبَهَاءُ الَّذِي طَلَعَ مِنْ جَمَالِكَ الأَبْهَى عَلَيْكَ يَا مَظْهَرَ الكِبْرِيَاءِ وَسُلْطَانَ البَقَاءِ وَمَلِيكَ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ. أَشْهَدُ أَنَّ بِكَ ظَهَرَتْ سَلْطَنَةُ اللهِ وَاقْتِدَارُهُ وعَظَمَةُ اللهِ وَكِبْرِيَاؤُهُ وَبِكَ أَشْرَقَتْ شُمُوسُ القِدَمِ فِي سَمَاءِ القَضَاءِ وَطَلَعَ
جَمَالُ الغَيْبِ عَنْ أُفُقِ البَدَاءِ. وَأَشهَدُ أَنَّ بِحَرَكَةٍ مِنْ قَلَمِكَ ظَهَرَ حُكْمُ الكَافِ وَالنُّونِ وبَرَزَ سِرُّ اللهِ المَكْنُونُ وَبُدِئَتِ المُمْكِنَاتُ وَبُعِثَتِ الظُّهورَاتُ. وَأَشهَدُ أَنَّ بِجَمَالِكَ ظَهَرَ جَمَالُ المَعْبُودِ وَبِوَجْهِكَ لاحَ وَجْهُ المَقْصُودِ وَبِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ فُصِّلَ بَيْنَ المُمْكنَاتِ وَصَعِدَ المُخْلِصُونَ إِلَى الذُّرْوَةِ العُلْيَا وَالمُشْرِكونَ إِلَى الدَّرَكاتِ السُّفْلَى. وَأَشْهَدُ ِبِأَنَّ مَنْ عَرَفَكَ فَقَدْ عَرَفَ اللهَ وَمَنْ فَازَ بِلَقِائِكَ فَقَدْ فَازَ بِلَقَاءِ اللهِ. فَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِكَ وَبِآيَاتِكَ وَخَضَعَ بِسُلْطَانِكَ وَشُرِّفَ بِلِقَائِكَ وَبَلَغَ بِرِضَائِكَ وَطَافَ فِي حَوْلِكَ وحَضَرَ تِلْقَاءَ عَرْشِكَ، فَوَيْلٌ لِمَنْ ظَلَمَكَ وَأَنْكَرَكَ وكَفَرَ بِآيَاتِكَ وَجَاحَدَ بِسُلْطَانِكَ وَحَارَبَ بِنَفْسِكَ وَاسْتَكبَرَ لَدَى وَجْهِكَ وَجَادَلَ بِبُرْهَانِكَ وَفَرَّ مِنْ حُكُومَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَكانَ مِنَ المُشْرِكينَ فِي أَلوَاحِ القُدْسِ مِنْ إِصْبَعِ الأَمْرِ مَكْتُوبًا. فَيَا إِلهِي ومَحْبُوبِي فَأَرْسَلْ إِلَيَّ عَنْ يَمِينِ رَحْمَتِكَ وَعِنَايَتِكَ نَفَحَاتِ قُدْسِ أَلْطَافِكَ لِتَجْذُبَنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنِ الدُّنْيَا إِلَى شَطْرِ قُرْبِكَ وَلِقَائِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ، وإِنَّكَ كُنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا. عَلَيْكَ يَا جَمَالَ اللهِ ثَنَاءُ اللهِ وَذِكْرُهُ وبَهَاءُ اللهِ ونُورُهُ. أَشْهَدُ بِأَنَّ مَا رَأَتْ عَيْنُ الإِبْدَاعِ مَظْلُومًا شِبْهَكَ. كُنْتَ فِي أَيَّامِكَ فِي غَمَرَاتِ البَلايَا. مَرَّةً كُنْتَ تَحْتَ السَّلاسِلِ وَالأَغْلاَلِ وَمَرَّةً كُنْتَ تَحْتَ سُيُوفِ الأَعْدَاءِ، ومَعَ كُلِّ ذلِكَ أَمَرْتَ النَّاسَ بِمَا أُمِرْتَ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيمٍ. رُوحِي لِضُرِّكَ الفِدَاءُ وَنَفْسِي لِبَلاَئِكَ الفِدَاءُ. أَسْأَلُ اللهَ بِكَ وَبِالَّذِينَ اسْتَضَاءَتْ وُجُوهُهُم مِنْ أَنوَارِ وَجْهِكَ وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ حُبًّا لِنَفْسِكَ أَنْ يَكْشِفَ السُّبُحَاتِ الَّتِي حالَتْ بَيْنَكَ وبَيْنَ خَلْقِكَ وَيَرْزُقَنِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. إِنَّكَ أَنتَ المُقْتَدِرُ المُتِعَالِي العَزِيزُ الغَفُورُ الرَّحِيمُ،
صَلِّ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي عَلى السِّدْرَةِ وأَوْرَاقِهَا وَأَغْصَانِهَا وَأَفنَانِهَا وَأُصُولِهَا وفُرُوعِهَا بِدَوَامِ أَسْمَائِكَ الحُسْنَى وَصِفَاتِكَ العُلْيَا. ثُمَّ احْفَظهَا مِنْ شَرِّ المُعْتَدِينَ وَجُنُودِ الظَّالِمِينَ. إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ. صَلَّ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي عَلَى عِبَادِكَ الفَائِزِينَ وَإِمَائِكَ الفَائِزَاتِ، إِنَّكَ أَنْتَ الكَرِيمُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ. لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الغَفُورُ الكرِيمُ.
مقتطفات من ألواح حضرة بهاء الله"لا إِلهَ إِلا هُوَ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وَلا شَبِيهَ لَهُ وَلا نِدَّ لَه ولا ضِدَّ لَه وَلا وَزِيرَ وَلا نَظِيرَ وَلا مِثَالَ لَه، وَإنَّ نُقْطَةَ الأولَى عَهْدُهُ وَبَهاؤُهُ وَعَظَمَتُهُ وَكِبْرِياؤُهُ ولاهُوتُه وَجَبَروتُهُ وَسُلْطَانُهُ وَعِزَّتُهُ وَمَلَكُوتُهُ وَاقْتِدَارُهُ وَعِزُّهُ وَشَرَفُهُ وَألْطَافُهُ، وَبِهِ أَشْرَقَ جَمالُهُ وَظَهَرَ وَجْهُهُ وَطَلَعَ بُرْهَانُهُ وَتَمَّ دَلِيلُهُ وَكَمُلَتْ حُجَّتُهُ وَلاحَتْ آياتُه وَبِهِ حُشِرَ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأرْضِ وَبُعِثَ مَنْ فِي مَلَكُوتِ الأمْرِ وَالخَلْقِ وَبِهِ هَبَّتْ نَفَحَاتُ القُدْسِ عَلَى العَالَمِينَ".
"إنَّا نَذْكُرُ فِي هَذَا المَقامِ مُحَمَّدًا قَبْلَ عَلِيٍّ الَّذِيْ امْتَزَجَ لَحْمُهُ بِلَحْمِ مَوْلاهُ وَدَمُهُ بِدَمِهِ وَجَسَدُهُ بِجَسَدِهِ وَعَظْمُهُ بِعَظْمِ رَبِّه العَزِيزِ الوَهَّابِ، يَشْهَدُ قَلَمِي الأعْلَى بِأنَّهُ فَازَ بِمَا لا فَازَ أحَدٌ قَبْلَهُ وَوَرَدَ عَلَيهِ مَا لا سَمِعَتْ شِبْهَهُ الآذَانُ، عَلَيهِ بَهائي وَبَهاءُ مَلَكُوتِي وَجَبَرُوتِي وَأهْلِ مَدائِنِ العَدْلِ وَالإنْصَافِ".
مقتطف من سورة الأحزان المنزلة"... أُشَاهِدُ بِأَنَّ قَلْبِي اشْتَعَلَ مِنْ نَارِ الأَحْزَانِ بِمَا وَرَدَ عَلَى جَمَالِ الرَّحْمَنِ مِنْ مَلأ الفُرْقَانِ، كَأَنَّ كُلَّ أَرْكَانِي يَشْتَعِلُ حِينَئِذٍ بِنَارٍ الَّتِي لَوْ أُلْقِيَ زِمَامُهَا لَتُحْرِقُ كُلَّ مَنْ فِي الْمُلْكِ وَكَانَ اللهُ عَلَى ذَلِكَ شَهِيدًا، وَكَذَلِكَ أُشاهِدُ بَأَنْ يَبْكِيَ عَيْنِي ثُمَّ كُلُّ جَوَارِحِي حَتَّى يَمْطُرَ مِنْ شَعَراتِي قَطَرَاتُ الدُّمُوعِ بِمَا مَسَّتْهُ البَأسآءُ مِنْ هَؤُلاءِ الأَشْقِيآءِ الَّذينَ هُمْ قَتَلُوا اللهَ وَمَا عَرَفُوه، وَفِي حِينِ الَّذِي افْتَخَرُوا بِاسْمٍ مِنْ أَسْمآئِهِ عَلَّقُوه فِي الهَوآءِ وَضَرَبُوا عَلَيْهِ رَصَاصَ البَغْضَاءِ، فَيَا لَيْتَ مَا خُلِقَ الإبْدَاعُ وَمَا ذُوِّتَ الاختِرَاعُ وَمَا بُعِثَ نَبِيٌّ وَمَا أُرْسِلَ رَسُولٌ وَمَا حُقِّقَ أَمْرٌ بَيْنَ العِبادِ، وَمَا ظَهَرَ اسْمُ اللهِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمآءِ وَمَا نُزِّلَتْ صَحائِفُ وَلا كُتُبٌ وَلا زُبُرٌ وَلا أَلْوَاحٌ وَلا رِقَاعٌ، وَمَا ابتُلِيَ جَمَالُ القِدَمِ بَيْنَ هَؤُلاءِ الأَشْقِيَاءِ وَمَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا بِاللهِ جَهْرَةً وَارْتَكَبُوا مَا لا ارْتَكَبَهُ أَحَدٌ مِنَ العَالَمِينَ جَمِيعًا، تَاللهِ الحَقِّ يَا عَلِيُّ لَوْ تَنْظُرُ فِي كُلِّ أَرْكَانِي وَجَوارِحِي وَكَبِدِي وَقَلْبِي وَحَشائِي لَتَجِدُ أَثَرَ رَصَاصٍ الَّذِي وَرَدَ عَلَى هَيْكَلِ اللهِ، فآهٍ آهٍ إذًا بَقِيَ مُنْزِلُ الآياتِ عَنِ الإنْزَالِ وَهَذَا البَحْرُ عَن الأَمْوَاجِ وَهَذِهِ السِّدْرَةُ عَنِ الأَثْمارِ وَهَذِهِ السَّحابُ عَنِ الأَمْطَارِ وَهَذِهِ الشَّمْسُ عَنِ الأَنْوَارِ وَهَذِهِ السَّمآءُ عَنِ الارْتِفَاعِ، وَكَذَلِكَ كَانَ الأَمْرُ حِينَئِذٍ مَقْضِيًّا، فَيَا لَيْتَ كُنْتُ فَانِيًا وَمَا وَلَدَتْنِي أُمِي وَمَا سَمِعْتُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ مِنَ الَّذِينَ هَمْ عَبَدُوا الأَسْمآءَ وَقَتَلوا مُنْزِلَها وَخالِقَها وَمُحَقِّقَهَا وَمُرْسِلَها، فَأُفٍّ لَهُمْ بِما اتَّبَعُوا أنْفُسَهَم وَهَوَيهُمْ وَظَهَرَ مِنْهُم مَا خَرَّتِ الحُورِيَّاتُ عَنْ غُرُفاتِهِنَّ وَوَضَعَ الرُّوحُ
وَجْهَهُ عَلَى التُّرَابِ بِمَا وَرَدَ عَلَى رَبِّ الأَرْبَابِ مِنْ هَؤُلاءِ الذِّئابِ، إذًا يَبْكِي كُلُّ شَيْءٍ لِبُكَائِي لِنَفْسِهِ وَيَضُجُّ كُلُّ الأَشْيآءِ لِضَجِيجي لِفِراقِهِ، قَدْ بَلَغْتُ فِي الحُزْنِ عَلَى مَقامٍ لَنْ يَخْرُجَ مِنْ فَمِي نَغَماتُ البَقآءِ وَلا عَنْ قَلْبِي نَفَحاتُ الرَّوحَى، وَلَولا عِصْمَتِي نَفْسِي لانْفَطَرَتْ أَرْكَانِي وَكُنْتُ مَعْدُومًا..."
مناجاة صدر من قلم حضرة ولي أمر الله:يا رَبَّنا الأَعْلَى نَسْأَلُكَ بِحَقِّ دَمِكَ المَرْشُوشِ عَلَى التُّرابِ بِأَنْ تَجِبَ دُعاءَنَا وَتَحْفَظَنَا فِي صَوْنِ حِمايَتِكَ وَكَلاءَتِكَ وَتُمْطِرَ عَلَيْنا سَحَابَ جُودِكَ وَإِحْسانِكَ وَتُؤَيِّدَنا وَتُوَفِّقَنا عَلَى السُّلُوكِ فِي سَبِيلِكَ وَالتَّمَسُّكِ بِحَبْلِ وَلائِكَ وَإِثْباتِ حُجَّتِكَ وَانْتِشَارِ آثارِكَ وَدَفْعِ شَرِّ أَعْدَائِكَ وَالتَّخَلُّقِ بِأَخْلاقِكَ وَإِعْلانِ أَمْرِ مَحْبُوبِكَ الأَبْهى الَّذِي فَدَيْتَ نَفْسَكَ فِي سَبِيلِهِ وَما تَمَنَّيْتَ إِلاَّ القَتْلَ فِي مَحَبَّتِهِ، أَغِثْنا يا مَحْبُوبَنا الأَعْلَى وَاشْدُدْ أُزُورَنا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنا وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا، وَأَطْلِقْ أَلْسِنَتَنا بِمَحَامِدِكَ وَنُعُوتِكَ، وَكَلِّلْ أَعْمَالَنَا وَمَجْهُودَاتِنا بإِكْلِيلِ قَبُولِكَ وَرِضَائِكَ وَاجْعَلْ خَاتِمَةَ حَياتِنا ما قَدَّرْتَهُ لِلْمُخْلِصِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ وَأَجِرْنا فِي جِوارِ رَحْمَتِكَ وَأَدْخِلْنا فِي فَضاءِ أَنْوارِ قُرْبِكَ وَاحْشُرْنا مَعَ المُقَرَّبِينَ مِنْ أَحِبَّتِكَ وَقَدِّرْ لَنَا الوُفُودَ عَلَيْكَ وَرَنِّحْنَا بِصَهْباءِ لِقَائِكَ وَأَخْلِدْنا فِي حَدَائِقِ قُدْسِكَ وَارْزُقْنَا كُلَّ خَيْرٍ قَدَّرْتَهُ فِي مَلَكُوتِكَ يا مُغِيثَ العالَمِينَ.
عبد عتبته شوقي"وكان الباب قبل وصول الضّابط بأربعين يومًا إلى جهريق قد جمع أوراقه والألواح الّتي معه ووضعها مع قلمه ودواته وأختامه وخواتيمه العقيقية فِي صندوق وسلّمها للملاّ باقر أحد حروف الحيّ، وأعطاه أيضًا خطابًا ليسلّمه للميرزا أحمد كاتب وحيه وفيه وضع مفتاح الصّندوق وأوصاه بأن يتحفّظ عَلَى الوديعة، وأكّد له قداسة محتوياتها وأن يخفي الوديعة عَنْ أيّ شخص خلاف الميرزا أحمد، ورحل الملاّ باقر توًّا إلى قزوين ووصل تلك المدينة بعد ثمانية عشر يومًا وعلم أنّ الميرزا أحمد رحل منها إلى قُم، فتبعه إليها حالاً ووصلها فِي أواسط شهر شعبان، وكنت فِي قُم مع شخص يُدعى صادق التّبريزي الّذي أرسل إليه الميرزا أحمد وطلب منه أن يحضرني من زرند، وكنت أقطن فِي منزل واحد مع الميرزا أحمد الّذي استأجره فِي قسم باغ پنبه، وكان يقطن معنا فِي تلك الأيّام الشّيخ عظيم والسيّد إسماعيل وكثير من الأصحاب، فأعطى الملاّ باقر الأمانة إلى الميرزا أحمد وهذا فتحها كطلب الشّيخ عظيم أمامنا، وقد عجبنا إذ رأينا من بين الأشياء الّتي فِي الصّندوق ملف ورق أزرق من أغلى أنواع النّسيج وأرقّها، وفيه دبج الباب بخطّ يده البديع من نوع الشّكسته وعلى هيئة مثمّن نحوًا من خمسمائة آية جميعها عبارة عَنْ اشتقاقات من كلمة بهاء، وكان الملفّ بحالة صيانة تامّة ونظافة فائقة، يظهر عليه من أوّل نظرة أنّه مطبوع لا مخطوط، وكَانَتْ الكتابة بغاية الدّقّة، وإذا نظرت من بُعد يظهر عليها كأنّها قطعة من الحبر عَلَى الورق، وقد أخذنا العجب من هذه القطعة المكتوبة التي لا يقدر أي كاتب أن يأتي بمثلها، فأعيد الملف إلى مكانه وأعطي للميرزا أحمد وتوجّه به فِي نفس اليوم إلى طهران، وقبل ارتحاله أخبرنا أنّ كلّ ما يمكنه أن يبوح به هو أن الرّسالة تأمر بتوصيل الأمانة إلى يد جناب البهاء فِي طهران، أمّا أنا فأمرني الميرزا أحمد أن
أعود إلى زرند وأقابل والدي الذي كان ينتظرني بشوق.نفّذ ذلك الضّابط الأوامر التي وصلته من نوّاب حمزه ميرزا وأوصل الباب إلى تبريز وعامله بمنتهى درجة الاحترام، وأمر الأمير أحد أصحابه بإعداد منزله للباب وأمره أن يعامله بغاية الإجلال، وبعد مرور ثلاثة أيّام من وصول الباب جاء أمر جديد من الوزير الكبير للأمير أن يُنفّذ حكم الإعدام عَلَى المسجون يوم وصول الفرمان إليه، وكذلك عَلَى أيّ شخص يعلن اعتقاده فيه، وأصدر أمره إلى القوّة التي كَانَتْ تحت رئاسة سام خان الأرمنيّ رئيس فرقة الأرامنة أن تطلق عليه الرّصاص فِي ساحة العسكريّة فِي تبريز وهي الكائنة فِي وسط المدينة.
وكان الأمير قد أظهر دهشته لحامل الفرمان الميرزا حسن خان وزير النّظام وأخ الوزير الأكبر وقال له: (كان الأجدر بالأمير أن يأمرني بإجراء أعمال أهمّ من الّتي يطلبها، فالعمل الذي أوكله إليّ عمل لا يُجريه إلا الأنذال، فلست أنا ابن زياد ولا ابن سعد حتى يأمرني أن أذبح شخصًا بريئًا من سلالة رسول الله). فأبلغ الميرزا حسن خان أخاه برفض الأمير، فأمره أخوه أن يجري بنفسه الفرمان بتمامه حالاً وبدون توان وقال له: (خلّصنا من هذا الانتظار الّذي ثقل عَلَى قلوبنا وانْهِ هذه المسألة قبل حلول شهر رمضان حتى نستعدّ للصيام بهدوء البال وبغير اضطراب). وأراد الميرزا حسن خان أن يوصل هذه التّعليمات الجديدة إلى الأمير ويعلمه بها ولكنّه خاب فِي مسعاه لأنّ الأمير رفض مقابلته بالكلّيّة مدّعيًا المرض، فلم يعبأ برفض الأمير وأصدر أوامره أن يُنقل الباب مع حاشيته من المنزل الذي يقطنه إلى إحدى غرف المعسكر، وأمر سام خان أن يُرسل عشرة من رجاله ليحرسوا مدخل الغرفة التي حُبس فيها، ونُزعت منه العمامة والحزام وهما علامتا الشّرف والنّسبة، وأخذوه مع السّيّد حسين كاتب وحيه إلى غرفة أخرى أُعدّت لحبسه،
وكَانَتْ هي نذير السّاعة الأخيرة التي كان دائمًا يتمنّاها، وقد ظهر فِي مدينة تبريز فِي ذلك اليوم هياج واضطراب شديد وجاءت الطّامة الكبرى التي تظهر يوم القيامة حسب اعتقاد الناس، فلم تشهد تلك المدينة مطلقًا يومًا عبوسًا قمطريرًا أخذ فيه الاضطراب جميع الأهالي مثل ذلك اليوم الذي أُحضِرَ فيه الباب إلى مكان استشهاده، وإذ اقترب الباب من ساحة المعسكر ظهر فجأة شاب اخترق الزّحام مقتحمًا كلّ الصعاب والمخاطر التي تواجه مثل هذا العمل، وكان وجهه شاحبًا وهو حافي القدمين وأشعث الشّعر، وإذ كان ينهج من التّعب وهو منتهك القوى رمى نفسه عَلَى أقدام الباب وأمسك بطرف ردائه وتضرّع إليه بحرقة قائلاً: (لا تبعدني عنك يا سيّدي أينما ذهبت فاجعلني أتبعك). فقال له الباب: (يا محمّد علي قُم وتأكّد أنّك ستكون معي وغدًا ستشاهد ما يقضي به الله). وكذلك هجم اثنان من الأتباع وأكدّا له طاعتهما وتعلّقهما به، فقُبض عَلَى هذين الشّخصين ومعهما محمّد علي الزنوزي ووضع الجميع فِي غرفة واحدة مع الباب والسّيّد حسين.
وسمعتُ السّيّد حسين يقرّر الآتي: "في تلك اللّيلة أضاء وجه الباب فرحًا وتهلّل سرورًا لم يُشاهد عليه من قبل، وكان يتكلّم معنا بالفرح والانبساط غير مبالٍ بالعاصفة التي أُثيرت حوله، واختفى الحزن الذي كان يُثقل عليه، ويظهر أنّ أثقاله قد ذابت أمام اليقين بالنّصر الآتي، وقال لنا: (باكرًا سيكون يوم استشهادي فمن منكم يقوم الآن وبيديه يُنهي حياتي، فإنّي أفضّل أن أذُبح بيد حبيب بدلاً من العدو). فانهمرت الدّموع من أعيننا عندما سمعنا ذلك الطّلب، وكنّا نجفل من فكرة إنهاء حياة ثمينة مثل حياته بأيدينا، وامتنعنا وبقينا ساكتين، ولكنّ الميرزا محمّد علي قام فجأة وأعلن استعداده بإطاعة ما يأمر به الباب، فقمنا وأجبرناه عَلَى الامتناع من تنفيذ ذلك فقال الباب: (إنّ هذا الشاب الذي قام ليُنفّذ مشيئتي سوف يحصل معي عَلَى الشّهادة وهو الّذي أختاره
ليشاركني فخر لبس تاج الشّهادة).وفي الصّباح المبكّر أمر الميرزا حسن خان أن يأتي الفرّاش باشي بالباب ويحضره أمام كبار مجتهدي المدينة ويحصل منهم عَلَى الحكم بالإعدام، ولما شرع الباب فِي مغادرة المعسكر سأله السّيّد حسين ماذا يعمل، فنصحه قائلاً: (لا تظهر إيمانك حتّى يمكنك فِي الوقت المعلوم أن تخبر الذين خصّصوا لسماع الأمور التي لا يعرفها أحد سواك). وكان السّيّد حسين مشتغلاً بمحادثة سرّيّة معه إذ جاء الفراش باشي لأخذه وقطع عليهم الحديث وأمسك السّيّد حسين من يده وسحبه جانبًا وأخذ فِي توبيخه، فأشار الباب إلى الفرّاش باشي وحذّره قائلاً: (إلى أن أكون قد أتممت كلّ ما أريد أن أقوله للسّيّد حسين لآخر كلمة، لا تقدر أيّ قوّة أرضيّة أن تمنعني من ذلك، ولو اجتمع العالم كلّه كجيش واحد حولي لَنْ يقدر أن يمنعني من إتمام ما أقصده من الأقوال إلى آخر كلمة). فدُهِشَ الفرّاش باشي من مثل هذا التحدّي الجريء ولم يردّ الجواب بل أمر السّيّد حسين أن يقوم ويتبعه منصرفًا، ولما دخل الميرزا محمد علي أمام مجمع المُجتهدين ألحّوا عليه – بالنّسبة لمقام نسبه للسّيّد علي الزنوزي صهره - أن يرتدّ عَنْ إيمانه فصاح قائلاً: (لا يمكن أبدًا أن أرفض سيّدي، فهو جوهر إيماني وهو مقصود عبادتي الحقّة وفيه وجدت جنّتي وفي اتّباع شريعته استدللت عَلَى سفينة نجاتي). فأرعد الملاّ محمد المَمقاني قائلاً له: (اسكت إنّ مثل هذه الكلمات تدلّ عَلَى جنونك وإنّي أغفر لك هذه الكلمات التي لست مسئولاً عنها). فأجابه قائلاً: (لست مجنونًا إنّ مثل هذه التُّهمة أولى بها من حكم بالقتل عَلَى من لا يقلّ قداسة عَنْ القائم الموعود، فليس مجنونًا من يتّبع دينه ويشتاق أن يُسفك دمه فِي طريقه). ثم أحضر الباب أمام الملاّ محمد المَمقاني، وما كاد يعرف أنّه الباب حتّى أعطى حكم الإعدام الّذي سبق أن كتبه وسلّمه لخادمه ليعطيه للفرّاش باشي، وصاح
قائلاً لا حاجة لإحضار السّيّد الباب أمامي، فإنّ حُكم الإعدام كتبته بيدي منذ أوّل يوم قابلته فِي الاجتماع الذي كان تحت رياسة وليّ العهد، فهو بكُلِّ تأكيد نفس الرّجل الذي رأيته هناك ولم يتنازل منذ ذلك الوقت عَنْ أيّ شيء من ادّعاءاته).
ومن هناك ساروا بالباب إلى منزل الميرزا باقر بن الميرزا أحمد الذي خلفه، ولمّا وصلوا وجدوا خادمه واقفًا عَلَى الباب ومعه فِي يده حُكم الإعدام، وقال له لا داعي للدّخول فإنّ سيّدي قد اقتنع بالحكم الّذي أصدره والده بالإعدام، وهو لا يقدر أن يعمل شيئًا أحسن من الموافقة عليه، واقتفى الملاّ قلي مرتضى أثر المجتهدين الآخرين وسبق أن كتب موافقته ولم يقبل أن يقابل الباب مواجهة، وما كاد الفرّاش باشي يحصل عَلَى الأحكام المذكورة حتّى أسلم المسجون إلى يد سام خان وأمره أن يتقدّم للتّنفيذ حيث تحصّل عَلَى حكم السّلطات المدنية والدّينيّة فِي المملكة.
وكان السّيّد حسين قد مكث محبوسًا فِي نفس الغرفة التي صرف فيها اللّيلة السّابقة مع الباب، وكانوا قد رأوا وضع الميرزا محمد علي فِي نفس الغرفة فانهمرت عيونه بالبكاء وطلب أن يبقى مع سيّده فسلّموه إلى سام خان وأمروه أن ينفّذ فيه الحكم أيضًا إذ أصرّ عَلَى عدم ارتداده عَنْ دينه.
وكان سام خان فِي الأثناء قد تأثّر جدًّا من حُسن سلوك المسجون ومن المعاملة التي عومل بها، وإذ خشي أن يكون عمله جالبًا لغضب الله قال للباب: (إنّي أعتنق الدّيانة المسيحيّة ولا أحمل لك أيّ ضغينة، فإذا كان أمرك الحقّ فمكّنّي من عدم سفك دمك وتخليص نفسي)، فقال له الباب: (اتّبع التعليمات التي أُعطيت لك وإذا كان مقصدك صادقًا فإنّ القدير يمكّنك أن تتخلّص من اضطرابك).
وكان سام خان قد أمر أن يُدقّ مسمار فِي العمود الذي يفصل باب الغرفة التي يشغلها السّيّد حسين عَنْ مدخل الغرفة المجاورة، وأن يُربط حبلان فِي هذا المسمار ويُعلّق الباب وصاحبه كلّ واحد فِي حبل مفترقين، فَرَجا الميرزا محمّد علي من سام خان أن يوضع بطريقة يكون جسمه درعًا لجسم الباب، فعُلّق أخيرًا عَلَى هذه الكيفيّة بحيث كان رأسه عَلَى صدر سيّده وبمجرد ربطهما اصطفّ الفيلق ثلاث صفوف، وكلّ صف عبارة عَنْ مائتين وخمسين رجلاً، وأمر كلّ صفّ أن يُطلق الرّصاص بدوره إلى أن يتمّ إطلاق جميع رصاص الفيلق، فارتفع دخان الرّصاص من سبعمائة وخمسين بندقيّة وامتلأ الجو بالدّخان حتى أظلمت الظّهيرة، وكان النّاس قد اجتمعوا فِي كلّ مكان حتّى عَلَى أسقف المعسكر والمنازل المجاورة وشهد هذا الحادث المحزن المؤثر ما يقرُب من عشرة آلاف نفس.
وما كاد الدّخان ينقشع حتى دُهش الجمهور إذ رأى لفرط تعجّبه أنّ صاحب ورفيق الباب كان واقفًا حيًّا أمامهم ولم يُصب بأيّ ضرر، وأمّا الباب فاختفى من أمامهم بغير أن يُصاب بأذى، ومع أنّ الحبال التي رُبطا بها تقطّعت إرْبًا فإنّهما لم يُصابا بأي ضرر وكَانَتْ نجاتهما من المقذوفات إحدى المعجزات، وحتّى الرّداء الّذي كان يلبسه الميرزا محمّد علي لم يُصبه أيّ ضرر ولم يتّسخ رغم تكاثف الدّخان، وصاحت الجماهير المحتشدة بانزعاج: (إنّ السّيّد علي محمّد الباب اختفى." وجعلوا يبحثون عنه وهم فِي ذُعر وكرب وأخيرًا وجدوه جالسًا فِي نفس الغرفة التي كان فيها اللّيلة الماضية مشغولاً بإكمال الحديث الّذي كان يُريدُ إكماله والإفاضة به للسّيّد حسين حينما قطعه عليهم الفرّاش باشي، وكَانَتْ تظهر عَلَى وجهه إماراتُ الهدوء والسّكينة وكان جسمه قد بقي سليمًا من الرّصاص الذي قذفته صفوف الفيلق، وقال الباب إذ ذاك للفرّاش باشي: (إنّ حديثي مع السّيّد حسين قد انتهى فتقدّم الآن
وكمّل مقصدك). فتردّد الرّجل فِي تنفيذ ما سبق له الاجتهاد فِي عمله ورفض أن يؤدّي واجبه، وفي تلك اللّحظة ترك المكان واستعفى من عمله وأخبر بكلّ ما رآه أحد جيرانه المدعو الميرزا السّيّد محسن من أعيان تبريز الّذي بمجرّد سماعه للرّواية آمن بالأمر.
وكان لي الحظّ أن أقابل فيما بعد الميرزا السّيّد محسن هذا، وقد أرشدني إلى مكان استشهاد الباب ودلّني عَلَى الحائط الّذي علّق عليه، وأخذني إلى الغرفة التي كان يتحدّث فيها مع السّيّد حسين وأراني المكان الّذي كان جالسًا فيه، ورأيت المسمار نفسه الذي رُبِط به الحبل الّذي أوثق به بيد الأعداء.
وكان سام خان أيضًا قد صُعِقَ من حصول الحادثة عَلَى هذه الكيفيّة ومن قوّة الأمر المُخيفة، فأمر رجاله أن يتركوا المعسكر فِي الحال وامتنع أن يتداخل هو أو فيلقه فِي أيّ عمل يحصل منه أيّ ضرر للباب، وحلف وهو يترك السّاحة أنّه لا يعود مرّة أخرى لهذا العمل ولو حكموا عليه بالإعدام، وما كاد سام خان يمتنع عَنْ العمل حتى تقدّم آقا جان خان خمسه ضابط الحرس الذي يسمّى بالخمسة النّاصري وتطوّع لتنفيذ الأمر، فعُلِّق الباب وصاحبه مرّةً أُخرى بنفس الكيفيّة السّابقة وعلى نفس الحائط واصطفّ الفيلق صفوفًا واستعدّوا لإطلاق النّار عليهما، وعلى العكس من المرّة الأولى التي قطّعت فيها الأحبال فقط تمزّق الجسدان إرْبًا واختلطا كُتلةً واحدةً لحمًا وعظمًا، وكَانَتْ آخر كلمات الباب للجماهير المحتشدة حينما كان الجيش عَلَى شفا إطلاق الرّصاص: (أيُّها الجيل الملتوي لو آمنتم بي لأصبح كلّ واحد منكم مثل هذا الشّاب الذي هو فِي درجةٍ أعلى منكم يُضحّي بنفسه فِي سبيلي، وسيأتي اليوم الّذي سوف تعترفون بي فيه وفي ذلك اليوم لا أكون معكم).
وفي نفس اللّحظة التي أُطلق فيها الرّصاص جاءت زوبعة شديدة غير
عاديّة وانتشرت فِي كلّ أنحاء المدينة، وهبّت زعازع ترابيّة كثيفة مُخيفة وحجبت نور الشّمس وحجبت عيون النّاس حتى لم ترَ شيئًا، وبقيت المدينة فِي ظلام حالك من الظّهر إلى اللّيل، ولم يُحرِّك هذا الحادث العجيب الذي أعقب حادثة عجز كتيبة سام خان عَنْ إيصال الضّرر بالباب قلوب أهالي تبريز ليجعلهم ينتبهون أو يعتبرون لما شاهدوه بأعينهم من تلك المعجزة العجيبة، وما شاهدوه من التّأثير العظيم الّذي حصل لسام خان من جرّائه وما رأوه من انصعاق الفرّاش باشي وتصميمه النّهائي الّذي لا رجوع فيه، وكان يمكنهم أيضًا أن يفحصوا ذلك الرّداء الّذي بقي سليمًا رغم إطلاق مئات الرّصاص عليه ولم يتلوّث بأيّ غبار وكانوا يقدرون أن يقرأوا فِي وجه الباب الّذي خرج من هذه العاصفة سليمًا لم يصب بأقلّ ضرر ذلك الاطمئنان الكلّيّ والهدوء والسّكينة الّتي أكمل بها حديثه مع السّيّد حسين وبالعكس من ذلك لم يعبأ أحد منهم أن يبحث فِي دلالة كل هذه العلامات والإشارات.
وقد وقع استشهاد الباب فِي يوم الأحد ظهرًا فِي الثّامن والعشرين من شهر شعبان سنة 1266 هجريّة. وكان عمره إذ ذاك إحدى وثلاثين سنة قمريّة وسبعة أشهر وسبعة وعشرين يومًا من يوم ميلاده فِي شيراز.
وفي مساء اليوم نفسه كَانَتْ جُثّتا الباب وصاحبه المختلطتان قد نُقلتا من ساحة المعسكر إلى حرف الخندق خارج باب المدينة، وكان يحرسهما أربع فرق كلّ واحدة مكوّنة من عشرة حرّاس بالتّناوب وفي صبيحة اليوم التّالي للاستشهاد ذهب قنصل روسيا فِي تبريز ومعه رسّام وعمل صورة لبقايا الجسدين الموجودة فِي الخندق بوضعهما الطّبيعي.
وسمعت الحاج علي عسكر يحكي الآتي: "إنّ موظفًا فِي السّفارة الرّوسيّة أطلعني عَلَى الصّورة فِي ذات اليوم الذي أخذت فيه، وكَانَتْ صورة حقيقيّة للباب تمثّل هيئته تمامًا كما كنّا ننظر إليها، ولم يصب
الوجه بأيّ رصاصة ولا الجبهة ولا الخدّ ولا الشّفتان، وشاهدت فِي وجهه ابتسامة كَانَتْ لا تزال باقية عَلَى وجهه أما جسمه فقد تقطّع إربًا وشاهدت ذراعي ورأس صاحبه ويظهر أنّه كان يحتضنه، ولما نظرت إلى هذه الصّورة المشوّهة ورأيت كيف أنّ هذه الملامح الشّريفة قد تغيّرت انقطع نياط قلبي داخلي من شدّة انزعاجي، ولم أتمالك النّظر من شدة الحزن وعدت إلى منزلي وأغلقت عَلَى نفسي باب الغرفة ومكثت ثلاثة أيام لا أشتهي الأكل ولا النّوم، وصرت مستغرقًا فِي حزني وبلائي ومكثت أتفكّر فِي حياته القصيرة الممتلئة بالأوجاع والمتاعب والأحزان والنّفي والّتي انتهت أخيرًا بذلك الاستشهاد المخيف الّذي تتوّج به، وكَانَتْ هذه المناظر تتردّد فِي خيالي وأمام عينيّ إذ كُنْتَ منطرحًا عَلَى الفراش أَئِنُّ من الآلام والأوجاع، وفي عصر اليوم التّالي بعد استشهاد الباب وصل الحاج سليمان خان بن يحيى خان إلى باغ ميشي وهي ضاحية من ضواحي تبريز ونزل ضيفًا عَلَى كلانتر أحد أصدقائه وموضع ثقته، وكان درويشًا متعلّقًا بالطّائفة الصّوفيّة وما كاد يعلم بالخطر المحدق بحياة الباب حتّى ترك طهران بقصد تخليصه، ولمّا أخبره مضيفه بالأحوال والحوادث الّتي وقعت عَلَى الباب والحكم عليه واستشهاده عزم حالاً أن يحمل الجثّتين ولو كلّفه ذلك ضياع حياته، فنصحه الكلانتر أن ينتظر ويعمل برأيه بدلاً من تعريض نفسه لقتل محقّق، وطلب منه أن ينقل إقامته إلى منزل آخر وينتظر هذا المساء وصول الحاج الله يار وهو يقبل أن ينفّذ كلّ ما يطلب منه، وفي السّاعة المعيّنة حضر الحاج الله يار وقابله الحاج سليمان خان ونجح الأوّل فِي منتصف اللّيلة نفسها فِي نقل الجثّتين من طرف الخندق إلى معمل حرير ملك أحد أحباء ميلان، ووضعهما ثاني يوم فِي صندوق خشبيّ عمل خصّيصًا لهذا الغرض، ثمّ نقله كطلب الحاج سليمان خان إلى محلٍّ آمن، وفي الأثناء أشاع الحرّاس أنّ الوحوش
أكلت الجثّتين وهم نيام تبريرًا لموقفهم، وكذلك رؤساؤهم أخفوا الحقيقة ليحافظوا عَلَى شرفهم ولم يقبلوا أن يظهروا الحقيقة لأرباب السّلطة.
وكتب الحاج سليمان خان بالموضوع إلى بهاء الله الّذي كان إذ ذاك فِي طهران والّذي أمر آقاي كليم أن يُوفد رسولاً خاصًّا إلى تبريز لحمل الجثّتين إلى العاصمة، وكان ذلك الأمر بناء عَلَى رغبة الباب نفسه كما فِي زيارة شاه عبد العظيم، وهو لوح نزّل بينما كان فِي جوار ذلك الضّريح وسلّمه الباب إلى الميرزا سليمان الكاتب الّذي أمره فيه أن يتوجّه إلى ذلك المكان مع بعض الأحبّاء ويرتّله داخل الضريح، وخاطب الباب ذلك الصّديق المدفون هناك فِي الفقرات الأخيرة من اللّوح بقوله: (طوبى لك بما وجدت فِي مستقرّك ومرقدك فِي الرّيّ تحت ظلال المحبوب، فوا شوقي أن أدفن فِي هذه الأرض المقدّسة).
وكنت فِي طهران فِي صحبة الميرزا أحمد إذ وصلت الجثّتان وكان بهاء الله فِي هذه الأثناء قد سافر إلى كربلاء حسب تعليمات الأمير نظام، وكان آقاي كليم والميرزا أحمد قد نقلا الجثّتين من إمام زاده حسن وهو المكان الّذي كانتا فيه إلى مكان لم يكن معلومًا لأيّ شخص غيرهما، وبقي هذا المكان مجهولاً مختفيًا إلى أن انتقل حضرة بهاءالله إلى أدرنة وهناك أمر آقاي كليم أن يخبر منير أحد الأحبّاء بالمحلّ الحقيقيّ الّذي فيه الجثّتان، فبحث هذا الأخير كثيرًا ولم يجدهما وأخيرًا عثر عليهما أحد قدماء الأحبّاء وهو المدعو جمال الذي كان قد كشف له عَنْ مكانهما المستور إذ كان بهاءالله فِي أدرنة، وهذه البقعة هي للآن مختفية وغير معروفة للأحبّاء ولا يعلم المحلّ الّذي سوف تنتقلان إليه...
والتدبير السّيّء الذي قام به العدوّ المتوحّش للإضرار بالباب والّذي
أخيرًا آل إلى إنهآء حياته قد جلب فِي دوره مصاعب لا تحصى عَلَى إيران وأهلها وفي وقت قصير أفجعهم بها، فالّذي اقترفوا هذه المظالم وقعوا فريسة للفواجع المبرحة، والذين لم يرفعوا إصبعًا واحدًا فِي الاحتجاج عَلَى الفظاعة والقسوة وقعوا فِي إحن ومحن لم تقدر جميع موارد البلاد وقوّة ساستها أن تخفّف من ورطتها، وهبّت عليهم زعازع المصائب حتّى اهتزّت أسس السّعادة المادّيّة، فمنذ الوقت الذي امتدّت فيه يد الجور عَلَى الباب لتضرب أمره الضّربة القاضية توالت عَلَى ظالميه الآفات ومحقت أرواحهم الشّريرة وجعلتهم عَلَى شفا الإفلاس العام، وانتابتهم الطّواعين بشدّة وسحقتهم ونشرت فيهم الخراب أينما حلّت مع أنّها ما كَانَتْ فِي القديم تعرف بينهم إلا فِي غابر الأزمان ولم تذكر فِي الأسفار إلا نادرًا، وأحسّ بضربتها الأمير قبل الحقير وذلّ الجميع لقهرها وسطوتها، فأخذت عموم الناس فِي قبضتها ولم تزل فاشية فيهم ولم ترفع يدها عَنْ وثاقهم، واستمرّت هذه الآفات المفاجئة تجتاح البلد كما انتابت أرض جيلان آفة الحمّى التي ضربتها، ولم يقف الغضب الإلهيّ عَلَى الفتك بالآدميّين بهذه الآفات بل تعدّى إلى المزارع والحيوانات وجعل النّاس يشعرون بثقل الوطأة، فشعر بها كلّ ما يتنفّس فِي تلك الأرض المضروبة، وزادت المجاعة بحيث أصبحت شاملة لجميع طبقاتهم وأزعجت أنظارهم بمناظر الموت البطيء المؤلم، فشربوا كأس العذاب إلى نهايته بدون أن يشعروا باليد التي حرّكته لتعذيبهم ولا بالشّخص الذي من أجله جاءتهم هذه النّكبات.
حتّى إن حسين خان حاكم شيراز الّذي كان أوّل من آذى الباب وعامله معاملة قاسية تسبّب عنها فقد حياة الآلاف من الّذين كانوا تحت رعايته والّذين غضّوا النظر عَنْ مساوئه أصابته مصائب جمّة، فاجتاح إقليمه الطّاعون الذي خرّبها وأهلك فِي إقليم فارس الحرث والنّسل وأقفره وجعله يبابًا صفصفًا، فجعله يئنّ من شدّة وطأته وهو يستجدي
الجيران ويستدعي منهم المساعدة فِي هذا الخطب الجلل، وشاهد حسين خان نفسه وهو بحالة حزن عميق أنّ جميع أعماله قد ذهبت هباءً منثورًا وأصبح منبوذًا فِي أواخر أيّامه وذهب إلى قبره مدحورًا منسيًّا من الأحباب والأعداء عَلَى السّواء.
وأما الشّخص الثّاني الّذي قام عَلَى مقاومة الباب ووقف فِي سبيل تقدّمه فكان الحاج ميرزا آقاسي الّذي لأغراض سافلة ولكي يحوز رضا علماء الوقت الأدنياء حال بين الباب وبين محمّد شاه واجتهد فِي منع حصول المقابلة بينهما، وهو الّذي أمر بنفيه المحزن إلى أحد أركان أذربايجان المحصورة وأمعن فِي إبعاده بمراقبة كلّيّة، وهو الّذي نزل له لوح من المسجون تنبّأ له فيه بمصيره وهلاكه وتعريضه للعار والخزي، ولم تمضِ إلا سنة ونصف عَلَى وصول الباب إلى جوار طهران حتّى انتاب الوزير الغضب الإلهيّ ونزل من سلطانه وجبروته وطرد من عزّته والتجأ إلى ضريح شاه عبد العظيم طريدًا من غضب الناس عليه، ومن هناك طرد منفيًّا إلى خارج حدود وطنه انتقامًا بيد القهّار وانغمس فِي بحر من المصائب والآلام إلى أن لقي حتفه بغاية الذّلّة والفقر المدقع.
أمّا الفرقة التي تطوّعت لإعادة رمي الباب بالرّصاص (رغم امتناع سام خان من ذلك لما رآه فِي الحادثة من العجائب) والّتي أطلقت أخيرًا عَلَى جسمه الرّصاص فإنّ مائتين وخمسين منهم لقوا حتفهم فِي نفس السّنة ومعهم ضبّاطهم فِي زلزلة بينما كانوا يستريحون فِي يوم قيظ تحت ظلّ حائط فِي طريقهم إلى أردبيل وتبريز وهم يمرحون ويلعبون حيث وقع الحائط عليهم فجأة ولم تترك فيهم أحدًا حيًّا، أما الخمسمائة الباقون فقد لقوا حتفهم بنفس الطّريقة التي اتّبعوها مع الباب، فإنّهم بعد استشهاد الباب بثلاث سنوات ثاروا وضربوا جميعًا بالرصاص بأمر من الميرزا صادق خان النّوري، ولم يكتفِ بالطّلقة الأولى بل أمر بإطلاق
طلقة أخرى حتى يضمن أن لا يبقى منهم بقيّة ومزّقت بعد ذلك أجسادهم بالحراب والسّنان وتركت معرّضة لنظر أهالي تبريز، وفي ذلك اليوم تعجّب أهالي المدينة من أن يكون نصيب الذين قتلوا الباب نفس ما عملوه فيه وكانوا يتساءلون قائلين: (هل يمكن أن يكون الانتقام الإلهيّ هو الّذي أودى بحياة الفرقة بأكملها وأطاح بهم إلى هذه النّهاية المفجعة أو أنّ ذلك قد حصل بطريق الصّدفة؟ فإذا كان هذا الشّاب كاذبًا فلماذا انتقم الله من قاتليه انتقامًا شديدًا). وقد وصلت هذه الأقاويل المريبة إلى آذان وأسماع المجتهدين الذين أخذ الخوف منهم كلّ مأخذ، وأمروا أن كلّ من يكون عنده هذه الهواجس يعاقب مشدّدًا، فكان البعض يضربون والآخرون يغرمون والجميع يحذرون أن يمتنعوا من الهمس بهذه الأقوال الّتي تحيي ذكرى خصم لدود وتعيد اشتعال الحماس لأمره.
أما رئيس الوزراء الأمير نظام الّذي دبّر استشهاد الباب وأخوه الوزير نظام شريكه فِي الجريمة فوقع عليهما فِي ظرف سنتين عقاب صارم انتهى بموتهما أشنع ميتة، وتلطّخ حائط حمام فين بدم الأمير نظام وإلى اليوم يشاهد ذلك دليلاً عَلَى المظالم التي كَانَتْ يده تقترفها.
الفصل الخامس"قَد انْغَمَسَتِ الأَشْياءُ فِي بَحْرِ الطَّهَارَةِ فِي أَوَّلِ الرِّضوان إِذْ تَجَلَّينَا عَلَى مَنْ فِي الإمْكان بِأَسْمَائِنا الحُسْنَى وَصِفَاتِنا العُلْيا،هَذَا مِنْ فَضْلِي الَّذِي أَحَاطَ العَالَمِينَ، لتُعاشِرُوا مَعَ الأديان وتبلّغوا أَمْرَ رَبِّكُم الرِّحْمَنِ هَذَا لإِكْلِيلُ الأعْمَالِ لَوْ أَنْتُم مِنَ العَارِفِيْنَ".
"قُلْ إِنَّ العِيدَ الأَعْظَمَ لَسُلْطَانُ الأَعْيَادِ اذْكُرُوا يا قَومِ نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُم رُقُدَآءَ أَيْقَظَكُمْ مِنْ نَسَمَاتِ الوَحِي وَعَرَّفَكُمْ سَبِيَلَه الوَاضِحَ المُسْتَقِيمَ".
"هَذَا يَومٌ فِيهِ فَازَ الكَلِيمُ بِأَنْوَارِ الَقِديِم وَشَرِبَ زُلالَ الوِصالِ مِنْ هَذَا القَدَحِ الَّذِي بهِ سُجِّرَتِ البُحُورُ، قُلْ تاَللهِ الحَقِّ إِنَّ الطُّورَ يَطُوفُ حَولَ مَطْلَعِ الظُّهُورِ، وَالرُّوحَ يُنادِي مِنَ المَلَكُوتِ هَلُمُّوا وَتَعَالُوا يا أَبناءَ الغُرُورِ،هَذَا يَومٌ فِيهِ سَرُعَ كَوْمُ اللهِ شَوْقًا لِلِقَائِهِ وَصَاحَ الصَّهْيُونُ قَدْ أَتى الوَعْدُ وَظَهَرَ مَا هُوَ المَكْتُوبُ فِي أَلْواحِ اللهِ المُتَعَالِي العَزِيزِ المَحْبُوبِ".
هَذَا مَدِينَةُ الصَّبْرِ فَاجْهَدُوا أَنْ تَدخُلُوا فِيْهَا يَا مَلأ الصَّابِرِينَ
هُوَذَكَرَ اللهُ فِي مَدِينَةِ الصَّبْرِ عَبْدَهُ أَيُّوبًا إِذْ آوَيْنَاهُ فِي ظِلِّ شَجَرَةِ القُدْسِ فِي فُؤَادِهِ وَأَشْهَدْنَاهُ نَارَ الَّتِي تُوقَدُ وَتُضِيءُ فِي سِرِّهِ وَتَجَلَّيْنَا لَهُ بِنَفْسِهِ لِنَفْسِهِ وَنَادَيْنَاهُ فِي بُقْعَةِ اللهِ الَّتِي بُورِكَ حَوْلُهَا بِأَنَّهُ هُوَ اللهُ رَبُّكَ وَرَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَكَذَلِكَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ لَمُقْتَدِرًا قَيُّومًا، فَلَمَّا أَضَاءَ وَجْهُهُ مِنَ النَّارِ المُشْتَعِلَةِ فِيْهِ أَقْمَصْنَاهُ قَمِيْصَ النُّبُوَّةِ وَأَمَرْنَاهُ بِأَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ إلَى عَيْنِ الجُودِ وَالفَضْلِ وَيَدْعُوهُمْ إلَى شَاطِىءِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا، وَمَكّنَّاهُ فِي الأَرْضِ وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِ أَمْطَارَ الْجُودِ وَجَعَلْنَاهُ غَنِيًّا عَلَى مَنْ عَلَى الأَرْضِ مَجْمُوعًا، وَأَتَيْنَاهُ سِعَةً مِنَ المَالِ وَجَعَلْنَاهُ فِي المُلْكِ غَنِيًّا، وَرَزَقْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ قِسْمَةً وَأشْدَدْنَا عَضُدَاهُ بِعُصْبَةٍ مِنَ القُدْرَةِ وَوَهَبْنَاهُ أَبْنَاءَ مِنْ صُلْبِهِ وَمَكَّنَّاهُ فِي الأَرْضِ مَقَامًا رَفِيْعًا، وَكَانَ فِي قَوْمِهِ سِنِينَ مُتَوَالِيَاتٍ وَيَعِظُهُمْ بِمَا عَلَّمْنَاهُ مِنْ جَوَاهِرِ عِلْمٍ مَكْنُونًا وَيُذَكِّرُهُمْ بِأَيّامٍ كَانَتْ بِالْحَقِّ مَأْتِيًّا، قَال يَا قَوْمِ قَدْ تَمَوَّجَتْ أَبْحُرُ العِلْمِ فِي نَفْسِ اللهِ القَائِمَةِ بِالعَدْلِ فَأَسْرِعُوا إلَيْهَا لَعَلَّ تَجِدُونَ إلَيْهَا سَبيلاً، وَقَدْ أَشْرَقَتْ شَمْسُ العِنَايَةِ بِالْحَقِّ وَكَانَتْ حِينَئِذٍ فِي قُطْبِ الزَّوَالِ مَوْقُوفًا، وَقَدْ لاحَ جَمَالُ الوَجْهِ عَنْ خَلْفِ سُرَادِقَاتِ القُدْسِ فاحْضُرُوا بَيْنَ يَدَيْهِ لَعَلَّ يَسْتَشْرِقُ عَلَيْكُمْ مِنْ أَنْوَارِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا، وَقَدِ ارْتَفَعَتْ سَمَوَاتُ العَظَمَةِ وَزُيِّنَتْ بِأَنْجُمِ العِلْمِ وَالحِكْمَةِ وَكَذَلِكَ كَانَ الأمْرُ عَنْ أُفُقِ القُدْسِ مَطْلُوعًا، وَيَا قَوْمِ قَدْ جَاءَتْكُمْ مِنْ قَبْلِي
رُسُلٌ بِرِسَالاتِ اللهِ وَبَلَّغُوكُمْ مَا يُقَلِّبُكُمْ إِلَى شَاطِئِ عِزٍّ مَرْفُوعًا، وَأَتَتِ السَّاعَاتُ بِالْحَقِّ وَأَشْرَقَتِ الأَنْوَارُ بِالْعَدْلِ وَغَنَّتْ دِيْكُ البَقَآءِ وَرَنَّتْ حَمَامَةُ الأَمْرِ وَارْتَفَعَتْ سَحَابُ النُّورِ وفَاضَتْ أَبْحُرُ الْفَضْلِ وَأَنْتُمْ يَا مَلأَ الأَرْضِ قَدْ كُنْتُمْ عَنْ كُلِّ ذَلِكَ مَحْرُومًا، اتَّقُوا اللهَ وَلا تُفْسِدُوا فِي أَرْضِ حِكْمَةِ اللهِ ثُمَّ أَصْغُوا كَلِمَةَ الَّتِي كَانَتْ مِنْ سَمَآءِ القُرْبِ مَنْزُولاً، وَكَذَلِكَ كُنَّا نَاصِحَ العِبَادِ بِلِسَانِ الرُّسُلِ مِنْ أَوَّلِ الَّذِي لا أَوَّلَ لَهُ إلَى آخِرِ الَّذِي لا آخِرِ لَهُ وَكُلٌّ أَعْرَضُوا عَنْ نُصْحِ اللهِ وَكَانُوا عَلَى أَعْقَابِهِمْ مَنْكُوصًا، إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ سَبَقَتْهُمُ الْعِنَايَةُ مِنْ لَدُنَّا وَسَمِعُوا ِندآءَ اللهُ عَنْ وَرَآءِ حُجُبَاتِ عِزٍّ مَكْنُونًا، وَأَجَابُوا دَاعِيَ اللهِ بِسِرِّهِمْ وَعَلانِيَتِهِمْ وَاسْتَجْذَبُوا مِنْ نَغَماتِ جَذْبٍ مَحْبُوبًا، أُولئِكَ بَلَغُوا إِلَى مَوَاقِعِ الهِدَايَةِ وَعَلَيْهَمْ صَلَواتُ اللهِ وَرَحْمَتُهُ وَأَعْطاهُمُ اللهُ ما لا يَعْرِفُهُ أَحَدٌ وَبَلَّغَهُمْ إِلَى مَقَامِ الَّذِي كَانَ عَنْ أَعْيُنِ الخَلايِقِ مَسْتُورًا، فَسَوْفَ يَظْهَرُ اللهُ بِأَمْرِهِ وَيَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالبَاطِلِ وَيَرْفَعُ أَعْلامَ الهِدَايَةِ وَيَهْدِمُ آثَارَ المُشْرِكينَ مَجْمُوعًا، وَيَرِثُ الأَرْضَ عِبَادُهُ الَّذِينَ هُمُ انْقَطَعُوا إِلَى اللهِ وَمَا شَرِبُوا حُبَّ العِجْلِ فِي قُلُوبِهِمْ وَأَعْرَضُوا عَنِ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا بَعْدَما جَائَتْهُمُ البَيِّناتُ مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ وَكَذَلِكَ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ إِصْبَعِ العِزِّ عَلَى أَلْواحِ النُّورِ مَرْقُومًا، فَاذْكُرْ عَبْدَنا أَيُّوبَ حِينَ الَّذِي ظَهَرَ بِأَعْلامِ الغَنَآءِ فِي المُلْكِ حَسَدُوا عَلَيْهِ قَوْمُهُ وَكانُوا يَغْتَبُوا فِي مَجَالِسِهِمْ وَكَذلِكَ كَانَ أَعْمَالُهُمْ فِي صَحَائِفِ السِّرِّ مَحْفُوظًا، وَظَنُّوا بِأَنَّهُ يَدْعُو اللهَ بِمَا أَتَاهُ مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيا بَعْدَ الَّذِي كَانَ مُقَدَّسًا عَنْ ظُنُونِهِمْ وَإِيقَانِهِمْ وَعَنْ كُلِّ مَنْ فِي المُلْكِ مَجْمُوعًا، فَلَمَّا أَرَدْنَا أَنْ نُظْهِرَ آثَارَ الحَقِّ فِي انْقِطاعِهِ وَتَوَكُّلِهِ عَلَى اللهِ
أَنْزَلْنَا عَلَيْهِ البَلايَا مِنْ كُلِّ الجِهَاتِ وَفَتَنَّاهُ فُتُونًا، وَأَخَذْنا عَنْهُ أَبْنَاءَهُ وَقَطَعْنَا عَنْهُ عَطِيَّةَ الَّتِي أَعْطَيْنَاهُ بِالحَقِّ وَأَخَذْنَا عَنْهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ شَيْئًا مَعْرُوفًا، وَمَا قُضِيَ مِنْ يَوْمٍ إِلاَّ وَقَدْ نُزِّلَ عَلَيْهِ مِنْ شَطْرِ القَضَاءِ مَا سُطِرَ مِنْ قَلَمِ الإِمْضَاءِ وَأَخَذَتْهُ البَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ بِمَا قُدِّرَ مِنْ لَدُنْ مُقْتَدِرٍ قَيُّومًا، ثُمَّ احْتَرَقْنَا مَا حَصَدَ عَنْ مَزَارِعِهِ بِأَيْدِي مِلائِكَةِ الأَمْرِ وَجَعَلْنَا كُلَّهَا هَبَاءً مَعْدُومًا، فَلَمَّا قَدَّسْنَاهُ عَنْ زَخَارِفِ المُلْكِ وَنَزَّهْنَاهُ عَنْ أَوْساخِ الأَرْضِ وَطَهَّرْنَاهُ عَنْ كُلِّ شُئُونَاتِ المِلْكِيَّةِ نَفَخْنَا فِي جِلْدِهِ مِنْ مَلائِكَةِ القَهْرِ رِيحًا سَمُومًا، وَضَعُفَ بِذلِكَ جَسَدُهُ وَتَبَلْبَلَ جِسْمُهُ وَتَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُهُ بِحَيْثُ مَا بَقِيَ مِنْ جِسْمِهِ أَقَلُّ مِنْ دِرْهَمٍ إِلاَّ وَقَدْ جُعِلَ مَجْرُوحًا، وَهُوَ فِي كُلِّ يَوْمٍ يَزْدَادُ فِي شُكْرِهِ وَكَانَ يَصْبِرُ فِي كُلِّ حِينٍ وَمَا جَزَعَ فِيمَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَكَذلِكَ أَحْصَيْنَاهُ مُتَوَكِّلاً وَشَاكِرًا وَصَبُورًا، وَأَخْرَجُوهُ قَوْمُهُ عَنْ قَرْيَةِ الَّتِي كَانَ فِيهَا وَمَا اسْتَحْيُوا عَنِ اللهِ بَارِئِهِمْ وَآذُوهُ بِمَا كَانُوا مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ وَوَجَدْنَاهُ فِي الأَرْضِ مَظْلُومًا، وَسُدَّ عَلَى وَجْهِهِ أَبْوابُ الغَنَآءِ وَفُتِحَ أَبْوابُ الفَقْرِ إِلَى أَنْ مَضَى عَلَيْهِ أَيَّامٌ وَمَا وَجَدَ شَيْئًا لِيَسُدَّ بِهِ جُوعَهُ وَكَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ عَلَيْهِ مَقْضِيًّا، وَمَا بَقِيَ لَهُ لا مِنْ أَنِيسٍ وَلا مِنْ مُؤْنِسٍ وَلا مِنْ مُصَاحِبٍ وَجُعِلَ فِي المُلْكِ فَرِيدًا إِلاَّ زَوْجَتُهُ الَّتِي آمَنَتْ بِرَبِّهَا وَكَانَتْ تَخْدِمُهُ فِي بَلائِهِ وَجَعَلْنَاها لَهُ فِي الأُمُورِ سَبِيلاً، فَلَمَّا وَجَدَتْهُ مُصَاحِبَتُهُ عَلَى تِلْكَ الحَالَةِ الشَّدِيدَةِ ذَهَبَتْ إِلَى قَوْمِهِ وَطَلَبَتْ مِنْهُمْ رَغِيفًا وَمَا كَانُوا أَنْ يُؤْتُوهَا هَيَاكِلُ الظُّلْمَ وَكَذلِكَ أَحْصَيْنَا كُلَّ شَيْءٍ فِي كِتابٍ مُبِينًا، فَلَمَّا اضْطُرَّتْ فِي أَمْرِهَا دَخَلَتْ إِلَى الَّتِي كَانَتْ أَشَرَّ نِسَآءِ الأَرْضِ وَأَبَتْ أَنْ تُعْطِيها رَغِيفًا إِلَى أَنْ أَخَذَتْ مِنْهَا مَا أَرَادَتْ فَوَاللهِ
يَسْتَحِي القَلَمُ عَنْ ذِكْرِهِ وَكَانَ اللهُ عَلَى أَعْمالِهِمْ شَهِيدًا، وَجَاءَتْ إِلَى العَبْدِ بِرَغِيفٍ وَلَمَّا الْتَفَتَ إِلَيْهَا وَجَدَ شَعَرَاتِهَا مَقْطُوعَةً، إِذًا صَرَخَ فِي سِرِّهِ وَبِذلِكَ أَصْرَخَتِ السَّمواتُ وَالأَرْضُ وَقَالَ يَا أَمَةَ اللهِ قَدْأَجِدُ مِنْكِ أَمْرًا كَانَ عَلَى الحَقِّ مَمْنُوعًا، لِمَ قَطَعْتِ شَعَرَاتِكِ الَّتِي جَعَلَها اللهُ زِينةَ جَمَالِكِ قَالَتْ يَا أَيُّوبُ كُلَّما طَلَبْتُ مِنْ قَوْمِكَ رَغِيفًا لأَجْلِكَ فَأَبَوا كُلُّهُمْ إِلَى أَنْ دَخَلْتُ فِي بَيْتِ أَمَةٍ مِنْ إِمَاءِ اللهِ وَسَئَلْتُها بِرَغِيفٍ مَنَعَتْ عَنِّي إِلَى أَنْ أَخَذَتْ شَعَرَاتِي وَأَعْطَتْنِي هذَا الرَّغِيفَ الَّذِي حَضَرْتُهُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَبِذلِكَ بَغَتْ عَلَى اللهِ وَاسْتَكْبَرَتْ عَلَيْهِ وَكَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَها مَقْضِيًّا، يَا أَيُّوبُ فَاعْفُ عَنِّي وَلا تَأْخُذْنِي بِذَنْبِي لأَنِّي كُنْتُ مُضْطَرًّا فِي أَمْرِكَ فَارْحَمْ لِي وَتُبْ عَلَيَّ وَإِنَّكَ كُنْتَ عَطُوفًا غَفُورًا، وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ مَا قُضِيَ وَحَزِنَ بِشَأْنٍ كَادَتِ السَّمواتُ أَنْ يَتَفَطَّرْنَ وَتَنْشَقُّ أَرْضُ الْحِلْمِ وَيَنْدَكُّ جَبَلُ الصَّبْرِ إِذًا وَضَعَ وَجْهَهُ عَلَى التُّرابِ وَقَالَ ربِّ قَدْ مَسَّنِي الضُّرُّ مِنْ كُلِّ الجِهاتِ وَإِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي سَبَقَتْ رَحْمَتُكَ كُلَّ شَيْءٍ، فَارْحَمْنِي بِجُودِكَ وَجُدْ عَلَيَّ بِفَضْلِكَ وَإِنَّكَ كُنْتَ بِعِبادِكَ رَحِيمًا، فَلَمَّا سَمِعْنَا نِدَآئَهُ أَجْرَيْنَا تَحْتَ رِجْلِهِ الْيُمْنَى عَيْنَ عَذْبٍ سَائِغٍ مَفْرُوتًا وَأَمَرْنَاهُ بِأَنْ يَغْمِسَ فِيهَا وَيَشْرَبَ مِنْهَا فَلَمَّا شَرِبَ طَابَ عَنْ كُلِّ الأَمْرَاضِ وَكَانَ عَلَى أَحْسَنِ الْخَلْقِ مَشْهُودًا وَرَجَّعْنَا إِلَيْهِ كُلَّمَا أَخَذْنَا عَنْهُ وَفَوْقَ ذلِكَ بِحَيْثُ أَمْطَرْنَا عَلَيْهِ مِنْ جَبَرُوتِ الغَنَآءِ مَا أَغْنَاهُ عَنْ كُلِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ جَمِيعًا، وَقَرَرْنَا عَيْنَاهُ بِأَهْلِهِ وَوَفَّيْنَا لَهُ مَا وَعَدْنَا الصَّابِرِينَ فِي أَلْوَاحِ قُدْسٍ مَحْفُوظًا، وَأَصْلَحْنَا لَهُ الأُمُورَ كُلَّهَا وَأَيَّدْنُاهُ بِعَضُدِ الأَمْرِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ قَوِيًّا، وَأَرْفَعْنَا بِهِ الخَاضِعِينَ وَأَهْلَكْنَا الَّذِينَ هُمُ اسْتَكْبَرُوا عَلَى اللهِ وَكَانُوا فِي الأَرْضِ
شَقِيًّا، وَكَذلِكَ نَفْعَلُ مَا نَشَآءُ بِأَمْرِنَا وَنُوَفِّي أُجُورَ الصَّابِرِينَ وَنُعْطِيهِمْ مِنْ خَزَائِنِ القُدْسِ جَزَآءً مَوْفُورًا، أَنْ يِا مَلأَ الأَرْضِ فَاصْبِرُوا فِي اللهِ وَلا تَحْزَنُوا عَمَّا يَرِدُ عَلَيْكُمْ فِي أَيَّامِ الرُّوحِ فَسَوْفَ تَشْهَدُونَ جَزَآءَ الصَّابِرِينَ فِي رِضْوَانِ قُدْسٍ مَمْنُوعًا، وَقَدْ خَلَقَ اللهُ جَنَّةً فِي رَفَارِفِ الْبَقَآءِ وَسَمَّاهَا بِالصَّبْرِ إِلَى يَوْمَئِذٍ كَانَتْ اسْمُهَا فِي كَنَائِزِ العِصْمَةِ مَخْزُونًا، وَفِيهِ قُدِّرَ مَا لا قُدِّرَ فِي كُلِّ الْجِنَانِ وَقَدْ كَشَفْنَا حِينَئِذٍ قِنَاعَهَا وِأَذْكَرْنَاها لَكُمْ رَحْمَةً مِنْ لَدُنَّا عَلَى الْعَالَمِينَ جَمِيعًا، وَفِيهِ أنْهَارٌ مِنْ ظُلْمِ عِنَايَةِ اللهِ وَحَرَّمَهَا اللهُ إِلاَّ عِنِ الَّذِينَ هُمْ صَبَرُوا فِي الشَّدَائِدِ ابْتِغَآءً لِوَجْهِ اللهِ الَّذِي كَانَ بِالحّقِّ مَحْمُودًا، وَلَنْ يَدْخُلَ فِيهَا إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ مَا غَيَّرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَدَخَلُوا فِي ظِلِّ شَجَرَةِ الرُّوحِ وَمَا خَافُوا مِنْ أَحَدٍ وَكَانُوا بِجَنَاحَيْنِ الْعِزَّ فِي هَوَآءِ الصَّبْرِ مَطْيُورًا، وَصَبَرُوا فِي الْبَلايَا وَكُلَّمَا ازْدَادَ الضَّرَّآءُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ زَادُوا فِي حُبِّهِمْ مَوْلاهُمْ وَأَقْبَلُوا بِكُلِّهِمْ إِلَى جِهَةِ قُدْسٍ عَلِيًّا، وَاشْتَدَّتْ غَلَبَاتُ الشَّوْقِ فِي صُدُورِهِمْ وَزَادَتْ نَفَحَاتُ الذَّوْقِ فِي أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَنْ فَدَوْا أَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُوا أَمْوالَهُمْ وَأَنْفَقُوا كُلَّمَا أَعْطَاهُمُ اللهُ بِفَضْلِهِ وَجُودِهِ، وَفِي جَمِيعِ تِلْكَ الحَالاتِ الشَّدِيدَةِ كَانُوا شَاكِرًا رَبَّهُمْ وَمَا تَوَسَّلُوا إِلَى أَحَدٍ وَكَتَبَ اللهُ أَسْمَائَهُمْ مِنَ الصَّابِرِينَ فِي أَلْواحِ قُدْسٍ مَحْتُومًا، فَهَنِيئًا لِمَنْ تَرَدَّى بِرِدَآءِ الصَّبْرِ وَالاصْطِبارِ وَمَا تَغَيَّرَ مِنَ الْبَأْسَآءِ وَمَا زَلَّتْ قَدَمَاهُ عِنْدَ هُبُوبِ أَرْيَاحِ القَهْرِ وَكَانَ مِنْ رَبِّهِ فِي كُلِّ حِينٍ رَاضِيًا وَفِي كُلِّ آنٍ مُتَوَكِّلاً، فَوَاللهِ سَوْفَ يُظْهِرُهُ اللهُ فِي قِبَابِ الْعَظَمَةِ بِقَمِيصِ الدُّرِّيِّ الَّذِي يَتَلأْلأُ كَتَلأْلُؤِ النُّورِ عَنْ أُفُقِ الرُّوحِ بِحَيْثُ يُخْطَفُ الأَبْصَارُ عَنْ مُلاحَظَتِهِ، وَعَلَى فَوْقِ رَأْسِهِ يُنَادِي مُنَادِي اللهِ هذَا لَهُوَ الَّذِي صَبَرَ فِي
اللهِ فِي الحَيَوةِ البَاطِلَةِ عَنْ كُلِّ مَا فَعَلُوا بِهِ المُشْرِكُونَ وَيَتَبَرَّكَ بِهِ أَهْلُ مَلإِ الأَعْلَى وَيَشْتَاقُ لِقَائَهُ أَهْلُ الغُرُفاتِ وَأَعْيُنُ القَاصِرُاتِ فِي سُرَادِقِ قُدْسٍ جَمِيلاً وَأَنْتُمْ يَا مَلأَ البَيَانِ فَاصْبِرُوا فِي أَيَّامِ الفَانِيَةِ وَلا تَجْزَعُوا عَمَّا فَاتَ عَنْكُمْ مِنْ زَخَارِفِ الدَّنِيَّةِ وَلا تَفْزَعُوا عَنْ شَدَائِدِ الأُمُورِ الَّتِي كَانَتْ فِي صَحَائِفِ القُدْرَةِ مَقْدُورًا، ثُمَّ اعْلَمُوا بِأَنْ قُدِّرَ لِكُلِّ الْحَسَنَاتِ فِي الْكِتَابِ جَزَآءً مَحْدُودًا إِلاَّ الصَّبْرَ وَهَذَا مَا قُضِيَ حُكْمُهُ عَلَى مُحَمَّدٍ رَسُول الله مِنْ قَبْلُ وَإِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَكَذلِكَ نَزَّلَ رُوحُ الأَمِينِ عَلَى قَلْبِ مُحَمَّدٍ عَرَبِيًّا، وَكَذَلِكَ نُزِّلَ فِي كُلِّ الأَلْوَاحِ مَا قُدِّرَ لِلصَّابِرينَ فِي كُتُبِ عِزٍّ بَدِيعًا، ثُمَّ اعْلَمُوا بِأَنَّ اللهَ جَعَلَ الصَّبْرَ قَمِيصُ المُرْسَلِينَ بِحَيْثُ مَا بُعِثَ مِنْ نَبِيٍّ وَلا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ وَقَدْ زَيَّنَ اللهُ هَيْكَلَهُ بِرِدَآءِ الصَّبْرِ لِيَصْبِرَ فِي أَمْرِ اللهِ وَبِذَلِكَ أَخَذَ اللهُ العَهْدَ عَنْ كُلِّ نَبِيٍّ مَرْسُولاً، وَيَنْبَغِي لِلصَّابِرِ فِي أَوَّلِ الأَمْرِ بِأَنْ يَصْبِرَ فِي نَفْسِهِ بِحَيْثُ يُمْسِكُ نَفْسَهُ عَنِ البَغْيِ وَالفَحْشَآءِ وَالشَّهَواتِ وَعَنْ كُلِّ مَا أَنْهَاهُ اللهُ فِي الكِتابِ لِيَكُونَنَّ فِي الأَلْوَاحِ بِاسْمِ الصَّابِرِينَ مَكْتُوبًا، ثُمَّ يَصْبِرُ فِي البَلايَا فِيمَا نَزَلَ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ بَارِئِهِ وَلا يَضْطَرِبُ عِنْدَ هُبُوبِ أَرْيَاحِ القَضَآءِ وَتَمَوُّجِ أَبْحُرِ القَدَرِ فِي جَبَرُوتِ الإِمْضَاءِ وَيَكُونُ فِي دِينِ اللهِ مُسْتَقِيمًا، وَيَصْبِرُ عَلَى مَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنْ أَحِبَّائِهِ وَيَكُونُ مُصْطَبِرًا فِي الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا ابْتِغَآءً لِوَجْهِ اللهِ لِيَكُونَ فِي دِينِ اللهِ رَضِيًّا، فَارْتَقِبُوا يَوْمَ يَرْتَفِعُ فِيهِ غَمَامُ الصَّبْرِ وَيَغَنُّ فِيِهِ طَيْرُ البَقَآءِ وَيَظْهَرُ طَاوُوسُ القُدْسِ بِطِرَازِ الأَمْرِ فِي مَلَكُوتِ اللِّقَآءِ وَتُطْلَقُ أَلْسُنُ الْكَلِيلَةُ بِأَلْحَانِ الْوَرْقَآء وَيَكُفُّ حَمَامَةُ الْفِرْدَوْسِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ وَيُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَيُجَدَّدُ هَيَاكِلُ
الْوُجُودِ وَتَشْتَعِلُ النَّارُ وَيَأْتِي اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الرُّوحِ بِجَمَالِ عِزٍّ مَنِيعًا، إِذًا فَأَسْرِعُوا إِلَيْهِ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَلا تَلْتَفِتُوا بِشَيْءٍ فِي الْمُلْكِ وَلا يَمْنَعْكُمْ مَنْعُ مَانِعٍ وَلا تُحْجِبْكُمْ شُئُوناتُ الْعِلْمِيَّةُ وَلا تَسُدُّكُمْ دَلالاتُ الحِكَمِيَّةُ فَأَسْرِعُوا إِلَى مَكْمَنِ قُدْسٍ مَرْفُوعًا، لأَنَّكُمْ لَوْ تَصْبِرُونَ فِي أَزَلِ الآزالِ وَتَوَقَّفُونَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ أَقَلَّ مِنْ آنٍ لَنْ يَصْدُقَ عَلَيْكُمْ حُكْمُ الصَّبْرِ وَكَذَلِكَ نُزِّلَ الْحُكْمُ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ عَلِيمًا، قُلْ يَا مَلأَ الأَرْضِ اتَّقُوا اللهَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ وَلا تَفْتَرُوا عَلَى أُمَنَآئِهِ وَلا تَقُولُوا مَا لا يَكُنْ لَكُمْ فِيهِ شُعُورًا، لأَنَّكُمْ عُجَزَآءُ فِي الأَرْضِ وَفُقَرآءُ فِي البِلادِ وَلا تَسْتَكْبِرُوا فِي أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ أَسْرِعُوا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي كَانَتْ بِالْحَقِّ مَقْبُولاً، فَوَاللهِ سَيَمْضِي تِلْكَ الدُّنْيَا وَكُلَّمَا أَنْتُمْ تَفْرَحُونَ بِهَا وَيَجْمَعُكُمْ مَلائِكَةُ الْقَهْرِ فِي مَحْضَرِ سُلْطَانِ عِزٍّ قَوِيًّا، وَتُسْأَلُونَ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي أَيَّامِكُمْ وَلا يَتْرُكُ شَيْئًا عَمَّا فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ وَهُوَ كَانَ فِي لَوْحِ العِلْمِ مَكْتُوبًا، إِذًا لَنْ يُغْنِيَكُمْ أَحَدٌ وَلَنْ يُرافِقَكُمْ نَفْسٌ وَلَنْ يَنْفَعَكُمْ إِلاَّ مَا حَرَثْتُمْ فِي مَزَارِعِ أَعْمَالِكُمْ فَتَنَبَّهُوا يَا مَلأَ الأَشْقِيَآءِ ثُمَّ اسْمَعُوا نُصْحَ هذَا الشَّفِيقِ الَّذِي يَنْصَحُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ وَمَا يُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَآءً وَلا شَكُورًا، إِنَّمَا جَزَآءُهُ عَلَى الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الآيَاتِ لِيَكُونَ الْحُجَّةُ مِنْ لَدُنْهُ بَالِغَةً عَلَى العَالَمِينَ جَمِيعًا، إِلَى مَتَى تَرْقُدُونَ عَلَى بِسَاطِ الغَفْلَةِ وَإِلَى مَتَى تَتَّبِعُونَ الَّذِينَ هُمْ لَمْ يَكُونُوا فِي الأَرْضِ إِلاَّ كَهَمَجٍ مَحْرُوكًا، قُلْ فَوَاللهِ إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذْتُمُوهُمْ لأَنْفُسِكُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ لَمْ يَكُنْ أَسْمَاؤُهُمْ وَذَوَاتُهُمْ عِنْدَ اللهِ مَذْكُورًا، فَارْحَمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَخَافُوا عَنِ اللهِ بَارِئِكُمْ ثُمَّ ارْجِعُوا إِلَيْهِ لَعَلَّ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَإِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ غَفُورًا، قُلْ فَوَاللهِ إِنَّ
الَّذِينَ تَنْسِبُونَ إِلَيْهِمُ الْعِلْمَ وَاتَّخَذْتُمُوهُمْ لأَنْفُسِكُمْ عُلَمآءَ أُولئِكَ عِنْدَ اللهِ أَشَرُّ النَّاسِ بَلْ جَوْهَرُ الشَّرِّ يَفِرُّ مِنْهُمْ وَكَذلِكَ كَانَ فِي صُحُفِ الْعِلْمِ مَرْقُومًا، وَنَشْهَدُ بِأَنَّهُمْ مَا شَرِبُوا مِنْ عُيُونِ الْعِلْمِ وَمَا فَازُوا بِحَرْفٍ مِنَ الْحِكْمَةِ وَمَا اطَّلَعُوا بِأَسْرَارِ الأَمْرِ وَكَانُوا فِي أَرْضِ الشَّهَواتِ فِي أَنْفُسِهِمْ مَرْكُوضًا، وَمَا نَزَلَ عَلَى نَبِيٍّ وَلا عَلَى وَصِيٍّ وَلا عَلَى وَلِيٍّ شَيْءٌ مِنَ الإِعْرَاضِ وَالإِنْكارِ إِلاَّ بَعْدَ إِذْنِهِمْ وَكَذلِكَ كَانَ الحُكْمُ مِنْ عِنْدِهِمْ عَلَى طَلَعَاتِ القُدْسِ مَقْضِيًّا، قُلْ يا مَلأَ الجُهَّالِ أَمَا نَزَّلْنَا مِنْ قَبْلُ يَوْمَ يَأْتِي اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الغَمَامِ، فَإِذَا جَاءَ فِي غَمَامِ الأَمْرِ عَلَى هَيْكَلِ عَلِيٍّ بِالْحَقِّ أَعْرَضْتُمْ وَاسْتَكْبَرْتُمْ وَكُنْتُمْ قَوْمًا بُورًا، وَأَمَا نُزِّلَ يَوْمَ يَأْتِي رَبُّكَ أَوْ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ وَإِذَا جَاءَ بِآياتٍ بَيِّناتٍ بِمَ أَعْرَضْتُمْ عَنْها وَكُنْتُمْ فِي حُجُبَاتِ أَنْفُسِكُمْ مَحْجُوبًا، قُلْ إِنَّ اللهَ كَانَ مُقَدَّسًا عَنِ الْمَجِيءِ وَالنُّزُولِ وُهُوَ الْفَرْدُ الصَّمَدُ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَلَنْ يَأْتِيَ بِذَاتِهِ وَلَنْ يُرَى بِكَيْنُونَتِهِ وَلَنْ يُعْرَفَ بِإِنِّيَّتِهِ وَلَنْ يُدْرَكَ بِصِفَاتِهِ وَالَّذِي يَأْتِي هُوَ مَظْهَرُ نَفْسِهِ كَمَا أَتَى بِالْحَقِّ بِاسْمِ عَلِيٍّ وَجَمَعْتُمْ عَلَيْهِ بِمَخالِيبَ البَغْضَآءِ وَأَفْتَيْتُمْ عَلَيْهِ يَا مَعْشَرَ الْعُلَمَآءِ وَمَا اسْتَحْيَيْتُمْ عَنِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَسَوَّاكُمْ وَكَذَلِكَ أَحْصَيْنَا أَمْرَكُمْ فِي أَلْواحِ عِزٍّ مَحْفُوظًا، أَنْ يَا سَمْعَ الْبَقاءِ اسْمَعْ مَا يَقُولُونَ هؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ بِأَنَّ اللهَ خَتَمَ النُّبُوَّةَ بِحَبِيبِهِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَلَنْ يُبْعَثَ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدٌ وَجَعَلَ يَدَاهُ عَنِ الْفَضْلِ مَغْلُولاً، وَلَنْ يَظْهَرَ بَعْدَهُ هَياكِلُ الْقُدْسِ وَلَنْ يَسْتَشْرِقَ أَنْوارُ الْفَضْلِ وَانْقَطَعَ الْفَيْضُ وَتَمَّ الْقُدْرَةُ وَانْتَهَى الْعِنَايَةُ وَسُدَّتْ أَبْوابُ الْجُودِ بَعْدَ الَّذِي كَانَتْ نَسَمَاتُ الْجُودِ لَمْ يَزَلْ عَنْ رِضْوانِ الْعِزِّ مَهْبُوبًا، قُلْ غُلَّتْ أَيْدِيكُمْ وَلُعِنْتُمْ بِمَا
قُلْتُمْ بَلْ أَحَاطَتْ يَدَهُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ يَبْعَثُ مَا يَشَآءُ بِقُدْرَتِهِ وَلا يُسْأَلُ عَمَّا شَآءَ وَإِنَّهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا، قُلْ يَا مَلأَ الْفُرْقَانِ تَفَكَّرُوا فِي كِتَابِ الَّذِي نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ بِالْحَقِّ بِحَيْثُ خَتَمَ فِيهِ النُّبُوَّةَ بِحَبِيبِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهذِهِ لَقِيامَةُ الَّتِي فِيها قَامَ اللهُ بِمَظْهَرِ نَفْسِهِ وَأَنْتُمُ احْتَجَبْتُمْ عَنْها كَمَا احْتَجَبُوا مِلَلُ الأَرْضِ عَنْ قِيَامَةِ مُحَمَّدٍ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتُمْ فِي بُحُورِ الْجَهْلِ وَالإِعْرَاضِ مَغْرُوقًا، قُلْ أَمَا وُعِدْتُمْ بِلِقَآءِ اللهِ فِي أَيَّامِهِ فَلَمَّا جَاءَ الْوَعْدُ وَأَشْرَقَ الْجَمالُ عَنْ أُفُقِ الْجَلالِ أَغْمَضْتُمْ عُيُونَكُمْ وَحُشِرْتُمْ فِي أَرْضِ الْحَشْرِ عَمِيًّا، قُلْ أَمَا نَزَلَ فِي الْفُرْقَانِ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ كَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَآءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا، وَفَسَّرْتُمْ هذِهِ الآيَةَ بِأَهْوَاءِ أَنْفُسِكُمْ وَكُنْتُمْ مُوقِنًا مُعْتَرِفًا بِمَا نُزِّلَ بِالْحَقِّ لا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ وَمَعَ إِيقانِكُمْ بِذلِكَ أَوَّلْتُمْ كَلِمَاتِ اللهِ وَفَسَّرْتُمْ بَعْدَ الَّذِي كُنْتُمْ عَنْ ذلِكَ مَمْنُوعًا، وَقُمْتُمْ بِالإِعْرَاضِ وَالإِنْكَارِ لِلرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ بَلْ تَقْتُلُونَهُمْ كَمَا قَتَلْتُمُوهُمْ مِنْ قَبْلُ وَكُنْتُمْ بِأَعْمَالِكُمْ مَسْرُورًا، فَأُفٍّ لَكُمْ وَبِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَبِمَا تَظُنُّونَ فِي أَمْرِ اللهِ فِي يَوْمِ الَّذِي كَانَتْ أَنْوَارُ الْهِدَايَةِ عَنْ فَجْرِ الْعِلْمِ مَشْهُودًا، إِذًا فَاسْأَلْ عَنْهُمْ كَيْفَ يُفَسِّرُونَ مَا نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ الْعِزَّةِ عَلَى مُحَمَّدٍ عَرَبِيًّا، وَمَا يَقُولُون فِي مَعْنَى الْوَسَطِ لَوْ خُتِمَ النُّبُوَّةُ بِهِ فَكَيْفَ ذُكِرَتْ فِي الْكِتَابِ أُمَّتُهُ وَسَطَ الأُمَمِ إِذًا فَاعْرِفْ مِقْدَارَهُمْ كَأَنَّهُمْ مَا سَمِعُوا نَغَمَاتِ الْوَرْقَآءِ وَلَوْ سَمِعُوا مَا عَرَفُوا وَكَذَلِكَ كَانَتْ الْحُجَّةُ مِنْ كِتَابِهِمْ عَلَيْهِمْ بَلِيغًا، وَهَذَا مِنْ قَوْلِ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ كُلُّ الأُمَمِ فِي عَهْدِ كُلِّ نَبِيٍّ فَكُلَّما جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ رُسُلِ اللهِ قَالُوا لَسْتَ أَنْتَ بِمُرْسَلٍ وَخُتِمَ
النُّبُوَّةُ بِالَّذي جَاءَ مِنْ قَبْلُ وَكَذلِكَ زَيَّنَ الشَّيْطَانُ لَهُمْ بِأَعْمالِهِمْ وَأَقْوالِهِمْ وَكانُوا عَنْ شَاطِئِ الصِّدْقِ بَعِيدًا، فَاذْكُرْ لَهُمْ نَبَأَ مُحَمَّدٍ مِنْ قَبْلُ إذْ جَاءَ بِسُلْطانٍ مُبِيَنًا، قَالَ يَا قَوْمِ هَذِهِ مِنْ آيَاتِ اللهِ قَدْ نُزِّلَتْ بِالْحَقِّ أَلاَّ تَخْتَلِفُوا فِي أَمْرِ اللهِ ثُمَّ اجْتَمِعُوا عَلَى شَاطِئِ عِزٍّ مَنِيعًا، وَيَا قَوْمِ فَانْظُرُوا إِلَيَّ بِنَظْرَةِ اللهِ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَكُمْ وَلا تَكُونُوا بِمِثْلِ الَّذِينَ هُمْ دَعُوا اللهَ فِي أَيَّامِهِمْ وَلَيالِيهِمْ وَلَمَّا جَاءَهُمْ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَأَنْكَرُوهُ وَكَانُوا عَلَى أَصْنَامِ أَنْفُسِهِمْ مَعْكُوفًا، وَقَالَتِ الْيَهُودُ تَاللهِ هَذَا الَّذِي افْتَرَى عَلَى اللهِ أَمْ بِهِ جِنَّةٌ أَوْ كَانَ مَسْحُورًا، قَالُوا إِنَّ اللهَ خَتَمَ النُّبُوَّةَ بِمُوسَى، وَهَذَا حُكْمُ اللهِ قَدْ كَانَ فِي التَّوْرَاةِ مَقْضِيًّا، وَلَنْ يُنْسَخَ شَرِيعَةُ التَّوْرَاةِ بِدَوَامِ اللهِ وَالَّذِي يَأْتِي مِنْ بَعْدُ يُبْعَثُ عَلَى شَرِيعَتِهَا لِيَنْتَشِرَ أَحْكَامُهَا عَلَى كُلِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَكَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ مِنْ سَمَآءِ الْحُكْمِ عَلَى مُوسَى الأَمْرِ مَنْزُولاً، وَالَّذِينَ أُوتُوا الإِنْجِيلَ قَالُوا بِمِثْلِ قَوْلِهِمْ وَكانُوا مِنْ يَوْمَئِذٍ إِلَى حِينَئِذٍ مُنْتَظِرًا وَأَطْرَدَهُمُ اللهُ بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ الْعَرَبِيِّ فِي سُورَةِ الْجِنِّ وَإِنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُم أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ أَحَدًا، فَوَاللهِ يَكْفِي كُلَّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ هَذِهِ الآيَةُ النَّازِلَةُ وَمَا كُنِزَ فِيهَا مِنْ أَسْرارِ اللهِ إِنْ يَسْلُكُوا فِي سُبُلِ عِزٍّ مَعْرُوفًا، قُلْ قَدْ بَعَثَ اللهُ رُسُلاً بَعْدَ مُوسَى وَعِيسَى وَسَيُرْسِلُ مِنْ بَعْدُ إِلَى آخِرِ الَّذِي لا آخِرَ لَهُ بِحَيْثُ لَنْ يَنْقَطِعَ الْفَضْلُ مِنْ سَمَاءِ الْعِنَايَةِ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ وَلا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَكُلٌّ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي مَحْضَرِ الْعَدْلِ مَسْؤُولاً، إِذًا فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ هؤُلاءِ المُعْرِضُونَ وَظَنُّوا فِي اللهِ كَما ظَنُّوا عِبَادٌ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ، قُلْ فَوَاللهِ اشْتَبَهَ عَلَيْكُمُ الأَمْرُ قَدْ قَضَتِ السَّاعَةُ بِالْحَقِّ وَقَامَتِ القِيامَةُ رَغْمًا لأَنْفِكُمْ وَأَنْفِ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَنْ نَغَمَاتِ اللهِ مَصْمُومًا، قُلْ أَنْتُمْ
تَقُولُونَ بِمِثْلِ مَا قَالُوا أُمَمُ الْقَبْلِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللهِ وَتَنْتَظِرُونَ بِمِثْلِ مَا هُمِ انْتَظَرُوا وَزَلَّتْ أَقْدَامُكُمْ عَلَى هَذَا الصِّرَاطِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَمْدُودًا، إِذًا تَفَكَّرُوا فِي تَلْوِيحِ هَذِهِ الآيَةِ لَعَلَّ تُرْزَقُونَ مِنْ مَائِدَةِ الْعِلْمِ الَّتِي يَنْزِلُ مِنْ سَمَاءِ الْقُدْسِ عَلَى قَدَرٍ مَقْدُورًا، يَا قُرَّةَ الْبَقَآءِ فَاشْهَدْ مَا يَشْهَدُونَ المُشْرِكُونَ فِي هَذِهِ الشَّجَرَةِ الْمُورِقَةِ المُبَارَكَةِ المُنْبَتَةِ الَّتِي كَانَتْ عَلَى جَبَلِ المِسْكِ مَرْفُوعًا، وَطَالَتْ أَغْصَانُهَا إِلَى أَنْ بَلَغَتْ مَقَامَ الَّذِي كَانَ خَلْفَ سُرَادِقِ الْقُدْسِ مَكْنُونًا، وَيُرِيدُونَ هؤُلاءِ الْمُشْرِكُونَ أَنْ يَقْطَعُوا أَفْنَانَها قُلْ إِنَّهَا اسْتَحْصَنَتْ فٍي حِصْنِ اللهِ وَاسْتَحْفَظَتْ بِحِفْظِهِ وَجَعَلَ اللهُ أَيْدِي الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ عَنْهَا مَقْصُورًا، بِحَيْثُ لَنْ يَصِلَ إِلَيْهَا أَيْدِي الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا وَأَعْرَضُوا فَسَوْفَ يَجْتَمِعُ اللهُ فِي ظِلِّهِ كُلَّ مَنْ فِي الْمُلْكِ وَهَذا مَا كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْحَقِّ وَكَانَ فِي أَلْواحِ الْعِزِّ مِنْ قَلَمِ الْعِلْمِ مَحْتُومًا، يَا قُرَّةَ الْجَمَالِ ذَكِّرِ الْعِبَادَ بِأَذْكَارِ الرُّوحِ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ ثُمَّ أسْمِعْهُمٍ نَغْمَةً مِنْ نَغَمَاتِ الْبَقَآءِ لَعَلَّ يَسْتَشْعِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ أَقَلَّ مِنْ ذَرٍّ شَيْئًا وَلَعَلَّ لا يَظُنُّونَ بِمِثْلِ مَا ظَنُّوا شُرَكائُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَيُوقِنُونَ بِأَنَّ اللهَ يَكُونُ قَادِرًا عَلَى أَنْ يَبْعَثَ فِي كُلِّ حِينٍ رَسُولاً، قُلْ يَا مَلأَ الْبَغْضَآءِ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ هَذا مَا قُضِيَ بِالْحَقِّ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ دُرِّيًّا، إِذًا فَأَلْقِ عَلَيْهِمْ مَا غَرَّدَتْ بِهِ حَمَامَةُ الرُّوحِ فِي رِضْوَانِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا، لَعَلَّ يَتَّبِعُونَ مَا فُسِّرَ فِي الْخَتْمِ عَنْ لِسَانِ الَّذِي كَانَ رَاسِخًا فِي الْعِلْمِ فِي زِيَارَةِ اسْمِ اللهِ عَلِيًّا، قَالَ وَقَوْلُهُ الْحَقُّ الْخَاتِمُ لِمَا سَبَقَ وَالْفَاتِحُ لِمَا اسْتُقْبِلَ وَكَذلِكَ ذَكَرَ مَعْنَى الْخَتْمِ مِنْ لِسَانِ قُدْسٍ مَنِيعًا، كَذلِكَ جَعَلَ اللهُ حَبِيبَهُ خَاتِمًا لِمَا سَبَقُوهُ مِنَ النَّبِيِّينَ وَفاتِحًا لِمَا يَأْتِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ مِنْ بَعْدُ إذًا تَفَكَّرُوا يَا مَلأَ
الأَرْضِ فِيمَا أَلْقَيْنَاكُمْ بِالْحَقِّ لَعَلَّ تَجِدُونَ إِلَى مَكْمَنِ الأَمْرِ فِي شَاطِئِ الْقُدْسِ سَبِيلاً، وَلا تَحْتَجِبُوا عَمَّا سَمِعْتُمْ مِنْ عُلَمائِكُمْ ثُمَّ اسْأَلُوا أُمُورَ دِينِكُمْ عَنِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ رَاسِخًا فِي عِلْمِهِ وَكَانَتْ الأَنْوَارُ مِنْ نُورِ وَجْهِهِ مُتَلأْلأً وَمُضِيئًا، يَا أَيُّها النَّاسُ اتَّقُوا اللهَ وَلا تَتَّخِذُوا الْعِلْمَ مِنَ الْعُيُونِ الْمُكَدَّرَةِ الَّتي كَانَتْ عَنْ جِهَةِ النَّفْسِ وَالْجَهْلِ جَرِيًّا، فَاتَّخِذُوهُ مِنَ الْعُيُونِ السَّايِلَةِ السَّائِغَةِ الصَّافِيَةِ الجَارِيَةِ العَذْبِيَّةِ الَّتي جَرَتْ عَنْ يَمِينِ الْعَرْشِ وَجَعَلَ اللهُ للأَبْرَارِ فِيهَا نَصِيبًا، أَنْ يَا طَلْعَةَ الْقُدْسِ هَبْ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ مَا وَهَبَكَ اللهُ بِجُودِهِ لِيَقُومَنَّ عَنْ قُبُورِ أَجْسَادِهِمْ وَيَسْتَشْعِرَنَّ عَلَى الأَمْرِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَأْتِيًّا، ثُمَّ أَرْسِلْ عَلَيْهِمْ مِنْ نَسَمَاتِ الْمِسْكِيَّةِ الْمُعَطَّرَةِ الَّتي أَعْطَاكَ اللهُ فِي ذَرِّ الْبَقَآءِ لَعَلَّ يُحَرَّكُ بِها عَظَائِمُ الرَّمِيمَةُ وَلَئَلاَّ يَحْرِمُ النَّاسُ أَنْفُسَهُمْ عَنْ هَذَا الرُّوحِ الَّذِي نُفِخَ مِنْ هَذَا الْقَلَمِ الْقِدَمِيِّ الأَزَلِيِّ الأَبَدِيِّ وَيَكُونُنَّ فِي هَذِهِ الأَرْضِ الطَّيِّبَةِ الْمُبَارَكَةِ بَيْنَ يَدَي اللهِ عَلَى أَحْسَنِ الْجَمَالِ مَحْشُورًا، أَنْ يَا قَلَمَ الأَمْرِ أَنْتَ تَشْهَدُ وَتَرَى بِأَنَّ الْمُمْكِنَاتِ فِي لُجَجِ اللاَّنِهَايَاتِ مَا يَسْتَقْبِلُونَ بِهَذِهِ الرَّحْمَةِ الْمُنْبَسِطَةِ الْجَارِيَةِ الَّتِي أَحَاطَتْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا يَتَوَجَّهُونَ إِلَى وَجْهِ الَّذِي مِنْهُ أَشْرَقَتْ أَنْوَارُ الرُّوحِ وَبِهَا أَضَاءَتْ كُلُّ مَنْ فِي مَلَكُوتِ الأَمْرِ وَالْخَلْقِ وَإِنَّكَ كُنْتَ عَلَى ذَلِكَ شَهِيدًا، وَيَرْكُضُونَ فِي وَادِي النَّفْسِ وَالْهَوَى وَيَخُوضُونَ مَعَ الَّذِينَ مَا فَازُوا بِلِقَآئِكَ فِي يَوْمِكَ بَعْدَ الَّذِي بَشَّرْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ مِنْ قَلَمِ عِزٍّ جَلِيًّا، وَقُلْتَ وَقَوْلُكَ الْحُلْوُ فِي جَبَرُوتِ الْبَقَآءِ وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ للهِ وَكَذلِكَ كُتِبَ حُكْمُ الْيَوْمِ عَلَى أَلْوَاحِ الْعِزِّ مِنْ إِصْبَعِ رُوحٍ قَدِيمًا، فَلَمَّا جَآءَ الْيَوْمُ وَأَتَتِ السَّاعَةُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ أَنْوَارُ
الْجَمَالِ فِي قُطْبِ الزّوَالِ إذًا قَامُوا الْكُلُّ بِالنِّفَاقِ لِهَذَا النُّورِ الْمُشْرِقِ مِنْ شَطْرِ الآفَاقِ ثُمَّ احْتَجَبُوا بِحُجُبَاتِ كُفْرٍ غَلِيظًا، وَكَذلِكَ فَاعْرِفُوا كُلَّ الْمِلَلِ فِي كُلِّ الأَزْمَانِ بَعْدَ الَّذِي كُلٌّ انْتَظَرُوا بِمَا وُعِدُوا فِي أَيَّامِ اللهِ، فَلَمَّا قُضِيَ الْوَعْدُ أَنْكَرُوهُ بِمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَكانُوا عَنْ شَاطِئِ الِقُدْسِ بَعِيدًا، كَمَا تَشْهَدُونَ الْيَوْمَ هَؤُلاءِ الْمُشْرِكِينَ بِحَيْثُ انْتَظَرُوا فِي أَيَّامِهِمْ بِمَا وُعَدُوا مِنْ لِسَانِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَكُلَّمَا سَمِعُوا اسْمَهُ قَامُوا وَتَصَاحُوا بِعَجَّلَ اللهُ فَرَجَهُ فَلَمَّا ظَهَرَ بِالْحَقِّ أَنْكَرُوهُ فِي أَنْفُسِهِمْ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ وَجَادَلُوهُ بِالْبَاطِلِ وَسَجَنُوهُ فِي وَسَطِ الْجِبَالِ وَمَا أُطْفِئَ غِلُّ صُدُورِهِمْ وَنَارُ أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَنْ فَعَلُوا بِهِ مَا احْتَرَقَتْ بِهِ أَكْبَادُ الوُجُودِ فِي هَياكِلِ الشُّهُودِ وَبِذلِكَ تَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُ مَدَايِنِ الْبَقَآءِ فِي جَبَرُوتِ الْعَمَآءِ وَنَاحَتْ جَمَالُ الْغَيْبِ عَلَى مَكْمَنِ قُدْسٍ خَفِيًّا، أَنْ يَا طَلْعَةَ الْعِزٍّ فَاذْكُرْ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَهْلِ الْبَقَآءِ مَا قَالَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَبْلُ فِي أَيَّامِ الَّذِي قُتِلَ فِيهَا الْحُسَيْنُ مِنْ هَياكِلِ ظُلْمٍ شَقِيًّا، وَكانُوا أَنْ يَزُورُوهُ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَيَلْعَنُوا الَّذِينَ هُمْ ظَلَمُوا عَلَيْهِ وَكانُوا أَنْ يَقْرَأُوا فِي كُلِّ صَبَاحٍ مِئَةَ مَرَّةٍ اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ فَلَمَّا بُعِثَ الْحُسَيْنُ فِي أَرْضِ الْقُدْسِ ظَلَمُوهُ وَقَتَلُوهُ وَفَعَلُوا بِهِ مَا لا فَعَلُوا بِأَحَدٍ مِنْ قَبْلُ وَكَذلِكَ يَفْصُلُ اللهُ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكاذِبِ وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ وَيُلْقِي عَلَيْكُمْ مَا يَظْهَرُ بِهِ أَفْعَالُ الظَّالِمِينَ جَمِيعًا، إِذًا فَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ عَبْدَ اللهِ تَقِيًّا الَّذِي آمَنَ بِاللهِ فِي يَوْمِ الَّذِي كَانَ الأَمْرُ عَنْ مَطْلِعِ الرُّوحِ لَمِيعًا، وَأَعَانَ رَبَّهُ بِمَا قَدْ كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ حِينَ الَّذِي دَخَلَ الْوَحِيدُ فِي أَرْضِ حُبٍّ شَرْقِيًّا، قَالَ يَا قَوْمِ قَدْ جَاءَ بُرْهَانُ اللهِ بِالْحَقَّ وَلاحَ الْوَجْهُ أَنْ يَا مَلأَ الْفُرْقَانِ فَأَسْرِعُوا
إِلَيْهِ وَلا تَكُونُوا عَلَى أَعْقَابِ أَنْفُسِكُم مَنْكُوصًا، وَيَا قَوْمِ قَدْ أَشْرَقَ الْجَمَالُ عَنْ أُفُقِ الْقُدْسِ وَجَآءَ الْوَعْدُ بِالْحَقِّ فَاسْعَوْا إِلَى رِضْوَانِ الَّذِي كَانَ الْوَجْهُ فِيهِ مُضِيئًا، إِيَّاكُمْ أَنْ لا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ وَعُيُونَكُمْ عَنْ لِقَآءِ اللهِ وَهَذا يَوْمُ اللهِ قَدْ كَانَ عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا، وَيَا قَوْمِ قَدْ وُضِعَ الْكِتَابُ بِالْحَقِّ وَلَنْ يُغَادَرَ فِيهِ أَعْمَالُ الْعَالَمِينَ عَلَى قَدْرِ نَقِيرٍ وَقِطْمِيرًا، وَيَا قَوْمِ لا تَحْتَجِبُوا عَنْ جَمَالِ اللهِ بَعْدَ الَّذِي جَاءَ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَفِي حَوْلِهِ مَلائِكَةُ الْقُدْسِ وَكَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ مِنْ جِهَةِ الْعَرْشِ مَقْضِيًّا، وَإِذْ قَالَ الْوَحِيدُ يَا قَوْمِ قَدْ جِئْتُكُمْ بِلَوْحٍ مِنْ لَدُنْ عَلِيٍّ قَيُّومًا، أَلاَّ تَتَفَرَّقُوا فِي أَمْرِ اللهِ وَأَجِيبُوا دَاعِيَ الَّذِي يَدْعُوكُمْ بِالْحَقِّ الْخَالِصِ وَيُلْقِي عَلَيْكُمْ مَا يُقَرِّبُكُمْ إِلَى يَمِينِ عِزٍّ مَحْبُوبًا، وَيَا قَوْمِ قَدْ وُعِدْتُمْ فِي كُلِّ الأَلْوَاحِ بِلِقَآءِ اللهِ وَهَذا يَوْمٌ فِيهِ كُشِفَ الْجَمَالُ وَظَهَرَ النُّورُ وَنادَى الْمُنادِ وَشُقَّتِ السَّمَآءُ بِالْغَمَامِ اتَّقُوا اللهَ وَلا تَغْمِضُوا عُيُونَكُمْ عَنْ جَمَالِ قُدْسٍ دُرِّيًّا، وَهَذا مَا وُعِدْتُمْ بِلِسَانِ الرُّسُلِ مِنْ قَبْلُ وَبِذلِكَ أَخَذَ اللهُ عَنْكُمُ الْعَهْدَ فِي ذَرِّ الْعَمَآءِ إِذًا أُوفُوا بِعُهُودِكُمْ وَلا تَكُونُوا فِي أَرَاضِي الإِشَاراتِ مَوْقُوفًا، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ وَفَى بِعَهْدِ اللهِ وَأَجَابَ دَاعِيَ الْحَقِّ وَمِنْهُمْ مَنْ أَعْرَضَ وَكَانَ عَلَى اللهِ بَغِيًّا، وَمِنْهُمُ الَّذِي سُمِّيَ بِاسْمِ التَّقِيِّ فِي الْكِتَابِ وَآمَنَ بِاللهِ رَبِّهِ وَكَانَ بِوَعْدِهِ عَلَى الْحَقِّ وَفِيًّا، وَحَضَرَ بَيْنَ يَدي الْوَحِيدِ وَتَمَسَّكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَمَا تَفَرَّقَ كَلِمَةَ اللهِ وَكَانَ عَلَى الدِّينِ الْقَيِّمِ مُسْتَقِيمًا، وَنَصَرَ رَبَّهُ فِي كُلِّ الأَحْوالِ وَبِكُلِّ مَا كَانَ مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ وَبِذلِكَ جَعَلَ اللهُ اسْمَهُ فِي أَسْطُرِ الْبَقَآءِ مِنْ قَلَمِ الْعِزِّ مَسْطُورًا وَمَسَّتْهُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّاءُ وَاحْتَمَلَ فِي نَفْسِهِ الشَّدَائِدَ كُلَّها وَفِي كُلِّ تِلْكَ الأَحْوالِ كَانَ شَاكِرًا
وَصَبُورًا، وَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ يَنْصُرُونَ اللهَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَيَصْبِرُونَ فِي الشَّدائِدِ ابْتِغَآءً لِوَجْهِ اللهِ أُولَئِكَ كَانُوا فِي أَزَلِ الآزَالِ بِنَصْرِ اللهِ مَنْصُورًا، وَلَوْ يُقْتَلُونَ وَيُحْرَقُونَ فِي الأَرْضِ لأَنَّهُمْ خُلِقُوا مِنَ الأَرْواحِ وَكانُوا فِي هَوآءِ الرُّوحِ بِإِذْنِ اللهِ مَطْيُورًا، وَلا يَلْتَفِتُون إِلَى أَجْسَادِهِمْ فِي الْمُلْكِ وَيَشْتَاقُونَ الْبَلايَا فِي سُبُلِ بَارِئِهِمْ كاشْتِيَاقِ الْمُجْرِمِ إِلَى الْغُفْرَانِ وَالرَّضِيعِ إِلَى ثّدْي رَحْمَةِ اللهِ وَكَذلِكَ يُذَكِّرُكُمُ الْوَرْقَآءُ بِأَذْكَارِ الرُّوحِ لَعَلَّ النَّاسَ يَنْقَطِعُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوالِهِمْ وَيَرْجِعُونَ إِلَى مَقَرِّ قُدْسٍ مَشْهُودًا، وَقُضِيَ الأَيَّامُ إِلَى أَنِ اجْتَمَعَتْ فِي حَوْلِ الْوَحِيدِ شَرْذَمَةٌ مِنْ قَرْيَةِ الَّتِي بَارَكَها اللهُ بَيْنَ القُرَى وَرَفَعَ اسْمَها فِي اللَّوْحِ الَّذِي كَانَ أُمُّ الْكِتَابِ عَنْهُ مَفْصُولاً، وَاتَّبَعُوا حُكْمَ اللهِ وَطَافُوا حَوْلَ الأَمْرِ وَأَنْفَقُوا أَمْوالَهُمْ وَبَذَلُوا كُلَّ مَا لَهُمْ مِنْ زَخَارِفِ الْمُلْكِ وَمَا خَافُوا مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ اللهَ وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْئٍ عَلِيمًا، وَكَانَ قُلُوبُهُمْ زُبُرَ الْحَدِيدِ فِي نَصْرِ اللهِ وَمَا أَخَذَتْهُمْ لَوْمَةُ لائِمٍ وَمَا مَنَعَهُمْ إِعْرَاضُ مُعْرِضٍ وَكَانُوا فِي مَدَايِنِ الأَرْضِ كَأَعْلامِ الْقُدْسِ بِاسْمِ اللهِ مَرْفُوعًا، وبَلَغَ الأَمْرُ إِلَى مَقَامِ الَّذِي سَمِعَ رَئِيسُ الظُّلْمِ الَّذِي كَفَرَ بِاللهِ وَأَشْرَكَ بِجَمَالِهِ وَأَعْرَضَ بِبُرْهَانِهِ وَكَانَ أَشْقَى النَّاسِ فِي الأَرْضِ وَيَشْهَدُ بِذلِكَ رِجالُ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا فِي سُرَادِقِ الْخُلْدِ مَسْتُورًا، أَنْ يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَاشْكُرُوا اللهَ بَارِئَكُمْ بِمَا أَنْعَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَفَضَّلَكُمْ عَلَى الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَلَى الأَرْضِ بِحَيْثُ شَرَّفَكُمْ بِلِقَآئِهِ وَعَرَّفَكُمْ نَفْسَهُ وَرَزَقَكُمْ مِنْ أَثْمَارِ سِدْرَةِ الْفِرْدَوْسِ بَعْدَ الَّذِي كَانَ الْكُلُّ عَنْهَا مَحْرُومًا، وَفَازَكُمْ بِأَيَّامِهِ وَأَرْسَلَ إِلَيْكُمْ نَسَمَاتِ الْقُدْسِ وَقَلَّبَكُمْ إِلَى يَمِينِ الأَحَدِيَّةِ وَقَرَّبَكُمْ إِلَى بُقْعَةِ عِزٍّ مَبْرُوكًا، كَذلِكَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ
يَشَآءُ وَيَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ عِبَادَ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا عَنْ كُلِّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ مَقْطُوعًا، إِذًا فَأَبْشِرُوا فِي أَنْفُسِكُمْ ثُمَّ افْتَخِرُوا عَلَى مَنْ فِي الْمُلْكِ مَجْمُوعًا، فَاعْلَمُوا بِأَنَّ اللهَ كَتَبَ أَسْمَاءَكُمْ فِي صَحَائِفِ الْقُدْسِ وَقَدَّرَ لَكُمْ فِي الْفِرْدَوْسِ مَقَامًا مَحْمُودًا، فَوَاللهِ لَوْ يَظْهَرُ مَقَامُ أَحَدٍ مِنْكُمْ عَلَى الأَرْضِ لَيَفْدُونَ أَنْفُسَهُمْ ابْتِغَآءً لِهذا الْمَقَامِ الَّذِي كَانَ بِيَدِ اللهِ مَخْلُوقًا، وَلكِنِ احْتَجَبَ عَنْ عُيُونِ النَّاسِ لِيُمَيَّزَ الْخَبِيثُ مِنَ الطَّيِّبِ وَكَذلِكَ يَبْلُوهُمُ اللهُ فِي الْمُلْكِ لِيَظْهَرَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ كَمَا ظَهَرَ وَكُنْتُمْ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا، وَكَمْ مِنْ عِبَادٍ عَبَدُوا اللهَ فِي أَيَّامِهِمْ وَأَمَرُوا النَّاسَ بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَبَكَوْا فِي مَصَائِبِ آلِ اللهِ وَغَمَضُوا عَيْنَاهُمْ فِي حِينِ الصَّلوةِ وَقِرَاءَةِ الزِّيارَاتِ لإِظْهَارِ تَوَجُّهِهِمْ إِلَى مَبْدَإِ الْقُدْسِ مَسْجُودًا، فَلَمَّا جَآءَهُم الْحَقُّ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَكَفَرُوا بِهِ إِلَى أَنْ قَتَلُوهُ بِأَيْدِيهِمْ وَكَانُوا بِأَفْعَالِهِمْ مَسْرُورًا، كَذلِكَ يُبْطِلُ اللهُ أَعْمَالَ الَّذِينَ هُمُ اسْتَكْبَرُوا عَلَيْهِ وَيَقْبَلُ أَعْمَالَ الَّذِينَ هُمْ أَقْبَلُوا إِلَى اللهِ وَخَضَعُوا لِطَلْعَتِهِ وَكانُوا فِي سُبُلِ الرِّضَآءِ مَسْلُوكًا، فَذَكِّرُوا يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ نِعْمَةَ اللهِ الَّتِي أَنْعَمَكُمْ بِالْحَقِّ وَعَلَّمَكُمْ مَا لا عَلَّمَهُ كُلُّ عُلَمَآءِ الأَرْضِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ كِبَرِ عَمَائِمِهِمْ وَثَقْلِهَا مَا يَقْدِرُون أَنْ يَمْشُوا عَلَى الأَرْضِ وَإِذَا يَحْرُكُونَ كَأَنَّها يَحْرُكُ عَلَى الأَرْضِ جَبَلُ غِلٍّ مَبْغُوضًا، فَوَاللهِ يَنْبَغِي لَكُمْ يَا أَوْلِيآءَ اللهِ بِأَنْ تُقَدِّسُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ كُلِّ مَا نُهِيتُمْ عَنْهُ وَتَشْكُرُوا اللهَ فِي كُلِّ الأَيَّامِ وَاللَّيالِي بِمَا اخْتَصَّكُمْ بِفَضْلِ الَّذِي لَمْ يَكُنْ لِدُونِكُمْ فِيهِ نَصِيبًا، وَتَحْكُوا عَنِ اللهِ بَارِئِكُمْ بِحَيْثُ تَهُبُّ مِنْكُمْ رَائِحَةُ اللهِ وَتَكُونُوا بِذلِكَ مُمْتازًا عَنِ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا وَكَذلِكَ تَعِظُكُمْ الْوَرْقآءُ وَتُعَلِّمُكُمْ سُبُلَ الْعِلْمِ لِتَكُونُوا فِي دِينِ اللهِ رَاسِخًا وَعَلى الْحُبِّ
مُسْتَقِيمًا، اتَّقُوا اللهَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ بِالْغَفْلَةِ وَلا تَمُنُّوا عَلَى اللهِ فِي إِيمانِكُمْ بِمَظْهَرِ نَفْسِهِ بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ فِيمَا أَيَّدَكُمْ عَلَى الأَمْرِ وَعَرَّفَكُمْ سُبُلَ الْعِزِّ وَالتَّقْوَى وَأَلْهَمَكُمْ بَدَايِعَ عِلْمٍ مَخْزُونًا، فَهَنِيئًا لَكُمْ يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ وَبِمَا صَبَرْتُمْ فِي زَمَنِ اللهِ عَلَى الْبَأْسَآءِ وَالضَّرَّاءِ وَبِمَا سَمِعْتُمْ بِآذَانِكُم وَشَهِدْتُمْ بِعُيُونِكُمْ فَسَوْفَ يَجْزِيكُمُ اللهُ أَحْسَنَ الْجَزَآءِ وَيُعْطِيكُمْ مَا تَرْضَى بِهِ أَنْفُسُكُمْ وَيَثْبُتُ أَسْمَاؤُكُمْ فِي كِتَابِ قُدْسٍ مَكْنُونًا، فَاجْهَدُوا بِأَنْ لا تُبْطِلُوا اصْطِبَارَكُمْ بِالشَّكْوَى وَكُونُوا رَاضِيًا بِمَا قَضَى اللهُ عَلَيْكُمْ وَبِكُلِّ مَا يَقْضِي مِنْ بَعْدُ لأَنَّ الدُّنْيا وَزِينَتَهَا وَزُخْرُفَها سَيَمْضِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ وَلا بَقَآءَ لَها وَتُحْضَرُونَ فِي مَقْعَدِ عِزٍّ مَحْبُوبًا، فَطُوبَى لَكُمْ وَلِلَّذِينَ هُمْ فَدَوْا أَنْفُسَهُمْ فِي أَيَّامِ اللهِ وَكَانُوا مِنَ الَّذِينَ هُمْ طَارُوا فِي هَوَآءِ الْحُبِّ وَوَرَدُوا عَلَى مَقَرِّ الَّذِي كَانَ عَنْ غَيْرِهِمْ مَمْنُوعًا، فَاذْكُرْ يَا قَلَمَ الْقُدْسِ مَا قُضِيَ عَلَى الْوَحِيدِ مِنْ أَعَادِي نَفْسِ اللهِ لِيَكُونَ أَمْرُهُ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى بِالْحَقِّ مَذْكُورًا، فَلَمَّا سَمِعَ الَّذِي كَفَرَ وَشَقَى ثُمَّ اسْتَكْبَرَ وَبَغَى أَرْسَلَ جُنُودَ الْكُفْرِ وَأَمَرَهُمْ بِأَنْ يَقْتُلُوا الَّذِينَ مَا حَمَلَ الأَرْضُ بِمِثْلِهِمْ فِي إِيمانِهِمْ بِاللهِ وَيَسْفِكُوا دِمَآءَ الَّتي كَانَتْ بِهَا كُلُّ شَيْءٍ مَطْهُورًا، وَأَمَرَ الْخَبِيثَ فِي الْمَلإِ بِغَيْرِ مَا نَزَّلَ اللهُ فِي الْكِتَابِ وَكَذلِكَ كَانَ الْحُكْمُ مِنْ عِنْدِهِ مَقْضِيًّا، وَقَرَّرَ لِلْجُنُودِ رَئِيسَيْنِ اللَّذَيْنِ هُما كَفَرَا بِاللهِ وَآياتِهِ وَبَاعَا دِينَهُمْ بِدُنْياهُمْ وَاشْتَرَيا لأَنْفُسِهِمْ عَذَابَ الْبَاقِيَةَ الدَّائِمَةَ وَكانَا بِظُلْمِهِمْ إِلَى قَهْرِ اللهِ مُسْتَقْبِلاً، وَأَتَيا مَعَ جُنُودِ الْكُفْرِ وَعَساكِرِ الشِّرْكِ إِلَى أَنْ حَاصَرُوا جُنُودَ اللهِ وَأَحِبَّائَهُ وَكَانُوا مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ فِي أُمِّ الْكِتَابِ مِنْ قَلَمِ الأَمْرِ مَكْتُوبًا، وَحَارَبُوا مَعَ أَصْحَابِ اللهِ وَجَادَلُوا مَعَهُمْ وَنَازَعُوا بِهٍمْ وَعَارَكُوا بِمَا
كَانُوا مُقْتَدِرًا عَلَيْهِ لِيَغْلِبُوا عَلَى جُنُودِ الْحَقِّ وَلكِنْ جَعَلَهُمُ اللهُ فِي حَرْبِهِمْ بِأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ مَغْلُوبًا، فَلَمَّا عَجِزُوا عَنْ حِزْبِ اللهِ وَأَوْلِيَائِهُ دَبَّرُوا فِي الأَمْرِ وَمَكَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَشَاوَرُوا بَيْنَهُمْ إِلَى أَنْ أَرْسَلُوا إِلَى الْوَحِيدِ رَسُولاً بِلِسَانِ كِذْبٍ مَكْرِيًّا، وَدَخَلَ رَسُولُ الشَّيْطَانِ إِلَى الْوَحِيدِ وَقَالَ أَنْتَ ابْنُ مُحَمَّدٍ وَإِنَّا كُنَّا مُقِرٌّ بِفَضْلِكَ عَلَيْنَا وَمَا جِئْنَا لِنُعَارِكَ مَعَكَ بَلْ نُرِيدُ الإِصْلاحَ فِي أَمْرِكَ وَنَسْمَعُ مِنْكَ مَا تَأْمُرُنَا وَنَتَّبِعُ قَوْلَكَ وَمَا نُخَالِفُكَ فِي الْحُكْمِ مِنْ أَقَلَّ مِنَ الذَّرِّ ذَرًّا، إِذًا فُتِحَ فَمُ الرُّوحِ وَنَطَقَ رُوحُ الْقُدْسِ بِلِسَانِ الْوَحيدِ وَقَالَ يَا قَوْمِ إِنْ تُقِرُّوا بِفَضْلِي وَتَعْرِفُونِي أَنَا ابْنُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ لِمَ جِئْتُمْ عَلَيْنَا بِجُنُودِ الْكُفْرِ وَحَاصَرْتُمُونَا وَكُنْتُمْ عَنْ أَمْرِ اللهِ مُعْرِضًا وَعَلَيْهِ بَغِيًّا، وَيَا قَوْمِ اتَّقُوا اللهَ وَلا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَلا تَدَعُوا أَمْرَ اللهِ عَنْ وَرَآئِكُمْ وَخَافُوا عَنِ اللهِ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمْ آياتِ عِزٍّ بَدِيعًا، وَيَا قَوْمِ سَيَفْنَى الْمُلْكُ وَجُنُودُكُمْ ثُمَّ الَّذِي أَرْسَلَكُمْ بِالظُّلْمِ فَانْظُرُوا إِلَى مَا قَضَتْ عَلَى أُمَمِ الْقَبْلِ وَتَنَبَّهُوا فِي أُمُورِ الَّتي كَانَتْ مِنْ قَبْلُ مَقْضِيًّا، وَيَا قَوْمِ مَا أَنَا إِلاَّ عَبْدٌ آمَنْتُ بِاللهِ وَآياتِهِ النَّازِلَةِ عَلَى لِسَانِ عَلِيٍّ بِالْحَقِّ وَإِنْ لَنْ تَرْضُوا بِنَفْسِي بَيْنَكُمْ أُسَافِرُ إِلَى اللهِ وَمَا أُرِيدُ مِنْكُمْ شَيْئًا، اتَّقُوا اللهَ وَلا تَسْفِكُوا دِمَآءَ أَحِبَّائِهِ وَلا تَأْخُذُوا أَمْوالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَلا تَكْفُرُوا بِاللهِ بَعْدَ الَّذِي ادَّعَيْتُمُ الإِيمانَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَكَذلِكَ أَنْصَحُكُمْ بِالْعَدْلِ فَاتَّبِعُوا نُصْحِي وَلا تَبْعُدُوا عَنْ أَمْرِ الَّذِي كَانَ عَنْ أُفُقِ الرُّوحِ مَسْرُوقًا، وَيَا قَوْمِ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِآياتِ الَّتي تَعْجَزُ عَنْ إِدْراكِهَا عُقُولُ الْخَلايِقِ مَجْمُوعًا، فَارْحَمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا هَوَاكُمْ سَتَخْرُجُونَ مِنْ
هذِهِ الدُّنْيا الْفَانِيَةِ وَتَحْضُرُونَ بَيْنَ يَدَيْ مُقْتَدِرٍ قَيُّومًا، وَتُسْئَلُونَ عَمَّا فَعَلْتُمْ فِي الأَرْضِ وَتُجْزَوْنَ بِكُلِّ مَا عَمِلْتُمْ فِي الدَّوْلَةِ الْبَاطِلَةِ وَهذَا مَا قُضِيَ حُكْمُهُ فِي أَلْواحِ عِزٍّ مَحْتُومًا، وَكَرَّرَ بَيْنَهُمُ الرُّسُلُ وَالرَّسائِلُ إِلَى أَنْ وَضَعُوا كِتَابَ اللهِ بَيْنَهُمْ وَأَقْسَمُوا بِهِ وَخَتَمُوهُ وَأَرْسَلُوهُ إِلَى جَمَالِ عِزٍّ وَحِيدًا، وَكَذلِكَ كَانُوا أَنْ يَخْدَعُوا فِي أَمْرِ اللهِ وَعَاهَدُوا بِلِسَانِهِمْ مَا لَمْ يَكُنْ فِي قُلُوبِهِمْ وَكانَ الْغِلُّ فِي صُدُورِهِمْ كَالنَّارِ الَّتي كَانَتْ فِي ظِلالِ الْمَكْرِ مَسْتُورًا، وَاسْتَرْجُوا مِنَ الْوَحِيدِ بِأَنْ يُشَرِّفَ بِقُدُومِهِ أَمَاكِنَهُمْ وَمَحافِلَهُمْ وَأَكَّدُوا فِي الْعَهْدِ وَالْمِيثاقِ وَكانُوا عَلَى مَهْدِ النَّفْسِ وَالْهَوى مَرْقُودًا، فَلَمَّا حَضَرَ بَيْنَ يَدَيِّ الْوَحِيدِ كِتَابُ اللهِ قَامَ وَقَالَ لِلْمَلإِ فِي حَوْلِهِ يَا قَوْمِ قَدْ جَاءَ الْوَعْدُ وَأَتَتِ الْقَضايَا بِالْحَقِّ وَأَنَا ذَاهِبٌ إِلَيْهِمْ لِيَظْهَرَ مَا قُدِّرَ لِي خَلْفَ سُرَادِقِ الْقَضَآءِ وَكَذلِكَ كَانَ عَلَى رَبِّهِ فِي كُلِّ حِينٍ مُتَوَكِّلاً وَدَخَلَ الْوَحِيدُ عَلَى عَسَاكِرِ الظُّلْمِ وَجُنُودِ الشَّيْطَانِ مَعَ أَنْفُسٍ مَعْدُودًا، إذًا قَامُوا وَاسْتَقْبَلُوهُ وَقَدَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ فِي الْمَشْي وَالْجُلُوسِ وَكَانَ بَيْنَهُمْ أَيَّامًا مَعْدُودًا، وَكَتَبُوا عَلَى لِسَانِهِ إِلَى أَهْلِ الْقَرْيَةِ بِأَنْ تَفَرَّقُوا وَلا بَأْسَ عَلَيْكُمِ إِلَى أَنْ جَعَلُوهُمْ أَشْتَاتًا وَدَخَلُوا جُنُودُ الْكُفْرِ فِي مَحَلِّهِمْ وَمَكَرُوا عَلَيْهِمْ مَكْرًا كِبَارًا فَلَمَّا اطْمَئَنَّتْ قُلُوبُهُمْ وَنُفُوسُهُمْ كَسَرُوا مِيثاقَهُمْ وَنَقَضُوا عَهْدَهُمْ وَخَالَفُوا حُكْمَ اللهِ بَيْنَهُمْ وَنَكَثُوا عَهْدَ الْكِتابِ بِهَواهُمْ وَبِذلِكَ كُتِبَ أَسْماؤُهُمْ فِي الأَلْواحِ مِنْ قَلَمِ اللهِ مَلْعُونًا، إِلَى أَنْ أَخَذُوا الْوَحِيدَ وَهَتَكُوا حُرْمَتَهُ وَعَرُّوا جَسَدَهُ وَفَعَلُوا بِهِ مَا يَجْرِي مِنْ عُيُونِ أَهْلِ الْفِرْدَوْسِ مَدَامِعُ حُمْرٍ مَمْزُوجًا، أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا عَلَيْهِ وَعَلَى الَّذِينَ هُمْ يَظْلِمُونَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتِي كَانَتِ الشَّمْسُ فِي غَمَامِ الْقُدْسِ مَسْتُورًا، وَمَا
رَضَوْا بِمَا فَعَلُوا وَقَتَلُوا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ فِي سِنِينَ مُتَوالِيَاتٍ وَأَسَارُوا نِسَآءَهُمْ وَنَهَبُوا أَمْوالَهُمْ وَمَا خَافُوا عَنِ اللهِ الَّذِي خَلَقَهُمْ وَرَبَّاهُمْ وَكانُوا أَنْ يَسْتَسْبِقُوا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الظُّلْمِ وَبِمَا أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي صُدُورِهِمْ وَكَانَ اللهُ بِأَعْمَالِهِمْ شَهِيدًا، إِلَى أنِ ارْتَفَعُوا الرُّؤُسَ عَلَى الأَسْنَانِ وَالرِّمَاحِ وَدَخَلُوا فِي أَرْضِ الَّتِي شَرَّفَها اللهُ عَلَى جَمِيعِ بِقَاعِ الأَرْضِ وَفِيهَا اسْتَوَى الرَّحْمنُ عَلَى عَرْشِ اسْمٍ عَظِيمًا، وَحِينَ وُرُودِهِمْ فِي الْمَدِينَةِ اجْتَمَعُوا عَلَيْهِمُ الْخَلايِقُ وَمِنْهُمْ آذُوهُمْ بِلِسَانِهِمْ وَمِنْهُمْ رَجَمُوهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَكَانَ أَهْلُ السَّمَوَاتِ يَعُضُّونَ أَنَامِلَ الْحِيرَةِ عَمَّا فَعَلُوا هَؤُلاءِ الْمُشْرِكينَ بِطَلَعَاتِ عِزٍّ مُنِيرًا، وَدَخَلُوهُمْ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ اللهُ يَعْلَمُ مَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ بَعْدَ الدُّخُولِ وَهُوَ مُحْصِي كُلِّ شَيْءٍ فِي كِتَابِ عزٍّ كَرِيمًا، أَنْ يَا جَمَالَ الْقُدْسِ لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ مَا فَعَلُوا الْمُشْرِكُونَ فِي الأَرْضِ وَقَدْ قَتَلُوا الْحُسَيْنَ وَأَصْحَابَهُ ثُمَّ أَسَارُوا أَهْلَهُ وَإِذًا يَبْكُونَ عَلَيْهِ وَيَتَضَرَّعُونَ فِي كُلِّ صَبَاحٍ وَعَشِيًّا، قُلْ يَا ملأَ الْبَهَائِمِ أَمَا اسْتَدْلَلْتُمْ بِحَقِّيَّةِ الْحُسَيْنِ وَأَصْحَابِهِ بِمَا فَدَوْا أَنْفُسَهُمْ وَبَذَلُوا أَمْوَالَهُمْ وَكُنْتُمْ بِذلِكَ مُتَذَكِّرًا فَكَيْفَ تَنْسُبُونَ هؤُلاءِ الشُّهَدَاءِ بِالْكُفْرِ بَعْدَ الَّذِي بَذَلُوا أَمْوالَهُمْ وَنِسَآءَهُمْ فِي سَبِيل اللهِ وَجاهَدُوا فِيهِ إِلَى أَنْ قَتَلُوا بِطُرُقٍ شَتَّى بِحَيْثُ مَا سَمِعَتْ أُذْنٌ وَلا رَأَتْ أَعْيُنُ الْخَلايِقِ مَجْمُوعًا، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لِمَ قَتَلْتُمُ الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا بِاللهِ وَآياتِهِ يَقُولُونَ وَجَدْنَاهُمْ كُفَرَآءَ فِي الأَرْضِ قُلْ فَوَاللهِ هَذَا مَا خَرَجَ مِنْ أَفْواهِكُمْ مِنْ قَبْلُ عَلَى النَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ إِلَى أَنْ قَتَلْتُمُوهُمْ بِأَسْيَافِ غِلٍّ مَشْحُوذًا وَكَانَ اللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا، وَوَيْلٌ لَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ بِرُسُلِ اللهِ وَقُمْتُمْ عَلَيْهِمْ بِالْمُحَارَبَةِ إِلَى أَنْ سَفَكْتُمْ دِمَاءَهُمْ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَشْهَدُ
بِأَفْعَالِكُمْ مَا رُقِمَ عَلَى أَلْواحِ حِفْظٍ مَسْتُورًا، قُلْ أَمَا قَرَّرَ اللهُ فِي الْكِتابِ مَا يُفَصَّلُ بِهِ بَيْنَ الصَّادِقِ وَالْكاذِبِ بِقَوْلِهِ الْحَقِّ فَتَمَنُّوا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَلِمَ كَذَّبْتُمُ الَّذِينَ شَهِدَ اللهُ بِصِدْقِهِمْ فِي كِتَابِ الَّذِي لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ وَكَانَ مِنَ اللَّوْحِ مَنْزُولاً، وَأَنْتُمْ مَا اسْتَشْعَرْتُمْ وَنَبَذْتُمْ كِتَابَ اللهِ عَنْ وَرَاءِكُمْ وَقَتَلْتُمُ الَّذِينَ هُمْ تَمَنُّوا الْمَوْتَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَتَشْهَدُ بِذلِكَ أَعْيُنُكُمْ وَأَلْسُنُكُمْ وَقُلُوبُكُمْ ومِنْ وَرَاءِكُمْ كَانَ اللهُ شَهِيدًا، فَأُفٍّ لَكُمْ بِمَا سَفَكْتُمْ دِمَآءَ الَّذِينَ مَا رَأَتْ عَيْنُ الْوُجُودِ بِمِثْلِهِمْ وَكَذَّبْتُمُوهُمْ بَعْدَ صِدْقِهِمْ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَاتَّبَعْتُمُ الَّذِينَ مَا يَرْضُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَنْ يَنْقُصَ ذَرَّةٌ مِنَ اعْتِبَارِهِمْ وَمَا هَمَّهُمْ فِي الْمُلْكِ إِلاَّ بِأَنْ يَأْكُلُوا أَمْوالَ النَّاسِ وَيَقْعُدُوا عَلَى رُؤُسِ الْمَجَالِسِ وَبِذلِكَ يَفْتَخِرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ عَلَى مَنْ عَلَى الأَرْضِ جَمِيعًا، فَوَاللهِ يَنْبَغِي لَكُمْ بِأَنْ تَتَّخِذُوا هَؤُلاءِ الْفُسَقَاءَ لأَنْفُسِكُمْ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ وَتَتَّبِعُوهُمْ إِلَى أَنْ تَدْخُلُوا مَعَهُمْ نَارَ الَّتِي كَانَتْ لِلْمُشْرِكينَ مَخْلُوقًا، قُلْ فَوَاللهِ لَوْ تَسْتَشْعِرُونَ فِي أَنْفُسِكُمْ أَقَلَّ مِنْ آنٍ لَتَمْحُوا كُتُبَكُمُ الَّتي كَتَبْتُمْ بِغَيْرِ إِذْنِ اللهِ وَتَضْرِبُونَ عَلَى رُؤُسِكُمْ وَتَفِرُّونَ مِنْ بُيُوتِكُمْ وَتَسْكُنُونَ فِي الْجِبالِ وَمَا تَأْكُلُونَ إِلاَّ حَمَآءً مَسْنُونًا، قُلْ قَدْ قَضَى نَحْبُ الَّذِينَ هُمُ اسْتَشْهَدُوا فِي الأَرْضِ وَحِينَئِذٍ يَطِيرُنَّ فِي هَوآءِ الْقُرْبِ وَيَطُوفُنَّ فِي حَوْلِ عَرْشٍ عَظِيمًا، وَفِي كُلِّ حِينٍ تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ مَلآئِكَةُ الْفَضْلِ وَتُبَشِّرُهُمْ بِمَقَامِ عِزٍّ مَحْمُودًا، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ يَتَجَلَّى اللهُ عَلَيْهِمْ بِطِرَازِ الَّذِي لَوْ يَظْهَرُ عَلَى أَهْلِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ يَخُرَّنَّ مُنْصَعِقًا، قُلْ يَا مَلأَ الأَشْقِياءِ لا تَفْرَحُوا بِأَعْمَالِكُم فَسَوْفَ تَرْجَعُونَ إِلَى اللهِ وَتُحْشَرُون فِي مَشْهَدِ الْعِزِّ فِي يَوْمِ الَّذِي تَزَلْزَلَ فِيهِ أَرْكَانُ الْخَلايِقِ مَجْمُوعًا، وَيُخَاصِمُكُمُ اللهُ
بِعَدْلِهِ بِمَا فَعَلْتُمْ بِأَحِبَّائِهِ فِي أَيَّامِ الْبَاطِلَةِ وَلَنْ يُغَادَرَ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْءٌ إِلاَّ وَهُوَ عَلَيْكُمْ مَعْرُوضًا، وَتُجْزَوْنَ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدَاكُمْ وَلَنْ يَعْزُبَ عَنْ عِلْمِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ اللهُ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا، فَسَوْفَ يَقُولُونَ الظَّالِمُونَ فِي أَسْفَلِ دَرَكَاتِ النَّارِ فَيَا لَيْتَ مَا اتَّخَذْنَا هَذِهِ العُلَمَاءَ لأَنْفُسِنَا خَلِيلاً، أَنْ يَا أَهْلَ الْقَرْيَةِ فَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ الْكُفْرِ وَأَنْقَذَكُمْ بِالْفَضْلِ وَهَدَاكُمْ إِلَى سَاحَةِ اسْمٍ وَحِيدًا، وَإِذْ كُنْتُمْ أَعْدَآءَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ وَجَمَعَكُمْ بِالْحَقِّ وَرَفَعَ اسْمَكُمْ وَأَنْزَلَ عَلَيْكُمُ الآيَاتِ مِنْ لِسَانِ عِزٍّ مَحْبُوبًا، ثُمَّ اذْكُرُوا حِينَ الَّذِي مَرَرْنَا عَلَيْكُمْ بِجُنُودٍ مِنْ الْمَلائِكَةِ وَفَتَحْنَا عَلَيْكُمْ أَبْوَابَ الْفِرْدَوْسِ وَكُنْتُمْ مُجْتَمِعًا يَمَّ الْقَلْعَةِ وَوَسْوَسَ الشَّيْطَانُ بَعْضَكُمْ وَأَلْقَى فِي قُلُوبِكُمُ الرَّوْعَ إِذًا وَجَدْنَا بَعْضَكُمْ مُضْطَرِبًا ثُمَّ مُتَزَلْزِلاً وَلَكِنْ عَفَوْنَا عَنِ الَّذِينَ هُمُ اضْطَرَبُوا رَحْمَةً مِنْ لَدُنَّا عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَنْ عَلَى الأَرْضِ جَمِيعًا، قُلْ إِنَّ الَّذِينَ هُمْ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْقَرْيَةِ أُولئِكَ أَشَرُّ النَّاسِ كَمَا أَنْتُمْ أَخْيَرُ الْعِبادِ وَكَذلِكَ أَحْصَيْنَا الأَمْرَ فِي لَوْحِ الَّذِي كَانَ بِخَاتَمِ الْعِزِّ مَخْتُومًا، وَإِنَّ الَّذِينَ هُمْ مَا حَضَرُوا بَيْنَ يَدَيِّ الْوَحِيدِ وَحَارَبُوا مَعَهُ وَجَادَلُوهُ بِالْبَاطِلِ أَولَئِكَ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَحَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ مِنْ مُقْتَدِرٍ حَكِيمًا، يَا أَحِبَّاءَ اللهِ مِنْ أَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ ثُمَّ اشْكُرُوهُ بِمَا فَضَّلَكُمْ بِالْحَقِّ وَأَصْبَحْتُمْ بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ وَكُنْتُمْ عَلَى مَنَاهِجِ الْقُدْسِ مُسْتَقِيمًا، أَنْ يَا أَشْجَارَ الْقَرْيَةِ فَاسْجُدُوا للهِ بَارِئِكُمْ بِمَا هَبَّتْ عَلَيْكُمْ نَسَائِمُ الرَّبِيعِ فِي فَصْلِ عِزٍّ أَحَدِيًّا، وَأَنْ يَا أَرْضَ تِلْكَ الْقَرْيَةِ فَاشْكُرِي رَبَّكِ بِمَا بَدَّلَكِ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشْرَقَ عَلَيْكِ أَنْوَارَ الرُّوحِ عَنْ أُفُقِ نُورٍ عِزِّيًّا، وَأَنْ يَا
هَوَآءَ الْقَرْيَةِ فَاذْكُرِ اللهَ فِيمَا صَفَّكَ عَنْ غُبَارِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَبَعَثَكَ بِالْحَقِّ وَجَعَلَكَ عَلَى نَفْسِهِ مَعْرُوضًا، فَهَنِيئًا لَكَ يَا يَحْيَى بِمَا وَفَيْتَ بِعَهْدِكَ فِي يَوْمِ الَّذِي فِيهِ خُلِقَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَأَخَذْتَ كِتَابَ اللهِ بِقُوَّةِ إِيمَانِكَ وَصِرْتَ مِنْ نَفَحَاتِ أَيَّامِهِ إِلَى حَرَمِ الْجَمَالِ مَقْلُوبًا، إِذًا بَشِّرْ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى بِمَا ذُكِرْتَ فِي لَوْحِ الَّذِي تَعَلَّقَتْ بِهِ أَرْواحُ الْكُتُبِ وَمِنْ وَرَاءِهَا أُمُّ الْكِتَابِ الَّتِي كَانَتْ فِي حِصْنِ الْعِصْمَةِ مَحْفُوظًا، كَذَلِكَ يَجْزِي اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا بِهِ وَبِآيَاتِهِ وَيَأْخُذُ الَّذِينَ هُمْ ظَلَمُوا فِي الأَرْضِ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ جَمِيعًا، أَنْ يَا قُرَّةَ الْبَقَآءِ غَيِّرْ لَحْنَكَ وَغَنِّ عَلَى نَغَمَاتِ الْوَرَقَاتِ الْمُغَنِّيَاتِ عَنْ وَرَآءِ سُرَادِقَاتِ الأَسْمَآءِ فِي جَبَرُوتِ الصِّفَاتِ لَعَلَّ أَطْيَارَ الْعَرْشِيَّةِ يَنْقَطِعُونَ عَنْ تُرَابِ أَنْفُسِهِمْ وَيَقْصِدُونَ أَوْطَانَهُمْ فِي مَقَامِ الَّذِي كَانَ عَنِ التَّنْزِيهِ مَنْزُوهًا، أَنْ يَا جَوْهَرَ الْحَقِيقَةِ غَنِّ وَرَنِّ عَلَى أَحْسَنِ النَّغَمَاتِ لأَنَّ حُورِيَّاتِ الْغُرُفَاتِ قَدْ أُخْرِجْنَ عَنْ مَحَافِلِهِنَّ وَعَنْ سُرَادِقَاتِ عِصْمَةِ اللهِ لِيُنْصِتْنَ نَغْمَتَكَ الَّتِي عَلَى قِصَصِ الْحَقِّ فِي قَيُّومِ الأَسْمَاءِ مَغْرُودًا، وَلا تَحْرِمْهُنَّ عَمَّا أَرَدْنَ مِنْ بَدَايِعِ إِحْسَانِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْكَرِيمُ فِي رَفَارِفِ الْبَقَآءِ وَذِي الْفَضْلِ الْعَظِيمِ فِي جَبَرُوتِ الْعَمَآءِ وَكَانَ اسْمُكَ فِي الْمَلإِ الأَعْلَى بِالْفَضْلِ مَعْرُوفًا، أَنْ يَا جَمَالَ الْقُدْسِ إِنَّ الْمُشْرِكِينَ لَنْ يُمْهِلُوا بِأَنْ يَخْرُجَ الْهَمْسُ مِنْ هَذَا النَّفْسِ وَإِذَا يُرِيدُ الصَّوْتُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ فَمِي يَضَعُونَ أَيَادِيَ الْبَغْضَآءِ عَلَيْهِ وَأَنْتَ مَعَ عِلْمِكَ بِهَذَا تَأْمُرُنِي بِالنِّدَآءِ فِي هَوَآءِ هَذَا السَّمَآءِ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْفَاعِلُ بِالْحَقِّ وَالْحَاكِمُ بِالْعَدْلِ تَفْعَلُ مَا تَشَآءُ وَتَكُونُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَكِيمًا، وَلَوْ تَسْمَعُ نِدَاءَ عَبْدِكَ وَتَقْضِيَ حَاجَتَهُ بِالْفَضْلِ فَاعْذُرْهُنَّ بِأَحْسَنِ الْقَوْلِ وَأَلْطَفِ
الْبَيَانِ لِيَرْجِعُنَّ إلَى رَفَارِفِهِنَّ وَمَقَاِعِدِهِنَّ فِي غُرُفَاتِ حُمْرٍ يَاقُوتًا، وَأَنْتَ تَعْلَمُ بِأَنِّي ابْتُلِيتُ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الْحِزْبَيْنِ وَأَنْتَ الْحَاكِمُ بِالأَمْرَيْنِ وَالنَّاظِرُ عَلَى الْحُكْمَيْنِ وَالظَّاهِرُ فِي الْقَمِيصَيْنِ وَالْمُشْرِقُ بِالشَّمْسَيْنِ وَالْمَذْكُورُ بِالاسْمَيْنِ وَصَاحِبُ الْمَشْرِقَيْنِ وَالآمِرُ بِالسِّرَّيْنِ فِي هَذَا السَّطْرَيْنِ وَكَانَ اللهُ مِنْ وَرَائِكَ عَلَى مَا أَقُولُ عَلِيمًا، وَتَعْلَمُ بِأَنِّي مَا أَخَافُ مِنْ نَفْسِي بَلْ بَذَلْتُ نَفْسِي وَرُوحِي فِي يَوْمِ الَّذِي شَرَّفْتَنِي بِلِقَائِكَ وَعَرَّفْتَنِي بَدِيعَ جَمَالِكَ وَأَلْهَمْتَنِي جَوَاهِرَ آيَاتِكَ عَلَى كُلِّ مَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ أَمْرِكَ مَجْمُوعًا، وَلكِنْ أَخَافُ بِأَنْ يَتَفَرَّقَ أَرْكَانُ الأَمْرِ فِي كَلِمَةِ الأَكْبَرِ كَمَا تَفَرَّقُوهَا هَؤُلاءِ الْمُغِلِّينَ فِي يَوْمِ الَّذِي اسْتَوَيْتَ عَلَى أَعْرَاشِ الْوُجُودِ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ مَنْ فِي الْعَالَمِينَ مَجْمُوعًا، وَكَذلِكَ فَصَّلْنَا لِهذَا الأَمْرِ تَفْصِيلاً فِي لَوْحِ الَّذِي كَانَ حِينَئِذٍ مِنْ سَمَآءِ الرُّوحِ مَنْزُولاً، أَنْ يَا قَمِيصَ الْمَرْشٌوشَةَ بِالدَّمِ لا تَلْتَفِتْ إِلَى الإِشَارَاتِ ثُمَّ اخْرُقِ الْحُجُبَاتِ ثُمَّ اظْهَرْ بِطِرازِ اللهِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ ثُمَّ غَنِّ عَلَى نَغَمَاتِ الْمَكْنُونَةِ الْمَخْزُونَةِ فِي رُوحِكَ فِي هذِهِ الأَيَّامِ الَّتِي وَرَدَ عَلَى مَظْهَرِ نَفْسِ اللهِ مَا لا رَأَتْ عُيُونُ الْخَلايِقِ جَمِيعًا، أَنْ يَا جَمَالَ الْقُدْسِ الأَمْرُ بِيَدِكَ وَمَا أَنَا إِلاَّ عَبْدُكَ الْمُتَذَلِّلُ بَيْنَ يَدَيْكَ وَالْمَحْكُومُ بِأَمْرِكَ إِذًا لَمَّا تَأْمُرُنِي بِالذِّكْرِ فِي ذِكْرِ اللهِ الأَكْبَرِ وَكَنْزِ اللهِ الأَعْظَمِ يَنْبَغِي بِأَنْ تَأْمُرَ مَلائِكَةَ الْفِرْدَوْسِ بِأَنْ يَحْفَظْنَ أَرْكَانَ الْعَرْشِ ثُمَّ عَلَى مَلائِكَةِ الْعَالِينَ بِأَنْ يَحْفَظْنَ سُرَادِقَاتِ الْعَظَمَةِ لِئَلاَّ يُشَقَّ سِتْرُ حُجُبَاتِ اللاَّهُوتِ مِنْ هذَا النِّدَآءِ الَّذِي كَانَ فِي صَدْرِ الْعِزِّ مَسْتُورًا، أَنْ يَا بَهَآءَ الرُّوحِ لا تَسْتُرْ نَفْسَكَ بِتِلْكَ الْحُجُبَاتِ فَاظْهَرْ بِقُوَّةِ اللهِ ثُمَّ فُكَّ الْخَتْمَ عَنْ إِنَاءِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ فِي أَزَلِ
الآزَالِ بِخَاتَمِ الْحِفْظِ مَخْتُومًا، لِتَهُبَّ رَوَائِحُ الْعِطْرِيَّةُ مِنْ هَذَا الإِنَاءِ الْقِدَمِيَّةِ عَلَى الْخَلآيِقِ مَجْمُوعًا، لَعَلَّ يُحْيِي الأَكْوَانَ مِنْ نَفْسِ الرَّحْمَنِ وَيَقُومُنَّ عَلَى الأَمْرِ فِي يَوْمِ الَّذِي فِيهِ كَانَ الرُّوحُ عَنْ جِهَةِ الْفَجْرِ مَشْهُودًا، قُلْ هَذَا اللَّوْحُ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّبْرِ فِي هَذَا الْفَزَعِ الأَكْبَرِ وَيَحْكُمُ عَلَيْكُمْ بِالاصْطِبَارِ فِي هَذَا الْجَزَعِ الأَعْظَمِ حِينَ الَّذِي تَطِيرُ حَمَامَةُ الْحِجَازِ عَنْ شَطْرِ الْعِرَاقِ وَيَهُبُّ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ رَوَائِحُ الْفِرَاقِ وَيَظْهَرُ عَلَى وَجْهِ السَّمَاءِ لَوْنُ الْحَمْرَآءِ وَكَذلِكَ كَانَ الأَمْرُ فِي أُمِّ الْكِتابِ مَقْضِيًّا، قُلْ إِنَّ طَيْرَ الْبَقَآءِ قَدْ طَارَتْ عَنْ أُفُقِ الْعَمَآءِ وَأَرَادَتْ سَبَاءِ الرُّوحِ فِي سِينَآءِ الْقُدْسِ لِيَنْطَبِعَ فِي مِرْآتِ الْقَدَرِ أَحْكَامُ الْقَضَآءِ وَهَذَا مِنْ أَسْرَارِ غَيْبٍ مَسْتُورًا، قُلْ قَدْ طَارَتْ طَيْرُ الْعِزِّ مِنْ غُصْنٍ وَأَرَادَتْ غُصْنَ الْقُدْسِ الَّذِي كَانَ فِي أَرْضِ الْهَجْرِ مَغْرُوسًا، قُلْ إِنَّ نَسِيمَ الأَحَدِيَّةِ قَدْ طَلَعَ عَنْ مَدِينَةِ السَّلامِ وَأَرَادَ الْهُبُوبَ عَلَى مَدِينَةِ الْفِرَاقِ الَّتِي كَانَتْ فِي صُحُفِ الأَمْرِ مَذْكُورًا، قُلْ يَا مَلأَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِذًا فَأَلْقُوا الرَّمَادَ عَلَى وُجُوهِكُمْ وَرُؤُسِكُمْ بِمَا غَابَ الْجَمَالُ عَنْ مَدَايِنِ الْقُرْبِ وَأَرَادَ الطُّلُوعَ عَنْ أُفُقِ سَمَآءٍ بَعِيدًا، كُلُّ ذلِكَ مَا قُضِيَ بِالْحَقِّ وَنَشْكُرُ اللهَ بِذلِكَ وَبِمَا أَنْزَلَ عَلَيْنَا الْبَلاءَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ وَأَمْطَرَ حِينَئِذٍ عَلَيْنَا غَمَامَ الْقَضَآءِ أَمْطَارَ حُزْنٍ مَعْرُوفًا، أَنْ يَا جَوْهَرَ الْحُزْنِ فَاخْتِمِ الْقَوْلَ فِي هَذَا الذِّكْرِ لأَنَّ بِذلِكَ حَزِنًّا وَحَزِنَتْ أَهْلُ مَلإِ الأَعْلَى ثُمَّ اذْكُرْ عَبْدَ اللهِ الَّذِي سَئَلَ عَنْ نَبَإٍ قَدْ كَانَ بِالْحَقِّ عَظِيمًا، قُلْ تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ النَّبَأَ قَدْ قُضِيَ فِي جَمَالِ عَلِيٍّ مُبِينًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيهِ الْعِبَادُ وَاعْتَرَضُوا عَلَيْهِ عُلَمَآءُ الْعَصْرِ الَّذِينَ هُمْ كَانُوا فِي حُجُبَاتِ النَّفْسِ مَحْجُوبًا، وَأَنْتُمْ عَرَفْتُمْ جَمَالَ اللهِ فِي قُمُصِ عَلِيٍّ
قَيُّومًا، وَسَيَعْرِفُهُ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَهَذَا مَا رُقِمَ بِالْحَقِّ وَكَانَ عَلَى اللهِ مَحْتُومًا، وَسَتَعْلَمُونَ نَبَأَهُ وَفِي زَمَنِ الَّذِي كَانَ عَلَى الْحَتْمِ مَأْتِيًّا، وَلكِنْ أَنْتُمْ يَا مَلأَ الْبَيَانِ فَاجْهَدُوا فِي أَنْفُسِكُمْ لِئَلاَّ تَخْتَلِفُوا فِي أَمْرِ اللهِ وَكُونُوا عَلَى الأَمْرِ كَالْجَبَلِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَرْسُوخًا، بِحَيْثُ لا يَزِلُّكُمْ وَسَاوِسُ الشَّيْطَانِ وَلا يُقَلِّبُكُمْ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَهَذَا مَا يَنْصَحُكُمْ حَمَامَةُ الأَمْرِ حِينَ الْفِرَاقِ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ جَمِيعًا، ثُمَّ اعْلَمُوا يَا مَلأَ الأَصْفِيَاءِ بِأَنَّ الشَّمْسَ إِذَا غَابَتْ تَتَحَرَّكُ طُيُورُ اللَّيْلِ فِي الظُّلْمَةِ إِذًا أَنْتُمْ لا تَلْتَفِتُوا إِلَيْهِمْ وَتَوَجَّهُوا إِلَى جِهَةِ قُدْسٍ مَحْبُوبًا، إِيَّاكُمْ أَنْ لا تَتَّبِعُوا السَّامِرِيَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَلا تُعَقَّبُوا الْعِجْلَ حِينَ الَّذِي يَتَنَعَّرُ بَيْنَكُمْ وَهَذَا خَيْرُ النُّصْحِ مِنْ قِبَلِي عَلَيْكُمْ وَعَلَى الْخَلايِقِ مَجْمُوعًا، سَتَسْمَعُونَ نِدَآءَ السَّامِرِيِّ مِنْ بَعْدِي وَيَدْعُوكُمْ إِلَى الشَّيْطَانِ إِذًا لا تُقْبِلُوا إِلَيْهِ ثُمَّ أَقْبِلُوا إِلَى جَمَالِ عِزِّ خَفِيًّا، إِذًا نُخَاطِبُ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ فِي هَذِهِ الْمَدِينَةِ لَعَلَّ يَسْتَفِيزُ كُلُّ شَيْءٍ بِمَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمًا، وَإِنَّكَ أَنْتَ يَا حِينُ لا تَغْفَلْ عَنْ هَذَا الْحِينِ الَّذِي حَانَ بِالْحَقِّ وَفِيهِ يَهُبُّ نَسْمَةُ اللهِ عَنْ جِهَةِ قُدْسٍ غَرْبِيًّا، وَإِنَّكِ أَنْتِ يا أَيَّتُهَا السَّاعَةُ بَشِّرِي بِهذِهِ السَّاعَةِ الَّتِي قَامَتْ فِيكِ بِالْحَقِّ ثُمَّ اعْرِفِي هذِهِ الْمَائِدَةَ الْبَاقِيَةَ الدَّائِمَةَ السَّمَائِيَّةَ الَّتِي كَانَتْ عَنْ غَمَامِ الْقُدْسِ وَظُلَلِ النُّورِ مِنْ سَمَآءِ الْعِزِّ عَلَى اسْمِ اللهِ مَنْزُولاً، أَنْ يَا أَيُّهَا الْيَوْمُ نَوِّرِ المُمْكِنَاتِ بِهَذَا الْيَوْمِ الدُّرِّيِّ الْمَشْرِقِيِّ الإِلهِيِّ الَّذِي كَانَ عَنْ أُفُقِ الْعِرَاقِ فِي شَطْرِ الآفَاقِ مَشْهُودًا، وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ لَكُمُ الآياتِ وَنُلْقِي عَلَيْكُمْ كَلِمَاتِ الرُّوحِ وَنُعْطِي عَلَى كُلَّ شَيْءٍ مَا قُدِّرَ فِي كِتَابِ
عِزٍّ مَسْطُورًا، لِيَعْلَمَ كُلُّ شَيْءٍ مَعِينَ الأَحَدِيَّةِ فِي هذَا الرِّضْوَانِ الَّذِي كَانَ بِالْحَقِّ مَسْكُوبًا، وَالرُّوحُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى الَّذِينَ هُمْ طَافُوا فِي حَوْلِ الأَمْرِ وَكانُوا إِلَى جِهَةِ الْحُبِّ مَسْلُوكًا.
هُوَالمُسْتَوِي عَلَى هذَا العَرْشِ المُنِيرِيَا قَلَمَ الأَبْهَى بَشِّرِ المَلأَ الأَعْلَى بِمَا شُقَّ حِجَابُ السِّترِ وظَهَرَ جَمَالُ اللهِ مِنْ هذَا المَنْظَرِ الأَكْبَرِ بِالضِّيَاءِ الَّذِي بِهِ أَشْرَقَتْ شُمُوسُ الأَمْرِ عَنْ مَشْرِقِ اسْمِهِ العَظِيمِ، فَيَا مَرْحَبًا هَذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ أُفُقِ فَضْلٍ مَنِيعٍ، هذَا عِيدٌ فِيهِ زُيِّنَ كُلُّ الأَشْيَاءِ بِقَمِيصِ الأَسْمَآءِ وَأَحَاطَ الجُودُ كُلَّ الوُجُودِ مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ أَشْرَقَ عَنْ مَطْلِعِ قُدْسٍ لَمِيعٍ، أَخبِرْ حُورِيَّاتِ البَقَآءِ بِالخُرُوجِ عَنِ الغُرَفِ الحَمْرَآءِ عَلَى هَيئَةِ الحَوْرَآءِ وَالظُّهُورِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ بِطِرَازِ الأَبْهَى ثُمَّ ائْذَنْ لَهُنَّ بِأَنْ يُدِرْنَ كَأْسَ الحَيَوَانِ مِنْ كَوْثَرِ الرَّحْمنِ عَلَى أَهلِ الأَكْوَانِ مِنْ كُلِّ وَضِيعٍ وَشَرِيفٍ، فَيَا مَرْحَبًا هَذَا عَيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ أُفُقِ القُدْسِ بِجَذْبٍ بَدِيعٍ، ثُمَّ اءْمُرِ الغِلْمَانَ الَّذِينَ خُلِقُوا بِأَنْوَارِ السُّبْحَانِ لِيَخْرُجُنَّ عَنِ الرِّضْوَانِ بِطِرَازِ الرَّحْمنِ وَيُديرُنَّ بِأَصَابِعِ اليَاقُوتِ لأَهْلِ الجَبَرُوتِ مِنْ أَصْحَابِ البَهَآءِ كُؤُسَ البَقَاءِ لِتَجْذُبَهُم إِلَى جَمَالِ الكِبْرِيَآءِ، هذَا الجَمَالِ المُشْرِقِ المُنيِرِ، فَيَا حَبَّذَا هَذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ مَطْلِعِ عِزٍّ رَفِيعٍ، تَاللهِ هذَا عِيدٌ فِيهِ ظَهَرَ جَمَالُ الهُوِيَّةِ مِنْ غَيرِ سِتْرٍ وَحِجَابٍ بِسُلْطَانٍ ذُلَّتْ لَهُ أَعْنَاقُ المُنْكِرِينَ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ بِسُلْطَانٍ عَظِيمٍ، هذَا عِيدٌ فِيهِ رُفِعَ القَلَمُ عَنِ الأَشْياءِ بِمَا ظَهَرَ سُلْطَانُ القِدَمِ عَنْ خَلْفِ حِجَابِ الأَسْمَآءِ
إِذًا يَا أَهْلَ الإِنْشَاءِ سُرُّوا فِي أَنْفُسِكُم بِمَا مَرَّتْ نَسَائِمُ الغُفْرَانِ عَلَى هَيَاكَلِ الأَكْوَانِ وَنُفِخَ رُوحُ الحَيَوانِ فِي العَالمِينِ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ مَطْلِعِ قُدْسٍ لَمِيعٍ، إِيَّاكُمْ أَنْ تُجَاوِزُوا عَنْ حُكْمِ الأَدَبِ وَتَفْعَلُوا مَا تَكْرَهُهُ عُقُولُكُم وَرِضَاؤُكُمْ هذَا مَا أُمِرْتُم بِهِ مِنْ قَلَمِ اللهِ المُقْتَدِرِ القَدِيرِ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ أُفُقِ فَضْلٍ مَنِيعٍ، هذَا عِيدٌ قَدِ اسْتَعْلَى فِيهِ جَمَالُ الكِبْرِيَآءِ عَلَى كُلِّ الأَشْيَآءِ وَنَطَقَ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ بِمَا شَآءَ وَأَرَادَ مِنْ غَيرِ سِتْرٍ وَحِجَابٍ وَهَذَا مِنْ فَضْلِهِ الَّذِي أَحَاطَ الخَلائِقَ أَجْمَعِينَ، وَفِيهِ اسْتَقَرَّ هَيْكَلُ البَهَآءِ عَلَى عَرْشِ البَقَآء وَلاحَ الوَجْهُ عَنْ أُفُقِ البَدَآءِ بِنُورِ عِزٍّ بَديعٍ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ أُفُقِ فَضْلٍ مَنِيعٍ، يَا أَهْلَ سُرَادِقِ العَظَمَةِ ثُمَّ يَا أَهْلَ خِبَآءِ العِصْمَةِ ثُمَّ يَا أَهْلَ فُسْطَاطِ العِزَّةِ وَالرَّحْمَةِ غَنُّوا وَتَغنَّوْا بِأَحْسَنِ النَّغَمَاتِ فِي أَعْلَى الغُرُفَاتِ بِمَا ظَهَرَ الجَمَالُ المَسْتُورُ فِي هذا الظُّهُورِ وَأَشرَقَتْ شَمْسُ الغَيْبِ عَنْ أُفُقِ عِزٍّ قَديِمٍ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ بِطِرَازٍ عَظِيمٍ، أَحْرِمُوا يَا مَلأَ الأَعْلَى وَيَا أَهلَ مَدْيَنِ البَقَآءِ بِمَا ظَهَرَ حَرَمُ الكِبْريِآءِ فِي هذَا الحَرَمِ الَّذِي تَطُوفُ حَوْلَهُ عَرَفَاتُ البَيْتِ ثُمَّ المَشْعَرُ وَالمَقَامُ وَطُوفُوا وَزُورُوا رَبَّ الأَنامِ فِي هذِهِ الأَيَّامِ الَّتي مَا أَدْرَكَتْ مِثْلَهَا العُيُونُ فِي قُرُونِ الأَوَّلِينَ، فَيَا بُشرَى هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ طَلَعَ عَنْ أُفُقِ اللهِ العَزِيزِ الكَرِيمِ، اكْرَعُوا يَا أَهْلَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ كَأْسَ البَقَآءِ مِنْ أَنَامِلِ البَهَآءِ فِي هذَا الرِّضْوَانِ العَلِيِّ الأَعْلَى تَالله مَنْ فَازَ بِرَشْحٍ مِنْهَا لَنْ يَتَغَيَّر بِمُرُورِ الزَّمَانِ وَلَنْ يُؤَثِّرَ فِيهِ كَيْدُ الشَّيْطَانِ وَيَبْعَثُهُ اللهُ عِنْدَ كُلِّ ظُهورٍ بِجَمالِ قُدْسٍ عَزِيزٍ، فَيا مَرْحَبًا هذا عِيدُ اللهِ قَدْ ظَهَرَ عَنْ مَنظَرِ رَبٍّ حَكِيمٍ،
قَدِّسُوا يَا قَومِ أَنْفُسَكُمْ عَنِ الدُّنْيَا ثُمَّ أَسْرِعُوا إِلَى سِدْرَةِ المُنْتَهَى فِي هذَا المَسْجِدِ الأَقْصَى لِتَسْمَعُوا نِدَآءَ رَبِّكُمُ الرَّحْمنِ فِي هذَا الرِّضْوانِ الَّذِي خُلِقَ بِأَمْرِ السُّبْحَانِ وَخَرَّ لَدَى بَابِهِ أَهْلُ خِبَاءِ قُدْسٍ حَفِيظٍ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ لاحَ عَنْ أُفُقِ مَجْدٍ مَنِيعٍ، إِيَّاكُمْ يَا قَومِ أَنْ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ نَفَحَاتِ هذِهِ الأَيَّامِ وَفِيهَا تَهُبُّ فِي كُلِّ حِينٍ رَائِحَةُ القَمِيصِ مِن غُلامِ عِزٍّ مُنِيرٍ، فَيَا مَرْحَبًا هذَا عِيدُ اللهِ قَدْ أَشْرَقَ عَنْ مَشْرِقِ اسْمٍ عَظِيمٍ.
****قَدْ طَلَعَ جَمَالُ الْقُدْسِ عَنْ خَلْفِ الْحِجَابِ وَإِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ، وَانْصَعَقَتِ الأَرْوَاحُ مِنْ نَارِ الانْجِذَابِ وَإِنَّ هَذَا لأَمْرٌ عُجَابٌ، ثُمَّ أَفَاقَتْ وَطَارَتْ إِلَى سُرَادِقِ الْقُدْسِ فِي عَرْشِ الْقِبَابِ وَإِنَّ هَذَا لَسِرٌّ عُجَابٌ، قُلْ كَشَفَتْ حُورُ الْبَقَاءِ عَنْ وَجْهِهَا النِّقَابِ وَتَعَالَى جَمَالُ بِدْعٍ عُجَابٌ، وَأَشْرَقَتْ أَنْوَارُ الْوَجْهِ مِنَ الأَرْضِ إِلَى السَّحَابِ وَإِنَّ هَذَا لَنُورٌ عُجَابٌ، وَرَمَتْ بِلِحاظِهَا رَمْيَ الشَّهَابِ وَإِنَّ هَذَا لَرَمْيٌ عُجَابٌ، وَأَحْرَقَتْ بِنَارِ الْوَجْهِ كُلَّ الأَسْمَآءِ وَالأَلْقَابِ وَإِنَّ هَذَا لَفِعْلٌ عُجَابٌ، وَنَظَرَتْ بِطَرْفِهَا إِلَى أَهْلِ الأَرْضِ وَالتُّرَابِ وَإِنَّ هَذَا لَطَرْفٌ عُجَابٌ، إِذًا اهْتَزَّتْ هَيَاكِلُ الْوُجُودِ ثُمَّ غَابَ وَإِنَّ هَذَا لَمَوْتٌ عُجَابٌ، ثُمَّ ظَهَرَتْ مِنْهَا الشَّعْرَةُ السَّوْدَآءُ كَطِرَازِ الرُّوحِ فِي ظُلْمَةِ الْعِقَابِ وَإِنَّ هَذَا لَلَوْنٌ عُجَابٌ، وَسَطَعَتْ مِنْهَا رَوَائِحُ الرُّوحِ وَالأَطْيَابِ وَإِنَّ هَذَا لَمِسْكٌ عُجَابٌ، بِيَدِهَا الْيُمْنَى الْخَمْرُ الْحَمْرَآءُ وَفِي الْيُسْرَى قِطْعَةٌ مِنَ الْكَبَابِ وَإِنَّ هَذَا لَفَضْلٌ عُجَابٌ، وَكَفُّهَا بِدَمِ الْعُشَّاقِ مُحْمَرٌّ وَخَضَابٌ وَإِنَّ هَذَا لأَمْرٌ عُجَابٌ، وَأَدَارَتْ خَمْرَ
الْحَيَوانِ بِأَبَارِيقَ وَأَكْوَابٍ وَإِنَّ هَذَا لَكَوْثَرٌ عُجَابٌ، وَغَنَّتْ عَلَى اسْمِ الْحَبِيبِ بِعُودٍ وَرَبَابٍ وَإِنَّ هَذَا تَغَنٍّ عُجَابٌ، إذًا ذَابَتِ الأَكْبَادُ مِنْ نَارٍ وَالْتِهَابٍ وَإِنَّ هَذَا لَعِشْقٌ عُجَابٌ، وَأَعْطَتْ رِزْقَ الْجَمَالِ بِلا مِيزانٍ وَحِسَابٍ وَإِنَّ هَذَا لَرِزْقٌ عُجَابٌ، فَسَلَّتْ سَيْفَ الْغَمْزِ عَلَى الرِّقَابِ وَإِنَّ هَذَا لَضَرْبٌ عُجَابٌ، تَبَسَّمَتْ وَظَهَرَتْ لآلِئُ الأَنْيَابِ وَإِنَّ هَذَا لُؤْلُؤٌ عُجَابٌ، إذًا صَاحَتْ أَفْئِدَةُ أُولِي الأَلْبَابِ وَإِنَّ هَذَا لَزُهْدٌ عُجَابٌ، وَأَعْرَضَ عَنْهَا كُلُّ مُتَكَبِّرٍ مُرْتَابٍ وَمَا هَذَا إِلاَّ مُعْرِضٌ عُجَابٌ، فَلَمَّا سَمِعَتْ رَجَعَتْ إِلَى الْقَصْرِ بِحُزْنٍ وَإِنَابٍ وَإِنَّ هَذَا لَهَمٌّ عُجَابٌ، جَاءَت وَرَجَعَتْ وَتَعَالَى ذِهَابٌ وَإِيَابٌ وَإِنَّ هَذَا لَحُكْمٌ عُجَابٌ، وَضَجَّتْ فِي سِرِّهَا بِنِدَاءٍ يُفْنِي الْوُجُودَ ثُمَّ يُغَابُ وَإِنَّ هَذَا لَحُزْنٌ عُجَابٌ، وَفَتَحَتْ كَوْثَرَ الْفَمِ بِخِطَابٍ وَعِتَابٍ وَإِنَّ هَذَا سَلْسَبِيلٌ عُجَابٌ، وَقَالَتْ لِمَ تُنْكِرُونَنِي يَا أَهْلَ الْكِتَابِ وَإِنَّ هَذَا لأَمْرٌ عُجَابٌ، أَأَنْتُمْ أَهْلُ الْهُدَى وَهَلْ أَنْتُمُ الأَحْبَابُ تَاللهِ هَذَا لَكَذِبٌ عُجَابٌ، وَقَالَتْ مَا نَرْجِعُ إِلَيْكُمْ يَا أَيُّهَا الأَصْحَابِ وَإِنَّ هَذَا لَرَجْعٌ عُجَابٌ، وَنَسْتُرَ أَسْرَارَ اللهِ مِنَ الصَّحَائِفِ وَالْكِتَابِ وَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنْ عَزِيزٍ وَهَّابٍ، وَلَنْ تَجِدُونِي إِلاَّ إِذَا ظَهَرَ الْمَوْعُودُ فِي يَوْمِ الإِيَابِ وَعَمْرِي إِنَّ هَذَا لَذُلٌّ عُجَابٌ.
نُزِّلَ فِي يَوْمِ أَوَّلِ الرِّضْوَانِهُوَ الظَّاهِرُ الْمَسْتُورُ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الصَّبُورُ
أَيْ رَبَّ يَا إِلهِي كُلَّمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْتَحَ لِسَانِي بِبَدَائِعِ أَذْكَارِ عِزِّ وَحْدَانِيَّتِكَ أَوْ أُحَرِّكُ شَفَتَيَّ بِمَا أَلْهَمْتَنِي مِنْ جَوَاهِرِ أَسْرَارِ صُنْعِ فَرْدَانِيَّتِكَ أُشَاهِدُ بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ كَانَ نَاطِقًا بِثَنَاءِ نَفْسِكَ وَذَاكِرًا بِبَدَائِعِ
ذِكْرِكَ، وَأَحَاطَ ذِكْرُكَ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ عَلَى الْمَقَامِ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ بِكَيْنُونُتِهِ كَانَ دَلِيلاً لِبَدَائِعِ ظُهُورَاتِ عِزِّ ذِكْرِكَ وَمُدِلاًّ لإِظْهَارِ بَدَائِعِ آياتِ قُدْسِ تَوْحِيدِكَ، وَبِذَلِكَ أَخْجَلُ وَيَخْجَلُ الذَّاكِرُونَ عَنِ الارْتِقَاءِ إِلَى سَمَواتِ ذِكْرِكَ وَأَكِلُّ وَيَكِلُّ النَّاطِقُونَ عَنِ الْعُرُوجِ إِلَى مَعَارِجِ عِزِّ ثَنَائِكَ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ مَا أَعْلَى بَدَائِعَ إِكْرَامِكَ عَلَى خَلْقِكَ بِحَيْثُ جَعَلْتَ كُلَّ الأَشْيَاءِ تَذْكِرَةً لِلْمُتَذَكِّرِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَمُنَادِيًا لِلْغَافِلِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، فَوَعِزَّتِكَ لَنْ يَشْهَدَ الْعَارِفُونَ فِي الْمَوْجُودَاتِ إِلاَّ بَدَائِعَ ظُهُورَاتِ صُنْعِ أَحَدِيَّتِكَ وَلَنْ يَنْظُرُوا فِي الْمُمْكِنَاتِ إِلاَّ جَوَاهِرَ أَسْرَارِ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ، وَإِنِّي فَوَعِزَّتِكَ يَا مَحْبُوبِي كُلَّمَا أَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ وَارْتِفَاعِهَا لَنْ أَلْتَفِتَ إِلاَّ بِبَدَائِعِ ارْتِفَاعِ سُلْطَانِ عِزِّ أَمْرِكَ وَاقْتِدَارِكَ، وَكُلَّمَا أُرْجِعُ لَحَظَاتِ النَّظَرِ إِلَى الأَرْضِ وَمَا قُدِّرَ فِيهَا لَنْ أُشَاهِدَ إِلاَّ بَدَائِعَ ظُهُورَاتِ سُكُونِكَ وَاسْتِقْرَارِكَ، وَكُلَّمَا أَتَوَجَّهُ يَا إِلَهِي إِلَى الْبُحُورِ وَأَمْوَاجِهَا أَسْمَعُ بِأَنَّهَا تُذَكِّرُنِي بِتَمَوُّجَاتِ غَمَرَاتِ أَبْحُرِ قُدْرَتِكَ وَغَنَائِكَ، وَلا أُشَاهِدُ مِنَ الشَّمْسِ إِلاَّ بَدَائِعَ إِشْرَاقِ أَنْوَارِ قُدْسِ وَجْهِكَ وَلِقَائِكَ وَلا مِنَ الأَرْيَاحِ إِلاَّ هُبُوبَ نَسَائِمِ عِزِّ وَصْلِكَ وَوِصَالِكَ وَلا مِنَ الأَشْجَارِ إِلاَّ ظُهُورَاتِ أَثْمَارِ عِلْمِكَ وَحِكْمَتِكَ وَلا مِنَ الأَوْرَاقِ إِلاَّ دَفَاتِرَ أَسْرَارِ مَا كَانَ بِأَمْرِكَ وَمَا يَكُونُ بِقُدْرَتِكَ، فَسُبْحَانَكَ يَا إِلهِي عَجِزْتُ وَعَجِزَ الْمُقَرَّبُونَ عَنْ إِحْصَاءِ أَدْنَى آيَةٍ مِنْ خَلْقِكَ لأَنَّكَ جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ مِرْآةً لِظُهُورَاتِ صُنْعِكَ وَبُرُوزاتِ حُكُومَتِكَ، وَمَعَ هَذَا الْعَجْزُ الَّذِي أَحَاطَنِي وَأَحَاطَ كُلَّ شَيْءٍ وَمَعَ هَذَا الافْتِقَارِ الَّذِي أَخَذَنِي وَأَخَذَ كُلَّ شَيْءٍ كَيْفَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَتَقَرَّبَ إِلَى أَبْوَابِ حَرَمِ عِرْفَانِكَ أَوْ يَخْطُرَ بِقَلْبِ أَحَدٍ الوُصُولُ إِلَى
مَدِينَةِ إِجْلالِكَ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ مُقَدَّسًا عَنْ عِرْفَانِ خَلْقِكَ لأَنَّ عِرْفَانَهُمْ لَنْ يَحْدُثَ إِلاَّ مِنْ أَوْهَامِهِمِ الَّتِي تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ، وَإِنَّكَ كُنْتَ بِنَفْسِكَ الْحَقِّ مُقَدَّسًا عَنْهُمْ وَعَمَّا عِنْدَهُمْ وَعَنْ عِرْفَانِ كُلِّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْجَمِيلُ. إِذًا يَا إِلَهِي لَمَّا اعْتَرَفْتُ بِنَفْسِي وَلِسَانِي وَكَيْنُونَتِي وَظَاهِرِي وَبَاطِنِي بِالْجَرِيرَاتِ الَّتي لَمْ تَرَ مِثْلَهَا عَيْنُ الإِبْدَاعِ وَلا أَفْئِدَةُ أَهْلِ الاخْتِرَاعِ أَسْأَلُكَ بِأَنْ تَعْفُوَ عَنِّي وَعَنْ أَحِبَّائِكَ كُلَّ مَا تُرِكَ عَنَّا مِنْ سُنَنِكَ وَأَحْكَامِكَ، ثُمَّ اخْلَعْنَا يَا إِلَهِي مِنْ قَمِيصِ الْغُفْرَانِ فِي هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ اسْتَوَيْتَ عَلَى عَرْشِ فَضْلِكَ وَإِفْضَالِكَ بِكُلِّ أَسْمَائِكَ وَصِفَاتِكَ، وَفِيهِ أَشْرَقَتْ شَمْسُ جَمَالِك عَنْ أُفُقِ إِجْلالِكَ وَظَهَرَتْ آيَاتُ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ عَنْ مَخْزَنِ إِفْضالِكَ، وَفِيهِ هَبَّتْ رَوَائِحُ الْوَصْلِ عَلَى كُلِّ مَنْ سَكَنَ فِي أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ وَطَلَعَتِ الْكَلِمَةُ الْمَخْزُونُ عَنْ مَخْزَنِ عِصْمَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ، وَأَشْهَدُ يَا إِلَهِي بِأَنَّكَ مَا قَدَّرْتَ لِهَذَا الْيَوْمِ شِبْهًا فِي مَظَاهِرِ أَيَّامِ إِبْدَاعِكَ وَلا مِثْلاً فِي مَا اخْتَرَعْتَهُ بِاخْتِرَاعِكَ، وَهَذا أَوَّلُ يَوْمٍ اخْتَصَصْتَهُ بَيْنَ الأَيَّامِ وَاخْتَرْتَهُ عَنْ كُلِّ الأَزْمَانِ وَجَعَلْتَهُ سُلْطَانَ الأَيَّامِ بَيْنَ الأَنَامِ، لأَنَّ فِيهِ ظَهَرَتْ شُؤُونَاتُ عِزِّ قُدْرَتِكَ وَظُهُورَاتُ قُدْسِ أَحَدِيَّتِكَ وَجَعَلْتَ نُورَهُ مُقَدَّسًا عَنْ إِشْرَاقِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنُّجُومِ وَعَنْ كُلِّ نُورٍ عَالٍ مَنِيعٍ وَضِيَاءٍ مُشْرِقٍ لَمِيعٍ، بَلْ نَوَّرْتَهُ يَا مَحْبُوبِي بِأَنْوَارِ عِزِّ كَيْنُونَتِكَ وَبَهَاءِ ضِيَاءِ قُدْسِ ذَاتِيَّتِكَ، فَتَعَالَى هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ تَجَلَّيْتَ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ بِتَجَلِّيَاتِ أَنْوَارِ عِزِّ فَرْدَانِيَّتِكَ وَأَشْرَقْتَ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ بِظُهُورَاتِ قُدْسِ سُلْطَانِ وَحْدَانِيَّتِكَ، وَفِيهِ كَشَفْتَ حُجُبَاتِ السِّتْرِ عَنْ وَجْهِ جَمَالِكَ وَاحْتَرَقَتْ سُبُحَاتُ
الْوَهْمِ عَنْ وَجْهِ الْخَلْقِ بِعِنَايَتِكَ وَدَعَوْتَ الْكُلَّ إِلَى وَصْلِكَ وَلِقَائِكَ، فَتَبَاهَى هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي فِيهِ تَمَوَّجَتْ أَبْحُرُ الْعِزِّ وَالْفَضْلِ وَجَرَتْ أَنْهَارُ الْجُودِ وَالْعَدْلِ وَاسْتَرْقَى الْجُودُ إِلَى الْمَقَامِ الَّذِي قَامَ كُلُّ كَلِيلٍ بِثَنَاءِ نَفْسِكَ وَكُلُّ عَمٍ بِمُلاحَظَةِ أَنْوَارِ جَمَالِكَ وَكُلُّ أَصَمٍّ لاسْتِمَاعِ نَغَمَاتِ عِزِّ وَرْقَاءِ أَحَدِيَّتِكَ، وَفِيهِ اسْتَغْنَى كُلُّ فَقِيرٍ بِبَدَائِعِ عِزِّ غَنَائِكَ وَعَزَّ كُلُّ ذَلِيلٍ بِظُهُورَاتِ عِزِّكَ وَاعْتِزَازِكَ وَشَرِبَ كُلُّ عَاصٍ عَنْ خَمْرِ غُفْرَانِكَ وَكُلُّ سَقِيمٍ عَنْ أَبْحُرِ جُودِ شِفَائِكَ وَدَخَلَ كُلُّ مَأْيُوسٍ فِي ظِلِّ سِدْرَةِ رَجَائِكَ وَإِنْعَامِكَ وَكُلُّ مَحْرُومٍ فِي شَاطِئِ فَضْلِكَ وَإِكْرَامِكَ، عَمِيَتْ عَيْنٌ لا تَرَاكَ فِيهِ جَالِسًا عَلَى عَرْشِ سَلْطَنَتِكَ وَلا تَشْهَدُكَ مُهَيْمِنًا عَلَى مَا خَلَقْتَهُ مِنْ مَظَاهِرِ أَسْمَائِكَ وَصِفَاتِكَ، أَيَشْتَبِهُ يَا إِلَهِي شَيْءٌ مِنْ ظُهُورَاتِكَ بِظُهُورَاتِ خَلْقِكَ، لا فَوَعِزَّتِكَ كُلُّ مَا يَظْهَرُ مِنْكَ وَمِنْ عِنْدِكَ يَسْتَضِيءُ كَالشَّمْسِ فِي وَسَطِ سَمَاءِ عَدْلِكَ وَدُونُهُ مَعْدُومٌ عِنْدَهُ وَلَوْ يَكُونُ مِنْ جَواهِرِ خَلْقِكَ أَوْ سَوَاذِجِ صُنْعِكَ، لأَنَّكَ كَمَا لَمْ تَتَّخِذْ لِنَفْسِكَ شَرِيكًا وَكَذلِكَ كُلُّ مَا يَظْهَرُ مِنْكَ لَنْ يَتَّخِذَ لِنَفْسِهِ شَبِيهًا وَلَوْ أَنَّكَ تَجَلَّيْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ بِتَجَلِّيَاتِ أَنْوَارِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ وَلا يَظْهَرُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ وَقَدْ يَظْهَرُ مِنْ عِنْدِكَ وَيَحْدُثُ بِأَمْرِكَ وَلَكِنْ مَا يَظْهَرُ مِنْ نَفْسِكَ لَيَكُونَ أَبْهَى وَأَعْلَى عَنْ كُلِّ مَا يَظْهَرُ بَيْنَ سَمَائِكَ وَأَرْضِكَ، وَبِذَلِكَ تَظْهَرُ آيَاتُ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ عَلَى كُلِّ بَرِيَّتِكَ وَتَتِمُّ حُجَّتُكَ عَلَى كُلِّ خَلْقِكَ، إذًا يَا إِلَهِي لَمَّا أَحَاطَ فَضْلُكَ كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ وَأَلاحَ أَنْوَارُ وَجْهِكَ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ أَسْأَلُكَ بِهَذَا الْيَوْمِ وَبِالصُّدُورِ الَّتِي جَعَلْتَها مَخْزَنَ عِلْمِكَ وَإِلْهَامِكَ وَمَنْبَعَ وَحْيِكَ وَعِرْفَانِكَ بِأَنْ تُظْهِرَ عَنْ مَشْرِقِ أَمْرِكَ آيَاتِ
عِزِّ نَصْرِكَ وَعَنْ سَمَاءِ فَضْلِكَ أَمْطَارَ رَحْمَتِكَ وَعَنْ سُلْطَانِ إِرَادَتِكَ بَدَائِعَ فَرَجِكَ لِيَتَخَلَّصَ بِذَلِكَ أَحِبَّاؤُكَ مِنْ أَعْدَائِكَ وَأَخِلاَّؤُكَ عَنْ عُصَاةِ عِبَادِكَ لِيَذْكُرُوكَ يَا إِلَهِي بِأَعْلَى صَوْتِهِمْ فِي جَبَرُوتِ أَسْمَائِكَ وَيَعْبُدُوكَ بِأَرْكَانِهِمْ فِي مَلَكُوتِ صِفَاتِكَ لِيَرْتَفِعَ بِذَلِكَ اسْمُكَ وَتَعْلُوَ حُجَّتُكَ وَيَظْهَرَ بُرْهَانُكَ وَيَكْمُلَ إِحْسَانُكَ وَتَتِمَّ نِعْمَتُكَ وَتُعْلَنَ آيَاتُكَ وَتُبَرْهَنَ آثَارُكَ بِحَيْثُ تُمْلأُ الأَرْضُ مِنْ أَنْوَارِ وَجْهِكَ وَيَبْقَى الْمُلْكُ لِنَفْسِكَ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْقَادِرُ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْقَدِيرُ، ثُمَّ أَسْأَلُكَ يَا إِلَهِي بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ دَلَعَ دِيكُ الْعَرْشِ فِي لاهُوتِ الْعَمَاءِ بِتَغَنِّيَاتِ عِزِّ فَرْدَانِيَّتِكَ وَتَفَرَّدَتْ وَرْقَآءُ الظُّهُورِ فِي مَلَكُوتِ الْبَقَآءِ بِتَغَرُّدَاتِ سُلْطَانِ وَحْدَانِيَّتِكَ وَنَطَقَ رُوحُ الْقُدْسِ بِأَبْدَعِ نَغَمَاتِ عِزِّ صَمَدَانِيَّتِكَ بِأَنْ لا تَحْرِمَ هؤُلاءِ عَنْ نَفَحَاتِ صُبْحِ قُرْبِكَ وَلِقَائِكَ وَلا تُبْعِدَهُمْ عَنْ نَسَمَاتِ فَجْرِ وَصْلِكَ وَعِرْفَانِكَ، ثُمَّ اجْعَلْ يَا إِلَهِي هَذَا الْعِيدَ مُبَارَكًا عَلَيْهِمْ وَعَلَى دُونِهِمْ مِنْ أَحِبَّائِكَ ثُمَّ ارْزُقْهُمْ خَيْرَ مَا قَدَّرْتَ فِي سَمَاءِ تَقْدِيرِكَ وَقَضَائِكَ وَأَلْوَاحِ حِفْظِكَ وَإِمْضَائِكَ، ثُمَّ أَهْلِكْ يَا إِلَهِي فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْدَاءَهُمْ بِقَهْرِكَ وَاقْتِدَارِكَ ثُمَّ اقْضِ لَهُمْ يَا إِلَهِي كُلَّ مَا دَعَوْتُكَ بِهِ وَمَا لا دَعَوْتُكَ بِهِ، ثُمَّ اسْتَقِمْهُمْ عَلَى حُبِّكَ وَأَمْرِكَ بِحَيْثُ لَنْ يَنْقُضُوا مِيثاقَكَ وَلَنْ يَنْكُثُوا عَهْدَكَ الَّذِي تَعَاهَدُوا بِهِ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ انْصُرْهُمْ بِأَبْدَعِ مَا يَكُونُ فِي خَزَائِنِ قُدْرَتِكَ وَكُنُوزِ قُوَّتِكَ، ثُمَّ ارْزُقْهُمْ يَا إِلَهِي السَّاعَةَ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ بِهَا فِي قِيَامَتِكَ الأُخْرَى بِمَظْهَرِ نَفْسِكَ الأَبْهَى لأَنَّ هَذَا لَهُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ وُجُودِهِمْ وَوُجُودِ الْمُمْكِنَاتِ وَعِلَّةُ خَلْقِهِمْ وَخَلْقِ الْمَوْجُودَاتِ، ثُمَّ اجْعَلْهُمْ يَا إِلَهِي رَاضِينَ عَنْكَ فِي كُلِّ الأَحْوَالِ وَإِنَّكَ أَنْتَ ذُو الْفَضْلِ
وَالإِفْضَالِ وَذُو الْجُودِ وَالاسْتِقْلالِ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُتَعَالِ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ، ثُمَّ أَسْأَلُكَ يَا إِلَهِي بِجَمِيعِ مَظَاهِرِ أَسْمَائِكَ وَمَطَالِعِ صِفَاتِكَ بِأَنْ لا تَجْعَلَ هَؤُلاءِ مِنَ الَّذِينَ هُمْ يُعَايِدُونَ فِي أَعْيَادِهِمْ بِمَا ظَهَرَ فِيهَا مَظْهَرُ نَفْسِكَ وَيُوَقِّرُونَ وَيُعَزِّزُونَ هَذِهِ الأَيَّامَ بِكَمَالِ مَا يَنْبَغِي لِشَأْنِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ ثُمَّ يَحْتَجِبُون عَنِ الَّذِي ظَهَرَ كُلُّ ذَلِكَ وَمَا دُونَهُ بِأَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ وَتَقْدِيرٍ مِنْ لَدُنْهُ وَبِذَلِكَ يَبْطُلُ كُلُّ أَعْمَالِهِمْ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ، فَيَا إِلَهِي أَسْأَلُكَ بِظُهُورِ مَنْ أَظْهَرْتَهُ فِي اسْمِكَ الْمُسْتَغَاثِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ ثُمَّ بِجَمَالِهِ ثُمَّ بِإِجْلالِهِ ثُمَّ بِابْتِلائِهِ ثُمَّ بِنَفَحَاتِهِ ثُمَّ بِنَغَمَاتِهِ ثُمَّ بِعِزِّهِ وَكِبْرِيَائِهِ بِأَنْ تَجْعَلَ أَبْصَارَ أَحِبَّائِكَ مُطَهَّرَةً عَنْ حُجُبَاتِ الْغَفْلَةِ وَالْعَمَى وَسُبُحَاتِ الظَّنِّ وَالْوَهْمِ وَالشَّقَا لِيَكُونُنَّ نَاظِرِينَ لِسِدْرَةِ أَمْرِكَ وَبِمَا يَظْهَرُ مِنْهَا مِنْ بَدَائِعِ أَوْرَاقِ عِزِّ أَزَلِيَّتِكَ وَجَوَاهِرِ أَثْمَارِ قُدْسِ أَحَدِيَّتِكَ لِيَذُوقُنَّ مِنْهَا وَبِمَا فِيهَا مِنْ نِعَمِكَ الْمَخْزُونَةِ وَآلاءِ مَعْرِفَتِكَ الْمَكْنُونَةِ وَيَنْقَطِعُنَّ بِها عَنْ دُونِها، وَإِنَّ ذَلِكَ تَمَامُ الْفَضْلِ وَالْخَيْرِ وَأَصْلُهُ وَمَعْدِنُهُ وَمَأْوَاهُ بِحَيْثُ مَا أَحَاطَ عِلْمُكَ أَعْلَى مِنْ هَذَا الْفَضْلِ وَأَحْلَى مِنْ هَذَا الأَمْرِ وَإِنَّكَ السُّلْطَانُ الْعَالِمُ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ.
بِسْمِ اللهِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِسُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ بِهَذَا الْيَوْمِ وَبِالَّذِي ظَهَرَ فِيهِ بِسَلْطَنَتِكَ وَعَظَمَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَبِدُمُوعِ الْعَاشِقِينَ فِي هَجْرِكَ وَفِرَاقِكَ وَبِاحْتِرَاقِ أَفْئِدَةِ الْمُشْتَاقِينَ فِي شَوْقِهِمْ وَاشْتِيَاقِهِمْ إِلَى جَمَالِكَ، بِأَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ مَا يَنْبَغِي لِجَمَالِكَ وَيَلِيقُ لِكَرَمِكَ
وَإِحْسَانِكَ، أَيْ رَبِّ نَحْنُ فُقَرَاءُ قَدِ انْقَطَعْنَا عَنْ دُونِكَ وَتَوَجَّهْنَا إِلَى مَخْزَنِ غَنَائِكَ وَهَرَبْنَا عَنِ الْبُعْدِ رَجَاءً لِقُرْبِكَ، فَأَنْزِلْ عَلَيْنَا مِنْ سَمَاءِ مَشِيئَتِكَ مَا يَجْعَلُنَا مُطَهَّرِينَ عَنِ الدُّنْيَا وَشُؤُونِاتِهَا وَمُطَرَّزِينَ بِطِرَازِ مَا أَرَدْتَهُ لَنَا بِفَضْلِكَ وَإِعْطَائِكَ، ثُمَّ أَسْأَلُكَ يَا إِلَهِي بِاسْمِكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَخْزَنَ عِلْمِكَ وَمَعْدِنَ وَحْيِكَ وَمَنْبِعَ إِلْهَامِكَ وَبِهِ فَصَّلْتَ وَأَلَّفْتَ بَيْنَ الْمُوَحِّدِينَ وَالْمُشْرِكِينَ بِأَنْ تُلْبِسَنَا فِي هَذَا الْيَوْمِ خِلَعَ هِدَايَتِكَ وَأَثْوَابَ مَكْرُمُتِكَ، ثُمَّ اجْعَلْنَا قَائِمِينَ عَلَى أَمْرِكَ وَنَاصِرِينَ لِدِينِكَ وَنَاطِقِينَ بِاسْمِكَ بَيْنَ أَرْضِكَ وَسَمَائِكَ لِيُمْلأَ الآفَاقُ مِنْ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ وَيَسْتَضِيءَ الْوُجُوهُ مِنْ أَنْوَارِ وَجْهِكَ، أَيْ رَبِّ نَشْهَدُ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ فِي عُلُوِّ الارْتِفَاعِ عَلَى مَقَامٍ انْقَطَعَ عَنْهُ أَفْئِدَةُ الْعَارِفِينَ مِنْ عِبَادِكَ وَلا تَزَالُ تَكُونُ فِي سُمُوِّ الامْتِنَاعِ عَلَى شَأْنٍ لَنْ يَطِيرَ إِلَى هَوَاءِ عِرْفَانِكَ طُيُورُ قُلُوبِ الْمُخْلِصِينَ مِنْ بَرِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ يَشْهَدُ كُلُّ شَيْءٍ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَكُلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ ذِكْرُ الْوُجُودِ مِنَ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ بِفَرْدَانِيَّتِكَ إِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي قَدَّسْتَ نَفْسَكَ عَنْ عِرْفَانِ مَا سِوَاكَ وَنَزَّهْتَ ذَاتَكَ عَنْ ذِكْرِ مَا دُونَكَ، وَمَا خُلِقَ فِي الإِبْدَاعِ مِنَ الْمَعَانِي وَالأَلْفَاظِ كُلُّهَا يَرْجِعُ إِلَى الْكَلِمَةِ الَّتِيْ جَرَتْ مِنْ قَلَمِ أَمْرِكَ وَإِصْبَعِ تَقْدِيرِكَ، كُلُّ ذِي عَظَمَةٍ مَفْقُودٌ عِنْدَ عَظَمَتِكَ وَكُلُّ ذِي شَوْكَةٍ فَانٍ لَدَى ظُهُورَاتِ عِزِّ شَوْكَتِكَ، أَيْ رَبِّ تَرَى أَحِبَّاءَكَ بَيْنَ أَشْقِيَاءِ خَلْقِكَ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِي بِهِ سُعِّرَتْ نَارٌ غَضَبِكَ وَالْتَهَبَ شُوَاظُ قَهْرِكَ بِأَنْ تَأْخُذَ الَّذِينَ هُمْ ظَلَمُوا عَلَى أَحِبَّتِكَ، ثُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَا نَرْجُو مِنْ بَدَائِعِ فَضْلِكَ وَأَلْطَافِكَ وَلا تَجْعَلْنَا مَحْرُومِينَ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلَيْكَ وَالإِقْبَالِ إِلَى حَرَمِ عِزِّ تَوْحِيدِكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الَّذِيْ
شَهِدَ بِقُدْرَتِكَ كُلُّ الذَّرَّاتِ فِي أَزَلِ الآزَالِ وَيَشْهَدَنَّ بِعَظَمَتِكَ كُلُّ الْمُمْكِنَاتِ، إِنَّكَ أَنْتَ رَبُّ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ وَمَالِكُ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْمُسْتَعَانُ.
إِنَّكَ أَنْتَ يَا إِلَهِي لَمَّا اسْتَوَيْتَ عَلَى كُرْسِيِّ عِزِّ فَرْدَانِيَّتِكَ وَتَعَلَّيْتَ عَلَى عَرْشِ رَحْمَةِ وَحْدَانِيَّتِكَ، يَنْبَغِي بِأَنْ تَمْحُوَ عَنْ قُلُوبِ الْمُمْكِنَاتِ مَا يَمْنَعُهُمْ عَنِ الدُّخُولِ فِي حَرَمِ أَسْرَارِ رُبُوبِيَّتِكَ، وَيَحْجُبُهُمْ عَنِ الْوُرُودِ فِي سُرَادِقِ أُلُوهِيَّتِكَ لِيَجْعَلَ كُلَّ الْقُلُوبِ مِرْآةً لِجَمَالِكَ وَمُدِلًّا عَلَيْكَ وَحَاكِيًا عَنْكَ، لِيَظْهَرَ فِي كُلِّ شَيْءٍ آثَارُ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ وَإِشْرَاقُ أَنْوَارِ قُدْسِ حُكُومَتِكَ، لِيُوَحِّدَكَ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ بِمَا تَجَلَّيْتَ لَهُمْ بِهِمْ بِمَظْهَرِ تَفْرِيدِكَ، ثُمَّ عَرِّ يَا إِلَهِي عِبَادَكَ عَنْ قَمِيصِ النَّفْسِ وَالْهَوَى، أَوْ عَرِّجْ عُيُونَ بَرِيَّتِكَ إِلَى مَقَامِ الَّذِي لا يُشَاهِدُنَّ فِي الْهَوَى إِلاَّ هُبُوبَ هَوَاءِ عِزِّ صَمَدَانِيَّتِكَ، وَلا يَنْظُرُنَّ فِي النَّفْسِ إِلاَّ ظُهُورَ نَفْسِ رَحْمَانِيَّتِكَ، لِيُطَهَّرَ الأَرْضُ وَمَا عَلَيْهَا عَنِ الدَّلالَةِ لِغَيْرِكَ وَالتَّحَكِّي عَنْ مَظَاهِرِ نَفْيِكَ، وَكُلُّ ذَلِكَ يَظْهَرُ فِي الْمُلْكِ بِقَوْلِكَ كُنْ فَيَكُونُ بَلْ أَقْرَبَ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ النَّاسَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يَا مَحْبُوبِيْ فَوَعِزَّتِكَ حِينَئِذٍ أُشَاهِدُ بِأَنَّكَ اسْتَجَبْتَ لِي كُلَّ مَا دَعَوْتُكَ بِهِ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ الَّتِيْ جَعَلْتَهَا حَاكِيَةً عَنْ أَنِيسِ جَمَالِكَ وَمُصَاحِبِ وَجْهِكَ قَبْلَ ذِكْرِي بَيْنَ يَدَيْكَ وَإِظْهَارِي فِي سَاحَةِ قُدْسِكَ، بِحَيْثُ جَعَلْتَ كُلَّ شَيْءٍ مَظْهَرَ أَمْرِكَ وَمَطْلِعَ فِعْلِكَ وَمَكْمَنَ عِلْمِكَ وَمَخْزَنَ حِكْمَتِكَ، وَأُشَاهِدُ بِأَنَّ كُلَّ مَا خُلِقَ بِقُدْرَتِكَ وَذُوِّتَ بِاقْتِدَارِكَ لَوْ يَنْقُصُ مِنْهُ عَلَى قَدْرِ خَرْدَلٍ مِنْ ظُهُورَاتِ صِفَاتِكَ وَأَسْمَائِكَ لَنْ يَتِمَّ أَرْكَانُ صُنْعِ صَمَدَانِيَّتِكَ وَلَنْ يَكْمِلَ جَوَاهِرُ حِكْمَةِ
رَبَّانِيَّتِكَ، لأَنَّ حُرُوفَاتِ النَّفْيِ مَعَ بُعْدِهِنَّ عَنْ نَفَحَاتِ قُدْسِ عِرْفَانِكَ وَمَعَ غَفْلَتِهِنَّ عَنْ بَدَائِعِ إِشْرَاقِ فَجْرِ جَمَالِك فِي سَمَآءِ إِجْلالِكَ لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُلْكِكَ كَيْفَ يَعْلُو كَلِمَاتُ إِثْبَاتِكَ. فَوَعِزَّتِكَ يَا مَحْبُوبِي كُلُّ الْوُجُودِ وُجِدَ لإِعْلاءِ نَصْرِكَ وَانْتِصَارِكَ، وَكُلُّ الْحُدُودَاتِ آيَاتٌ لِسَلْطَنَتِكَ وَمُنَادٍ لاقْتِدَارِكَ، تَعَالَى بَدَائِعُ قُدْرَتِكَ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِحَيْثُ جَعَلْتَ أَدْنَى خَلْقِكَ مَطْلِعًا لأَعْلَى صِفَاتِكَ وَأَحْقَرَ صُنْعِكَ مَحَلًّا لأَعْظَمِ أَسْمَائِكَ، بِحَيْثُ جَعَلْتَ الْفَقْرَ مَظْهَرًا لِغَنَائِكَ وَالذُّلَّ سَبِيلاً لِعِزِّكَ وَالْخَطَأَ سَبَبًا لِغُفْرَانِكَ، وَبِهِمْ تُثْبَتُ لِنَفْسِكَ أَسْمَائُكَ الْحُسْنَى وَلِذَاتِكَ بَدَائِعُ صِفَاتِكَ الْعُلْيَا، إذًا يَا إِلَهِي لَمَّا أَرَدْتَ أَنْ تُدْخِلَ كُلَّ الأَشْيَاءِ فِي سُرَادِقِ عِزِّ فَضْلِكَ وَإِفْضَالِكَ، وَتُهِبَّ عَلَى كُلِّ الْوُجُودِ مِنْ أَرْيَاحِ قَمِيصِ عِزِّ فَرْدَانِيَّتِكَ، وَتَنْظُرَ كُلَّ شَيْءٍ بِلَحَظَاتِ أَعْيُنِ جُودِكَ وَوَحْدَانِيَّتِكَ، أَسْئَلُكَ بِحُبِّكَ الَّذِي جَعَلْتَهُ عِلَّةَ ظُهُورَاتِ قُدْسِ صَمَدَانِيَّتِكَ وَشُعْلَةَ قُلُوبِ الْمُشْتَاقِينَ مِنْ خَلْقِكَ، بِأَنْ تَخْلُقَ حِينَئِذٍ لِمُخْلِصِيكَ مِنْ بَريَّتِكَ وَمُحِبِّيكَ مِنْ أَحِبَّتِكَ مِنْ جَوهَر ِالْجُودِ وَالْعَطَآءِ وَسَاذَجِ الْفَضْلِ وَالْبَهآءِ رِضْوَانَ قُدسِكَ الأَعلَى، وَتَجْعَلَهُ مُقَدَّسًا عَنْ كُلِّ مَا سِوَاكَ وَمُنَزَّهًا عَنْ دُونِكَ ثُمَّ اخْلِقْ يا إِلَهِي فِيها مِنْ أَنوَارِ عَرْشِكَ مُغَنِيّاتٍ مِنْ بَدائِعِ صُنْعِكَ الأَحْلَى لِيَذْكُرْنَكَ بِكَلِمَاتٍ الَّتِيْ جَعَلْتَها مُطَهَّرًا عَمَّا سَمِعَتْهَا أُذُنُ الْخَليقَةِ مِنْ أَهْلِ أَرْضِكَ وَسَمائِكَ وَمُقَدَّسًا عَنْ عِرفانِ بَريَّتِكَ، ثُمَّ افْتَحْ أَبْوَابَ هَذِهِ الْجَنَّةِ عَلَى وَجْهِ أَحِبَّائِكَ لَعَلَّ يَدخُلُونَ فِيْهَا بِاسْمِكَ وَسَلْطَنَتِكَ، لِيَتِمَّ بِذَلِكَ سُلْطَانُ مَوَاهِبِكَ عَلَى أَصْفِيائِكَ وَمَلِيكُ عَطَائِكَ عَلَى أُمَنَائِكَ، لِيَذكُرُنَّكَ فِيها بِنَغَمَاتِ الَّتِيْ لَنْ يَقْدِرَ أَحَدٌ أَنْ يَتَغَنَّى بِها أَو يَتَكَلَّمَ
عَليها حَتّى لا يَخْطُرَ عَلَى قَلْبِ أَحَدٍ مِنْ بَريَّتِكَ التَّلَبُسُ بِأَثْوَابِ صَفْوَتِكَ وَالتَّظَهُرِ بِظُهُورَاتِ أَحِبَّتِكَ، وَلِئَلّا يَشْتَبِهَ عَلَى أَحَدٍ مُحِبِّيكَ عَنْ مُبغِضِيكَ وَمُخْلِصِيكَ عَنْ مُعانِدِيكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ عَلَى كُلِّ مَا تُريدُ لَقَادِرٌ مُقْتَدِرٌ قَدِيْرٌ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يَا مَحْبوبِي مِنْ أَنْ تُعْرَفَ بِأَعْلَى عِرْفَانِ الْمَوجُودَاتِ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ مِنْ أَنْ تُوصَفَ بِأَبْهَى وَصْفِ الْمُمْكِنَاتِ، لأَنَّ مُنْتَهى عِرْفَانِ الْعِبَادِ فِي مُنْتَهى ذِرْوَةِ الْقُصوَى لَنْ يَقْدِرَ أَنْ يَصْعَدَ عَنْ حَدِّالإنشَآءِ، وَلَنْ يُمْكِنَ أَنْ يَتَعَارَجَ عَنْ شَأْنِ الإِمْكَانِ وَبِمَا قُدِّرَ لَهُ مِنْ شُئُونِ الْقَضَاءِ، فَكَيْفَ يَقْدِرُ مَا خُلِقَ بِمَشِيَّةِ الإِمْكَانِيَّةِ فِي رُتْبَةِ الإِمْكَانِ أَنْ يَصْعَدَ إِلى هَوَآءِ قُدْسِ عِرْفَانِكَ أَو يَصِلَ إِلى مَقَرِّ عِزِّ اقْتِدَارِكَ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ مِنْ أَنْ يَطيرَ الْفَانِي إِلى عَرْشِ بَقَائِكَ أَو يَصِلَ الْفَقِيرُ إِلى ذِرْوَةِ اسْتِغْنَائِكَ، لَمْ تَزَلْ وَاصِفَ نَفْسِكَ لِنَفْسِكَ وَنَاعِتَ ذَاتِكَ لِذَاتِكَ بِذَاتِكَ، فَوَعِزَّتِكَ يَا مَحْبُوبي لَمْ يَكُنْ غَيْرُكَ مَذكُورًا حَتَّى يَعْرِفَكَ وَلا دُونُكَ مَوجُودًا لِيَذْكُرَكَ، أَنْتَ الَّذِي لَمْ تَزَلْ كُنْتَ فِي مُلْكِكَ بِظُهُورِ عِزِّ وَحْدَانِيَّتِكَ وَطُلُوعِ قُدْسِ كِبرِيَائِيَّتِكَ، وَلو يُذْكَرُ فِي مَمالِكِ الإِنْشَآءِ مِنْ أَعلَى نُقْطَةِ الْبَقاءِ إِلى مُنْتَهى رُتْبَةِ الثَّرى أَحَدٌ دُونُكَ كَيْفَ يُثْبَتُ اسْتِوَائِكَ عَلَى عَرْشِ فَرْدَانِيَّتِكَ وَيَعلُو بَدَائِعُ ذِكْرِكَ فِي كَلِمَةِ تَوْحِيدِكَ ووَحْدَانِيَّتِكَ، وَأَشْهَدُ حِينَئذٍ بِمَا شَهِدْتَ بِهِ لِنفْسِكَ قَبْلَ خَلْقِ السَّمَواتِ وَالأَرضِ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلّا أَنْتَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ قَادِرًا بِمَظاهِرِ قُدْرَتِكَ لآياتِ قُدْرَتِكَ وَعَالِمًا بِمَطَالِعِ عِلْمِكَ بِكَلِماتِ عِلْمِكَ، وَلَمْ يَكُنْ دُونُكَ مِنْ شَيءٍ لِيُذكَرَ تِلقَآءَ مَدْيَنِ تَوْحِيدِكَ وَلا غَيْرُكَ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يُوصَفَ فِي سَاحَةِ قُدْسِ تَفرِيدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ يَا
إِلَهِي عَلَى ظُهورِ مَواهِبِكَ وَعَطَائِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ يَا مَحْبُوبِي عَلَى طُلُوعِ شَمْسِ عِنايتِكَ وَإِفْضَالِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَهْدِي الْمُضلِّينَ إِلى تَشَعْشُعِ أَنوَار ِصُبْحِ هِدايَتِكَ وَيُوصِلُ الْمُشتَاقِينَ إِلى مَكْمَنِ إِشْرَاقِ نُورِ جَمَالِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يُقَرِّبُ الْمَريضَ إِلى مَعِينِ شِفَائِكَ وَالْبَعيدِ إِلى كَوثَرِ لِقَائِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَنْزَعُ عَنْ هَياكِلِ الْعِبَادِ قَميصَ الذُّلِّ وَالْفَنَآءِ وَيُلْبِسُهُم رِدَاءَ الْعِزِّ وَالْبَقَآءِ وَيَهْدِي الْفُقَرَآءَ إِلى شَاطِئِ الْقُدسِ وَالاسْتِغْنَآءِ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَنْطِقُ الْوَرْقَاءُ عَلَى أَفْنانِ سِدْرَةِ الْبَقَاءِ، بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ مُقَدَّسًا عَنْ ذِكْرِ دُونِكَ وَمُتَعاليًا عَنْ وَصْفِ مَا سِواكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَغَنُّ عَنْدَلِيبُ الْبَهآءِ فِي جَبَروتِ الْعَمَآءِ بِأَنَّ عَليًّا عَبْدُكَ الَّذِي اصْطَفَيْتَهُ بَيْنَ رُسُلِكَ وَصَفوَتِكَ وَجَعَلْتَهُ مَظْهَرًا لِنَفْسِكَ فِي كُلِّ مَا يَرْجِعُ إِلَيْكَ مِنْ ظُهورَاتِ صِفَاتِكَ وَبُرُوزَاتِ أَسْمَائِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تُقِيمُ كُلَّ شَيْءٍ بِثَنَآءِ نَفْسِكَ وَذِكْرِ ذَاتِكَ وَتُنْطِقُ كُلَّ الْوجُودِ بِأَذْكَارِ سُلْطَانِ جَمَالِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَمْلَأُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْ آياتِ عِزِّ هُويَّتِكَ وَيُدْخِلُ كُلَّ شَيْءٍ فِي سُرَادِقِ قُرْبِكَ وَلِقَائِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا يَجْعَلُ كُلَّ شَيْءٍ كِتَابَ وَصْفِكَ وَصَحِيفَةَ ذِكْرِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَسْتَوي ظُهُورَاتُ سَلْطَنَتِكَ عَلَى عَرْشِ حُكُومَتِكَ وَتَسْتَقِرُّ شُئُونَاتُ إِجْلالِكَ عَلَى كُرْسِيِّ أُلوهِيَّتِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تُثْمِرُ أَشْجَارُ الْيَابِسَةُ مِنْ نَسَمَاتِ قُدْسِ إِكْرَامِكَ وَيُجَدَّدُ هَياكِلُ الْمَوْجُودَاتِ مِنْ أَرْيَاحِ عِزِّ إِفْضَالِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَنْزَّلُ آياتُ عِزِّ تَوْحِيدِكَ مِنْ سَمَآءِ قُدْسِ تَفْرِيدِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَعَلَّمَ كُلُّ شَيْءٍ مِنْ جَواهِرِ عِلْمِكَ وَسَاذَجِ حِكْمَتِكَ،
وَلا يُخَيَّبُ الْمَسَاكِينُ عَنْ أَبْوابِ رَحْمَتِكَ وَإِحْسَانِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ يَسْتَغْني كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ مِنْ كَنَائِزِ اسْتِغْنَائِكَ وَيَتَعَلَّى الْمُمْكِنَاتُ إِلى ذِرْوَةِ عِزِّ أَلْطَافِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَطيرُ قُلوبُ الْعُشَّاقِ فِي هَوآءِ الْقُربِ وَالاشْتِياقِ وَيَسْتَضيءُ نُورُ النُّورِ فِي شَطْرِ الْعِراقِ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ يَنْقَطِعُ الْمُقَرَّبُونَ عَنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَيَجْذِبُهُم إِلى عَرْشِ الأَسْمَآءِ وَالصِّفَاتِ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَغْفِرُ الْخَطَأَ وَالْعِصْيانَ وَتَقْضِي حَوائِجَ كُلِّ الأَدْيانِ وَتُهِبُّ رَوائِحَ الْغُفْرانِ عَلَى الإِمْكَانِ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ يَصْعَدُ الْمُوَحِّدُونَ إِلى مَعَارٍجِ حُبِّكَ وَيَرْتَقِي الْمُخْلِصُونَ إِلى رِضوانِ وَصْلِكَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ يُقْضَى حَوَائِجُ الطَّالِبينَ وَمَقَاصِدُ الْعَارِفِينَ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ تَمْحُو عَنِ الْقُلُوبِ إِشَارَاتُ التَّحْدِيدِ وَتُثْبَتُ آياتُ التَّوْحِيدِ، فَلَكَ الْحَمْدُ حَمْدًا بِهِ حَمِدْتَ نَفْسَكَ فِي أَزَلِ الآزَالِ وَجَعَلْتَهُ مُقَدَّسًا عَنِ الشِّبْهِ وَالضِّدِ وَالْمِثَالِ، يا مَنْ بِيَدِكَ جَبَرُوتُ الْفَضْلِ وَالإِفْضَالِ وَمَلَكُوتُ الْعِزِّ وَالإِجْلالِ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يا إِلَهِي وَسَيدِي تَشْهَدُ وَتَرَى وَتَعْلَمُ مَا وَرَدَ عَلَى أَحِبَّتَكَ فِي أَيّامِكَ وَنَزَلَ عَلَى صَفْوَتِكَ مِنْ تَرَادُفِ بَلاياكَ وَتَتَابُعِ قَضَايَاكَ وَتَوالِي رَزَايَاكَ، حَيْثُ ضَاقَتْ عَلَيهِمُ الأَرْضُ وَأَخَذَتْهُمْ شُئُونَاتُ قَهْرِكَ مِنْ كُلِّ الْجِهَاتِ وَآثارُ خَشْيَتِكَ مِنْ كُلِّ الأَقْطَارِ، وَسُدَّتْ عَلَى وُجُوهِهِمْ أَبوابُ رَحْمَتِكَ وَعِنَايَتِكَ وَمُنِعَتْ عَنْ رِضْوانِ قُلُوبِهِم أَمْطَارُ فَيضِ فَضْلِكَ وَأَلْطَافِكَ، أَتَحْرِمُ يا إِلَهِي مُحِبِّيكَ عَنْ بَدَائِعِ نَصْرِكَ وَانْتِصارِكَ، أَتُخَيِّبُ يا مَحْبُوبِي مُخْلِصِيكَ عَنْ جَوامِعِ جُودِكَ وَإِنْعَامِكَ، أَتَمْنَعُ يا سَيِّدِي عَارِفِيكَ عَنْ شَاطِئِ قُدْسِ عِرْفَانِكَ، وَهَلْ تَقْطَعُ عَنْ أَفْئِدَةِ مُرِيدِيكَ أَمْطَارَ عِزِّ إِفْضَالِكَ، لا
فَوَعِزَّتِكَ أَشْهَدُ حِينَئِذٍ بِأَنَّ رَحْمَتَكَ سَبَقَتِ الْمُمْكِنَاتِ وَعِنَايَتَكَ أَحَاطَتْ كُلَّ مَنْ فِي الأَرَضِينَ وَالسَّمواتِ، لَمْ تَزَلْ كَانَتْ أَبْوابُ جُودِكَ مَفْتُوحَةً عَلَى وَجْهِ عِبَادَكَ، وَلا تَزَالُ نَسَمَاتُ فَضْلِكَ سَاريَةً عَلَى قُلُوبِ خَلْقِكَ وَأَمْطَارُ مَكْرُمَتِكَ جَارِيَةً عَلَى بَرِيَّتِكَ وَأَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، وَأَعْلَمُ بِأَنَّكَ تَأَخَّرْتَ ظُهُورَاتِ نَصْرِكَ فِي الإِنْشَاءِ لِمَا سَبَقَ بِهِ عِلْمُكَ مِنْ أَسْرَارِ الْقَضَآءِ وَخَفِيَّاتِ مَا قُدِّرَ خَلْفَ حُجُبَاتِ الإِمْضَاءِ، لِيُفْصَلَ بِذَلِكَ مَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ رَحْمَتِكَ الْكُبْرَى عَنِ الَّذِي اسْتَكْبَرَ عَلَيْكَ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنِ اللِّقَآءِ عِنْدَ ظُهورِ جَمَالِكَ الأَعْلَى، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يا مَحْبُوبِي لَمَّا فُصِّلَ فِي الْمُلكِ أَحِبَّاؤُكَ مِنْ أَعدَائِكَ وَتَمَّ حُجَّتُكَ الأَعْظَمُ وَبُرْهَانُكَ الأَقْوَمُ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، إِذًا فَارْحَمِ الَّذِينَ هُمْ اسْتُضْعِفُوا فِي أَرْضِكَ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ فِي سَبِيلِكَ، ثُمَّ ارْفَعْهُمْ يا إِلَهِي بِاقْتِدَارِكَ وَمَشِيَّتِكَ ثُمَّ أَظْهِرْهُمْ عَلَى الأَمْرِ بِسَلْطَنَتِكَ وَإِرَادَتِكَ، فَوَعِزَّتِكَ مَا أَرَدْتَ فِي ظُهُورَاتِ نَصْرِكَ إِلاَّ ارْتِفَاعَ أَمْرِكَ وِإِعْلآءِ كَلِمَتِكَ، وَإِنِّي لَأَيْقَنْتُ بِأَنَّكَ لَو تُؤَخِّرُ فِي إِنْزَالِ نَصْرِكَ وَإِظْهَارِ قُدْرَتِكَ لَتَمْحُوَ آثَارَ سَلطَنَتِكَ فِي مُلْكِكَ وَتَضْمَحِلُّ آيَاتُ حُكُومَتِكَ فِي مَمْلَكَتِكَ، فَيَا إِلَهِي قَدْ ضَاقَ صَدْرِي وَأَخَذَنِي الْهَمُّ وَالْغَمُّ عَنْ كُلِّ الْجِهَاتِ بِمَا أَسْمَعُ كُلَّ ذِكْرٍ بَيْنَ عِبَادِكَ دُونَ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ، وَأَرَى كُلَّ شَيْءٍ بَيْنَ بَرِيَّتِكَ إِلاَّ مَا أَمَرْتَهُمْ بِهِ بِأَمْرِكَ وَقَضَيْتَ لَهُمْ بِسُلْطَانِ مَشِيَّتِكَ وَقَدَّرْتَ لَهُمْ بِمَليكِ تَقْدِيرِكَ، وَبَلَغُوا فِي الْغَفْلَةِ إِلى مَقَامِ الَّذي لَو أَحَدٌ مِنْ أَحِبَّائِكَ يُلْقِي عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَائِعِ آيَاتِ تَوْحِيدِكَ وَجَواهِرِ كَلِمَاتِ عِزِّ تَفْريدِكَ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَيَعْتَرِضُونَ عَلَيهِ وَيَسْتَهزِئُونَ بِهِ، وَإِنَّكَ أَنْتَ أَحْصَيْتَ كُلَّ ذَلِكَ بِإِحَاطَةِ قَيُّومِيَّتِكَ
وَأَحَطْتَ بِاقْتِدَارِ رُبُوبِيَّتِكَ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يَا سَيِّدي فَانْظُرْ إِلى صُدُورِ الَّتي تَشَبَّكَتْ مِنْ سِهَامِ أَعْدَائِكَ فِي مَحَبَّتِكَ، وَعَلى رُؤُوسِ الَّتي ارْتَفَعَتْ عَلَى الْقَنَاةِ لإِعْلَآءِ أَمْرِكَ وَارْتِفَاعِ ذِكْرِكَ، ثُمَّ ارْحَمْ قُلُوبَ الَّتي احْتَرَقَتْ مِنْ نَارِ حُبِّكَ وَوَرَدَ عَلَيْهِمْ مَا أَنْتَ تَعْلَمُ بِعِلْمِكَ، سُبْحَانَكَ يا إِلَهِي أَنْتَ تَعْلَمُ ما قُضِيَ مِنْ أَيَّامِكَ فِي عِشْرِينَ مِنَ السِّنِينِ إِلى أَنْ بَلَغَ الزَّمَانُ إِلى الْحِينِ وَوَرَدَ عَلَى أَصْفِيائِكَ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ الْبَعِيدَةِ مَا لا يُحْصَى بِالْبَيَانِ وَلا يُذْكَرُ بِاللِّسَانِ، بِحَيْثُ مَا وَجَدُوا مَوْطِنَ أَمْنٍ وَلا مَقْعَدَ صِدْقٍ، إِذًا يَا إِلَهِي بَدِّل خَوْفَهُمْ بِظُهُورَاتِ أَمْنِكَ وَأَمَانِكَ وَذُلَّهُمْ بِسُلْطَانِ عِزِّكَ وَفَقْرَهُمْ بِمَلِيكِ غَنَائِكَ وَاضْطِرَابَهُمْ بِبَدَائِعِ اسْتِقْرَارِكَ، وَهُبَّ عَلَيْهِمْ مِنْ نَسَمَاتِ عِزِّكَ وَرَحْمَتِكَ، ثُمَّ أَنْزِلْ عَلَيْهِمْ مِنْ بَدَائِعِ عِنَايَتِكَ مَا يُغْنِيْهِمْ عَنْ دُونِكَ وَيَنْقَطِعُهُمْ عَمَّا سِوَاكَ لِيَظْهَرَ سُلْطَانُ أَحَدِيَّتِكَ وَمَلِيكُ فَضْلِكَ وَإِفْضَالِكَ، أَمَا تَنْظُرُ يَا إِلَهِي عَلَى دُمُوعِ الَّتِيْ جَرَتْ عَلَى خُدُودِ أَحِبَّتِكَ؟ وَأَمَا تَرْحَمُ يَا مَحْبُوبِي عُيُونَ الَّتِيْ عَمَتْ فِي فِرَاقِكَ وَتَعْطِيلِ آيَاتِ نَصْرِكَ؟ وَأَمَا تَنْظُرُ يَا سَيّدِي قُلُوبَ الَّتِيْ اسْتَدَفَّتْ فِيهَا وَرْقَاءُ عِشْقِكَ وَشَوقِكَ؟ فَوَعِزَّتِكَ كَادَ الْأَمْرُ يَصِلُ إِلى مَقَامٍ يَمْحُو الرَّجَآءَ عَنْ أَفْئِدَةِ أَصْفِيائِكَ وَيَأْخُذُهُمْ نَقَمَاتُ الْيَأسِ بِمَا وَرَدَ عَلَيْهِمْ فِي أَيِّامِكَ، فَهَا أَنَا ذَا يَا إِلَهِي هَرَبْتُ عَنْ نَفْسِي إِلى نَفْسِكَ وَعَنْ ذَاتِي إِلى تَجَلِّيَاتِ أَنْوَارِ ذَاتِكَ، وَعَنْ شُئُونَاتِ بُعْدِي وَغَفْلَتِي إِلى نَفَحَاتِ قُرْبِكَ وَذِكْرِكَ، وَوَفَدْتُ عَلَى تُرَابِ مَدْيَنِ مَغْفِرَتِكَ وَإِحْسَانِكَ وَسَكَنْتُ فِي جِوَارِ رَحْمَتِكَ الْكُبْرَى، وَأَسْتَشْفِعُ بِسُلْطَانِ ذِكْرِكَ فِي قَمِيصِ جَمَالِكَ الْأَلْطَفِ الْأَعْلَى، بِأَنْ تُنَزِّلَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ عَلَى أَحِبَّتِكَ مَا
يَنْفَعُهُمْ عَنْ دُونِكَ وَيُخْلِصُهُمْ لِظُهُورَاتِ مَلِيكِ مَشِيَّتِكَ وَسُلْطَانِ إِرَادَاتِكَ، بِحَيْثُ لا يُرِيْدُونَ إِلاَّ مَا أَرَدْتَ لَهُمْ بِأَمْرِكَ وَلا يَشَاؤُنَ إِلاَّ بِمَا شِئْتَ لَهُمْ بِمَشِيَّتِكَ، ثُمَّ طَهِّرْ يَا إِلَهِي أَبْصَارَهُمْ لِمُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ جَمَالِكَ وَسَمْعَهُمْ لاسْتِمَاعِ نَغَمَاتِ وَرْقَآءِ عِزِّ هُوِيَّتِكَ، ثُمَّ امْلَأْ قُلُوبَهُمْ مِنْ بَدَائِعِ حُبِّكَ ثُمَّ احْفَظْ لِسَانَهُمْ عَنْ ذِكْرِ غَيْرِكَ وَوُجُوهَهُمْ عَنِ التَّوَجُّهِ إِلى غَيْرِكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ، ثُمَّ احْفَظْ يَا مَحْبُوبِي بِمَحَبَّتِكَ إِيَاهُمْ وَمَحَبَّتِهِمْ إِيَّاكَ هَذَا الْعَبْدَ الَّذي فَدَى بِكُلِّهِ لِحَضْرَتِكَ وَأَنْفَقَ كُلَّ مَا أَعْطَيْتَهُ فِي سَبِيلِ مَحَبَّتِكَ وَمَنَاهِجِ رِضَائِكَ عَنْ كُلِّ مَا يَكْرَهُهُ نَفْسُكَ ثُمَّ مِنْ كُلِّ مَا يَمْنَعُنِي عَنِ الدُّخُولِ فِي سُرَادِقِ قُدْسِ سَلْطَنَتِكَ وَالْوُرُودِ إِلى مَقَاعِدِ عِزِّ أَحَدِيَّتِكَ ثُمَّ اجْعَلْنِي يَا إِلَهِي مِنَ الَّذينَ مَا شَغَلَهُمْ شَيْءٌ عَنْ زِيَارِةِ جَمَالِكَ وَالتَّفَكُّرِ فِي بَدَائِعِ صُنْعِ أَزَلِيَّتِكَ حَتّى لا أَسْتَأْنِسَ بِأَحَدٍ دُوْنَكَ وَلا أَلْتَفِتَ إِلى نَفْسٍ سِوَاكَ، وَلا أَرَى فِي شَيْءٍ عَمَّا خَلَقْتَهُ فِي مَلَكُوتِ مُلْكِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ بَدِيعَ جَمَالِكَ وَظُهُورَ أَنْوَارِ وَجْهِكَ، وَأَسْتَغْرِقَ فِي طَمَاطِمِ سُلْطَانِ رُبُوبِيَّتِكَ وَيَمَايِمِ قُدْسِ أَحَدِيَّتِكَ عَلَى مَقَامِ الَّذِي أَنْسَى كُلَّ الْأَذْكَارِ دُوْنَ أَذْكَارِ عِزِّ هُوِيَّتِكَ، وَأَغْفَلَ عَنْ كُلِّ الإِشَارَاتِ يَا مَنْ بِيَدِكَ جَبَرُوتُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَسُبْحَانَكَ يَا مَقْصُودِي فَوَعِزَّتِكَ أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ عَلَى شَأْنِ الَّذِي لَو يَحْضُرْنَ بَيْنَ يَدَيَّ طَلَعَاتُ اللَّواتِي كُنَّ فِي غُرُفَاتِ عِصْمَتِكَ، وَسَتَرْتَ جَمَالَهُنَّ عَنْ مُلاحَظَةِ الْمَوجُودَاتِ وَطَهَّرْتَ وجُوهَهُنَّ عَنْ مُشَاهَدَةِ الْمُمْكِنَاتِ وَيَظْهَرْنَ بِظُهُورَاتِ أَنْوارِ جَمَالِكَ الْمَنِيعِ، لا أَلْتَفِتُ عَلَيْهِنَّ وَلا أَتَوجَّهُ إِلَيْهِنَّ إِلا لِمُلَاحَظَةِ أَسْرَارِ صُنْعِكَ الَّذِي تَحَيَّرَتْ فِيْهِ أَفْئِدَةُ
الْمُقَرَّبِينَ وَكَاعَتْ أَنْفُسُ الْعَارِفِينَ، وَأَرْتَقِي بِحَوْلِكَ وَقُوَّتِكَ إِلى مَقَامِ الَّذِي لَنْ يَشْغُلَنِي شَأْنٌ عَنْ شُئُونَاتِ عِزِّ قَيُّومِيَّتِكَ وَلا تَحْجُبُنِي هَنْدَسِيَّاتُ الْمُلْكِيَّةِ عَنْ ظُهُورَاتِ قُدْسِ أُلُوهِيَّتِكَ، سُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يَا إِلَهِي وَمَحْبُوبِي وَسَيِّدِي وَمَقْصُودِي لا تُخَيِّبْ هَذَا الذَّليْلَ عَنْ شَاطِئِ عِزِّكَ، وَلا تَحْرِمْ هَذَا الْمِسْكِينَ عَنْ مَيادِينِ غَنَائِكَ، وَلا تَطْرُدْ هَذَا السَّائِلَ عَنْ أَبْوَابِ فَضْلِكَ وَإِحْسَانِكَ وَمَوْهِبَتِكَ، ثُمَّ ارْحَمْ هَذَا الْمُفْتَقِرَ الَّذِي مَا اتَّخَذَ لِنَفْسِهِ وَليًّا دُونَكَ وَلا أَنِيسًا سِوَاكَ وَلا مُصَاحِبًا غَيْرَكَ وَلا مَحْبُوبًا إِلاَّ أَنْتَ وَلا مَقْصُودًا إِلاَّ إِيَّاكَ، ثُمَّ انْظُرنِي يَا إِلَهِي بِلَحَظَاتِ رَحْمَتِكَ ثُمَّ اغْفِرْ جَرِيرَاتِي وَجَرِيرَاتِ أَحِبَّتِكَ الَّتِي حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ إِنْزَالِ نَصْرِكَ وَإِفْضَالِكَ، ثُمَّ كَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِ الَّتِي احْتَجَبَتْ بِهَا وجُوهُنَا عَنْ مُلاحَظَةِ أَنْوَارِ شَمْسِ أَلْطَافِكَ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَآءُ وَتَحْكُمُ كَيْفَ تَشَآءُ لا تُسْئَلُ عَمّا شِئْتَ بِسُلْطَانِكَ وَلا تُرَدُّ عَمَّا قَضَيْتَ بِقَضَائِكَ، لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الْعَزيزُ الْقَادِرُ الْحَيُّ الرَّؤُفُ.
هَذَا لَوحٌ قَدْ نُزِّلَ فِي الرِّضْوَانِ لِيَقْرَأَ الْكُلُّ فِي عِيدِ الرِّضْوَانِ بِلَحْنِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ.
بِسْمِهِ الْمُجَلِّي عَلَى مَنْ فِي الإِمْكَانِيَا قَلَمَ الأَعْلَى قَدْ أَتَى رَبِيعُ الْبَيَانِ بِمَا تَقَرَّبَ عِيدُ الرَّحْمنِ قُمْ بَيْنَ مَلإِ الإِنْشَاءِ بِالذِّكْرِ وَالثَّنَاءِ عَلَى شَأْنٍ يُجَدَّدُ بِهِ قَمِيصُ الإِمْكَانِ وَلا تَكُنْ مِنَ الصَّامِتِينَ، قَدْ طَلَعَ نَيِّرُ الابْتِهَاجِ مِنْ أُفُقِ سَمَآءِ اسْمِنَا الْبَهَّاجِ بِمَا تزَيَّنَ مَلَكُوتُ الأَسْمَاءِ بِاسْمِ رَبِّكَ فَاطِرِ السَّمَاءِ قُمْ بَيْنَ الأُمَمِ بِهَذَا
الاسْمِ الأَعْظَمِ وَلا تَكُنْ مِنَ الصَّابِرِينَ، إِنَّا نَرَاكَ مُتَوَقِّفًا عَلَى اللَّوْحِ هَلْ أَخَذَتْكَ الْحَيْرَةُ مِنْ أَنْوَارِ الْجَمَالِ وَالأَحْزَانُ بِمَا سَمِعْتَ مَقَالاتِ أَهْلِ الضَّلالِ، إِيَّاكَ أَنْ يَمْنَعَكَ شَيْءٌ عَنْ ذِكْرِ هَذَا الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ فُكَّ رَحِيقُ الْوِصَالِ بِإِصْبَعِ الْقُدْرَةِ وَالْجَلالِ وَدُعِيَ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ، وَاخْتَرْتَ الاصْطِبَارَ بَعْدَ الَّذِي وَجَدْتَ نَفَحَاتِ أَيَّامِ اللهِ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْمُحْتَجِبِينَ، يَا مَالِكَ الأَسْمَاءِ وَفَاطِرَ السَّمَآءِ لَسْتُ مُحْتَجِبًا مِنْ شُؤُونَاتِ يَوْمِكَ الَّذِي أَصْبَحَ مِصْبَاحَ الْهُدَى بَيْنَ الْوَرَى وَآيَةَ الْقِدَمِ لِمَنْ فِي الْعَالَمِ، لَوْ كُنْتُ صَامِتًا هَذَا مِنْ حُجُبَاتِ خَلْقِكَ وَبَرِيَّتِكَ وَلَوْ كُنْتُ سَاكِنًا إِنَّهُ مِنْ سُبُحَاتِ أَهْلِ مَمْلَكَتِكَ، تَعْلَمُ مَا عِنْدِي وَلا أَعْلَمُ مَا عِنْدَكَ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ بِاسْمِكَ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْمَاءِ، لَوْ جَآءَنِي أَمْرُكَ الْمُبْرَمُ الأَعْلَى لأَحْيَيْتُ مَنْ عَلَى الأَرْضِ بِالْكَلِمَةِ الْعُلْيَا الَّتِي سَمِعْتُهَا مِنْ لِسَانِ قُدْرَتِكَ فِي مَلَكُوتِ عِزِّكَ وَبَشَّرْتُهُمْ بِالْمَنْظَرِ الأَبْهَى مَقَامِ الَّذِي فِيهِ ظَهَرَ الْمَكْنُونُ بِاسْمِكَ الظَّاهِرِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ، يَا قَلَمِ هَلْ تَرَى الْيَوْمَ غَيْرِي أَيْنَ الأَشْيَاءُ وَظُهُورَاتُهَا وَأَيْنَ الأَسْمَاءُ وَمَلَكُوتُهَا وَالْبَوَاطِنُ وَأَسْرَارُهَا وَالظَّوَاهِرُ وَآثَارُهَا، قَدْ أَخَذَ الْفَنَاءُ مَنْ فِي الإِنْشَاءِ وَهَذَا وَجْهِيَ الْبَاقِي الْمُشِرِقُ الْمُنِيرُ، هَذَا يَوْمٌ لا يُرَى فِيهِ إِلاَّ الأَنْوَارُ الَّتِي أَشْرَقَتْ وَلاحَتْ مِنْ أُفُقِ وَجْهِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْكَرِيمِ، قَدْ قَبَضْنَا الأَرْواحَ بِسُلْطَانِ الْقُدْرَةِ وَالاقْتِدَارِ، وَشَرَعْنَا فِي خَلْقٍ بَدِيعٍ فَضْلاً مِنْ عِنْدِنَا وَأَنَا الْفَضَّالُ الْقَدِيمُ، هَذَا يَوْمٌ فِيهِ يَقُولُ اللاَّهُوتُ طُوبَى لَكَ يَا نَاسُوتُ بِمَا جُعِلْتَ مَوْطِئَ قَدَمِ اللهِ وَمَقَرَّ عَرْشِهِ الْعَظِيمِ وَيَقُولُ الْجَبَرُوتُ نَفْسِي لَكَ الْفِدَآءُ بِمَا اسْتَقَرَّ عَلَيْكَ مَحْبُوبُ الرَّحْمَنِ الَّذِي بِهِ وُعِدَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، هَذَا يَوْمٌ فِيهِ اسْتَعْطَرَ كُلُّ عِطْرٍ مِنْ
عِطْرِ قَمِيصِ الَّذِي تَضَوَّعَ عَرْفُهُ بَيْنَ الْعَالَمِينَ، هَذَا يَوْمٌ فِيْهِ فَاضَ بَحْرُ الْحَيَوَانِ مِنْ فَمِ مَشِيَّةِ الرَّحْمنِ هَلُمُّوا وَتَعَالَوْا يَا مَلأَ الأَعْلَى بِالأَرْوَاحِ وَالْقُلُوبِ، قُلْ هَذَا مَطْلِعُ الْغَيْبِ الْمَكْنُونِ لَوْ أَنْتُمْ مِنَ الْعَارِفِيْنَ وَهَذَا مَظْهَرُ الْكَنْزِ الْمَخْزُونِ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ الْقَاصِدِيْنَ، وَهَذَا مَحْبُوبُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ لَوْ أَنْتُمْ مِنَ الْمُقْبِلِيْنَ، يَا قَلَمِ إِنَّا نُصَدِّقُكَ فِيمَا اعْتَذَرْتَ بِهِ فِي الصَّمْتِ مِا تَقُولُ فِي الْحَيْرَةِ الَّتِي نَرَاكَ فِيهَا يَقُولُ إِنَّهَا مِنْ سُكْرِ خَمْرِ لِقَائِكَ يَا مَحْبُوبَ الْعَالَمِينَ، قُمْ بَشِّرِ الإِمْكَانَ بِمَا تَوَجَّهَ الرَّحْمنُ إِلَى الرِّضْوَانِ ثُمَّ اهْدِ النَّاسَ إِلى الْجَنَّةِ الَّتِي جَعَلَها اللهُ عَرْشَ الْجِنَانِ، إِنَّا جَعَلْنَاكَ الصُّورَ الأَعْظَمَ لِحَيوَةِ الْعَالَمِينَ، قُلْ تِلْكَ جَنَّةٌ رُقِمَ عَلَى أَوْرَاقِ مَا غُرِسَ فِيها مِنْ رَحِيقِ الْبَيَانِ قَدْ ظَهَرَ الْمَكْنُونُ بِقُدْرَةٍ وَسُلْطَانٍ، إِنَّهَا لَجَنَّةٌ تَسْمَعُ مِنْ حَفِيفِ أَشْجَارِهَا يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ قَدْ ظَهَرَ مَا لا ظَهَرَ مِنْ قَبْلُ وَأَتَى مَنْ كَانَ غَيْبًا مَسْتُورًا فِي أَزَلِ الآزَالِ، وَمِنْ هَزِيزِ أَرْيَاحِهَا قَدْ أَتَى الْمَالِكُ وَالْمُلْكُ للهِ ومِنْ خَرِيرِ مَائِهَا قَدْ قَرَّتِ الْعُيُونُ بِمَا كَشَفَ الْغَيْبُ الْمَكْنُونُ عَنْ وَجْهِ الْجَمَالِ سِتْرُ الْجَلالِ وَنَادَتْ فِيْهَا الْحُورِيَّاتُ مِنْ أَعْلَى الْغُرُفَاتِ أَنْ أَبْشِرُوا يَا أَهْلَ الْجِنَانِ بِمَا تَدُقُّ أَنَامِلُ الْقِدَمِ النَّاقُوسَ الأَعْظَمَ فِي قُطْبِ السَّمَآءِ بِاسْمِ الأَبْهَى، وَأَدَارَتْ أَيَادِي الْعَطَاءِ كَوْثَرَ الْبَقَآءِ تَقَرَّبُوا ثُمَّ اشْرَبُوا هَنِيئًا لَكُمْ يَا مَطَالِعَ الشَّوْقِ وَمَشَارِقَ الاشْتِياقِ، إِذًا طَلَعَ مَطْلِعُ الأَسْمَآءِ مِنْ سُرَادِقِ الْكِبْرِيَاءِ مُنَادِيًا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ يَا أَهْلَ الرِّضْوَانِ دَعُوا كُؤُوسَ الْجِنَانِ وَمَا فِيهِنَّ مِنْ كَوْثَرِ الْحَيَوانِ، لأَنَّ أَهْلَ الْبَهَاءِ دَخَلُوا جَنَّةَ اللِّقَآءِ وَشَرِبُوا رَحِيْقَ الْوِصَالِ مِنْ كَأْسِ جَمَالِ رَبِّهِمِ الْغَنِيِّ الْمُتَعَالِ، يَا قَلَمِ دَعْ ذِكْرَ الإِنْشَآءِ وَتَوَجَّه إِلى وَجْهِ رَبِّكَ
مَالِكِ الأَسْمَآءِ، ثُمَّ زَيِّنِ الْعَالَمَ بِطِرَازِ أَلْطَافِ رَبِّكَ سُلْطَانُ الْقِدَمِ، لأَنَّا نَجِدُ عَرْفَ يَوْمٍ فِيْهِ تَجَلَّى الْمَقْصُودُ عَلَى مَمَالِكِ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ بِأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَشُمُوسِ أَلْطَافِهِ الَّتِي مَا اطَّلَعَ بِهَا إِلاَّ نَفْسُهُ الْمُهَيْمِنَةُ عَلَى مَنْ فِي الإِبْدَاعِ، لا تَنْظُرِ الْخَلْقَ إِلاَّ بِعَيْنِ الرَّأْفَةِ وَالْوِدَادِ لأَنَّ رَحْمَتَنَا سَبَقَتِ الأَشْيَآءَ وَأَحَاطَ فَضْلُنَا الأَرَضِينَ وَالسَّمَواتِ، وَهَذَا يَوْمٌ فِيْهِ يُسْقَى الْمُخْلِصُونَ كَوْثَرَ اللِّقَاءِ وَالْمُقَرَّبُونَ سَلْسَبِيلَ الْقُرْبِ وَالْبَقَآءِ وَالْمُوَحِّدُونَ خَمْرَ الْوِصَالِ فِي هَذَا الْمَنَالِ الَّذِي فِيْهِ يَنْطِقُ لِسَانُ الْعَظَمَةِ وَالإِجْلالِ الْمُلْكُ لِنَفْسِي وَأَنَا الْمَالِكُ بِالاسْتِحْقَاقِ أَجْتَذِبُ الْقُلُوبَ بِنِدَاءِ الْمَحْبُوبِ، قُلْ هَذَا لَحْنُ اللهِ إِنْ أَنْتُمْ تَسْمَعُونَ، وَهَذَا مَطْلِعُ وَحِيِ اللهِ لَوْ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ، وَهَذَا مَشْرِقُ أَمْرِ اللهِ لَوْ أَنْتُمْ تُوقِنُونَ، وَهَذَا مَبْدَأُ حُكْمِ اللهِ لَوْ أَنْتُمْ تُنْصِفُونَ، هَذَا لَهُوَ السِّرُّ الظَّاهِرُ الْمَسْتُورُ لَوْ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ، قُلْ يَا مَلأَ الإِنْشَاءِ دَعُوا مَا عِنْدَكُمْ بِاسْمِيَ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْمَاءِ وَتَغَمَّسُوا فِي هَذَا الْبَحْرِ الَّذِي فِيْهِ سُتِرَ لَئَالِئُ الْحِكْمَةِ وَالتِّبْيَانِ وَتَمَوَّجَ بِاسْمِيَ الرَّحْمنِ، كَذَلِكَ يُعَلِّمُكُمْ مَنْ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ، قَدْ أَتَى الْمَحْبُوبُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى رَحِيْقُ اسْمِهِ الْمَخْتُومُ، طُوبَى لِمَنْ أَقْبَلَ وَشَرِبَ وَقَالَ لَكَ الْحَمْدُ يَا مُنْزِلَ الآيَاتِ، تَاللهِ مَا بَقِيَ مِنْ أَمْرٍ إِلا وَقَدْ ظَهَرَ بِالْحَقِّ، وَمَا مِنْ نِعْمَةٍ إِلاَّ وَقَدْ نَزَلَتْ بِالْفَضْلِ، وَمَا مِنْ كَوْثَرٍ إِلاَّ وَقَدْ مَاجَ فِي الْكُؤوبِ، وَمَا مِنْ قَدَحٍ إِلاَّ وَأَدَارَهُ الْمَحْبُوبُ، أَنْ أَقْبِلُوا وَلا تَوَقَّفُوا أَقَلَّ مِنْ آنٍ، طُوبَى لِلَّذِينَ طَارُوا بِأَجْنِحَةِ الانْقِطَاعِ إِلى مَقَامٍ جَعَلَهُ اللهُ فَوقَ الإِبْدَاعِ، وَاسْتَقَامُوا عَلَى الأَمْرِ عَلَى شَأْنٍ مَا مَنَعَتْهُمْ أَوْهَامُ الْعُلَمَآءِ وَلا جُنُودُ الآفَاقِ، يَا قَوْمِ هَلْ مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَدَعُ الْوَرَى مُقْبِلاً إِلى اللهِ مَالِكِ الأَسْمَاءِ وَيَضَعُ مَا
عِنْدَ النَّاسِ بِسُلْطَانِ اسْمِيَ الْمُهَيْمِنِ عَلَى الأَشْيَآءِ آخِذًا بِيَدِ الْقُوَّةِ مَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدَى اللهِ عَالِمُ السِّرِّ وَالأَجْهَارِ، كَذَلِكَ نُزِّلَتِ النِّعْمَةُ وَتَمَّتِ الْحُجَّةُ وَأَشْرَقَ الْبُرْهَانُ مِنْ أُفُقِ الرَّحْمنِ إِنَّ الْفَوْزَ لِمَنْ أَقْبَلَ وَقَالَ لَكَ الْحَمْدُ يَا مَحْبُوبَ الْعَالَمِينَ وَلَكَ الْحَمْدُ يَا مَقْصُودَ الْعَارِفِينَ، أَنِ افْرَحُوا يَا أَهْلَ اللهِ بِذِكْرِ أَيَّامٍ فِيْهَا ظَهَرَ الْفَرَحُ الأَعْظَمُ بِمَا نَطَقَ لِسَانُ الْقِدَمِ إِذْ خَرَجَ مِنَ الْبَيْتِ مُتَوَجِّهًا إِلى مَقَامٍ فِيْهِ تَجَلَّى بِاسْمِهِ الرَّحْمنِ عَلَى مَنْ فِي الإِمْكَانِ، تَاللهِ لَوْ نَذْكُرُ أَسْرَارَ ذَاكَ الْيَوْمِ لَيَنْصَعِقُ مَنْ فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللهُ الْمُقْتَدِرُ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، إِذْ أَخَذَ سُكْرُ خَمْرِ الآيَاتِ مَظْهَرَ الْبَيِّنَاتِ وَخَتَمَ الْبَيَانَ بِذِكْرِ إِنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْمُتَعَالِي الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْعَلاَّمُ.
هَذِهِ سُورَةُ الْقَلَمِ قَدْ نُزِّلَتْ مِنْ سَمَآءِ الْقِدَمِ لِلَذِينَهُمْ إِلَى
شَطْرِ العَرْشِ يَنْظُرُونَأَنْ يَا قَلَمَ الأَعْلَى فَاشْهَدْ فِي نَفْسِكَ بِأَنَّهُ هُوَ اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّومُ ثُمَّ اشْهَدْ بِذَاتِكَ بِأَنِّي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَكُلٌّ خُلِقُوا بِأَمْرِي وَكُلٌّ بِأَمْرِي يَعْمَلُونَ ثُمَّ اشْهَدْ بِكَينُونَتِكَ بِأَنَّ هَذَا لَجَمَالُ اللهِ قَدْ أَشْرَقَ عَنْ أُفُقِ الْغَيْبِ وَمَا عَرَفَهُ أَحَدٌ دُوْنَهُ وَلَنْ يَعْرِفَهُ سِوَاهُ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْمَحْبُوبُ ومِنْ تَجَلٍّ مِنْهُ أَشْرَقَتْ شُمُوسُ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَآءِ وَخُلِقَتْ أَفْئِدَةُ أَهْلِ مَلإِ الْبَقَآءِ ثُمَّ حَقَايِقُ الْقُدْسِ خَلْفَ حُجُبَاتِ الْعَمَآءِ وَظَهَرَتْ أَسْرَارُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، أَنْ يَا قَلَمِ لا تَنْصَعِقْ فِي نَفْسِكَ لأَنَّا عَصَمْنَاكَ بِسُلْطَانِ الْقُوَّةِ وَالْقُدْرَةِ وَنَفَخْنَا فِيْكَ
مِنْ رُوْحِ لو يُنْفَخُ مِنْهُ فِي أَجْسَادِ الْمُمْكِنَاتِ أَقَلَ مِنْ أَنْ يُحْصَى لَيَقُومَنَّ كُلُّهُمْ عَنْ مَقَاعِدِهِمْ وَيَقُولُنَّ بِأَلْسُنِهِمْ وَيَنْطِقُنَّ بِذَوَاتِهِمْ وَيَشْهَدُنَّ بِكَينُونَاتِهِمْ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَظِّمُ الْمُتَعَالِي الْعَزِيزُ الْفَرْدُ الْغَالِبُ الْقَيُّومُ، أَنْ يَا قَلَمَ الأَمْرِ فَاسْتَقِمْ فِي ذَاتِكَ ثُمَّ أَظْهِرْ فَضْلَكَ عَلَى الْمَوْجُودَاتِ، عَمَّا أَعْطَاكَ اللهُ قَبْلَ خَلْقِ الْحُرُوفِ وَالْكَلِمَاتِ وَقَبْلَ وجُودِ الْمُمْكِنَاتِ وَقَبْلَ أَنْ يُذَوَّتَ مَلَكُوتُ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَقَبْلَ أَنْ يَظْهَرَ أَلْوَاحُ عِزِّ مَحْفُوظٍ، قُلْ إِنَّ هَذَا لَعِزٌ مَا سَبَقَهُ عِزٌّ لا مِنْ قَبْلُ وَلا مِنْ بَعْدُ الْبَعْدِ إِنْ أَنْتُمْ يَا مَلأَ الرُّوحِ تَفْقَهُونَ وَإِنَّ هَذَا لجَمَالٌ مَا سَبَقَهُ جَمَالٌ مِنْ أَوَّلِ الَّذي لا أَوَّلَ لَهُ إِنْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ قُلْ مَنْ خَطَرَ فِي قَلْبِهِ بِالتَّقَابُلِ بِهَذَا الْقَلَمِ أَوِ الْمُشَارَكَةِ مَعَهُ أَوِ التَّقَرُّبِ إِلَيْهِ أَوْ عِرْفَانِ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ يُوْقِنُ بِأَنَّ الشَّيْطَانَ وَسْوَسَ فِي نَفْسِهِ كَذَلِكَ نُزِّلَ الأَمْرُ إِنْ أَنْتُمْ تَشْعُرُونَ، قُلْ تَاللهِ مَا سَبَقَنِي أَحَدٌ فِي الإِبْدَاعِ وَلَنْ يَسْبِقَنِي نَفْسٌ وَهَذَا مَا رُقِمَ حِيْنَئِذٍ مِنْ أَنَامِلِ قُدْسٍ قَيُّومٍ، قُلْ إِنَّ بِحَرْفٍ عَمَّا ظَهَرَ مِنِّي خُلِقَتِ الْمُمْكِنَاتُ وَحَقَايقُ الْمَوجُودَاتِ وَعَوَالِمُ الَّتِي مَا اطَّلَعَ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ نَفْسِيَ الْعَزِيزُ الْمَشْهُودُ، أَنْ يَا قَلَمِ فَاسْمَعْ مَا يَقُولُونَ الْمُشْرِكُونَ فِي حَقِّكَ قُلْ يَا مَلأَ الْبَغْضَاءِ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ ثُمَّ بِغِلِّكُمْ ثُمَّ بِحَسَدِكُمْ ثُمَّ بِكُفْرِكُمْ تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ هَذَا لَقَلَمٌ بِإِرَادَةٍ مِنْهُ خُلِقَتْ أَرْوَاحُ مَلإِ الأَعْلَى ثُمَّ حَقَايِقُ أَهْلِ الْبَقآءِ ثُمَّ جَوَاهِرُ الأَفْئِدَةِ وَالْعُقُولِ وَبِأَثَرٍ مِنْهُ خُلِقَتْ شُمُوسُ الْعِزَّةِ وَالْعَظَمَةِ وَبُدُورُ الْعِصْمَةِ وَالرِّفْعَةِ ثُمَّ أَنْجُمُ الْعِنَايَةِ وَالْمَكْرُمَةِ وَبِهِ ظَهَرَتِ الْجِنَانُ وَمَا فِيْهَا وَالرِّضْوَانُ وَمَا عَلَيْهِ إِنْ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ، قُلْ بِحَرَكَةٍ مِنِّي ظَهَرَ عِلْمُ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ثُمَّ خَلْقُ الأَوَّلِينَ وَالآخِريِنَ إِذًا فَافْتَحُوا
عُيُونَكُمْ لَعَلَّ أَنْتُمْ تَشْهَدُونَ، أَنْ يَا قَلَمِ فَاكْفِ بِمَا أَلْقَيْتَ عَلَى الْمُمْكِنَاتِ مِنْ سُلْطَانِكَ وَقُدْرَتِكَ لأَنَّ قُلُوبَ الْمُغِلِّينَ تَكَادُ أَنْ تُمَيَّزَ مِنَ الْغِلِّ فَاسْتُرْ أَمْرَكَ وَلا تَفْشِ أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ لأَنَّ سَمَوَاتِ الْقِدَمِ تَنْفَطِرُ عَنْ قَوْلِكَ وَأَرْضَ الْقُدْسِ تَنْشَقُّ فِي نَفْسِهَا وَأَهْلَ حُجُبَاتِ الأُنْسِ فِي فِرْدَوْسِ الْعَظَمَةِ كُلُّهُمْ يَنْصَعِقُونَ، أَنِ اصْبِرْ فِي نَفْسِكَ لأَنَّ مَنْ عَلَى الأَرْضِ لَنْ يَسْتَطِيعُنَّ أَنْ يَشْهَدُنَّ سُلْطَانَكَ وَيَسْمَعُنَّ مَا يَظْهَرُ مِنْ شُئُونَاتِكَ فَكَيْفَ مُوجِدِكَ وَخَالِقِكَ الَّذِي خَلَقَكَ بِقَوْلٍ مِنْهُ فَتَعَالَى رَبُّكَ عَمَّا يَجْرِي مِنْكَ مِنْ بَعْدُ وَظَهَرَ مِنْكَ مِنْ قَبْلُ فَتَعَالَى عَمَّا عَرَفَهُ الْمُقَرَّبُونَ وَعَمَّا يَعْرِفُهُ الْمُخْلِصُونَ، إِيَّاكَ إِيَّاكَ فَاكْفِ بِمَا أُظْهِرَ مِنْكَ تَاللهِ الْحَقِّ لَو يُقَابِلُنَّ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا مِنَ الأَشْجَارِ وَالأَثْمَارِ وَالأَوْرَاقِ وَالأَفْنَانِ وَالأَغْصَانِ وَالْمِيَاهِ وَالْبِحَارِ وَالْجِبَالِ بِحَرْفٍ عَمَّا ظَهَرَ مِنْكَ لَيَنْطِقُنَّ فِي أَنْفُسِهِمْ بِمَا نَطَقَتْ شَجَرَةُ الطُّورِ عَلَى أَرْضِ الظُّهُورِ لِمُوسَى الْكَلِيمِ فِي وَادِي قُدْسٍ مَبْرُوكٍ، أَنْ يَا قَلَمِ فَأَنْصِتْ عَنْ بَدَايِعِ الذِّكْرِ فِيْمَا أَعْطَاكَ اللهُ ثُمَّ انْقَطِعْ عَمَّا عِنْدَكَ ثُمَّ بَشِّرِ النَّاسَ بِالْكَلِمَةِ الأَكْبَرِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ لَعَلَّ يَعْرِفُنَّ بَارِئَهُمْ بِنَفْسِهِ ثُمَّ عَنْ دُونِهِ يَنْقَطِعُونَ ثُمَّ بَشِّرْ أَهْلَ مَلإِ الأَعْلَى وَقُلْ يَا أَهْلَ مَلإِ الْعَظَمَةِ فِي سُرَادِقِ الْكِبْرِيَاءِ وَيَا أَهْلَ جَبَرُوتِ الْقُدْرَةِ خَلْفَ خِبَاءِ الأَبْهَى وَيَا أَهْلَ مَلَكُوتِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فِي مَوَاقِعِ الْقُدْسِ خَلْفَ لُجَجِ الْبَقَآءِ ثُمَّ يَا مَظَاهِرَ الأَسْمَآءِ فِي حُجُبَاتِ الْعَمَاءِ عَيِّدُوا فِي أَنْفُسِكُمْ فِي هَذَا الْعِيدِ الأَكْبَرِ الَّذِي فِيْهِ يَسْقِي اللهُ بِنَفْسِهِ رَحِيقَ الأَطْهَرَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ قَامُوا لَدَى الْوَجْهِ بِخُضُوعٍ مَحْبُوبٍ ثُمَّ زَيِّنُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ حُرَرِ الإِيقَانِ ثُمَّ أَجْسَادَكُمْ مِنْ
سُنْدُسِ الرَّحْمنِ بِمَا ظَهَرَ وَأَشْرَقَ ثُمَّ طَلَعَ وَأَبْرَقَ نُورٌ عَنْ مَشْرِقِ الْجَبِينِ وَسَجَدَ عِنْدَ ظُهُورِهِ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِنْ أَنْتُمْ تَفْقَهُونَ، قُلْ تَاللهِ الْحَقِّ مَا ظَهَرَ شِبْهُهُ فِي الإِبْدَاعِ وَمَنْ أَقَرَّ بِغَيْرِ ذَلِكَ شَهِدَ بِغَيْرِ مَا شَهِدَ اللهُ وَيَكُونُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فِي أَلْوَاحِ عِزٍّ مَحْفُوظٍ، قُلْ بِهَذا النُّورِ خُلِقَ خَلْقُ اللَّاهُوتِ وَحَقَائِقُهَا وَبُعِثَتْ هَيَاكِلُ أَهْلِ الْجَبَرُوتِ وَذَواتُهَا وَبِهِ خَلَقَ اللهُ عَوَالِمَ لا لَهَا مِنْ بِدَايَةٍ وَلا مِنْ نِهَايَةٍ وَمَا اطَّلَعَ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ مَنْ شَاءَ رَبُّهُ كَذَلِكَ نُلْقِي عَلَيْكُمُ الأَسْرَارُ لَعَلَّ أَنْتُمْ فِي آثَارِ اللهِ تَتَفَكَّرُونَ، قُلْ هَذَا لَنُورٌ قَدْ خَضَعَتْ عِنْدَ تَجَلِّيهِ كُلُّ الأَعْنَاقِ وَسَجَدَتْ لَدَى ظُهُورِهِ أَرْوَاحُ الْمُقَرَّبِينَ ثُمَّ أَفْئِدَةُ الْمُقَدَّسِينَ ثُمَّ حَقَائِقُ الْمُسَبِّحِينَ ثُمَّ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ، أَنْ يَا أَهْلَ حَرَمِ الْقُدْسِ تَاللهِ هَذَا لَحَرَمُ اللهِ فِيْكُمْ وَحِلُّ الْقُدْسِ بَيْنَكُمْ وَمَشْعَرُ الرُّوحِ تِلْقَاءَ وجُوهِكُمْ وَمَقَامُ الأَمْنِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، إِيَّاكُمْ أَنْ تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ عَنْ حَرَمٍ الْعِرفانِ فَاسْرُعُوا إِليهِ ولا تَكُونُنَّ مِنَ الَّذِينَ هُمْ مُتَوَقِّفُونَ وَهَذَا حَرَمٌ يَطُوفُنَّ فِي حَوْلِهِ هَيَاكِلُ الأَحَدِيَّةِ ثُمَّ حَقَايقُ الصَّمَدِيَّةِ ثُمَّ ذَوَاتُ الْقِدَمِيَّةِ وَجَعَلَ اللهُ فِنَاءَهُ مُقَدَّسًا عَنْ مَسِّ كُلِّ مُشْرِكٍ مَرْدُودٍ وَتَسْتَبْرِكُنَّ بِخِدْمَتِهِ حُورِيَّاتُ الْفِرْدَوسِ ثُمَّ أَهْلُ غُرُفَاتِ الإِفْرِيدُوسِ ثُمَّ أَهْلُ حَظَائِرِ الْقُدْسِ وَمَقَاعِدِ الأُنْسِ وَلَكِنَّ النَّاسَ أَكْثَرَهُمْ لا يَفْقَهُونَ، أَنْ اخْرُجُوا يَا أَهْلَ الأَرْضِ والسَّمَاءِ عَنْ مَقَاعِدِكُمْ لِلحَجِّ الأَكْبَرِ فِي هَذَا الْجَمَالِ الْمُشْرِقِ الأَطْهَرِ فَلَمَّا شَهِدَ اللهُ عَجْزَ أَنْفُسِكُمْ عَفَى عَنْكُمْ وَلَكِنْ أَنْتُمْ بِقُلُوبِكُمْ فَاسْرُعُونَ وَلَنْ يُوفَّقَ بِذَلِكَ أَحَدٌ إِلاَّ الَّذِينَ لَنْ يَشْهَدُنَّ كُلَّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ كَيَومٍ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مَذْكُورًا أُولَئِكَ يُسْقَونَ مِنْ أَيَادِي رَبِّهِمْ رَحِيقَ قُدْسٍ مَخْتُومٍ،
وَمَنْ يَتَوَجَّهُ إِلى هَذَا الشَّطْرِ الأَطْهَرِ الأَنْوَرِ لَيَطُوفُنَّ فِي حَولِهِ شُمُوسٌ مُشْرِقَاتٌ الَّتِيْ مَا قُدِّرَ لَهَا مِنْ أَوَّلٍ وَلا مِنْ آخِرٍ وَيَسْتَشْرِقُ عَنْ أُفُقِ قَلْبِهِ شَمْسُ الشُّمُوسِ الَّتِيْ تُظْلِمُ عِنْدَ ضِيَائِهَا شُمُوسُ الأَسْمَاءِ إِنْ أَنْتُمْ تَعْرِفُونَ، أَنْ يَا قَلَمِ أَذِّنْ بَيْنَ مَلإِ الْقِدَمِ وَقُلْ أَنْ يَا أَهْلَ مَيادِينِ الْبَقَاءِ وَيَا أَهْلَ سُرَادِقِ الْكِبْرِيَاءِ ثُمَّ يَا جَوَاهِرَ الْغَيْبِ عَنْ أَعْيُنِ أَهْلِ الإِنْشَاءِ أَنْ انْزِلُوا عَنْ مَقَاعِدِكُمْ ثُمَّ تَهَلَّلُوا وَتَكَبَّرُوا وَتَكَرَّعُوا كُؤُوبَ الْبَقَآءِ مِنْ أَنَامِلِ الأَبْهَى مِنْ هَذَا الْغُلامِ الأَعْلَى فِي هَذَا الْيَومِ الَّذِي مَا شَهِدَتْ عُيُونُ الإِبْدَاعِ شِبْهَهُ وَلا أَبْصُرُ الاخْتِرَاعِ مِثْلَهُ وَفِيْهِ قَرَّتْ عُيُونُ الْعَظَمَةِعَلَى مَقْعَدِ عِزِّ مَحْمُودٍ أَنْ يَا حَمَلَةَ العَرْشِ زَيِّنُوا عَرْشَ الأَعْظَمِ فِي هَذَا الْيَومِ، لأَنَّ فِيْهِ ظَهَرَ جَمَالُ الْمَكْنُونِ الَّذِي مَا فَازَ بِلِقَائِهِ أَهْلُ فِرْدَوسِ الأَعْلَى وَلا أَهْلُ جَنَّةِ الْمَأْوَى، قُلْ تَاللهِ قَدْ ظَهَرَ غَيْبُ الْمَكْنُونِ بِأَتَمِّهِ وَقَرِّتْ مِنْ جَمَالِه عُيُونُ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ، ثُمَّ عُيُونُ الَّذِينَ طَهَّرُوا نُفُوسَهُمْ بِمَا رُشِّحَ عَلِيهِمْ كَوْثَرُ الْقُدْسِ عَنْ بَحْرِ اسْمِ رَبِّهِمِ الْمَشْهُودِ، قُلْ هَذَا يَوْمٌ فِيْهِ عَرَّفَ اللهُ نَفْسَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِسْتَعْلَى بِسُلْطَانِهِ عَلَى مَنْ فِي مَلَكُوتِ الأَمْرِ وَالْخَلْقِ، فَتَعَالَى مِنْ هَذَا الْفَضْلِ الْمُقَدَّسِ الْمُبَارَكِ الْمَحْبُوبِ، وَهَذَا يَوْمٌ فِيْهِ ظَهَرَ جَمَالُ الْقِدَمِ بِطِرَازِ الَّذِي بِهِ شُقَّتِ الأَسْتَارُ وَظَهَرَتِ الأَسْرَارُ وَبَرَزَتِ الأَثْمَارُ مِنْ الأَشْجَارِ، وَنَطَقَتِ الأَشْيَآءُ فِي ذِكْرِ رَبِّهِمِ الْمُخْتَارُ وَبَرَزَتِ الأَرْضُ بِمَا فِيْهَا وَالسَّمَاءُ بِمَا عَلَيْهَا وَالْجِبَالُ بِمَا فِي سِرِّهَا وَالْبِحَارُ بِمَا فِي قَعْرِهَا وَلَو هُمْ كَانُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مُحْتَجِبُونَ، وَهَذَا يَوْمٌ فِيْهِ كُسِّرَتْ أَصْنَامُ الشِّرْكِ وَالْهَوَى وَاسْتَوَى جَمَالُ الْقِدَمِ عَلَى عَرْشِ الأَعْظَمِ، يَومَئِذٍ نَطَقَتْ رُوحُ الأَكْرَمِ عَنْ مَكْمَنِ الْبَقآءِ
وَرُوحُ الأَقْدَسِ عَنْ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى وَرُوحُ الأَمْرِ عَنْ شَجَرَةِ الْقُصْوَى وَرُوحُ الْعِزِّ مِنْ جَبَرُوتِ الأَعْلَى بِأَنْ تَبَارَكَ الرَّحْمنُ الَّذِي ظَهَرَ فِي الأَكْوَانِ بِمَا لا أَدْرَكَتْهُ الْعُيُونُ، قُلْ هَذَا الَّذِي بِحَرَكَةٍ مِنْ إِصْبَعِهِ لَيَنْعَدِمُنَّ خَلْقُ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَبِكَلِمَةٍ مِنْ فَمِهِ لَيَحْيَينَّ كُلُّ الْمَوجُودَاتِ وَبِإِشَارَةٍ مِنْ طَرْفِهِ يَنْقَلِبُنَّ كُلُّ الْوجُودِ إِلى شَطْرِ اللهِ الْمُهَيمِنِ الْعَزِيزِ الْوَدُودِ، قُلْ أَنْ يَا مَلأَ الرُّهْبَانِ عَزِّلُوا كَنَائِسَ التَّسْبِيحِ لِأَنَّ الَّذِي رُفِعَ إِلى السَّمَاءِ قَدْ نُزِّلَ بِالْحَقِّ وَيَطُوفُ حَوْلَ العَرْشِ، تَاللهِ الْحَقِّ إِنَّ الْيَوْمَ يَصِيحُ النَّاقُوسُ عَلَى ذِكْرِي وَيُنَادِي النَّاقُورُ عَلَى وَصْفِي وَالصُّورُ بِـاسْمِي الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ، لا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُمْ مِنْ فَضْلِ هَذَا الْيَومِ ثُمَّ أَسْرِعُوا إِلى مَقَرِّ العَرْشِ وَدَعُوا مَا عِنْدَكُمْ وَتَمَسَّكُوا بِحَبْلِ اللهِ الْقَائِمِ الظَّاهِرِ النَّاطِقِ الْمَشْهُودِ، أَنْ يَا أَهْلَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ غَنُّوا وَتَغَنُّوا فِي هَذَا الْعِيدِ الَّذِي ظَهَرَ بِالْحَقِّ وَمَا فَازَ بِهِ أَحَدٌ لا مِنْ قَبْلُ ولا مِنْ بَعْدُ إِنْ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ، وَقَدْ أَرْفَعَ اللهُ فِيْهِ الْقَلَمَ عَنْ كُلِّ مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرْضِ وَهَذَا مَا أَشْرَقَ بِهِ حُكْمُ الْقِدَمِ عَنْ مَشْرِقِ الْقَلَمِ لِتَفْرَحُنَّ فِي أَنْفُسِكُمْ وَتَكُونُنَّ مِنَ الَّذِينَ هُمْ يَفْرَحُونَ، أَنْ يَا قَلَمِ فَأَخْبِرْ حُورِيَّةَ الْفِرْدَوسِ قُلْ تَاللهِ الْحَقِّ الْيَومُ يَومُكِ فَاظْهَرِي كَيْفَ تَشَاءِ ثُمَّ الْبِسِي إِسْتَبْرَقَ الأَسْمَاءِ وَسُنْدُسَ الْبَيْضَاءِ كَيْفَ تُرِيدِينَ ثُمَّ اخْرُجِي عَنْ غُرَفِ الْبَقَاءِ كَالشَّمْسِ الْمُشْرِقِ عَنْ جَبِينِ الْبَهَآءِ ثُمَّ انْزِلِي عَنْ مَكْنَنِ الأَعْلَى وَقِفِي بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ ثُمَّ اكْشِفِي بُرْقُعَ السِّتْرِ مِنْ وَجْهِكِ الْحَوْرَاءِ لَعَلَّ بِذَلِكَ تَنْشَقُّ حُجُبَاتُ الأَكْبَرُ عَنْ وَجْهِ هَؤلاءِ وَيَنْظُرُنَّ بِالْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ جَمَالِ اللهِ الْمُقَدَّسِ الْعَزِيزِ الْمَحْبُوبِ، أَنْ يَا قُرَّةَ الْقِدَمِ تَاللهِ إِنَّ
الْمُشْرِكِينَ فِي سُكْرَانٍ مِنَ الْوَهْمِ وَلَنْ يَقْدِرُنَّ أَنْ يُرْجِعُنَّ الْبَصَرَ إِلى شَطْرِ الأَطْهَرِ وَإِنَّكَ بِسُلْطَانِ عِصْمَتِكَ عَصَمْتَنِي خَلْفَ حُجُبَاتِ النُّورِ وَتَحَرَّمْتَ جَمَالِي عَنْ مُشَاهَدَةِ أَعْدَائِكَ وَكَانَ الأَمْرُ بِيَدِكَ وَأَنْتَ الْحَاكِمُ كَيْفَ تَشَاءُ بِقَولِكَ كُنْ فَيَكُونُ، أَنْ يَا حُورِيَّةَ الْبَهَآءِ أَنِ اخْرُجِي عَنْ مَكْمَنِ الْبَقَاءِ ثُمَّ طَهِّرِي بَصَرَكِ الأَطْهَرَ عَنْ وجُوهِ الْبَشَرِ تَاللهِ الْحَقِّ لَنْ يُدْرِكَكِ إِلاَّ أَهْلُ النَّظَرِ مِنْ هَذَا الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ دَعِي مَلَكُوتَ الأَسْمَاءِ عَنْ يَمِيْنِكِ وَجَبَرُوتَ الصِّفَاتِ عَنْ يَسَارِكِ ثُمَّ أَشْرِقِي بِإِذْنِي عَنْ أُفُقِ عِصْمَتِي عَرِيَّةً عَمَّا خُلِقَ فِي جَبَرُوتِ الأَمْرِ وَ مُعَرِّ يَةً عَمَّا ذُوِّتَ فِي مَلَكُوتِ الْخَلْقِ لِيَظْهَرَ بِكِ طِرَازُ اللهِ فِي كُلِّ مَا سِوَاهُ ثُمَّ غَنِّي عَلَى أَحْسَنِ النَّغَمَاتِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتِ لَعَلَّ يَنْقَطِعُنَّ الْوجُودُ إِلى وَجْهِ رَبِّكِ الْمُقَدَّسِ الْعَزِيزِ الْوَدُودِ. أَنْ اطْلُعِي عَنْ أُفُقِ الرِّضْوَانِ بِجَمَالِ الرَّحْمنِ وَعَلِّقِي حَوْلَ ثَدْيَيْكِ مِنْ جُعْدِكِ الرَّيْحَانِ لِتَهُبَّ عَلَى الْعَالَمِينَ نَفَحَاتُ رَبِّكِ الْمَنَّانِ، إِيَّاكِ أَنْ تَسْتُرِي تَرَائِبَ الْمَصْقُولِ عَنْ مَلإِ الظُّهُورِ وَغِلالَةَ الْقُدْسِ عَنْ لَحَظَاتِ الأُنْسِ ثُمَّ ادْخُلِي تِلْقَاءَ الْعَرْشِ مُعَلَّقَةَ الشَّعْرِ مَرْمُولَةَ الْفَرْعِ مُحْمَرَّةَ الْوَجْهِ مُزَيَّنَةَ الْخَدِّ مَكْحُولَةَ الْعَيْنِ وَخُذِي بِاسْمِي الأَعْلَى كُؤوبَ الْبَيْضَآءِ عَلَى كَفِّكِ الْحَوْرَآءِ ثُمَّ اسْقِي مَلأَ الْبَقَآءِ رَحِيقَ الْحَمْرَآءِ مِنْ جَمَالِي الأَبْهَى لَعَلَّ مَلأَ الظُّهُورِ يَظْهَرُنَّ فِي هَذَا الْعِيدِ الْمَشْهُورِ مِنْ هَذَا الْخَمْرِ الطَّهُورِ عَنْ حُجُبَاتِ الْغُيُورِ وَيَخْرُجُنَّ عَنْ خَلْفِ سُبُحَاتِ الْمَسْتُورِ بِسُلْطَانِي الْعَزِيزِ الْمُقْتَدِرِ الْمُهَيْمِنِ الْقَيُّومِ، تَاللهِ الْحَقِّ إِنِّي لَحُورِيَّةٌ قَدْ كُنْتُ عَلَى قُطْبِ الرُّضْوَانِ عَنْ خَلْفِ سِتْرِ الرَّحْمنِ وَمَا أَدْرَكَتْنِي عُيُونُ أَهْلِ الإِمْكَانِ لَمْ يَزَلْ كُنْتُ مَسْتُورَةً عَنْ وَرَآءِ حِجَابِ الْعِصْمَةِ
خَلْفَ سُرَادِقِ الْعَظَمَةِ سَمِعْتُ صَوْتَ الأَحْلَى عَنْ يَمِينِ عَرْشِ رَبِّيَ الأَعْلَى شَهِدْتُ بِأَنَّ الرِّضْوَانَ يَتَحَرَّكُ فِي نَفْسِهِ وَيَتَحَرَّكُ كُلُّ مَا خُلِقَ فِيْهِ لِلِقَاءِ اللهِ الأَبْهَى، إِذًا ارْتَفَعَ نِدَاءٌ آخَرُ تَاللهِ قَدْ ظَهَرَ مَحْبُوبُ الْعَالَمِينَ فَطُوبَى لِمَنْ يَحْضِرُ بَيْنَ يَدِيهِ وَيُشَرَّفُ بِلِقَائِهِ وَيَسْمَعُ نَغَمَاتِهِ الْمُقَدَّسِ الْعَزِيزِ الْمَحْبُوبِ وَاسْتَجْذَبَ مِنْ نِدَاءِ اللهِ أَفْئِدَةُ مَلإِ الأَعْلَى ثُمَّ قُلُوبُ أَهْلِ مَيَادِينِ الْبَقَآءِ وَأَخَذَتْهُمْ جَذَبَاتُ الشَّوقِ إِلى مَقَامٍ كُلُّهُمُ اهْتَزُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَتَوَجَّهُوا إِلى شَطْرِ الْقُدْسِ مَقَامِ عِزِّ مَمْنُوعِ، وَإِنِّي لَو أُرِيدُ أَنْ أَذْكُرَ مَا شَهِدْتُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ لَنْ أَقْدِرَ وَلَو أَتَكَلَّمُ بِكُلِّ اللِّسَانِ، وَمَعَ هَذَا الْفَضْلِ الَّذِي أَحَاطَ كُلَّ الأَشْيَاءِ وَجَذْبِ الَّذِي أَخَذَ كُلَّ مَنْ فِي لُجَجِ الأَسْمَاءِ شَهِدْتُ بِأَنَّ مَلأَ الْبَيَانِ فِي غَفْلَةٍ وَحِجَابٍ كَأَنَّهُمْ فِي أَجْدَاثِ الْفَنَاءِ هُمْ مَيِّتُونَ، أَنْ يَا مَلأَ الْبَيَانِ أَتَحْسَبُونَ بَعْدَ إِعْرَاضِكُمْ عَنْ هَذَا الظُّهُورِ أَنْتُمْ فِي سُبُلِ الرُّوحِ تَسْلُكُونَ؟ لا فَوَجَمَالِي الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ مَظْهَرَ جَمَالِهِ بَيْنَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ، أَنْ يَا حُورِيَّةَ الْقُدْسِ دَعِي ذِكْرَ هَؤلاءِ لأَنَّ قُلُوبَهُمْ مِنْ حِجَارَةٍ صَمَّآءَ لَنْ يُؤَثِّرَ فِيْهَا إِلاَّ مَا يَخْرُجُ عَنْ الْهَوى لِأَنَّهُمْ غَيْرُ بَالِغٍ فِي الأَمْرِ يَسْتَرْضِعُنَّ مِنْ ثَدِي الْغَفْلَةِ لَبَنَ الْجَهْلِ أَنِ اتْرُكِيْهِمْ عَلَى التُّرَابِ ثُمَّ غَنِّي عَلَى لَحْنِي فِي جَبَرُوتِ الْبَقَآءِ ثُمَّ أَخْبِرِي أَهْلَ مَقَاعِدِ الْفِرْدَوسِ عَمَّا ظَهَرَ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ لِيَسْتَجْذِبُنَّ مِنْ نَغَمَاتِكِ وَيُسْرِعُنَّ إِلى جَمَالِ قُدْسٍ مَوعُودٍ وَلِيَطَّلِعُنَّ بِهَذَا الْيَومِ الَّذِي فِيْهِ زُيِّنَتْ هَيَاكِلُ الأَشْيَاءِ بِقَمِيصِ الأَسْمَاءِ وَاسْتَرْقَى كُلُّ فَقِيرٍ إِلى مَكْمَنِ الْغَنَاءِ وَغُفِرَ كُلُّ عَاصِي مَحْرُومٍ، أَنْ ابْتَغُوا يَا قَوْمِ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ فَضْلَ اللهِ وَرَحْمَتَهُ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ الْمُمْكِنَاتِ إِيَّاكُمْ أَنْ تُعَقِّبُوا كُلَّ
جَاهِلٍ مَحْجُوبٍ، إِذًا تَمَّ نِدَاءُ الْقَلَمِ فِي هَذَا اللَّوحِ فِي هَذَا الذِّكْرِ الْمُبَارَكِ الْمَحْتُومِ.
مُقْتَطَفٌ مِنْ لَوْحٍ مُبَارَكٍ آخَر لأَيَّامِ الرِّضْوَانِ
أَنْ يَا مَلأَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ أَنْ اسْتَمِعُوا شَهَادَةَ اللهِ مِنْ لِسَانِ رَبِّكُمُ الأَبْهَى، إِنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ قَبْلَ أَنْ تُرْفَعَ سَمَآءُ أَمْرِهِ وَسَحَابُ قَضَائِهِ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَالَّذِي ظَهَرَ إِنَّهُ لاسْمُ الأَعْظَمُ بِهِ ثَبَتَ بُرْهَانُ الْقِدَمِ وَحُجَّتُهُ عَلَى مَنْ فِي السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ، شَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهِ بِنَفْسِهِ فِي كَيْنُونَةِ ذَاتِهِ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَالَّذِي أَتَى بِالْحَقِّ إِنَّهُ مَظْهَرُ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَمَطْلِعُ صِفَاتِهِ الْعُلْيَا، بِهِ دَلَعَ لِسَانُ الْفَجْرِ عَنْ أُفُقِ الْبَقَاءِ وَنَطَقَ الرُّوحُ الأَعْظَمُ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، بِأَنَّهُ هُوَ الْمَقْصُودُ فِي مَدَائِنِ الأَسْمَاءِ وَالْمَذْكُورُ فِي أَلْوَاحِ الَّتِيْ نُزِّلَتْ مِنْ سَمَاءِ مَشِيَّةِ رَبِّكُمْ مَالِكِ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَإِنَّهُ لَسَبَبُ الأَعْظَمُ بَيْنَ الأُمَمِ قَدْ ظَهَرَ لِحَيَوةِ الْعَالَمِينَ، شَهِدَ اللهُ لِذَاتِهِ بِذَاتِهِ قَبْلَ خَلْقِ الْمُمْكِنَاتِ وَقَبْلَ ظُهُورِ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، وَالَّذِي أَتَى عَلَى سَحَابِ الْقَضَاءِ إِنَّهُ لَوَدِيْعَةُ اللهِ بَيْنَكُمْ وَمَظْهَرُ ذَاتِهِ فِيْكُمْ وَإِنَّا حِيْنَئِذٍ مِنْ أُفُقِهِ نَشْهَدُ وَنَرَى وَنَدْعُو مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ بِهَذَا الْجَمَالِ الَّذِي مِنْهُ قَرَّتْ عُيُونُ أَهْلِ الْفِرْدَوسِ وَسُكَّانِ سُرَادِقِ الْقُدْسِ الَّذِينَ مَا ارْتَّدُوا الْبَصَرَ عَنْ الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ وَمَا مَنَعَتْهُمْ سُبُحَاتُ الْبَشَرِ عَنْ النَّظَر ِإِلى وَجْهِ اللهِ الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ، إِنَّهُ لَهُوَ الَّذِي يَنْطِقُ فِي كُلِّ الأَشْيَاءِ بِأَنِّي أَنَا رَبُّكُمُ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ، لَمْ أَزَلْ كُنْتُ كَنْزًا فِي الْمَقَامِ الَّذِي مَا اطَّلَعَ بِهِ أَحَدٌ إِلاَّ نَفْسِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، دَعُوا مَا عِنْدَكُمْ ثُمَّ
اعْرُجُوا بِجَنَاحِينِ الانْقِطَاعِ إِلى هَذَا الْهَوَاءِ الَّذِي تَمُرُّ فِيْهِ نَسَمَاتُ رَبِّكُمُ الْغَفُورِ الْكَرِيْمِ، وَنَفْسِي قَدْ أَتَى الْيَومُ الَّذِي كَانَ مَكْنُونًا فِي خَزَائِنِ قُدْرَةِ رَبِّكُمْ أَنْ اسْتَبْشِرُوا فِي هَذَا الْيَومِ الْمُبَارَكِ الْعَزِيزِ الْمَنِيعِ، إِنَّهُ لَظَاهِرِي بَيْنَكُمْ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَهُ وَبَيْنِي قَدْ بَعُدَ عَنْ صِرَاطِ حَقٍّ مُسْتَقِيمٍ، وَبِهِ غَنَّتِ الْوَرْقَاءُ عَلَى أَفْنَانِ سِدْرَةِ الْبَهَاءِ تَاللهِ الْحَقِّ قَدْ أَتَى مَحْبُوبُ الْعَالَمِينَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يَا إِلَهِي هَلْ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَشْكُرَكَ عَلَى النَّعْمَآءِ الَّتِيْ نَزَّلْتَهَا مِنْ سَمَاءِ أَحَدِيَّتِكَ وَهَوَاءِ إِرَادَتِكَ وَجَعَلْتَهَا مَخْصُوصَةً لِأَهْلِ الْبَهَاءِ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَاءِ لا فَوَعِزَّتِكَ يَا مَحْبُوبَ الْعَالَمِينَ وَمَقْصُودَ الْعَارِفِينَ، لَو تَجْعَلُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَلْسُنًا نَاطِقَاتٍ بِعَدَدِ كُلِّ الذَّرَّاتِ وَيَشْكُرُونَكَ بِدَوَامِ مَلَكُوتِكَ وَجَبَرُوتِكَ بِمَا أَكْرَمْتَ عَلَى مُحِبِّيكَ فِي هَذَا الْيَومِ الَّذِي تَجَلَّيْتَ فِيْهِ بِذَاتِكَ عَلَى مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ وَبِجَمَالِكَ عَلَى أَهْلِ مَدَاينِ الْبَقَاءِ وَبِاسْمِكَ عَلَى مَنْ فِي لُجَجِ الْكِبْرِيَاءِ لِيَكُونَ مَعْدُومًا عِنْدَ مَا أَعْطَيْتَهُ بِفَضْلِكَ وَأَنْعَمْتَهُ بِجُودِكَ وَإِحْسَانِكَ، لَمْ أَدْرِ يَا إِلَهِي أَيَّ نَعْمَائِكَ أَذْكُرُ فِي هَذَا الْيَومِ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَطْلِعَ أَيَّامِكَ وَمَشْرِقَ أَنْوَارِكَ الَّذِي اسْتَنَارَ مِنْ نُورِ ذَاتِكَ وَاسْتَضَاءَ مِنْ بَوارِقِ أَنْوَارِ وَجْهِكَ، أَأَذْكُرُ الْمَائِدَةَ الَّتِي نَزَّلْتَهَا فِي هَذَا الْيَومِ لِأَهْلِ الْبَهَآءِ الَّذِينَ اخْتَصَصْتَهُمْ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ وَجَعَلْتَ كُأُوسَهَا كَلِمَاتِكَ الَّتِي مِنْ كُلِّ حَرْفٍ مِنْهَا أَشْرَقَتْ شُمُوسُ الْحِكْمَةِ وَالْبَيَانِ وَلاحَتْ أَنْوَارُ الْعَظَمَةِ وَالتِّبْيَانِ وَكَانَ فِيْهَا مَائِدَةُ الْمَعَانِي الَّتِي لَمْ تَزَلْ كَانَتْ مَخْزُونَةً فِي خَزَائِنِ عِصْمَتِكَ وَمَكْنُونَةً خَلْفَ سُرَادِقِ عَظَمَتِكَ، أَمْ أَذْكُرُ يَا إِلَهِي ظُهُوْرَكَ فِي هَذَا الْيَومِ عَنْ مَشْرِقِ هُوِيَّتِكَ وَاسْتِوَائِكَ
عَلَى عَرْشِ اسْمِكَ الْوَهْابِ مِنْ غَيْرِ الأَسْتَارِ وَالأَحْجَابِ وَتَكَلُّمَكَ بِلِسَانِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ لِمَنْ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَنَفْسِيَ الْحَقِّ قَدْ ظَهَرَ الْغَيْبُ الْمَكْنُونُ وَالسِّرُّ الْمَخْزُونُ، مَنْ أَرَادَنِي يَرَانِي يَا فَاطِرَ الأَسْمَاءِ وَخَالِقَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، قَدْ عَجِزَتْ أَلْسُنُ بَرِيَتِكَ عَمَّا قَدْ أَعْطَيْتَهُمْ فِي هَذَا الْيَومِ الَّذِي جَعَلْتَهُ مَشْرِقَ أَيَّامِكَ، هَذَا يَوْمٌ فِيْهِ دَعَوْتَ الْمُقَرَّبِينَ إِلى مَطْلِعِ قُرْبِكَ وَالْمُخْلِصِينَ إِلى مَشْرِقِ أَنْوَارِ وَجْهِكَ، وَهَذَا لَيَومُ قَدْ أَخَذْتَ الْعَهْدَ مِنْ كُلِّ شَيءٍ بِأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالَّذِي ظَهَرَ بِمَلَكُوتِ قُدْرَتِكَ وَجَبَرُوتِ سُلْطَانِكَ ..."
مُقْتَطَفٌ مِنْ لَوْحٍ آخَر"... فَلَمَّا أَخَذَ فَرَحُ اللهِ كُلَّ مَا سِوَاهُ فَكَّ الرُّوحُ الأَعْظَمُ شَفَتِيهِ مَرَّةً أُخْرَى، نَادَى وَقَالَ يَا أَهْلَ مَلَكُوتِ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ يَا أَهْلَ جَبَرُوتِ الأَمْرِ وَالْخَلْقِ طُوبَى لِآذَانِكُمْ بِمَا سَمِعَتْ آيَاتِ الْوَصْلِ وَالْوِصَالِ، إِذًا فَاسْتَمِعُوا حَدِيثَ الْبُعْدِ وَالْفِرَاقِ بِمَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ عَنْ شَطْرِ الْعِرَاقِ نَيِّرُ الْفِرَاقِ بِمَا أُكِّدَ هَذَا الْمِيْثَاقُ فِي أَوْرَاقِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَلِيْمِ الْحَكِيْمِ، قَدْ فَزَعَ بِهَذَا النِّدَآءِ سُكَّانُ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ وَارْتَفَعَ ضَجِيْجُهُمْ ثُمَّ صَرِيْخُهُمْ عَلَى شَأْنٍ خَرّتِ الْوجُوهُ عَلَى التُّرَابِ بِحُزْنٍ عَظِيْمٍ، فَيَا عَجَبًا مِنْ هَذَا الْفِرَاقِ الأَصْعَبِ الْعَظِيْمِ، وَتَحَيَّرَ بِهَذَا النِّدَآءِ مَلأُ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ وَبَلَغُوا فِي تِلْكَ الْحَالَةِ إِلى مَقَامٍ نَسَتْ الْكَافُ رُكْنَهَا النُّونَ وَالْحَبِيْبُ جَمَالَ مَحْبُوبِهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيْدِ، فَوَاحُزْنًا مِنْ هَذَا الْقَضَآءِ الْمُثْبَتِ الْمُبِيْنِ، فَلَمَّا بَلَغَ الأَمْرُ إِلى هَذَا الْمَقَامِ تَحَرَّكَ جَمَالُ الْقِدَمِ فِي نَفْسِهِ وَتَحَرَّكَتْ كُلُّ الأَشْيَاءِ فِي سِرِّهَا وَجَهْرِهَا إِلى
أَنْ قَامَ وَقَامَتْ بِقِيَامِهِ قِيَامَةُ الْعُظْمَى بَيْنَ السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِينَ، إِذًا نَادَى الرُّوحُ مَرَّةً أُخْرَى قُدَّامَ الْوَجْهِ أَنْ يَا إِسْرَافِيلُ تَاللهِ الْحَقِّ قَدْ خُلِقْتَ لِهَذَا الْيَومِ إِذًا فَانْفُخْ فِي الصُّورِ فِي هَذَا الظُّهُورِ لِيَحْيَى بِهِ كُلُّ عَظْمٍ رَمِيْمٍ، فَنَفَخَ كَمَا أُمِرَ وَانْصَعَقَ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيْهِ أُخْرَى إِذًا هُمْ قِيَامٌ نَاظِرُونَ هَذَا الْمَنْظَرَ الْكَرِيمَ، وَنَطَقُوا بِأَنْ تَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ، وَمَشَى جَمَالُ الْقِدَمِ وَكَانَ يَمْشِي أَمَامَهُ مَلَكُوتُ الْوَحِي وَعَنْ وَرَائِهِ جَبَرُوتُ الإِلْهَامِ وَعَنْ يَمِيْنِهِ لاهُوتُ الأَمْرِ وَعَنْ يَسَارِهِ جُنُودُ الْمُقَرَّبِيْنَ، فَيَا حَبَّذَا هَذَا الأَمْرُ الظَّاهِرُ الْبَدِيْعُ، إِلى أَنْ بَلَغَ صَحْنَ الْبَيْتِ إِذًا وَقَعَتْ عَلَى رِجْلَيْهِ وجُوهُ أَهْلِ مَلإِ الْقُدْسِ ثُمَّ تَزَلْزَلَتْ أَرْكَانُ الْبَيْتِ مِنْ فِرَاقِ اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَزِيزِ الْقَدِيرِ، وَنَاحَتْ قَبَائِلُ أَهْلِ الْمَدَائِنِ كُلِّهَا وَاضْطَرَبَتْ أَفْئِدَةُ الطَّائِفِيْنَ، فَيَا حُزْنًا مِنْ هَذَا الْفِرَاقِ الَّذِي بِهِ انْفَصَلَتْ أَرْكَانُ الْعَالَمِينَ، فَتَوَقَّفَ جَمَالُ الْمَحْبُوبِ بِمَا سَمِعَ الْعَوِيلَ وَالاضْطِرَابَ مِنْ سُكَّانِ التُّرَابِ وَبَكَتْ عَيْنُ الْعَظَمَةِ مِنْ بُكَائِهِمْ وَوَرَدَ عَلَيْهِ مِنْ ضَجِيْجِ أَحِبَّائِهِ مَا لا حَمَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِيْنَ، ثُمَّ مَشَى مَرَّةً أُخْرَى إِلى أَنْ بَلَغَ قُرْبَ سِتْرِ الْحِجَابِ إِذًا شَهِدَ قُدَّامَ رِجْلِهِ طِفْلاً رَضِيْعًا انْقَطَعَ عَنْ ثَدْي أُمِّهِ أَخَذَ ذَيْلَ اللهِ بِأَنَامِلِ الرَّجَاءَ وَدَعَا بِنِدَآءٍ ضَعِيْفٍ وَبِذَلِكَ سَتَرَ غُبَارُ الْحُزْنِ وَجْهَ كُلِّ ذِي شُعُور وَمَرَّتْ نَسَائِمُ الْهَمِّ عَلَى الْخَلائِقِ أَجْمَعِيْنَ، فَوَا أَسَفًا مِنْ هَذَا الْحُزْنِ الَّذِي بِهِ تَغَيَّرَتْ وجُوهُ الْمُخْلِصِينَ، وَلَولا عِصْمَةُ اللهِ لَتَنْفَطِرَ فِي ذَلِكَ الْحِيْنِ سَمَوَاتُ السَّبْعِ وَخَسَفَتْ الأَرْضُ بِأَهْلِهَا وَانْدَكَّ كُلُّ جَبَلٍ شَامِخٍ رَفِيْعٍ، ثُمَّ رَفَعَ أَنَامِلَ الْقُوَّةِ سِتْرَ حِجَابِ الْعَظَمَةِ وطَلَعَ عَنْ خَلْفِهِ جَمَالُ الْعِزَّةِ بِسُلْطَانٍ عَظِيمٍ، فَلَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ
عَنِ الْبَابِ ذَاتُ اللهِ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ نَادَى الرُّوحُ فِي آخِرِ نِدَائِهِ تَاللهِ قَدْ خَرَجَ مَحْبُوبُ الْعَالَمِينَ عَنْ بَيْتِهِ بِمَا اكْتَسَبَ أَيْدِي الظَّالِمِينَ، ثُمَّ بَكَى فِي نَفْسِهِ وَبَكَى بِبُكَائِهِ أَهْلُ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ وَالْوَاقِفُونَ فِي الْهَوآءِ ثُمَّ الطَّائِفُونَ حَوْلَ جَمَالِ الْكِبْرِيَآءِ وَقَالَ فَاعْلَمُوا بِأَنَّ فِي الْخُرُوجِ فِي يَوْمِ الظُّهُور ِلآيَاتٌ ثُمَّ بَيِّنَاتٌ لِلعَارِفِيْنَ، لَعَلَّ أَهْلَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ بِهَذَا الْخُرُوجِ فِي هَذَا الْيَومِ الأَبْدَعِ الأَعْلَى يَخْرُجُنَّ عَنْ حُجُبَاتِ النَّفْسِ وَالْهَوَى وَيَتَقَرَّبُنَّ إِلى اللهِ الْعَلِيّ الأَبْهَى وَيَنْقَطِعُنَّ عَمَّا خُلِقَ فِي الدُّنِيا وَمَا قُدِّرَ فِي مَلَكُوتِ الإِنْشَآءِ، كَذَلِكَ أَرَادَ اللهُ لَهُمْ فَضْلاً مِنْ عِنْدِهِ وَإِنَّهُ لَهُوَ الْفَضَّالُ الْغَفُورُ الْكَرِيمُ، فَتَبَارَكَ اللهُ مُظْهِرَ هَذَا الْفَضْلِ الأَظْهَرِ الْمَنِيْعِ، خَرَجَ سُلْطَانُ الْبَقَآءِ وَتَوَجَّهَ إِلى شَطْرِ الْقَضَآءِ مَعَ جُنُودِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ومِنْ قُدَّامِهِ يُسْمَعُ حَنِيْنُ الْعَاشِقِيْنَ وَعَنْ وَرَآئِهِ عَوِيْلُ الْمُشْتَاقِيْنَ إِلى أَنْ بَلَغَ يَمَّ الشَّطِّ، إِذًا تَفَرَّدَ عَنْ أَصْفِيَائِهِ وَفَارَقَ عَنْهُمْ كَأَنَّ الرُّوحَ فَارَقَ عَنْ أَجْسَادِ هَؤُلاءِ الْمُخْلِصِيْنَ، وَوَصَّاهُمْ بِالصَّبْرِ وَالاصْطِبَارِ وَأَمَرَهُمْ بِتَقْوَى اللهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَزِيزِ الْمُخْتَارِ، وَمَرَّ عَنْ الشَّطِّ إِلى أَنْ دَخَلَ الرُّضْوَانَ وَاسْتَقَرَّ فِيْهِ عَلَى العَرْشِ بِسُلْطَانِهِ الأَبْدَعِ الْبَدِيعِ، فَتَبَارَكَ الْكَرِيمُ مُبْدِعُ هَذَا الْفَضْلِ الْعَمِيْمِ، فَلَمَّا اسْتَوَى جَمَالُ الْقِدَمِ تَجَلَّى بِاسْمِهِ الْقَيُّومِ عَلَى كُلِّ الأَشْيَاءِ لِيُثْبِتَ مَا رُقِمَ مِنْ الْقَلَمِ الأَعْلَى مِنْ لَدَى اللهِ الْعَلِيّ الأَعْلَى، ثُمَّ تَجَلَّى بِاسْمِهِ الْغَنِيِّ عَلَى الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ ثُمَّ بِاسْمِهِ الظَّاهِرِ عَلَى مَا هُوَ الْمَذْكُورُ وَالْمَسْتُورُ وَبِاسْمِهِ الأَعْظَمِ عَلَى مَظَاهِرِ الْقِدَمِ وَسَائِرِ الأُمَمِ وَبِاسْمِهِ الْعَلِيمِ عَلَى مَطَالِعِ الأَسْمَآءِ؛ طُوبَى لِمَنْ أَقْبَلَ إِلى مَا ظَهَرَ مِنَ الْفَضْلِ الأَعْظَمِ فِي هَذَا الْيَومِ الْعَظِيمِ، فَيَا حَبَّذَا هَذَا الاسْتِوَاءُ الَّذِي بِهِ اسْتَقَرَّتْ أَفْئِدَةُ
الْمُقَرَّبِيْنَ وَ اسْتَقْرَبَتْ قُلُوبُ الْعَارِفِيْنَ وَ اسْتَضَاءَتْ وجُوهُ الْمُقْبِلِيْنَ وَتَزَكَّتْ نُفُوسُ الْمُتَوَجِّهِيْنَ وَقَرَّتْ عُيُونُ مَلإِ الْعَالِيْنَ، وَفُتِحَتْ لِسَانُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الْغَيْبِ وَالشُّهُودِ بِثَنَآءِ اللهِ الْمَلِكِ الْعَزِيزِ الْجَمِيْلِ، فَيَا حَبَّذَا ذَاكَ الشَّذَى الَّذِي مِنْهُ تَضَوَّعَ رَائِحَةُ مِسْك الْمَعَانِي بَيْنَ الْعَالَمِيْنَ، وَكَانَ حِيْنُ الاسْتِوَاءِ حِيْنَ قِيَامِ الْعِبَادِ لِصَلَوةِ الْعَصْرِ للهِ الْعَزِيزِ الْجَمِيْلِ، وَفِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُوقِنِيْنَ وَبَيِّنَاتٍ لِلمُتَفَرِّسِيْنَ وَإِشَارَاتٍ لِلمُتَبَصِّرِيْنَ، وَتَوَقَّفَ فِي الرُّضْوَانِ جَمَالُ الرَّحْمنِ إِثْنَي عَشَرَ يَوْمًا وَفِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَطُوفُنَّ حَوْلَ سُرَادِقِ الْعَظَمَةِ وَخِبَآءِ الْعِصْمَةِ قَبَائِلُ مَلإِ الأَعْلَى وَالْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبِيْنَ وَأَرْوَاحُ الْمُرْسَلِيْنَ وَيَحْفَظُنَّ وَيَحْرُسُنَّ أَهْلَ اللهِ مِنْ جُنُودِ الشَّيَاطِيْنِ فَتَبَارَكَ اللهُ الَّذِي أَظْهَرَ هَذَا الرُّضْوَانِ الْعَزِيزِ الْمَنِيْعِ، وَفِي كُلِّ حِيْنٍ يَنْزِلُنَّ أَهْلُ غُرُفَاتِ الْجِنَانِ بِأَبَارِيْقَ مِنْ كَوْثَرِ الظُّهُورِ وَأَكْوَابٍ مِنَ السَّلْسَبِيلِ الطَّهُورِ وَيَسْقِيُنَّ بِهَا أَهْلَ خِبَاءِ الْمَجْدِ وَفُسْطَاطِ عِزٍّ مُنِيْرٍ، فَتَبَارَكَ اللهُ مُظْهِرُ هَذَا الْفَضْلِ الأَمْنَعِ الْمُحِيْطِ، فَلَمَّا تَمَّ مِيْقَاتُ الْجُلُوسِ وَأَتَى حُكْمُ الرُّكُوبِ إِذًا قَامَ جَمَالُ الرَّحْمنِ وَخَرَجَ عَنِ الرِّضْوَانِ وَرَكِبَ عَلَى خَيْرِ الْحِصَانِ، فَتَبَارَكَ السُّبْحَانُ الَّذِي ظَهَرَ بَيْنَ الأَكْوَانِ بِسُلْطَانِهِ الَّذِي اسْتَعْلَى عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرَضِيْنَ، فَلَمَّا خَرَجَ ضَجَّ الرِّضْوَانُ وَأَشْجَارُهُ وَأَوْرَاقُهُ وَأَثْمَارُهُ وَجِدَارُهُ وَهَوَائُهُ ثُمَّ أَرْضُهُ وَبِنَائُهُ وَاسْتَبْشَرَ أَهْلُ الْبَرَارِي وَالصَّحَارِي ثُمَّ كَثِيْبُهَا وَتُرَابُهَا، كَذَلِكَ اسْتَوَى جَمَالُ الْكِبْرِيَآءِ عَلَى الرَّفْرَفِ الْحَمْرَآءِ بِمَا كَانَ نَاظِرًا إِلى حُكْمِ الْقَضَآءِ الَّذِي رُقِمَ مِنْ إِصْبَعِ اللهِ الْعَلِيّ الأَبْهَى عَلَى الْوَرَقَةِ الْمُبَارَكَةِ الْبَيْضَآءِ، وَكَذلِكَ قَصَصْنَا لَكُمْ يَوْمَ الظُّهُورِ وَمَا وَرَدَ فِيْهِ مِنَ الْخُرُوجِ بِمَا اكْتَسَبَ أَيْدِي الْيَأْجُوجِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَأَشْرَكُوا بِاللهِ الْمُقْتَدِرِ الْعَزِيزِ الْكَرِيمِ.
مقتطفات مِنْ بيانات حضرة الباب بشأن"مثل ذلك الهيكل كمثل الشّمس في السّمآء وآياته ضياؤه، ومثل كلّ المؤمنين اذا كانوا على إيمانهم كالمرآة تنعكس فيها ضياء الشّمس بقدر استعدادها ... يا أهل البيان إذا آمنتم بمن يظهره الله فأنتم المؤمنون، وأما من يظهره الله كان ولا يزال غنيًّا عن العالمين، فمثلاً لو وضعت مرايا إلى ما لا نهاية لها في مقابلة الشّمس لتنعكس فيها وتدلّ عليها مع أنّ الشّمس غنيّة بنفسها عَنْ وجود المرايا والشّموس المنعكسة فيها".
"بعد غروب شمس الحقيقة فإنه ممتنع ظهور آية من غيره على نهج الفطرة والقدرة دون التّعلم حسب الأصول المتصوّرة لدى أهل العلم، فمع وجود هذا الامتناع أي عدم استطاعة أحد غير من يظهره الله أن يدّعي هذا الأمر فرض في البيان بأنّه إذا ادّعى مدّعٍ وظهرت منه آيات لا يجوز أن يعترض عليه أحد، عسى أن لا يرد حزن على شمس الحقيقة تلك، وذلك بالرّغم من أنّ نزول الآيات على نهج الفطرة من غيره لهو أمر مستحيل ومع فرض هذا الامتناع لو نسب شخص نفسه لذلك يترك حكمه لله ولا يجوز للخلق أن يحكموا عليه وذلك إجلالاً لاسم محبوبهم، فِي حين لا يوجد من يستطيع ادّعاء مثل هذا المقام، فان كان قد حصل مثل ذلك في كور القرآن سيحصل ايضًا فِي هذا الكور، إنّ آياته بنفسها دليل على نور شمس وجوده وإنّ عجز الكلّ دليل على الفقر والحاجة إليه، وسبب كلّ ما ذكر هو الأمل في أن لا تزلّ أقدامهم عن الصّراط في يوم ظهور الحقّ".
"لا يعلم بوقت ظهوره أحد غير الله ويجب على الكلّ التّصديق بنقطه الحقيقة عندما تظهر ويشكرون الله وإنَّما الدَّلِيلُ آياتُهُ وَالوُجُودُ
عَلَى نَفْسِه نَفْسُهُ، إِذِ الْغَيْرُ يُعْرَفُ بِهِ وَهُوَ لايُعْرَفُ بِدُونِهِ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ".
"قسمًا بالذّات الإلهيّة المقدّسة جلّ وعزّ إنّ الّذي يسمع ويتلو آية من آيات من يظهره الله في يوم ظهوره أحسن من أن يتلو البيان ألف مرّة ".
"وَلكِنَّكُمْ يَأْتِيَنَّكُمْ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ وَيُبَدِّلُ رِضْوَانَكُمْ بِالنَّارِ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ، فَإِنِّي لأَبْكِيَنَّ عَلَى مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ فَإِنَّهُ لأَعَزُّ عِنْدِي مِنْ نَفْسِي وَكُلِّ شَيْءٍ أَنْ يَا كُلَّ شَيْءٍ تُدْرِكُونَ، وَإِنِّي مَا نَزَّلْتُ الْبَيَانَ إِلاَّ وَأَنْ لا يَحْزَنُ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ، وَإِنِّي رَسُولٌ مِنْ عِنْدِهِ قَدْ جِئْتُكُمْ بِآياتٍ مِنْ عِنْدِهِ لأُرَبِّيَنَّكُمْ لِيَوْمِ ظُهُورِهِ أَنْ يَا كُلَّ شَيْءٍ تَسْتَعِدُّونَ".
"مَا أَنَا إِلاَّ عَبْدُ اللهِ وَبَابُ بَقِيَّةِ اللهِ، اسْمَعُوا فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنِّي عَبْدُ اللهِ أَتَانِي الْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ بَقِيَّةِ اللهِ، يَا بَقِيَّةَ اللهِ قَدْ فَدَيْتُ بِكُلِّي لَكَ وَرَضِيتُ السَّبَّ فِي سَبِيلِكَ وَمَا تَمَنَّيْتُ إِلاَّ الْقَتْلَ فِي مَحَبَّتِكَ وَكَفَى بِاللهِ الْعَلِيِّ مُعْتَصِمًا قَدِيمًا".
"إنّ ظهور الله الّذي يُقصد به المشيئة الأولى فِي كُلّ ظهور لم يزل كان بهاءُ الله الّذي يعتبر كل شيءٍ دائمًا لدى بهائه لا شيء".
"إِنَّ الْبَيَانَ وَمَنْ فِيهِ طَائِفٌ حَوْلَ قَوْلِ مَنْ يُظْهِرُهُ اللهُ بِمِثْلِ مَا كَانَ الأَلِفُ وَمَنْ فِيهِ طَائِفٌ فِي حَوْلِ قَوْلِ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ وَمَا نَزَّلَ اللهُ عَلَيْهِ فِي أُولاهُ وَمَنْ فِيهِ طَائِفٌ فِي حَوْلِ قَوْلِهِ حِينَ ظُهُورِ أُخْرَاهُ".
نصوص مباركة بخصوص عيد الرّضوان"إنّ أوّل العيد هو عصر اليوم الثّالث عشر من الشّهر الثّاني البياني، اليوم الأوّل والتّاسع والثّاني عشر محرّم فيها الاشتغال بالأمور".
"بخصوص سؤالكم عن العيد الأعظم، إنّ أوّله بعد انقضاء اثنين وثلاثين يومًا من عيد الصّيام، واليوم الأوّل من شهر البهآء هو أول الإثنين والثلاثين، ففي اليوم الثّاني والثّلاثين بعد صلاة العصر ورد الجمال المبارك إِلى الرّضوان، فذلك الوقت يُعتبر أوّل العيد الأعظم حيث الاشتغال في هذا اليوم الأكبر والتّاسع واليوم الأخير قد نهى عنه نهيًا عظيمًا في الكتاب وأمّا في سائر الأيّام فلا بأس على الّذين اشتغلوا بأمر من الأمور".
"حضرة بهاء الله""وصل جمال القدم بعد ظهر يوم الأربعاء 22 نيسان 1863 الموافق 3 ذي القعدة 1279هـ إِلى حديقة نجيب باشا ونزّلت في نفس هذا اليوم سورة الصّبر وبعد ثمانية أيّام أي في اليوم التّاسع من عيد الرّضوان وصلت العائلة المباركة إِلى حديقة نجيب باشا المعروفة بحديقة الرّضوان وفي ظهر يوم الأحد 3 أيّار 1863 الموافق 14 ذي القعدة 1279هـ خرج من حديقة الرّضوان في اتّجاه إسطنبول".
"حضرة عبد البهاء""تَوَقَّفَ فِي الرِّضْوَانِ جَمَالُ الرَّحْمنِ إِثْنَيْ عَشَرَ يَوْمًا، وَفِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ يَطُوفُنَّ حَوْلَ سُرَادِقِ الْعَظَمَةِ وَخِبَآءِ الْعِصْمَةِ قَبَائِلُ مَلإِ الأَعْلَى وَمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبِينَ وَأَرْوَاحُ الْمُرْسَلِينَ، وَيَحْفَظُنَّ وَيَحْرُسُنَّ أَهْلَ اللهِ مِنْ جُنُودِ الشَّيَاطِينِ، فَتَبَارَكَ اللهُ الَّذِي أَظْهَرَ هَذَا الرِّضْوانَ الْعَزِيزَ الْمَنِيعَ، وَفِي كُلِّ حِينٍ يَنْزِلُنَّ أَهْلُ غُرُفاتِ الْجِنَانِ بِأَبَارِيقَ مِنْ كَوْثَرِ
الظُّهُورِ وَأَكْوَابٍ مِنَ السَّلْسَبِيلِ الطَّهُورِ، وَيَسْقِيُنَّ بِهَا أَهْلَ خِبَآءِ الْمَجْدِ وَفُسْطَاطِ عِزِّ مُنِيرٍ، فَتَبَارَكَ اللهُ مُظْهِرُ هَذَا الْفَضْلِ الأَمْنَعِ الْمُحِيطِ.
"حضرة بهاء الله""... في الأيام الإثني عشر الَّتي قضاها بهاء الله في حديقة الرّضوان توجّه عدد كبير من النّاس إِلى تلك الحديقة ليقدّموا ولاءهم له، ومنهم رجال مشهورون وعظماء من سكّان بغداد وعلمائها وفقهائها مع أعداد غفيرة من النّاس الّذين كانوا يحبّونه. وكان حضرة بهاء الله يستدعي بعض الأحبّاء من مرافقيه ليمثلوا بين يديه كلّ يوم ويأذن لهم بالانصراف في المسآء، غير أنّه كان يسمح للّذين لم تكن لهم صلات أسريّة أن يمضوا اللّيل في الحديقة حيث كان بعضهم يسهر حول خيمته المباركة حارسًا. وقد ترك المؤرّخ البهائيّ جناب نبيل زرندي - وهو الّذي كان حاضرًا بنفسه- ذكرى حيّة لوصف جوّ الفرح السّائد فِي تلك الأوقات التّاريخية، فكتب فِي مذكراته يقول: (كان في كلّ يوم من أيّام الرّضوان حين حلول الفجر يبدأ البستانيّ بقطف الورود الَّتي تحفّ بممرّات الحديقة الأربعة ويضعها على أرض خيمته المباركة، وكانت الكومة من الارتفاع بحيث لم يكن في إمكان الصّاحب أن يرى صاحبه عبرها وهم جلوس في حضرته على شكل دائرة لتناول شاي الصّباح، وكان حضرة يهاء الله يتكرّم بهذه الورود وبيديه المباركتين إِلى كلّ من ينصرف عن محضره كلّ صباح حتى يهديها باسمه إِلى اصدقائه من العرب والعجم في المدينة). ويستمرّ النّبيل فِي روايته ويقول: (وفي تاسع ليلة للشّهر القمريّ تصادف أن كنت من بين الّذين يسهرون حول خيمته المباركة، وحول منتصف اللّيل رأيته يخرج من خيمته، ويمرّ ببعض الأماكن الَّتي نام فيها أصحابه، وأخذ يذرع طرقات الحديقة المزهرة
المقمرة، وكان تغريد البلابل يتعالى من كلّ الجهات بحيث غطّى على صوت حضرة بهاء الله فلم يكن يسمعه بوضوح إلاّ أقرب النّاس إليه، وبات يذرع الطّرقات جيئةً وذهابًا إِلَى أن وقف وسط طريق منها وقال: (تدبّروا أمر هذه البلابل، لقد بلغ من حبّها لهذه الورود أنّها لا تنام من غروب الشّمس حتى مطلع الفجر مغرّدة بأهازيجها تناجي محبوبها في شوق ولهفة، فكيف يستطيع النّوم من يدّعون أنّهم مشتغلون بحبّ محبوبهم وجماله الورديّ). ومكثت ثلاث ليالٍ أسهر بجوار خيمته المباركة وأطوف حولها، وكنت كلّما مررت بالدّيوان الّذي يستلقي عليه وجدته يقظان، وكنت أراه في كلّ يوم مشغولاً من الصّباح حتّى المساء في محادثة سيلٍ لا ينقطع من الزوّار الوافدين من بغداد، فما شعرت في كلمة من كلماته بأيّ أثر من الحذر والاحتياط".
"كان رحيل حضرة بهاء الله من حديقة الرّضوان ظهر اليوم الرّابع عشر من ذي القعدة سنة 1279هـ (الموافق الثّالث من شهر أيّار 1863)، ولقد شهد هذا اليوم مناظر من الحماسة الفيّاضة الجيّاشة لا تقلّ روعة ولا تحريكًا للمشاعر عن تلك الحماسة يوم غادر بيته الأعظم في بغداد، إن لم تفقها. وفي ذلك كتب شاهد عيان يقول: (في هذه المناسبة رأينا بأمّ أعيننا فزع يوم النّشور ويوم الحساب، كان الحبيب والغريب يبكي وينوح، وعجب الأكابر والرّؤساء الّذين احتشدوا، وتحرّكت المشاعر بصورة يعجز عن وصفها اللّسان، ولا يمكن للمشاهد أن يهرب من عدواها).
ركب حضرة بهاء الله جوادًا مطهّمًا أصيلاً كُمَيْتَ اللّون من أكرم السّلالات كان ما استطاع احبّاؤه شراءه له، وخلّف وراءه حشدًا راكعًا من المعجبين المشتعلين، وانطلق في أوّل مرحلة من رحلته إِلى الآستانة، وكتب النّبيل الذي شاهد بعينه هذا المشهد الخالد قال: (ما
أكثر الّذين ركعوا للغبار الّذي أثاره جواده وقبّلوا سنابكه، وما أكثر الّذين اندفعوا ليحتضنوا ركابه). كما شهد أحد رفاق السّفر قال: (ما أكثر الّذين كانوا هم الإخلاص بعينه، فألقوا بأنفسهم بين يدي الجواد مفضّلين الموت على مفارقة محبوبهم! حتى لكأنّي بالجواد المبارك يسير على هذه الأجساد ذات القلوب الطّاهرة).".
خطاب ألقاه حضرة عبد البهاء في اليوم التّاسع من الرّضوان
بتاريخ 29 نيسان 1916هذا هو اليوم التّاسع من عيد الرّضوان وهو عيد جمال القدم، عيد بزوغ شمس الحقيقة، إنّه عيد في منتهى العظمة بحيث لا مثيل له ولا نظير، ذلك أنّه في مثل هذه الأيّام نفي الجمال المبارك من بغداد إثر عداء ناصر الدّين شاه وكافّة أركان حكومته والعلماء وعبد العزيز وفؤاد باشا وعالي باشا، وسعى هؤلاء كي يطفئوا النّار الموقدة الإِلهيّة آملين خسوف شمس الحقيقة هذه، واستمرّوا في سعيهم لتحقيق أمنيتهم حتّى صدر فرمان السّلطان عبد العزيز بنفي الجمال المبارك من بغداد، غير أنّهم كانوا غافلين عن أن هذا الانتقال وإن كان نفيًا حسب الظّاهر إلاّ أنّه صار سببًا لعلوّ أمر الله وسطوع شمس الحقيقة سطوعًا أشدّ، أجل إنّهم كانوا غافلين عن ذلك، هكذا كان سطوة عبد العزيز وجبروت ناصر الدّين شاه وعناد فؤاد باشا ودنائة عالي باشا، إلاّ أنّ نامق باشا (والي بغداد) تأثّر تأثّرًا بالغًا من هذه القضيّة بدرجة أنّه أبلغ الجمال المبارك بواسطة أمين سرّه عن أسفه وخجله ممّا حدث لكنّ زمام الأمر قد خرج من كفّه ولم تكن له سيطرة على الموقف، ولم يتدخّل في هذا النّفي، ولقد انسرّ الأعداء في بادئ الأمر وزعموا أنّ جذور أمر الله قد اجتثّت من على أرض العراق، فمن جملة هؤلاء الأعداء الشّيخ عبد الحسين المجتهد ووزراء إيران منهم معين الدّولة، فمجمل القول إنّ
جميع الأعداء فرحوا كثيرًا من هذه القضيّة، وكان وداع الجمال المبارك مع الأحبّاء وداعًا حارًّا ومثيرًا للعواطف حيث ارتفع صوت العويل من المشايعين الأحبّاء ومن غيرهم وكأنّه رفع نحيب البكاء إلى عنان السّماء، ولم يسبق حدوث بلاء في التّاريخ كهذا بدرجة أنّ امرأة من الإيرانيّين الأشراف، بالرّغم من عدم إيمانها، دخلت بين المشايعين ورمت طفلها أمام أقدامه المباركة ليكون قربانًا له حسبما تصوّرت.
انتقل حضرة بهاء الله من منزله بكلّ حشمة وعظمة وجلال وفي موكب عظيم إلى شاطئِ دجلة والمشايعون يمشون على أثر أقدامه، فعبروا الدّجلة إلى بستان نجيب باشا، فنصبت فِي ذلك البستان خيمة الجمال المبارك، وفي نفس تلك السّاعة ورغمًا لأنف الأعداء أعلن عن عيد الرّضوان، ففي مثل هذا الوقت الّذي كان الجمال المبارك ينفى من بغداد وكان الأحبّاء في حالة من الفزع والجزع لفراقه أعلن عن عيد الرّضوان بمنتهى الاقتدار وذلك بمجرّد الدّخول إلى البستان في وقت العصر وبذلك تم الإعلان عن الدّعوة، ولم يذكر الجمال المبارك حسب الظّاهر حتى ذلك اليوم أنّه "من يظهره الله" فأعلن عن ذلك في اليوم نفسه ففتحت أبواب السّرور على الجميع من اليهود والنّصارى و المسلمين وملل أخرى الّذين كانوا حاضرين وفتحت أبواب العناية على الجميع. مكث الجمال المبارك إثني عشر يومًا هناك برزت فيها عظمة الأمر بدرجة يئس الأعداء جميعًا، لأنّ أعاظم العلماء والوجهاء حتّى نفس الوالي نامق باشا كانوا يتشرّفون بساحته المقدّسة أفواجًا أفواجًا، والوالي أي نامق باشا الشّهير الذي لم يتشرّف بمحضره المبارك علنًا حتّى ذلك اليوم جَاءَ مشيًا على الأقدام من بغداد إلى الحديقة وأدرك شرف لقائه. وبعد مضي إثني عشر يومًا تحرّك الموكب المبارك من العراق متّجهًا نحو إسطنبول فاحتشد النّاس خارج المدينة للوداع وبعد
أن ركب الجمال المبارك مركبه ارتفعت أصوات الأذان من بعضهم "الله أكبر الله أكبر".
والقصد من ذلك كلّه أنّه ليس لأحبّاء الله يوم سرور أعظم من هذا اليوم وذلك بدلائل عدّة أوّلها أنّ في مثل ذلك اليوم ظهرت عظمة امر الله ظهورًا باهرًا وثانيها خضع جميع الأعداء وثالثها أعلن الجمال المبارك بأنّه "من يظهره الله" ورابعها بدء الجمال المبارك سفره الميمون وهو في غاية السّرور والرّوح والرّيحان. لاحظوا مدى سرور الجمال المبارك حين النّفي حيث أعلن عن دعوته فِي ذلك الوقت فلا يمكن تصوّر مثيل ونظير له حيث إنّ مظهر أمر الله يعلن عن دعوته في يوم نفيه ببالغ السّرور والبهجة، هذه هي من جملة خصائص هذا الأمر المبارك حيث تبدّلت الذّلّة إلى العزّة الكبرى ظاهرًا وعيانًا، النّفي لكلّ نفس مذلّة كبرى ولكن للجمال المبارك عزّة عظمى.
مجمل القول إنّ الأيّام الإثني عشر الَّتي كانت أيام المصيبة الكبرى وأحيان أحزان شديدة - لكونها أيّام النّفي - تحوّلت إلى أيّام السّرور لأنّ عظمة أمر الله بانت وعلويّة كلمة الله ظهرت ووعود الكتب المقدّسة تحقّقت وكملت والجمال المبارك كان في غاية السّرور والفرح،فهذه الأيّام الإثنا عشر هي عيد الرّضوان ولهذا ليس للأحبّاء أيّام أكثر يمنًا من هذه الأيّام.
بعد مرور 31 يومًا من النّيروز أي في 21 نيسان 1863 انتقل حضرة بهاء الله بعد الظّهر إلى حديقة الرّضوان حيث أقام بها 12 يومًا، في اليوم الأوّل أعلن فيها دعوته لمرافقيه وهذه الأيّام الإثنا عشر يحتفل بها البهائيّون كعيد الرّضوان.
في الوقت الّذي انتقل فيه حضرة بهاء الله من البيت المبارك شاهدت بغداد يومًا ندر أن شهدت مثله من قبل، فقد تجمهر النّاس من جميع
الطّبقات رجالاً ونساءً، أغنياء وفقراء، صغارًا وكبارًا، رجال علم وثقافة، أمراء، موظفو الحكومة، رجال تجّارًا وعمّالاً فِي الشوارع والمناطق القريبة من البيت المبارك وعلى أسطح المنازل الواقعة في طريق حضرة بهاء الله إلى النّهر، وكان هناك الأنين والبكاء على قرب فراق مَن كان يضيفهم بحرارة محبّته وإشراق روحه ومَن كان ملجأهم ومرشدهم جميعًا إثنتي عشرة سنة مضت، وحين لاح وظهر حضرة بهاء الله فِي صحن بيته ارتمى مرافقوه عَلَى أقدامه حزانى مغمومين، وتوقّف حضرته لفترة من الوقت وسط نحيب المحبّين وعويلهم بكلمات حانية مواسية، ووعد أن يلقى كلّ واحد منهم فِي الحديقة النّجيبية فيما بعد، وقد ذكر حضرة بهاء الله فِي أحد الألواح أنّه عندما كان يبادر بالخروج من البيت المبارك تمسّك طفل صغير السّنّ بذيل ثوبه المبارك وهو يبكي وينحب ويرجو من حضرته بصوته النّاعم أن لا يغادرهم، ولما كان الجوّ مشحونًا بالحزن والأسى فلا غرو أن عمل الطّفل الصّغير هذا حَرّك القلوب وزاد الاحبّاء أسًى وحزنًا.
لم يكن أولئك الّذين خارج البيت أقلّ حزنًا من أتباع حضرة بهاء الله ولم يكونوا أقلّ بكاءً وعويلاً من الأحبّاء، ولم يقلّ منظر هؤلاء عَنْ أولئك روعة وتأثيرًا فِي النّفوس، فكان الكلّ يسعى للتّقرّب إلى حضرته، فكان بعضهم يرمي نفسه تحت أقدامه وآخرون منتظرين بلهفة أن يدلي حضرته ببعض الكلمات وغيرهم اكتفوا بلمسة من يده أو لمحة إلى محيّاه ومن الأحداث المثيرة الَّتي جرت أثناء انتقال الجمال المبارك من بيته إلى ضفّة نهر دجلة أنّ سيّدة إيرانيّة النّسب غير بهائيّة توغّلت فِي الحشد المحيط بحضرته إلى أن وصلت إلى محضره حيث ألقت بطفلها عَلَى قدميه مشيرة بذلك إلى أنّها مستعدّة أن تفديه بطفلها، ومثل هذا الحدث أمثال، وقبل أن يخترق حضرة بهاء الله النّهر خاطب أحبائه وقال ما معناه: "أودعكم مدينة بهذه الحالة الَّتي ترونها،
يجب أن تكون هذه النّار المشتعلة فِي القلوب مستمرّة بفضل أعمالكم الطيّبة ولا يظهر منكم ما يؤدّي إلى انخمادها".
إعلان الدّعوةوبعد ذلك عبر حضرة بهاء الله النّهر بواسطة مركب ومعه ثلاثة من أبنائه هم حضرة عبد البهاء والغصن الأطهر والميرزا محمّد علي (وكانت أعمارهم في ذلك الوقت 18 و 14 و10 أعوام بالتّوالي) وكان معه أيضًا كاتب وحيه الميرزا آقا جان، أمّا الأشخاص الآخرون الّذين رافقوه والّذين نصبوا الخيمة في الحديق النّجيبيّة وأعدّوا العدّة لقدوم حضرة بهاء الله فما تزال هويّتهم مجهولة.
وحين وصول الموكب المبارك إلى الحديقة ارتفع من المسجد نداء "الله أكبر" إيذانًا بصلاة العصر، فدوّى صوته فِي أرجائها وبدا السّرور الفائق عَلَى أسارير وجه حضرة بهاء الله كما تَمشّى بعظمة وجلال فِي شوارع الحديقة المزيّنة بالزّهور والأشجار عَلَى جانبيها والَّتي أضفى عليها عبير الورود وشدو العنادل جوًّا من الجمال والبهجة.
كان أصحاب حضرة بهاء الله قد علموا منذ بعض الوقت أنّ إعلان الدّعوة وشيك وقد نما إلى علمهم ذلك ليس فقط من خلال التّصريحات والتّلميحات الكثيرة الَّتي أدلى بها حضرة بهاء الله أثناء الأشهر القليلة الأخيرة لإقامته فِي بغداد ولكن عَنْ طريق تغيير ملحوظ فِي سلوكه، وممّا دلّ دلالة واضحة دون ريب عَلَى قرب ساعة إعلان الدّعوة هو أنّ حضرة بهاء الله لبس يوم غادر بيته فِي بغداد نوعًا جديدًا من القلنسوة وهو تاج ظلّ يلبسه إلى آخر أيّام حياته.
وقد شرح حضرة عبد البهاء أنّه عند وصول الجمال المبارك إلى الحديقة كشف عَنْ مقامه للحاضرين من أصحابه وأعلن بفرح عظيم عن
بدء عيد الرّضوان، وعندئذ اختفت الشّجون والأحزان من قلوب الاحبّاء وحلّت البهجة والسّرور بها، ومع أنّ حضرة بهاء الله كان عالمًا بالآلام والمحن الَّتي تنتظره هو وأصحابه فِي المنفى بدّل الحزن فرحًا وابتهاجًا وأمضى أطيب أوقات ولايته قاطبة فِي حديقة الرضوان، وقد أشار حضرة بهاء الله فِي أحد ألواحه إلى أوّل يوم عيد الرّضوان بأنّه يوم "السّعادة الكبرى" ودعا اتباعه إلى أن يبتهجوا بكلّ فرح وسرور فِي ذكراه.
إنّ الطّريقة الَّتي أعلن بها حضرة بهاء الله دعوته غير واضحة وكذلك هويّة الأشخاص الّذين سمعوا الإعلان، ولكن أحد الأمور الواضحة هو أنّه طيلة إقامته فِي العراق (1852-1863) لم يكن حضرة بهاء الله يصف نفسه بـ "من يظهره الله" ، مع أنّه كان يلمح إلى حقيقة مقامه ويتكلّم بلسان الله فِي ألواحة، وإنّما استعمل عبارة "من يظهره الله" فِي حقّ نفسه لأوّل مرّة عندما أعلن دعوته فِي حديقة الرّضوان، وقال إنّه ذلك الموعود الّذي بشّر به حضرة الباب، والّذي ضحّى بنفسه فِي سبيله والّذي أبرم عهده مع أتباعه من أجله.
كان ذلك يومًا مشهودًا فِي حياة حضرة بهاء الله اشتغل خلاله بأمور بالغة الأهمّيّة آخرها إعلان دعوته وهو أبرز وأهمّ حدث فِي عهد مظهريّته.
من الفوارق المهمّة بين الإنسان وبين مظهر أمر الله هي أنّ الإنسان سرعان ما يخضع فِي وجه العراقيل والبلايا، حتّى إنّ ذوات المواهب الفائقة والقدرات الجبّارة يظهرون عجزهم أمام المصائب الكبرى، إنّهم لا يستطيعون حلّ أكثر من مشكلة واحدة فِي الوقت الواحد، وكثيرًا ما يلجأون إلى استشارة الخبراء قبل أن يتّخذوا قرارًا، أما المظاهر الإِلَهِيّة عكس ذلك تمامًا فهم يعملون بمعزل عَن الناس ولا يمكن لأيّ إنسان
أن يساعدهم أبدًا، لا تحدّ روح المظهر الإلهيّ بحدود عالم الإنسان وعقله لا يقصر عن مواجهة مشاكل عديدة فِي نفس الوقت، فِي وسط الكوارث عندما يستسلم الرّجال الأقوياء تحت الضّغط يبقى المظهر الإلهيّ منقطعًا عما يجري حوله ويستطيع أن يوجّه اهتمامه اينما شاء، وهذه من أهم ميزات المظهر الإلهيّ.
وقد نزّلت فِي هذا اليوم سورة الصّبر المعروفة بلوح "أيّوب" باسم الحاج محمّد تقي من قاطني نيريز والّذي لقّبه حضرة بهاء الله بـ "أيّوب" فِي هذا اليوم.
ولو أنّ الطّريقة الَّتي تمّ بها إعلان حضرة بهاء الله لأمره فِي حديقة الرّضوان فِي اليوم الأوّل غير واضحة ولكن هناك لوح بخطّ الميرزا آقا جان موجَّه إلى آقا محمّد رضا يلقي ضوءًا عَلَى بعض ما نطق به جمال القدم فِي هذا اليوم وحسب ما ورد فِي هذا اللّوح فقد أكّد حضرة بهاء الله لأتباعه ثلاثة أمور هامّة: أمّا الأوّل وهو تحريم استعمال السّيف فِي دورته وذلك لأنّ المؤمنين كانوا يدافعون عن أنفسهم بالسّيف فِي الدّورة البابيّة ولكن حضرة بهاء الله منع ذلك منعًا باتًّا، وفي الكثير من ألواحه نصح الأحبّاء بأخذ جانب الحيطة والحكمة فِي نشر الدّعوة وتفادي إثارة حفيظة الأعداء المتعصّبين، وأوصاهم بالحذر البالغ فِي التّعامل مع الّذين عقدوا العزم عَلَى استئصال الأمر المبارك وإلحاق الأذى بأتباعه، ثمّ فِي مرحلة لاحقة من عهده أوعز حضرة بهاء الله إِلَى الأحبّاء أن يبذلوا الجهد كي لا يقعوا فِي أيدي الأعداء، ولكن فِي حال أنهم واجهوا الاستشهاد فعليهم أن يعطوا حياتهم فِي سبيل الأمر ولا يقتلوا مضطهديهم، فلسان البهائيّ الّذي يقوم بتبليغ الأمر كما تفضّل فِي لوح آخر هو أحسن سيف يملكه حيث إنّ بياناته تزيل شبهات الجهل والظّلام من قلوب البشر.
وأمّا الأمر الثّاني الّذي أكّد عليه فهو أنّه لن يظهر مظهر إلهيّ جديد قبل انقضاء ألف سنة كاملة، الأمر الذي عاد وأكّده فِي كتاب "بديع" المنزل فِي أدرنة، ثمّ فِي الكتاب الأقدس حيث تفضّل قائلاً: "من يدّعي أمرًا قبل إتمام ألف سنة كاملة إنّه كذّابٌ مفترٍ".
وأمّا الأمر الثّالث فهو ما أن أعلن دعوته علانية حتّى تجلّت أسماء الله وصفاته فِي جميع الْمُمْكِنَاتِ تجلّيًا كاملاً أي أنّه قد أتى يوم جديد ومنحت جميع المخلوقات طاقات ومقدرات جديدة.
ابتداء الرّحلة الطّويلة"ابتدأت رحلة النّفي إلى المكان المجهول حين انتهت التّرتيبات وركب حضرة بهاء الله وحضرة المولى وسيّدات الأسرة والمرافقون الأحصنة والبغال والهوادج وقام بمصاحبتهم إلى خارج بغداد مفرزة من الجنود الأتراك الّذين كانوا يعاملون الجميع بمزيد من الاحترام ولو أنهم فِي الواقع كانوا سجنائهم. وقد كان لهيمنة جمال القدم وجلاله تأثير بالغ عَلَى كل من رافقه من الجنود حيث لم يُرَ فِي موكبه أيّ نوع من سوء المعاملة وعلم أخيرًا أنّ المكان المجهول المتّجه إليه هو القسطنطينية".
(2)"وقد تجمهر من كلّ أطراف المدينة العديد من الأحبّاء وغيرهم ليشاهدوا حضرة بهاء الله أثناء مغادرته حديقة الرّضوان، واندفع جمهور غفير تجاهه تتقدّمهم النّساء، وكنّ يضعن أطفالهنّ الصّغار عَلَى أقدامه وكان حضرته يرفع هؤلاء الصّغار بلطف وعطف واحدًا تلو الآخر ويباركهم ثمّ يرجعهم بعناية إلى أذرع أمّهاتهم، ويوصيهنّ بتنشئة هذه
البراعم الصّغيرة لخدمة الله بثبات وإخلاص، يا له من يوم مثير للنّفوس، كان الرّجال يرمون أنفسهم فِي طريقه لعلّ قدمه المباركة تمسّهم أثناء مروره، وأخيرًا ركب المحبوب المركب الذي اخترق النّهر وكان النّاس قد تزاحموا حوله لئلاّ تفوتهم الفرصة الأخيرة ليكونوا فِي حضرته، وبعد لأي انطلق الموكب وراقبناه بتأثّر عميق، غير أنّ أرواحنا كَانَتْ تهتزّ وتسمو عَلَى نحو غريب وتحسّ بهجة وسعادة غير معتادتين، وذلك لأنّ الوقت قد حان أن نعلم الحقيقة، وعندما بلغ المركب الشَّاطِئ الآخر من النّهر أسرعنا إلى حديقة الرّضوان حيث نصبنا خيمة له وخمس أو ستّ خيم للأحباء، وعندما نصبت الخيمة المباركة فِي الرّضوان هبّت ريح شديدة لم تفتر إلاّ بعد أيام، وكَانَتْ خيمة حضرة بهاء الله تهتزّ من شدّة الرّيح وخفنا من أن يؤدّي ذلك اقتلاعها، ولذلك أخذنا عَلَى عاتقنا أن نجلس بقربها ليل نهار لنمسك الأحبال بالتّناوب كلّ واحد منّا لفترة عدّة ساعات، وكنا سعداء بأن نقوم بهذه الخدمة لأنّها أتاحت لنا أن نكون بجوار محبوبنا.
وقد لحقت أسرة حضرة بهاء الله المباركة به فِي الرّضوان فِي اليوم التّاسع لاقامتهم فِي الحديقة وفي اليوم الثّاني عشر بعد الظّهر غادرنا بمرافقة الجنود الأتراك متوجّهين إلى جهة مجهولة... كان حضرة بهاء الله قد أمر الأحباء بعدم اقتفائهم لكنّني أحببت أن لا يغيب الموكب عَنْ ناظري، وظللت أجري وراءهم لمدة ثلاث ساعات حتّى رآني حضرة بهاء الله عن بعد، فنزل عن حصانه وانتظرني وأمرني بصوته الجميل المملوء بالمحبّة والعطف أن أعود إلى بغداد مشيرًا عليّ بالإسراع فِي العمل مع الأحبّاء دون كسل وبكلّ همّة ونشاط، ثمّ أضاف (لا يغلبك الأسى لتركي الأحبّاء الأعزاء ببغداد، فبكلّ تأكيد سأرسل لهم بشارات طيبة عن أحوالنا، كن مستقيمًا فِي خدمة الله الّذي يفعل ما يشاء وعش فِي السّلام المقدّر لك).
ولبثنا نراقبهم حتى اختفوا عن أنظارنا فِي الظّلام وقلوبنا غارقة فِي الأسى والأحزان، لأنّ أعداءهم كانوا أقوياء قساة ولم نكن ندري إلى أين هم ذاهبون.
وجّهنا وجوهنا شطر بغداد ونحن نبكي بمرارة عاقدين العزم عل أن نعيش حياتنا طبقًا لأوامره، لم نكن وقتئذٍ قد أبلغنا بعد بحادث إعلان الدّعوة المجيد، وبأنّ بهاء الله الّذي كنّا نحبّه ونجلّه هو الموعود - من يظهره الله - ولكن بالرّغم من ذلك فقد شعرنا من جديد بالفرح العظيم يموج فِي قلوبنا ويغمر حزننا بفيض من النّورانية والأمل".
لمحات عَنْ لقاءات ووصف الجمال المباركيعد الحاج ميرزا حيدر علي من إصفهان أحد كبار المخلصين من صحابة حضرة بهاء الله وأحد الّذين تشرّفوا بالمثول امامه فِي أدرنة وعكاء فِي مناسبات عديدة. وقد ترك بعض الذّكريات المضيئة عَنْ ملاحظاته الَّتي تعكس لنا تأثيرات وقت التّشرف بالحضور المبارك للأحبّاء ولقد كتب جنابه ما يلي:
"... لكي تصف تجربة روحيّة كهذه يعدّ أمرًا مستحيلاً، مثلا اثنان أو أكثر من الأفراد إذا تشرّفوا بالحضور أمام حضرة بهاء الله مع بعضهم فإنّ كلّ واحد منهم سوف يعتبر المحبّة والعطف والعناية موجّهة من بهاء الله له شخصيًّا وتجعله يتحرّك ويعلن أنّه مظهر الله مع أنّهم كلّهم حضروا فِي حضور نفس الشّخص المقدّس والَّتي كَانَتْ كلماته غير موجّهة لأحدهم فقط ولكنّ كلماته تخترق العروق والشّرايين وتصل إِلَى القلوب والعقول والأرواح وكلّ واحد سوف يتأثّر بطريقته الخاصّة وسوف يسعد بتجربة داخليّة ومشاعر روحانيّة ويصعب عليه وصفها للآخرين. وكلّ ما يمكن أن يقوله الفرد بعد ذلك لاصدقائه لقد كنت
سكرانًا وفي حالة من البهجة. والصّديق الآخر الذي مرّ بتجربة مماثلة فِي اللّقاء فِي نفس الوقت سوف يؤيّد هذا الشّعور بقدر ما يمكن أن يستطيع التّعبير. وأنا أعني أن أقول إنّ ما يشغل شعور الإنسان من الدّاخل أثناء اللّقاء هو انجذاب روحانيّ وإنارة داخليّة وتحليق إِلَى آفاق عالم الأرواح بَعِيدًا يسمو عَلَى الطبيعة والمادّيّات والمكان والزّمان والأشياء. فمثلاً لا يمكن للإنسان أن يشرح حالة البلوغ أو المزايا العقليّة لشخص بالغ إِلَى طفل والّذي لم يصل بعد إِلَى قدرة الإدراك حتّى هذا التّشبيه يعود إلى عالم الطّبيعة لأن الطّفل الّذي لم يحص بعد على القدرة للاستيعاب، وعلى ذلك كيف يكون ممكنًا أن نصف حالة روحيّة – حالة تجرّد روحانيّ لأيّ فرد. إذا تمكّن أيّ فرد أن يفوز بالحصول من فضل الله وعونه عَنْ طريق لقائه بمظهر أمره حضرة بهاء الله بالاحساس بالشّعور الداخليّ الرّوحانيّ فهذا الشّعور يخترق روحه وهو ليس شرّيرًا مؤتية أو تخيّل عبثيّ ولكنّه اشعال للرّوح بمحبّة الله وحصول هذا سوف يفتح الطّريق للتّقدّم إِلَى آفاق روحانيّة جديدة بشرط أن لا تكون مخلوطة بالغرور والغفلة. بكلّ الكلمات الَّتي يمكن وصفها لا يمكن أن نصف الرّحمة الفائضة من حضرة بهاء الله فِي حضوره أو نضع حدًّا فِي الجمال للنّاطق فِي طور سيناء".
ويستطرد جناب حيدر علي فِي وصف القدرة والهيمنة المتجلّية فِي حضرة بهاء الله ما يلي:
"... أذكر مرّة أنّ أحد الاشخاص الّذين كانوا تابعين لميرزا يحيى (صبح أزل) أو النّاقض الأعظم طلب من المرحوم الحاج سيّد جواد كربلائي أحد الأحبّاء القدماء وأحد المرايا لدورة بهاء الله أن يصف له جمال حضرة الباب وجلاله وردّ عليه قائلاً (إنّ جمال وحلاوة حضرة الباب لا يمكن تصديقها لقد رأيت فيه كلّ الصّفات والمحاسن الَّتي وصف بها سيّدنا يوسف عليه السّلام).
وحيث أنّ السّائل كان أزليًّا أي من أتباع صبح أزل وبعض آخر من الأزليّين كانوا حاضرين كنت أعتقد أنّ هؤلاء الحاضرين ممكن أن يظنّوا من كلمات المرحوم الحاج سيّد جواد الكربلائيّ أن يخبرنا عن الجمال المبارك حضرة بهاء الله والّذي فِي حضوره تشرق وتظهر مملكة الجمال وعلى عتبته تسطع أشعّة الجلال والاقتدار وتغنّى بأغنية المديح والتّبجيل بالاجابة قائلاً (أعلم بكلّ تأكيد كامل أنّه إذا ادّعى أيّ فرد صديقًا أو عدوًّا أنّه قادر عَلَى أن يحملق مباشرة فِي وجه بهاء الله فهو كاذب. لقد حاولت ذلك مرارًا ثم مرّات ومرّات لأحملق فِي وجه الجمال المبارك ولم أتمكّن من ذلك لأنّه حين يفوز الشّخص بالتّشرف فِي الحضور أمام بهاء الله فإنّه يفقد قدرته ويحلّق فِي آفاق بعيدة ويكون فِي الحقيقة كالأصمّ منصعق من الرّهبة غير واعٍ لنفسه ناسيًا العالم كلّه. وإذا حاول أن ينظر بإمعان فِي وجه الجمال المبارك ويبعد عَنْ نفسه التّحليق فِي آفاق بعيدة فإنّه يكون مثل النّاظر إِلَى الشّمس فإنّ العين سوف تصاب بالعمى وعدم القدرة عَلَى الرّؤية من الإشعاع القويّ الصّادر من الشّمس ويتسبّب فِي جريان الدّموع، وهكذا إذا أراد شخص أن يتطلّع فِي وجه الجمال المبارك فإنّ الدّموع سوف تملأ عينيه وتجعله يستحيل عليه أن يصل إِلَى أيّ انطباع عنه). أنا شخصيًّا مررت بهذه التّجربة فطوال سبعة شهور كاملة قضيتها فِي أدرنة كنت فيها دائمًا اتشرّف بالحضور المبارك أحلّق فيها بعيدًا عَنْ هذا العالم وأشعر بدوّار وأجد نفسي كأنّ الرّوح خرج منّي وبعدت عَن الخلق. وأذكر بعد 14 أو 15 سنة من فراق لم اتشرّف فيها حين وصلت إِلَى المدينة المقدّسة عكّاء نقطة الأنوار مطاف الملإ الاعلى ومحلّ سيناء الظّهور موسى، حضرت فِي حضرة بهاء الله لمدّة ثلاثة شهور وطوال هذه المدّة كنت أرغب فِي معرفة لون التّاج المبارك
الّذي كان يلبسه، وكنت فِي كلّ مرّة حين أدخل للتّشرف فِي حضوره المبارك أنسى تمامًا ما فكّرت فيه حتّى إنّي يوم من الأيّام حين أشرقت وأنارت حديقة الرّضوان وتعطّرت بقدومه (حديقة الرّضوان ببغداد) وهي فِي الحقيقة من حدائق الجنّة الظّاهرة المستورة. وكان حضرته يتناول الغذاء مع بعض الحجّاج الّذين يزورونه. وكَانَتْ هناك أريكة وكُرْسِيّ وبقربها بعض الأغراض الَّتي كان يستعملها، وأذكر اثنين أو ثلاثة أفراد كانوا واقفين فِي الدّاخل ووقف خارج الغرفة عديد آخرون وكلّهم مسحورون من طلعة الجمال المبارك الَّتي لا مثيل لها ولقد رأيت التّاج فِي هذه اللحظة بينما أنا واقف خلف الاحبّاء ومرافقيهم ولقد كان لونه أخضر".
هناك مقتطفات أخرى تعطي صورة للبهاء المحيّر لحضرة بهاء الله وجدت فِي مذكرات الحاج محمد طاهر مالميري والد مؤلّف كتاب ظهور بهاء الله (والد جناب أديب طاهر زاده) والّذي ذهب إِلَى عكاء عام 1878 وأقام هناك مدّة تسعة شهور تشرّف فيها باللّقاء يوميًّا وأثناء هذه اللّقاءات التاريخية كان يودّ أن يتطلّع كاملاً إِلَى وجه بهاء الله ولكن فِي كلّ مرّة يحضر فِي حضرته المباركة يجد نفسه قد أصيب بالدّوار من جماله الظّاهر الباهر حتّى أتى يوم من الأيّام تطلّع إِلَى وجهه المبارك وهذه هي نصّ كلماته:
"فِي يوم من الأيام دعيت للحضور والتّشرّف بالجمال الأقدس الأبهى وأمرني حضرته بالجلوس. وبعد أن جلست نادى خادم الله (وهو ميرزا آقا جان كاتب الوحي) وقال أحضر شايًا إِلَى آقاي طاهر. فأحضر خادم الله كوب الشّاي وأعطاه لي. وحين أخذت الفنجان فِي يدي وقعت عيناي فجأة عَلَى وجهه المبارك ووجدت نفسي أشعر بدوار فلم استطع أن أنزل عيناي من طلعة جماله المشعّ وحينئذٍ قال لي (انظر
ماذا فعلت لقد سكبت الشّاي واتلفت عباءتك حافظ عَلَى هذه العباءة فستكون ملابسك الوحيدة فِي كلّ طريقك لإيران فنحن أيضًا كَانَتْ لدينا قميص وملابس داخليّة واحدة فِي رحلتنا للسّليمانيّة) ومن هذه الكلمات الصادرة من الجمال المبارك اكتشفت أنّني أمسك بطبق الفنجان فقط فِي يدي وأمّا الفنجان فقد أسقطته وأنّ الشّاي السّاخن انسكب عَلَى العباءة واخترق ملابسي ولم أشعر به إطلاقا".
وقد كتب الحاج محمّد طاهر مالميري بعد ذلك بالتّفصيل قصّته مع هذه العباءة وكيف أنّه أثناء عودته لإيران سرقت كلّ أمتعته ولم يكن لديه غير هذه العباءة ومظروفين. وقد ارتدى العباءة وهي من الحرير الخفيف عَلَى قميصه وظلّ يرتعد من البرد فِي الشّتاء وتذكّر فِي هذا الحين كلمات حضرة بهاء الله بأنّ هذه ستكون ملابسه الوحيدة فِي كلّ طريقه وعلم كيف قاسى بهاء الله من البرد فِي السّليمانيّة.
إنّ الحاج ميرزا حيدر علي تكلّمنا عنه سابقًا يعطينا قصّة مختصرة عَنْ الانطباع لدى بعض مسئولي الحكومة فِي عكّاء عندما شاهدوا بهاء الله لأوّل مرّة فقد كتب فِي كتابه بهجة الصّدور ما يلي:
"... لقد كان يوم عيد الرّضوان وكان يحتفل به بمنزل جناب موسى كليم (أخ حضرة بهاء الله المخلص) وكنت واقفًا فِي الصّحن الخارجيّ بالمنزل وكان هناك بعض السّكّان فِي المنزل الكبير من غير البهائيّين بعضهم من البكوات والبشاوات وهي ألقاب الطّبقة العليا فِي ذلك الوقت الّذين وصلوا لعكّاء كرؤساء للجمارك. وأتذكّر جيّدًا أنّه بعد ظهر أوّل يوم من عيد الرّضوان خرج حضرة بهاء الله من مسكنه الدّاخلي إِلَى المكان حيث جلس رئيس الجمارك وضباطه، وحين ظهر فجأة وقفوا جميعًا تلقائيًّا مع أنّ ذلك ليست طريقتهم وانحنوا امامه ووجدوا أنفسهم فِي حالة من التّعجب ومملوئين بالحيرة واستمرّوا
واقفين مدهوشين وقلوبهم ترتجف من مظهره وجماله الأفخم. وتقدّم بهاء الله منهم وتكلّم بكلمات فيها محبّة وعطف وعاد مرّة أخرى للجزء الدّاخلي بعد أن عبر أمامهم. وبكلّ استغراب وتعجّب سأل الضّابط من هذا الشّخص المهيب الطّلعة الجليل إنّه كملك الملوك إنّه روح مقدّسة فأجبناه إنّه والد عبّاس أفندي".
إنّ المقتطفات السّابقة تعطي للقارئ لمحة عَنْ عظمة وجلال حضرة بهاء الله وتفسّر لنا لماذا كان معظم صحابته وتلامذته لم يستطيعوا أن يضعوا وصفًا له، والوصف الوحيد المكتوب هو للمستشرق إدوارد براون البروفسور فِي كلّيّة كامبردج ببريطانيا والّذي لم يكن بهائيًّا ووصف وصفه بعد التّشرف بزيارة بهاء الله فِي البهجة بعكّاء فِي عام 1890م وكتب قائلاً:
"... انتظر دليلي لحظة من الزّمن ريثما خلعت حذائي وبحركة سريعة من يده سحب ستاره وبمروري من الباب أعادها. فوجدت نفسي فِي غرفة كبيرة فِي صدرها امتدّت أريكة منخفضة ووضع فِي مقابل الباب كرسيّان أو ثلاثة كراسي. و‘نّي وإن كنت متصوّرًا تصوّرًا مبهمًا المكان الّذي أنا ذاهب إليه ومن أنا قادم لرؤيته إذ لم تُعْطَ لي إيحاءه واضحة حول ذلك إلا أنّه قد مرّت ثانية أو ثانيتان من الزّمن وأخذتني الرّهبة والذّهول قبل أن أعرف معرفة تامّة بوجود من فيها وحانت منّي التفاتةٌ إِلَى الرّكن حيث تلتقي الأريكة بالجدار كان يجلس هيكل عظيم تعلوه المهابة والوقار تتوّج رأسه قلنسوه من الصّوف من النّوع المسمى عند الدّراويش بالتّاج تمتاز بطولها وحول أسفل التّاج عمامة بيضاء صغيرة.
وإنّما الوجه الّذي رأيته لا أنساه ولا يمكنني وصفه مع تلك العيون البرّاقة النّافذة الَّتي تقرأ روح الشّخص وتعلو جبينه الوضّاح العريق القدرة
والجلال بينما أسارير وجهه وجبهته تنمّ عَنْ عمر لا يصدّقه الشّعر الأسود القاتم مع لحية كَانَت تتماوج بوفرة مألوفة لغاية وسطه فلم أك إذ ذاك فِي حاجة للسّؤال إِلى ذلك امتثلت فِي حضوره ووجدت نفسي منحنيًا أمام من هو محطّ الولاء والمحبّة الَّتي يحسده عليها الملوك وتتحسّر لنوالها عبثًا الأباطرة".
الفصل السادس"يَا قَلَمَ الأعْلَى قُلْ يَا مَلأ الإِنْشاءِ قَدْ كَتَبْنَا عَلَيْكُمُ الصِّيَامَ أَيَّامًا مَعدُوداتٍ وَجَعَلْنَا النَّيرُوزَ عِيْدًا لَكُمْ بَعْدَ إِكمالِهَا، كَذَلِكَ أَضَآئَتْ شَمْسُ البَيَانِ مِنْ أُفُقِ الكِتَابِ مِنْ لَدُنْ مالِكِ المَبْدَءِ وَالمَآبِ".
"طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِاليَومِ الأَوَّلِ مِنْ شَهْرِ البَهآءِ الَّذِي جَعَلَهُ اللهُ لِهَذَا الأسْمِ العَظِيمِ، طُوبَى لِمَنْ يُظْهِرُ فِيهِ نِعْمَةَ اللهِ عَلَى نَفْسِهِ إِنَهُ مِمَّنْ أَظْهَرَ شُكْرَ اللهِ بِفِعْلِهِ المُدِلِّ عَلَى فَضْلِهِ الَّذِي أَحَاطَ العَالَمِينَ. قُلْ إِنَّهُ لَصَدْرُ الشُّهُورِ وَمَبْدَئُهُا وَفِيه تَمُرُّ نَفْحَةُ الحَيَاةِ عَلَى المُمكِنَاتِ طُوبَى لِمَنْ أَدْرَكَه بِالرَّوْحِ وَالرَّيْحانِ نَشْهَدُ أَنَّه مِنَ الفَاِئزِينَ".
أَنَا الأَقْدَسُ الأَعْظَمُ الأَبْهَىلَكَ الحَمْدُ يَا إِلهِي بِمَا جَعَلْتَ هذَا اليَوْمَ عِيدًا لِلْمُقَرَّبِينَ مِنْ عِبَادِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ أَحِبَّتِكَ، وَسَمَّيْتَهُ بِهذَا الاسْمِ الَّذِي بِهِ سَخَّرْتَ الأَشْيَاءَ وَفَاحَتْ نَفَحَاتُ الظُّهُورِ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ، وَبِهِ ظَهَرَ مَا هُوَ المَسْطُورُ
فِي صُحُفِكَ المُقَدَّسِةِ وَكُتُبِكَ المُنَزَّلَةِ، وَبِهِ بَشَّرَ سُفَرَاؤُكَ وَأَوْليَاؤُكَ لِيَسْتَعِدَّ الكُلُّ لِلِقَائِكَ وَالتَّوَجُّهِ إِلَى بَحْرِ وِصَالِكَ وَيَحْضُرُوا مَقَرَّ عَرْشِكَ ويَسْمَعُوا نِدَاءَكَ الأَحْلَى مِنْ مَطْلِعِ غَيْبِكَ ومَشْرِقِ ذَاتِكَ، أَحْمَدُكَ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي بِمَا أَظْهَرْتَ الحُجَّةَ وَأَكْمَلتَ النِّعْمَةَ وَاسْتَقَرَّ عَلَى عَرْشِ الظُّهُورِ مَنْ كانَ مُدِلاًّ بِوَحْدَانِيَّتِكَ وَحَاكِيًا عَنْ فَرْدَانِيَّتِكَ، وَدَعَوْتَ الكُلَّ إِلى الحُضُورِ، مِنَ النَّاسِ مَنْ تَوَجَّهَ إِلَيْهِ وَفَازَ بِلِقَائِهِ وَشَرِبَ رَحِيقَ وَحْيِهِ، أَسْأَلُكَ بِسُلْطَانِكَ الَّذِي غَلَبَ الكَائِنَاتِ وَبِفَضْلِكَ الَّذِي أَحَاطَ المُمْكنَاتِ، بِأَنْ تَجْعَلَ أَحِبَّتَكَ مُنْقَطِعِينَ عَنْ دُونِكَ وَمُتَوَجِّهِينَ إِلَى أُفُقِ جُودِكَ، ثُمَّ أَيِّدْهُم عَلَى القِيَامِ عَلَى خِدْمَتِكَ لِيَظْهَرَ مِنْهُمْ مَا أَرَدْتَهُ فِي مَمْلَكَتِكَ وَيَرْتَفِعَ بِهِمْ رَايَاتُ نُصْرَتِكَ فِي بِلاَدِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ المُتِعَالِي المُهَيْمِنُ العَلِيمُ الحَكيمُ، أَحْمَدُكَ يَا إِلهِي بِمَا جَعَلْتَ السِّجْنَ عَرْشًا لِمَمْلَكتِكَ وَسَمَاءً لِسَمَوَاتِكَ وَمَشْرِقًا لِمَشَارِقِكَ ومَطْلِعًا لِمَطَالِعِكَ وَمَبدَأً لِفُيُوضَاتِكَ وَرُوحًا لأَجْسَادِ بَرِيَّتِكَ، أَسْأَلُكَ بِأَنْ تُوَفِّقَ أَصْفِيَاءَكَ عَلَى العَمَلِ فِي رِضَائِكَ، ثُمَّ قَدِّسْهُم يَا إِلهي عَمَّا يَتَكَدَّرُ بِهِ أَذْيَالُهُم فِي أَيَّامِكَ، أَيْ رَبِّ تَرَى فِي بَعْضِ دِيَارِكَ مَا لا يُحِبُّهُ رِضَاؤُكَ، وَتَرَى الَّذِينَ يَدَّعُونَ مَحَبَّتَكَ يَعْمَلُونَ بِمَا عَمِلَ بِهِ أَعْدَاؤُكَ، أَيْ رَبِّ طَهِّرْهُمْ بِهذَا الكَوْثَرِ الَّذِي طَهَّرْتَ بِهِ المُقَرَّبِينَ مِنْ خَلْقِكَ وَالمُخْلِصِينَ مِنْ أَحِبَّتِكَ وَقَدِّسْهُم عَمَّا يَضِيعُ بِهِ أَمْرُكَ فِي دِيَارِكَ وَمَا يَحْتَجِبُ بِهِ أَهْلُ بِلاَدِكَ، أَيْ رَبِّ أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ المُهَيْمِنِ عَلَى الأَسْمَاءِ بِأَنْ تَحْفَظَهُم عَنِ اتِّبَاعِ النَّفْسِ وَالهَوَى، لِيَجْتَمِعَ الكُلُّ عَلَى مَا أَمَرْتَ بِهِ فِي كِتَابِكَ، ثُمَّ اجْعَلْهُم أَيَادِيَ أَمْرِكَ لِيَنْتَشِرَ بِهِمْ آيَاتُكَ فِي أَرْضِكَ وَظُهُورَاتُ تَنْزِيهِكَ بَيْنَ خَلْقِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ المُهَيْمِنُ القَيُّومُ.
يُقْرَأُ فِي النَّيْرُوْزِ وَعِيدِ الصِّيامِشَهِدَ اللهُ لِنَفْسِهَ بِوَحْدَانِيَّةِ نَفْسِهِ وَلِذَاتِهِ بِفَرْدَانِيَّةِ ذَاتِهِ وَنَطَقَ بِلِسَانِهِ فِي عَرْشِ بَقَائِهِ وَعُلُوِّ كِبْرِيَائِهِ بِأَنَّهُ لا إِله إِلا هُوَ لَمْ يَزَلْ كَانَ مُوَحِّدَ ذَاتِهِ وَوَاصِفَ نَفْسِهِ بِنَفْسِهِ وَمُنِعَتْ كَيْنُونَتِهِ بِكَيْنُونَتِهِ وَإِنَّهُ هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيْزُ الْجَمِيلُ، وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَالْقَائِمُ عَلى خَلْقِهِ وَبِيَدِهِ الأَمْرُ وَالْخَلْقُ، يُحْيِي بِآيَاتِهِ وَيُمِيتُ بِقَهْرِهِ لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَإِنَّهُ كَانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيْرًا، وَإِنَّهُ لَهُوَ الْقَاهِرُ الْغَالِبُ الَّذِي فِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوْتُ كُلِّ شَيْءٍ وَفِيْ يَمِيْنِهِ جَبَرُوْتِ الأَمْرِ وَإِنَّهُ كَانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيْطًا، لَهُ النَّصْرُ وَالانْتِصَارُ وَلَهُ الْقُوَّةُ وَالاقْتِدَارُ وَلَهُ الْعِزَّةُ وَالاجْتِبَارُ وَإِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْمُقْتَدِرُ الْمُخْتَارُ، سُبْحَانَكَ يَا مَنْ نَادَاكَ أَلْسُنُ الْكَائِنَاتِ فِي أَزَلِ اللاَّبِداياتِ وَأَبَدِ اللاَّنِهاياتِ وَمَا وَصَلَ نِدآءُ أَحَدٍ مِنْهُمْ إِلى هَوَاءِ بَقَاءِ قُدْسِ كِبْرِيَائِكَ، وَفُتِحُتْ عُيُوْنُ الْمَوْجُوْدَاتِ لِمُشَاهَدَةِ أَنْوَارِ جَمَالِكَ وَمَا وَقَعَتْ عُيُوْنُ نَفْسٍ إِلى بَوَارِقِ ظُهُوْرَاتِ شَمْسِ وِجْهَتِكَ، وَرُفِعَتْ أَيْدِيْ الْمُقَرَّبِيْنَ بِدَوَامِ عِزَّ سَلْطَنَتِكَ وَبَقَاءِ قُدْسِ حُكُوْمَتِكَ وَمَا بَلَغَتْ يَدُ أَحَدٍ إِلى ذَيْلِ رِدَآءِ سُلْطَانِ رُبُوبِيَّتِكَ، مَعَ الَّذِي لَمْ تَزَلْ كُنْتَ بِبَدائِعِ جُوْدِكَ وَإِحْسَانِكَ قَائِمًا عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَمُهَيْمِنًا عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَتَكُوْنُ أَقْرَبَ بِكُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ بِهِمْ، فَسُبْحَانَكَ مِنْ أَنْ تُنْظَرَ بَدِيْعُ جَمَالِكَ إِلا بِلَحَظَاتِ عُيُوْنِ أَزَلِيَّتِكَ أَو يُسْمَعَ نَغَمَاتُ عِزِّ سَلْطَنَتِكَ إِلاَّ بِبَدِيْعِ سَمْعِ أَحَدِيَّتِكَ، فَسُبْحَانَكَ مِنْ أَنْ تَقَعَ عَلى جَمَالِكَ عُيُوْنُ أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْ يصْعَدَ إِلى هَوَاءِ
عِرْفَانِكَ أَفْئِدَةُ أَحَدٍ مِنْ بَرِيَّتِكَ، لأَنَّ أَطْيَارَ قُلُوبِ الْمُقَرَّبِينَ لَوْ تَطِيرُ بِدَوَامِ سُلْطَانِ قَيُّومِيَّتِكَ أَو تَتَعَارَجُ بِبَقَاءِ قُدْسِ أُلُوهِيَّتِكَ لا تَخْرُجُ عَنْ حَدِّ الإِمْكَانِ وَحُدُوْدِ الأَكْوَانِ فَكَيْفَ يَقْدِرُ بِحُدُوْدِ الإِبْدَاعِ أَنْ يَصِلَ إِلى مَلِيْكِ مَلَكُوْتِ الاخْتِرَاعِ أَوْ يَصْعَدَ إِلى سُلْطَانِ جَبَرُوتِ الْعِزَّةِ وَالارْتِفَاعِ، سُبْحَانَكَ يَا مَحْبُوبِيِ لَمَّا جَعَلْتَ مُنْتَهَى وَطَنِ الْبَالِغِيْنَ إِقْرَارَهُمْ بِالْعَجْزِ عَنِ الْبُلُوْغِ إِلى رَفَارِفِ قُدْسِ سُلْطَانِ أَحَدِيَّتِكَ وَمُنْتَهَى مَقَرِّ الْعِارِفِيْنَ اعْتِرَافَهُمْ بِالْقُصُوْرِ عَن الْوُصُولِ إِلى مَكَامِنِ عِزِّ عِرْفَانِكَ أَسْأَلُكَ بِهَذَا الْعَجْزِ الَّذِي أَحْبَبْتَهُ فِي نَفْسِكَ وَجَعَلْتَهُ مَقَرَّ الْوَاصِلِيْنَ وَالْوَارِدِيْنَ وَبِأَنْوَارِ وَجْهِكَ الَّتي أَحَاطَتِ الْمُمْكِنَاتِ وَبِمَشِيئَتِكَ الَّتي بِهَا خَلَقْتَ الْمَوْجُوْدَاتِ بِأَنْ لا تُخَيِّبَ آمِليْكَ عَنْ بَدَائِعِ رَحْمَتِكَ وَلا تَحْرِمَ قَاصِدِيْكَ عَنْ جَوَاهِرِ فَضْلِكَ، ثُمَّ اشْتَعِلْ فِي قُلُوْبِهِمْ مَشَاعِلَ حُبِّكَ لِيَحْتَرِقَ بِهَا كُلُّ الأَذْكَارِ دُوْنَ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ وَيَمْحُوَ عَنْ قُلُوْبِهِمْ كُلَّ الآثارِ سِوَى جَوَاهِرِ آثارِ قُدْسِ سَلْطَنَتِكَ حَتّى لا يُسْمَعَ فِي الْمُلْكِ إِلا نَغَمَاتُ عِزِّ رَحْمِانِيَّتِكَ وِلا يُشْهَدُ فِي الأَرْضِ إِلا سَوَاذِجُ أَنْوَارِ جَمَالِكَ وَلا يُرى فِي نَفْسٍ دُوْنَ طِرَازِ جَمَالِكَ وَظُهُورِ إِجْلالِكَ لَعَلَّ لا تَشْهَدُ مِنْ عِبَادِكَ إِلاَّ مَا تَرْضَى بِهِ نَفْسُكَ وَيُحِبُّهُ سُلْطَانُ مَشِيئَتِكَ، سُبْحَانَكَ يَا سَيِّدِي فَوَعِزَّتِكَ لأَيْقَنْتُ بِأَنَّكَ لَوْ تَقْطَعُ نَفَحَاتِ قُدْسِ عِنَايَتِكَ وَنَسَماتِ جُوْدِ إِفْضَالِكَ عَنِ الْمُمْكِنَاتِ فِي أَقَلَّ مِنْ آنٍ لَيَفْنَى كُلُّ الْمَوْجُوْدَاتِ وَيَنْعَدِمُ كُلُّ مَنْ فِي الأَرَضِيْنَ وَالسَّمَوَاتِ، فَتَعَالى بَدَائِعُ قُدْرِتِكَ الْعَالِيِةِ فَتَعَالَى سُلْطَانُ قُوَّتِكَ الْمَنِيْعَةِ فَتَبَاهى مَلِيْكُ اقْتِدَارِكَ الْمُحِيْطَةِ وَمَشِيَّتِكَ النَّافِذَةِ بِحَيْثُ لَوْ تُحْصِي فِي بَصَرِ أَحَدٍ مِنْ عِبَادِكَ كُلَّ الأَبْصَارِ وَتَدَعُ فِي قَلْبِهِ
كُلَّ الْقُلُوبِ ِوتَشْهَدُ فِي نَفْسِهِ كُلَّ مَا خَلَقْتَ بِقُدْرَتِكَ وَذَوَّأْتَ بِقُوَّتِكَ وَيَتَفَرَّسُ فِي أَقَالِيْمِ خَلْقِكَ وَمَمَالِكِ صُنْعِكَ فِي أَزَلِ الآزَالِ لَنْ تَجِدَ شَيْئًا إِلاَّ وَقَدْ يَشْهَدُ سُلْطَانَ قُدْرَتِكَ قَائِمَةً عَلَيْهِ وَمَلِيْكَ إِحَاطَتِكَ قَاهِرَةً عَلَيْهِ، فَهَا أَنَا ذَا إِذًا يَا إِلهِي قَدْ وَقَعْتُ عَلَى التُّرَابِ بَيْنَ يَدَيْكَ وَاعْتَرَفْتُ بِعَجْزِ نَفْسِيْ وَاقْتِدَارِ نَفْسِكَ وَفَقْرِ ذَاتِيْ وَغَنَاءِ ذَاتِكَ وَفَنَاءِ رُوْحِيْ وَبَقَاءِ رُوْحِكَ وَمُنْتَهَى ذُلِّيْ وَمُنْتَهَى عِزِّكَ بِأَنَّكَ أَنْتَ اللهُ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لا شَرِيْكَ لَكَ وَحْدَكَ لا شَبِيْهَ لَكَ وَحْدَكَ لا نِدَّ لَكَ وَحْدَكَ لا ضِدَّ لَكَ، لَمْ تَزَلْ كُنْتَ بِعُلُوِّ ارْتِفَاعِ قَيُّومِيَّتِكَ مُقَدَّسًا عَنْ ذِكْرِ مَا سِوَاكَ وَلا تَزَالُ تَكُوْنُ بِسُمُوِّ اسْتِرْفَاعِ أَحَدِيَّتِكَ مُنَزَّهًا عَنْ وَصْفِ مَا دُوْنِكَ، فَوَعِزَّتِكَ يَا مَحْبُوْبِي لا يَنْبَغِيْ ذِكْرُ الْمَوْجُوْدَاتِ لِنَفْسِكَ الأَعْلَى وَلا يَلِيْقُ وَصْفُ الْمُمْكِنَاتِ لِبَهَائِكَ الأَبْهَى بَلْ ذِكْرُ دُوْنِكَ شِرْكٌ فِي سَاحَةِ قُدْسِ رُبُوبِيَّتِكَ وَنَعْتُ غَيْرِكَ ذَنْبٌ عِنْدَ ظُهُوْرِ سُلْطَانِ أُلُوهِيَّتِكَ، لأَنَّ بِالذِّكْرِ يَثْبُتُ الْوُجُودُ تِلْقَاءَ مَدْيَنِ تَوْحِيْدِكَ وَهَذَا شِرْكٌ مَحْضٌ وَبَغْيٌ بَاتٌّ، حِيْنَئِذٍ أَشْهَدُ بِنَفْسِيْ وَرُوْحِيْ وَذَاتِيْ بِأَنَّ مَطَالِعَ قُدْسِ فَرْدَانِيَّتِكَ وَمَظَاهِرَ وَحْدَانِيَّتِكَ لَوْ يَطِيْرُنَّ بِدَوَامِ سَلْطَنَتِكَ وَبَقَاءِ قَيُّومِيَّتِكَ لَنْ يَصِلُوْا إِلى هَوَآءِ قُرْبِ الَّذِيْ فِيْهِ تَجَلَّيْتَ بِاسْمِ مِنْ أَسْمَاءِ أَعْظَمِكَ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ عَنْ بَدِيْعِ جَلالِكَ فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ عَنْ مَنِيْعِ إِجْلالِكَ فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ عَنْ عُلُوِّ سَلْطَنَتِكَ وَسُمُوِّ شَوْكَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ، وَإِنَّ أَعْلَى أَفْئِدَةِ الْعَارِفِيْنَ وَمَا عَرَفُوا مِنْ جَوَاهِرِ عِرْفَانِكَ وَأَبْهَى حَقَائِقِ الْبَالِغِيْنَ وَمَا بَلَغُوْا إِلى أَسْرَارِ حِكْمَتِكَ قَدْ خُلِقَتْ مِنْ رُوْحِ الَّذِي نُفِخَ مِنْ قَلَمِ صُنْعِكَ، وَمَا خُلِقَ مِنْ قَلَمِكَ كَيْفَ يَعْرِفُ مَا قَدَّرْتَ فِيْهِ مِنْ جَوَاهِرِ أَمْرِكَ أَوْ أَنَامِلِ الَّتي
كَانَتْ قَيُّوْمَةً عَلَيْهِ وَعَلى مَا فِيْهِ مِنْ رَحْمَتِكَ، وَمَنْ لَمْ يَبْلُغْ إِلى هَذَا الْمَقَامِ فَكَيْفَ يَبْلُغُ إِلى يَدِكَ الَّتي كَانَتْ قَاهِرَةً عَلَى أَنَامِلِ قُوَّتِكَ أَو يَصِلُ إِلى إِرَادَتِكَ الَّتي كَانَتْ غَالِبَةً عَلى يَدِكَ، فَسُبْحَانَكَ سُبْحَانَكَ يَا إِلهِيْ بَعْدَ الَّذِي انْقَطَعَتْ أَفْئِدَةُ الْعُرَفَاءِ عَنْ عِرْفَانِ صُنْعِكَ الَّذِي خَلَقْتَهُ بِإِرَادَتِكَ فَكَيْفَ الصُّعُوْدُ إِلى سَمَوَاتِ قُدْسِ مَشِيْئَتِكَ أَو الْوُرُوْدُ فِي سُرَادِقِ عِرْفَانِ نَفْسِكَ، سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ يَا إِلهِيْ وَسَيَّدِيْ وَمَالِكِيْ وَسُلْطَانِيْ حِيْنَئِذٍ لَمَّا اعْتَرَفْتُ بِعَجْزِيْ وَعَجْزِ الْمُمَكِنَاتِ وَأَقْرَرْتُ بِفَقْرِيْ وَفَقْرِ الْمَوْجُوْدَاتِ أُنَادِيْكَ بِلِسَانِيْ وَأَلْسُنِ كُلِّ مِنْ فِي الأَرَضِيْنَ وَالسَّمَوَاتِ وَأَدْعُوْكَ بِقَلْبِيْ وَقُلُوْبِ مَنْ دَخَلَ فِي ظِلِّ الأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ بِأَنْ لا تُغْلِقَ عَلَى وُجُوْهِنَا أَبْوَابَ فَضْلِكَ وَإِفْضَالِكَ وَلا تَنْقَطِعَ عَنْ أَرْوَاحِنَا نَسَمَاتُ جُوْدِكَ وَأَلْطَافِكَ وَلا تَشْتَغِلَ قُلُوْبُنَا بِغَيْرِكَ وَلا أَفْئِدَتُنَا بِذِكْرِ سِوَاكَ، فَوَعِزِّتِكَ يَا إِلهِي لَوْ تَجْعَلُنِيْ سُلْطَانًا فِي مَمْلَكَتِكَ وَتُجْلِسُنِيْ عَلَى عَرْشِ فَرْدَانِيَّتِكَ وَتَضَعُ زِمَامَ كُلِّ الْوُجُوْدِ فِي قَبْضَتِي بِاقْتِدَارِكَ وَتَجْعَلُنِيْ فِي أَقَلَّ مَا تُحْصَى مَشْغُولاً بِذَلِكَ وَغَافِلاً عَنْ بَدَائِعِ ذِكْرِكَ الأَعْلَى فِي اسْمِكَ الأَعْظَمِ الأَتَمِّ الْعَلِيِّ الأَعْلى فَوَعِزَّتِكَ لَنْ تَرْضَى نَفْسِيْ وَلَنْ يَسْكُنَ قَلْبِيْ بَلْ أَجِدُ ذَاتِي فِي تِلْكَ الْحَالَةِ أَذَلَّ مِنْ كُلِّ ذَلِيْلٍ وَأَفْقَرَ مِنْ كُلِّ فَقِيْرٍ، سُبْحَاَنَكَ يَا إِلهِيْ لَمَّا عَرَّفْتَنِيْ هَذَا أَسْأَلُكَ بِاسْمِكَ الَّذِيْ مَا حَمَلَهُ الأَلْوَاحُ وَمَا جَرى عَلى قَلْبِ أَحَدٍ وَلِسَانِ نَفْسٍ فَلَمْ يَزَلْ كَانَ خَفِيًّا بِخَفاءِ ذَاتِكَ وَمُتَعَالِيًا بِعُلُوِّ نَفْسِكَ بِأَنْ تَرْفَعَ فِي هَذِهِ السَّنَةِ أَعْلامَ نَصْرِكَ وَرَايَاتِ انْتِصَارِكَ لِيُغْنِيَنَّ كُلٌّ بِغَنَائِكَ وَيَسْتَرْفِعُنَّ بِعُلُوِّ سُلْطَانِ رفْعَتِكَ وَيَقُوْمُنَّ عَلى أَمْرِكَ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَالِي الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيْزُ السُّلْطَانُ.
هُوَ الأقْدَسُ الأَعْظَمُ الأَعْلَىسُبْحَانَكَ اللَّهُمَ يَا إِلهَ الْعَالَمِ وَمَالِكَ الأُمَمِ أَشْهَدُ أَنَّكَ لَمْ تَزَلْ كُنْتَ مُقَدَّسًا عَنْ ذِكْرِ الْكَائِنَاتِ وَمُنَزَّهًا عَنْ أَعْلَى وَصْفِ الْمُمْكِنَاتِ، كُلَّمَا أَرَادَ الْمُخْلِصُوْنَ الصُّعُوْدَ إِلى عِرْفَانِكَ أَطْرَدَهُمْ جُنُوْدُ عِلْمِكَ، وَكُلَّمِا أَرَادَ الْمُقَرَّبُوْنَ الْوُرُوْدَ إِلى سَمَاءِ قُرْبِكَ مَنَعَتْهُمْ سَطْوَةُ بَيَانِكَ، نَشْهَدُ أَنَّ أَعْلى مَرَاتِبِ الأَسْمَاءِ كَانَ خَادِمًا لِبَابِكَ وَأَبْهَى مَطَالِعِها سَاجِدًا لِطَلْعَتِكَ وَخَاضِعًا لِحَضْرَتِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الَّذِي لا تُوْصَفُ بِمَا تَرَكَّبَ مِنَ الْحُرُوْفِ وَتُفُوِّهَ بِالأَلْفَاظِ وَلا بِالْمَعَانِي الْمَكْنُونَةِ فِيْهَا، لأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مَحْدُوْدٌ بِحُدُوْدَاتِ الذِّكْرِ وَالْبَيَانِ وَيَنْطِقُ بِهِ أَهْلُ الإِمْكَانِ، تَعَالى تَعَالى مِنْ أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ ذِكْرُ أَحَدٍ وَيُدْرِكَكَ إِدْرِاكُ نَفْسٍ، تَعَالى تَعَالى مِنْ أَنْ تُوْصَفَ بِوَصْفِ دُوْنِكَ أَوْ تُنْعَتَ بِنَعْتِ خَلْقِكَ، إِنَّ مَظَاهِرَ الأُلُوْهِيَّةِ لَوْ يَطِيْرُنَّ بِأَجْنِحَةِ الْغَيْبِ وَالشُّهُوْدِ لَنْ يَصِلُنَّ إِلى أَوَّلِ تَجَلٍّ ظَهَرَ وَأَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ وَجْهِكَ الأَعْلَى وَمَطْلِعِ ظُهُوْرِكَ الأَسْنَى، وَإِنَّ مَطَالِعَ الرُّبُوْبِيَّةِ لَوْ يَصْعَدُنَّ بِدَوَامِ الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوْتِ لَنْ يَسْتَطِيْعُنَّ أَنْ يَتَقَرَّبُنَّ إِلى شَمْسِ جَمَالِكَ، طُوْبَى لِمَنْ عَرَفَ بَقَائَكَ وَفَنَآءَ مَا دُوْنِكَ وَاعْتَرَفَ بِسُلْطَانِكَ وَعَجْزِ مَا سِوَاكَ، فَلَمَّا ثَبَتَ فَنَاءُ الأَشْيَاءِ عِنْدَ تَمَوُّجَاتِ بَحْرِ ذِكْرِكَ يَا مَالِكَ الأَشْيَاءِ يَثْبُتُ بِأَنَّ أَوْصَافَهُمْ وَأَذْكَارَهُمْ لا يَلِيْقُ لِعَظَمَتِكَ وَكِبْرِيَائِكَ وَلا يَنْبَغِيْ لِعُلُوِّكَ وَاقْتِدَارِكَ، وَلَكِنْ إِنَّكَ أَنْتَ يَا إِلهِيْ مِنْ بَدَايِعِ جُوْدِكَ وَأَلْطَافِكَ وَظُهُورْاتِ كَرَمِكَ وَعَطَائِكَ أَمَرْتَ الْكُلَّ بِذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ وَقَبِلْتَ مِنْهُمْ مِنْ فَضْلِكَ وَمَوَاهِبِكَ، إِذَنْ يَدْعُوْ نَفْسُكَ نَفْسَكَ وَذَاتُكَ ذَاتَكَ مِنْ قِبَلِ
مُحِبِّيْكَ الَّذِيْنَ حَمَلُوا الشَّدَائِدَ فِي سَبِيْلِكَ وَالْبَلايَا فِي حُبِّكَ وَرِضَائِكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ الْمُبَارَكِ الَّذِيْ جَعَلْتَهُ عِيْدًا لأَهْلِ مَمْلَكَتِكَ وَالَّذِيْنَ صَامُوْا بِأَمْرِكَ الْمُبْرَمِ وَأَطَاعُوْا حُكْمَكَ الْمُحْكَمَ، تَعَالى هَذَا الْيَوْمُ الْمُبَارَكُ الْمَحْمُوْدُ الَّذِيْ اخْتَصَصْتَهُ بِالاسْمِ المَكْنُونِ المَشْهُودِ المَحْبُوبِ الَّذِيْ إِذَا أَشْرَقَ مِنْ أُفُقِ الْبَقَآءِ نَطَقَتِ السِّدْرَةُ الْمُنْتَهَى تَاللهِ قَدْ أَتَى مَوْلَىْ الْوَرَىْ الَّذِيْ لا يُوْصَفُ بِالأَسْمَاءِ، ثُمَّ اهْتَزَّتِ الْجِنَانُ وَنَطَقَتْ بِالاشْتِيَاقِ يَا مَلأَ الآفاقِ قَدْ أَتَى مَنْ طَافَ فِيْ حَوْلِهِ مَطَالِعُ الرَّحْمَنِ وَمَظَاهِرُ السُّبْحَانِ وَمَشَارِقُ الإِلْهَامِ، وَنَادَتِ الأَشْيَاءُ بِأَعْلَى النِّدَاءِ هَذَا لَوْحٌ فِيْهَ تَزَيَّنَ مَلَكُوْتُ الإِنْشَاءِ وَفُتِحَ بَابُ الْلِقَآءِ لِمَنْ فِيْ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، نَعِيْمًا لِمَنْ نَبَذَ الْهَوَى وَأَقْبَلَ إِلى مَنْ لا يُعْرَفُ بِالذِّكْرِ وَالْبَيَانِ، تَاللهِ هَذَا يَوْمٌ يُسْمَعُ مِنْ خَرِيْرِ الْمَاءِ إِنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمُهَيْمِنُ الْقَيُّوْمُ، وَمِنْ هَزِيْزِ الأَرْيَاحِ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ العَزِيْزُ الْمَحْبُوْبُ، وَمِنْ حَفِيْفِ الأَشْجَارِ إِنَّهُ لا إِلهَ إِلا هُوَ الْمُقْتَدِرُ الْمُعْطِيْ الْعَزِيْزُ الْوَدُوْدُ وَمِنْ لِسَانِ الْعَظَمَةِ عَنْ وَرَائِهَا هَذَا يَوْمٌ فِيْهِ ظَهَرَ الْمَشْهُوْدُ الْمَكْنُوْنُ وَالْظَّاهِرُ الْمَخْزُوْنُ، أَنْ اسْرُعُوا إِلَيْهِ يَا مَطَالِعَ الأَسْمَاءِ وَتَقَرَّبُوْا إِلَيْهِ يَا مَنْ فِيْ مَلَكُوْتِ الإِنْشَاءِ بِقُلُوْبٍ كَانَتْ مُطَهَّرَةً عَنِ الظُّنُوْنِ وَالأَوْهَامِ وَمُقَدَّسَةً عَمَّا يُذْكَرُ بَيْنَ الأَنَامِ، تَعالَى تَعالَى وَصْفُ مُحِبِّيْكَ الَّذِيْنَ تَمَسَّكُوْا بِحَبْلِ أَمْرِكَ وَتَشَبَّثُوْا بِذَيْلِ أَحْكَامِكَ وَتَكَلَّمُوْا بِمَا أَذِنْتَ لَهُمْ فِي أَلْوِاحِكَ وَمَا تَجَاوَزُوْا عَمَّا حُدِّدَ فِيْ كِتَابِكَ وَنَطَقُوْا فِيْ مَمْلَكَتِكَ بِالْحِكْمَةِ الَّتي أَمَرْتَهُمْ بِهَا فِيْ صَحَائِفِ جُوْدِكَ وَزُبُرِ فَضْلِكَ، أَيْ رَبِّ أَيِّدْهُمْ عَلى نُصْرَةِ أَمْرِكَ بِمَا بَيَّنْتَ لَهُمْ مِنْ قَلَمِكَ الأَعْلَى وَعَلَّمْتَهُمْ مِنْ أَلْوَاحٍ شَتَّى، أَيْ رَبِّ لا تَدَعْهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ
فَاحْفَظْهُمْ بِقُدْرَتِكَ وَسُلْطَانِكَ، ثُمَّ انْصُرْهُمْ بِجُنُودِكَ وَاقْتِدَارِكَ، أَيْ رَبِّ هُمْ عِبَادُكَ وَأَرِقَّائُكَ قَدْ آمَنُوْا بِكَ وَأَقْبَلُوْا إِلى سَمَاءِ فَضْلِكَ لا تَحْرِمْهُمْ عَنْ ظُهُوْرَاتِ عَوَاطِفِكَ فِيْ أَيّامِكَ وَلا تَمْنَعْهُمْ عَنْ عَرْفِ أَوْرَادِ حِكْمَتِكَ، فَاهْدِهِمْ يَا إِلهِيْ إِلى بَحْرِ رِضَائِكَ لِيَغْتَمِسُوا فِيْهِ بِاسْمِكَ لِئَلا يُحْزِنَهُمْ أَفْكَارُهُمْ وَلا يُكَدِّرَهُمْ مَا يَرَوْنَ فِي سَبِيْلِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الَّذِيْ اعْتَرَفَ كُلُّ ذِي قُدْرَةٍ بِاقْتِدَارِكَ وَأَقَرَّ كُلُّ ذِيْ شَوْكَةٍ بِسُلْطَانِكَ وَاسْتُجْهِلَ كُلُّ ذِيْ عِلْمٍ عِنْدَ تَمَوُّجَاتِ بَحْرِ عِلْمِكَ وَاسْتُضْعِفَ كُلُّ قَوِيٍّ عِنْدَ شُئُوْنَاتِ قُوَّتِكَ، أَنْتَ الَّذِيْ يَا إِلهِيْ تَسْتَحِيْ الأَسْمَاءُ مِنْ أَنْ تُنْسَبَ إِلَيْكَ وَالأَشْيَاءُ مِنْ أَنْ تُذْكَرَ لَدَيْكَ، لَمْ تَزَلْ كُنْتَ فِي عُلُوٍّ لا يُعْرَفُ بِالأَذْكَارِ وَفِيْ سُمُوٍّ لا يُوْصَفُ بِالأَوْصَافِ، مَا أَعْظَمَ سُلْطَانَكَ وَمَا أَعْظَمَ اقْتِدَارَكَ وَمَا أَكْبَرَ اسْتِعْلائَكَ مَعَ عِلْمِ الْكُلِّ بِتَقْدِيسِكَ عَمَّا دُوْنَكَ وَتَنْزِيْهِكَ عَمَّا سِوَاكَ، قَدْ سَخَّرْتَ الْعَالَمَ بِالْكَلِمَةِ الَّتي تُنْسَبُ إِلى مَلَكُوْتِ بَيَانِكَ وَيَتَضَوَّعُ مِنْهَا عَرْفُ قَمِيْصِ أَمْرِكَ، يَا إِلهَ الْوُجُوْدِ وَمُرَبَّيَ الْغَيْبِ وَالشُّهُوْدِ فَاخْلُقْ آذَانًا طَاهِرَةً وَقُلُوْبًا صَافِيَةً وَأَعْيُنًا نَاظِرَةً لِيَجِدُنَّ حَلاوَةَ بَيَانِكَ الأَحْلى وَيَتَوَجَّهُنَّ إِلى الأُفُقِ الأَعْلى وَيَعْرِفُنَّ مَا أَنْزَلْتَ بِجُوْدِكَ يَا سُلْطَانَ الأَسْمَاءِ، ثُمَّ أَضْرِمْ نَارَ مَحَبَّتِكَ فِيْ مَمْلَكَتِكَ لِتَشْتَعِلَ بِهَا قُلُوْبُ بَرِيَّتِكَ وَيَتَوَجَّهُنَّ إِلَيْكَ وَيَعْتَرِفُنَّ بِفَرْدَانِيَّتِكَ وَيُقِرُّنَّ بِوَحْدَانِيَّتِكَ، يَا إِلهَ الأَسْمَاءِ فَاكْشِفْ عَنْهُمْ سُبُحَاتِ الْجَلالِ ثُمَّ عَرِّفْهُمْ فَضْلَ هَذَا الْيَوْمِ الَّذِيْ تَزَيَّنَ بِاسْمِكَ وَتَنَوَّرَ مِنْ أَنْوَارِ وَجْهِكَ، أَنْتَ الَّذِيْ لَنْ تَرْفَعَكَ حَسَنَاتُ الْعَالَمِ وَلا تَمْنَعُكَ سَيِّئَاتُ الأَمَمِ وَلا تَخْذُلُكَ سَطْوَةُ الأُمَرَاءِ وَلا تُعْجِزُكَ قُدْرَةُ الأَقْوِيَاءِ تَفْعَلُ بِسُلْطَانِكَ مَا تَشَاءُ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَالِي
الْعَلِيْمُ الْحَكِيْمُ، فَأَنْزِلْ يَا إِلهِيْ مِنْ سَمَاءِ جُوْدِكَ عَلَى أَحِبَّتِكَ مَا يَجْعَلُهُمْ نَاظِرِيْنَ إِلَيْكَ وَعامِلِيْنَ بِإِذْنِكَ وَإِرَادَتِكَ، ثُمَّ قَدِّرْ لَهُمْ مَا يَنْفَعُهُمْ وَيَحْفَظُهُمْ وَيُقَرِّبُهُمْ وَيُخَلِّصُهُمْ إِنَّكَ أَنْتَ مَوْلاهُمْ وَخَالِقُهُمْ وَمُعِيْنُهُمْ لا إِلهَ إِلا أَنْتَ الغَفُوْرُ الْكَرِيْمُ، ثُمَّ أَسْأَلُكَ يَا إِلهِيْ بِأَنْ تُؤَلِّفَ بَيْنَ قُلُوْبِ أَحِبَّائِكَ وَتُوَفِّقَهُمْ عَلَى الاتِّفَاقِ وَالاتِّحَادِ فِيْ أَمْرِكَ لِئَلا يَظْهَرَ مِنْهُمْ مَا لا يَلِيْقُ لَهُمْ فِيْ أَيَّامِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْمُتَعَالِي الْعَلِيُّ الْعَظِيْمُ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِيْنَ.
الأعظملَكِ الْحَمْدُ يَا إِلَهِيْ بِمَا جَعَلْتَ النَّيْرُوْزَ عِيْدًا لِلَّذِيْنَ صَامُوْا فِيْ حُبِّكَ وَكَفُّوْا أَنْفُسَهُمْ عَمَّا يَكْرَهُهُ رِضَائُكَ، أَيْ رَبِّ اجْعَلْهُمْ مِنْ نَارِ حُبِّكَ وَحَرَارَةِ صَوْمِكَ مُشْتَعِلِيْنَ فِيْ أَمْرِكَ وَمُشْتَغِلِيْنَ بِذِكْرِكَ وَثَنَائِكَ، أَيْ رَبِّ لَمَّا زَيَّنْتَهُمْ بِطِرَازِ الصَّوْمِ زَيِّنْهُمْ بِطِرَازِ القَبُوْلِ بِفَضْلِكَ وَإِحْسَانِكَ لأَنَّ الأَعْمَالَ كُلَّهَا مُعَلَّقَةٌ بِقَبُوْلِكَ وَمَنُوطَةٌ بِأَمْرِكَ، لَوْ تَحْكُمُ لِمَنْ أَفْطَرَ حُكْمَ الصَّوْمِ إِنَّهُ مِمَّنْ صَامَ فِيْ أَزَلِ الآزالِ وَلَوْ تَحْكُمُ لِمَنْ صَامَ حُكْمَ الإِفْطَارِ إِنَّهُ مِمَّنْ اغْبَرَّ بِهِ ثَوْبُ الأَمْرِ وَبَعُدَ عَنْ زُلالِ هَذَا السِّلْسَالِ، أَنْتَ الَّذِيْ بِكَ نُصِبَتْ رايَةُ أَنْتَ المَحْمُودُ فِي فِعْلِكَ وَارْتَفَعَتْ أَعْلامُ أَنْتَ المُطَاعُ فِيْ أَمْرِكَ، عَرِّفْ يَا إِلهِيْ عِبَادَكَ هَذَا المَقَامَ لِيَعْلَمُوا شَرَفَ كُلِّ أَمْرٍ بِأَمْرِكَ وَكَلِمَتِكَ وَفَضْلِ كُلِّ عَمَلٍ بِإِذْنِكَ وَإِرَادَتِكَ، وَلِيَرَوْا زِمَامَ الأَعْمَالِ فِي قَبْضَةِ قَبُوْلِكَ وَأَمْرِكَ لِئَلا يَمْنَعَهُمْ شَيْءٌ عَنْ جَمَالِكَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتي فِيهَا يَنْطِقُ المَسِيحُ المُلْكُ لَكَ يَا مُوجِدَ الرُّوْحِ وَيَتَكَلَّمُ الحَبِيبُ لَكَ الحَمْدُ يَا مَحْبُوْبُ
بِمَا أَظْهَرْتَ جَمَالَكَ وَكَتَبْتَ لأَصْفِيَائِكَ الْوُرُوْدَ فِي مَقَرِّ ظُهُوْرِ اسْمِكَ الأَعْظَمِ الَّذِيْ بِهِ نَاحَ الأُمَمُ إِلا مَنِ انْقَطَعَ عَمَّا سِوَاكَ مُقْبِلا إِلَى مَطْلِعِ ذَاتِكَ وَمَظْهَرِ صِفَاتِكَ، أَيْ رَبِّ قَدْ أَفْطَرَ الْيَوْمَ غُصْنُكَ وَمَنْ فِيْ حَوْلِكَ بَعْدَمَا صَامُوا فِي جِوَارِكَ طَلَبًا لِرِضَائِكَ، قَدِّرْ لَهُ وَلَهُمْ وَلِلَّذِيْنَ وَرَدُوا عَلَيْكَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ كُلَّ خَيْرٍ قَدَّرْتَهُ فِي كِتَابِكَ ثُمَّ ارْزُقْهُمْ مَا هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِنَّكَ أَنْتَ العَلِيْمُ الحَكِيْمُ.
يوم النّيروزالخطبة المباركة لحضرة عبد البهاء في رملة الاسكندريّة في فندق فيكتوريا يوم النّيروز.
هو اللهمن العادات القديمة أن يكون لكلّ أمّة يوم من أيّام الفرح العام وفي ذلك اليوم يبتهج جميع الأمّة وتهيّىء وسائل البهجة والسّرور. أي أنّ الناس ينتخبون من أيّام السّنة يومًا واحدًا وقعت فيه واقعةٌ عظمى أو أمرٌ جليل ويظهرون في ذلك اليوم منتهى السّرور والحبور والابتهاج فيزور بعضهم بعضًا، وإذا كانت بينهم كدورة فإنّهم يجتمعون ويزيلون ذلك الكدر والاغبرار وانكسار القلوب ويقومون مرّة أخرى على الألفة والمحبّة. وحيث إنّه وقعت للإيرانيّين في يوم النّيروز أمور عظيمة لهذا اعتبرت الأمّة الإيرانيّة النّيروز يومًا بهيجًا وجعلته عيدًا وطنيًّا لها.
وفي الحقيقة إنّ هذا اليوم مبارك جدًّا لأنّه بداية الاعتدال الرّبيعيّ وأوّل الرّبيع في النّصف الشّماليّ من الكرة الأرضيّة وتجد جميع الكائنات الأرضيّة أشجارًا وحيوانات وأناسًا روحًا جديدة فيه، وتجد نشاطًا جديدًا من النّسيم المحيي للأرواح فتنال روحًا جديدًا وحشرًا ونشرًا
بديعين لأنّ الفصل فصل الرّبيع، وتظهر في الكائنات حركة عموميّة بديعة.
لقد حدث في إيران في أحد الأزمان أن اضمحلّت السّلطنة ولم يبقَ منها أثر، ثم تجدّدت في هذا اليوم وجلس جمشيد على العرش ونالت إيران الرّاحة والاطمئنان فنشطت قوى إيران المفكّكة مرّة أخرى وتجلّى على القلوب والأرواح اهتزاز عجيب بحيث وصلت إلى أسمى ما وصلت إليه في عهد سلطنة كيومرث وهوشنك، ووصلت عزّة الدّولة والأمّة الإيرانيّة إلى درجة أعلى من العزّة والعظمة، وكذلك وقعت وقائع عظيمة جدًّا في يوم النّيروز كانت سبب فخر إيران وعزّتها. ولهذا تعتبر الأمّة الإيرانيّة هذا اليوم منذ ما يقارب الخمسة أو السّتّة آلاف سنة يومًا سعيدًا ويستغنمون به ويعتبرونه يوم سعادة الأمّة وبركتها ويقدّسون هذا اليوم ويعتبرونه مباركًا إلى يومنا هذا.
وخلاصة القول إنّ لكلّ ملّة يومًا تعتبره يوم سعادتها وفيه تهيّئ وسائل سرورها. وهناك في الشّرائع المقدّسة الإلهيّة في كلّ دور وكور أيّام سرور وحبور وأعياد مباركة. وفي تلك الأيّام يكون الاشتغال بالتّجارة والصّناعة والزّراعة محرّمًا بل يجب أن يشغل الجميع بالسّرور والحبور ويحتفلوا احتفالاً عامًّا لائقًا يتّسم بالوحدة حتى تتجسّد في الأنظار ألفة الأمّة واتّحادها.
وحيث إنّه يوم مبارك فيجب أن لا يقضى عبثًا وسدى دون نتيجة بحيث تنحصر ثمرة ذلك اليوم بالسّرور والحبور. وفي يوم كهذا يجب تأسيس مشروع تبقى فوائده دائمة لتلك الأمّة حتّى يبقى مشهودًا معروفًا على الألسن ويكتب في التّاريخ أنّ المشروع الفلانيّ قد تأسّس في نيروز السّنة الفلانيّة، إذن يجب على العقلاء أن يتحرّوا ويحقّقوا في ذلك اليوم في ما تحتاج الأمّة من الإصلاحات، وأيّ أمر خيريّ يلزمها وأيّ
أساس من أسس السّعادة يجب وضعه حتّى يتأسّس ذلك الإصلاح وذلك الأمر الخيريّ وذلك الأساس في ذلك اليوم. فمثلاً لو وجدوا أنّ الأمّة تحتاج إلى تحسين الأخلاق ففي ذلك اليوم يؤسّسون مؤسّسة لتحسين الأخلاق فإذا كانت الأمّة تحتاج إلى نشر العلوم وتوسيع دائرة المعارف يتّخذون في هذا الخصوص قرارًا أي يلفتون أنظار العموم نحو ذلك المشروع الخيريّ ولو وجدوا أن الأمة تحتاج إلى توسيع دائرة التّجارة أو الصّناعة أو الزّراعة فإنّهم يشرعون في ذلك اليوم بالوسائط المؤدّية إلى ذلك المقصود، أو إنّهم يلاحظون أنّ الأمّة تحتاج إلى حماية الأيتام وسعادتهم وإعاشتهم فإنّهم يقرّرون إسعاد الأيتام وقس على ذلك. فتتأسّس في ذلك اليوم مؤسّسات تفيد الفقراء والضعفاء البائسين حتّى تحصل فِي ذلك اليوم من الألفة العموميّة والاجتماعات العظيمة نتيجة ويتجلّى يمن وبركة ذلك اليوم. وخلاصة القول إنّ يوم النّيروز يوم مبارك جدًّا فِي هذا الدّور البديع أيضًا ويجب عَلَى أحبّاء الله فِي هذا اليوم أن يتّفقوا فِي الخدمة والعبوديّة ويجب أن يتكاتفوا فِي منتهى الألفة والمحبّة والاتّحاد وينشغلوا بذكر الجمال المبارك بكمال الفرح والسّرور وأن تتّجه أفكارهم إلى إيجاد نتائج عظيمة في مثل هذا اليوم المبارك وليس هناك اليوم نتيجه أو ثمرة أعظم من هداية الخلق لأنّ البشر المساكين محرومون من جميع المواهب الإلهيّة وبصورة خاصّة إيران والإيرانيّون فيجب على أحبّاء الله قطعًا في مثل هذا اليوم أن يتركوا لهم آثارًا خيريّة مادّيّة أو آثارًا خيريّة معنويّة بحيث تشمل هذه الآثار الخيريّة جميع النّوع البشريّ. لأنّ كلّ عمل خيريّ في هذا الدّور البديع يجب أن يكون عموميًّا أي أن يشمل جميع البشر ولا يقتصر على البهائييّن وحدهم. ففي جميع أدوار الأنبياء كانت المشاريع الخيريّة مقصورة على الملّة وحدها ما عدا المسائل الجزئيّة كالصّدقة فقد أجازوا شمولها العموم أمّا في هذا الدّور البديع فحيث إنّه دور ظهور الرّحمة
الإلهيّة فإنّ جميع المشاريع الخيريّة تشمل جميع البشر بدون استثناء لهذا فكلّ مشروع عموميّ يتعلّق بعموم العالم الإنسانيّ هو مشروع إلهيّ وكلّ أمر خصوصيّ ومشروع لا يتعلّق بالعموم فإنّه محدود، لهذا أتمنّى أن يكون كلّ واحد من أحبّاء الله رحمة إلهيّة لعموم البشر وعليكم البهاء الأبهى.
وفي احتفال النّيروز لعام 1915 خاطب حضرة عبد البهآء أحبّائه قائلاً:
هناك في السّنة نقطتا اعتدال حيث تطلع الشّمس من أفقهما، إحداهما هي نقطة الاعتدال الرّبيعيّ حيث تدخل الشّمس برج الحمل، وهذا اليوم هو يوم النّيروز، أما الأخرى فهي نقطة الاعتدال الخريفيّ حيث تدخل الشّمس برج الميزان، وهذا ما يسمّى بالمهرگان (المهرجان) ففي هذين الموسمين تطلع الشّمس من أفق الاعتدال فتقسم الأرض إلى قوسين، حيث تحيي الكائنات جميعًا من حدائق وسهول والجبال والصحارى من بعد موتها في هذا الفصل، وكانت خاملة خامدة تتحوّل إلى خضلة نضرة. يا لها من الطّراوة والحلاوة والنّورانيّة والرّوحانيّة الّتي تحصل من جرّاء ذلك. يحتفل الإيرانيّون في الحقيقة احتفالاً لائقًا فالعيد هو العيد في الواقع وليس صوريًّا، وعندما كنت في إيران كانت تقوم قيامتهم وبالأخصّ في القرى كانوا يعدّون العدّة لجميع أسباب السّرور والبهجة، ومع أن المراسيم خفّت الآن بالنّسبة للماضي إلا أنّهم يعيّدون عيدًا لائقًا، إنّ هذا العيد كان عيدًا محترمًا من قديم الأيّام ولقد جدّده حضرة الأعلى روحي له الفداء وصرّح بذلك جمال القدم في الكتاب الأقدس وأكّده.
الفصل السابعأَلثَّنَاءُ الَّذِي ظَهَرَ مِنْ نَفْسِكَ الأَعْلَى وَالْبَهَآءُ الَّذِي طَلَعَ مِنْ جَمَالِكَ الأَبْهَى عَلَيْكَ يَا مَظْهَرَ الْكِبْرِيَآءِ وَسُلْطَانَ الْبَقَآءِ وَمَلِيكَ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، أَشْهَدُ أَنَّ بِكَ ظَهَرَتْ سَلْطَنَةُ اللهِ وَاقْتِدَارُهُ وَعَظَمَةُ اللهِ وَكِبْرِيَاؤُهُ، وَبِكَ أَشْرَقَتْ شُمُوسُ القِدَمِ فِي سَمَاءِ القَضَآءِ وَطَلَعَ جَمَالُ الْغَيْبِ عَنْ أُفُقِ البَدَآءِ، وَأَشهَدُ أَنَّ بِحَرَكَةٍ مِنْ قَلَمِكَ ظَهَرَ حُكْمُ الْكَافِ وَالنُّون وَبَرَزَ سِرُّ اللهِ الْمَكْنُونِ وَبُدِئَتِ الْمُمْكِنَاتُ وَبُعِثَتِ الظُّهورَاتُ، وَأَشهَدُ أَنَّ بِجَمَالِكَ ظَهَرَ جَمَالُ الْمَعْبُودِ وَبِوَجْهِكَ لاحَ وَجْهُ الْمَقْصُودِ وَبِكَلِمَةٍ مِنْ عِنْدِكَ فُصِّلَ بَيْنَ الْمُمْكنَاتِ وَصَعَدَ الْمُخْلِصُونَ إِلَى الذُّرْوَةِ الْعُلْيَا وَالْمُشْرِكونَ إِلَى الدَّرَكاتِ السُّفْلَى، وَأَشْهَدُ ِبِأَنَّ مَنْ عَرَفَكَ فَقَدْ عَرَفَ اللهَ وَمَنْ فَازَ بِلَقِائِكَ فَقَدْ فَازَ بِلَقَاءِ اللهِ، فَطُوبَى لِمَنْ آمَنَ بِكَ وَبِآيَاتِكَ وَخَضَعَ بِسُلْطَانِكَ وَشُرِّفَ بِلِقَائِكَ وَبَلَغَ بِرِضَائِكَ وَطَافَ فِي حَوْلِكَ وحَضَرَ تِلْقَاءَ عَرْشِكَ، فَوَيْلٌ لِمَنْ ظَلَمَكَ وَأَنْكَرَكَ وَكَفَرَ بِآيَاتِكَ وَجَاحَدَ بِسُلْطَانِكَ وَحَارَبَ بِنَفْسِكَ وَاسْتَكبَرَ لَدَى وَجْهِكَ وَجَادَلَ بِبُرْهَانِكَ وَفَرَّ مِنْ حُكُومَتِكَ وَاقْتِدَارِكَ وَكانَ مِنَ المُشْرِكينَ فِي أَلوَاحِ القُدْسِ مِنْ إِصْبَعِ الأَمْرِ مَكْتُوبًا، فَيَا
إِلهِي ومَحْبُوبِي فَأَرْسَلْ إِلَيَّ عَنْ يَمِينِ رَحْمَتِكَ وَعِنَايَتِكَ نَفَحَاتِ قُدْسِ أَلْطَافِكَ لِتَجْذِبَنِي عَنْ نَفْسِي وَعَنِ الدُّنْيَا إِلَى شَطْرِ قُرْبِكَ وَلِقَائِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ عَلَى مَا تَشَاءُ وإِنَّكَ كُنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُحِيطًا، عَلَيْكَ يَا جَمَالَ اللهِ ثَنَاءُ اللهِ وَذِكْرُهُ وَبَهَاءُ اللهِ وَنُورُهُ، أَشْهَدُ بِأَنَّ مَا رَأَتْ عَيْنُ الإِبْدَاعِ مَظْلُومًا شِبْهَكَ كُنْتَ فِي أَيَّامِكَ فِي غَمَرَاتِ الْبَلايَا، مَرَّةً كُنْتَ تَحْتَ السَّلاسِلِ وَالأَغْلاَلِ وَمَرَّةً كُنْتَ تَحْتَ سُيُوفِ الأَعْدَاءِ ومَعَ كُلِّ ذلِكَ أَمَرْتَ النَّاسَ بِمَا أُمِرْتَ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ حَكِيمٍ، رُوحِي لِضُرِّكَ الفِدَاءُ وَنَفْسِي لِبَلاَئِكَ الْفِدَاءُ أَسْأَلُ اللهَ بِكَ وَبِالَّذِينَ اسْتَضَاءَتْ وُجُوهُهُم مِنْ أَنوَارِ وَجْهِكَ وَاتَّبَعُوا مَا أُمِرُوا بِهِ حُبًّا لِنَفْسِكَ أَنْ يَكْشِفَ السُّبُحَاتِ الَّتي حالَتْ بَيْنَكَ وبَيْنَ خَلْقِكَ وَيَرْزُقَنِي خَيْرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِنَّكَ أَنتَ المُقْتَدِرُ الْمُتِعَالِي الْعَزِيزُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، صَلِّ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي عَلى السِّدْرَةِ وَأَوْرَاقِهَا وَأَغْصَانِهَا وَأَفنَانِهَا وَأُصُولِهَا وفُرُوعِهَا بِدَوَامِ أَسْمَائِكَ الْحُسْنَى وَصِفَاتِكَ الْعُلْيَا ثُمَّ احْفَظهَا مِنْ شَرِّ الْمُعْتَدِينَ وَجُنُودِ الظَّالِمِينَ، إِنَّكَ أَنْتَ الْمُقْتَدِرُ الْقَدِيرُ، صَلِّ اللَّهُمَّ يَا إِلهِي عَلَى عِبَادِكَ الفَائِزِينَ وَإِمَائِكَ الفَائِزَاتِ إِنَّكَ أَنْتَ الْكَرِيمُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ، لا إِلهَ إِلاَّ أَنْتَ الْغَفُورُ الْكرِيمُ.
مقتطفات من "الكتاب الأقدس""يا أهلَ الأرضِ، إذا غَرَبتْ شمسُ جَمالي، وَسُتِرت سَماءُ هَيكلي، لا تَضْطَرِبوا، قومُوا علَى نُصرةِ أمرِي وَارتِفاع كَلِمَتي بَيْنَ العالَمينَ. إِنَّا مَعكُم فِي كلِّ الأَحوال، وَنَنْصُرُكُم بالحقِّ، إِنَّا كُنّا قادِرينَ. مَن عَرفَني يقومُ عَلَى خِدمَتي بِقيامٍ
لا تُقْعِدُهُ جنودُ السَّمواتِ وَالأَرَضِينَ"."إذا غِيضَ بحرُ الوصالِ، وَقُضِيَ كِتابُ المبدءِ فِي المآلِ، تَوجَّهوا إِلَى مَنْ أرادَه اللهُ، الّذِي انْشَعَبَ من هذَا الأَصْلِ القَديمِ".
"إِذا طارَتِ الوَرقآءُ عَنْ أَيْكِ الثَّناءِ وَقَصَدَتِ المَقْصَدَ الأَقصَى الأَخْفَى أَرْجِعُوا ما لا عَرَفْتمُوه مِن الكِتاب إِلى الفَرعِ المُنْشَعِبِ من هذا الأَصلِ القَويمِ".
"قُلْ يا قَوْمِ لا يَأْخُذْكُمُ الاضْطِرَابُ إِذَا غَابَ مَلَكُوتُ ظُهُورِي وَسَكَنَتْ أَمْوَاجُ بَحْرِ بَيَانِي، إِنَّ فِي ظُهُورِي لَحِكْمَةً وَفِي غَيْبَتِي حِكْمَةً أُخْرَى مَا اطَّلَعَ بِها إِلا اللهُ الفَرْدُ الخَبِيرُ، وَنَراكُمْ مِنْ أُفُقِي الأَبْهى وَنَنْصُرُ مَن قَامَ عَلَى نَصْرَةِ أَمْرِي بِجُنُودٍ مِنَ المَلإِ الأَعْلَى وَقَبِيلٍ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ".
سورة الغصنأَتَى أَمْرُ اللهِ عَلَى ظُلَلٍ مِنَ البَيانِ وَالمُشْرِكُونَ يَوْمَئِذٍ فِي عَذابٍ عَظِيمٍ. قَدْ نُزِّلَتْ جُنُودُ الوحي بِراياتِ الإِلْهامِ عَنْ سَماءِ اللَّوْحِ باسْمِ اللهِ المُقْتَدِرِ القَديرِ. إذًا يَفْرَحُنَّ المُوَحِّدُون بِنَصْرِ اللهِ وَسُلْطانِهِ وَالمُنْكِرُونَ حِينَئِذٍ فِي اضْطِرابٍ مُبِينٍ. يا أَيُّها النَّاسُ أَتَفِرُّونَ عَنْ رَحْمَةِ اللهِ بَعْدَ الَّذِي أَحاطَتِ المُمْكِناتِ عَمَّا خُلِقَ بَيْنَ السَّمَواتِ وَالأَرَضِينَ، أَنْ لا تُبَدِّلُوا رَحْمَةَ اللهِ عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلا تَحْرِمُوا أَنْفُسَكُم مِنْهَا وَمَنْ
أَعْرَضَ عَنْها إِنَّه عَلَى خُسْرانٍ عَظِيمٍ. مَثَلُ الرَّحْمَةِ مِثْلُ الآياتِ إنَّها نُزِّلَتْ مِن سَماءٍ واحِدَةٍ. وَيُسْقَوْنَ المُوَحِّدُونَ مِنْها خَمْرَ الحَيَوانِ وَالمُشْرِكونَ يَشْرَبونَ مِنْ ماءِ الحَمِيمِ. وَإذَا يُتلَى عَلَيْهِم آياتُ اللهِ تَشْتَعِلُ فِي صُدُورِهِم نارُ البَغْضَآءِ كذلِكَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَى أَنْفُسِهمْ وَكانُوا مِنَ الغافِلِينَ. أَنِ ادْخُلُوا يا قَوْمِ فِي ظِلِّ الكَلِمَةِ ثُمَّ اشْرَبُوا مِنْها رَحِيقَ المَعَانِي وَالبَيانِ لأَنَّ فِيها كُنِزَ كَوْثَرُ السُّبْحَانِ وَظَهَرَتْ عَنْ أُفُقِ مَشِيئَةِ رَبِّكُمُ الرَّحْمنِ بِأَنْوارٍ بَدِيعٍ. قُلْ قَدِ انْشَعَبَ بَحْرُ القِدَمِ مِنْ هَذَا البَحْرِ الأَعْظَمِ فَطُوبَى لِمَنِ اسْتَقرَّ فِي شاطِئهِ وَيَكُونُ مِنَ المُسْتَقِرَّينَ. وَقَدِ انْشَعَب مِنْ سِدْرَةِ المُنْتَهَى هَذَا الهَيْكلُ المُقَدَّسُ الأَبْهَى غُصْنُ القُدْسِ فَهنيئًا لِمَنِ اسْتظَلَّ فِي ظِلِّه وَكانَ مِنَ الرَّاقِدينَ. قُلْ قَدْ نَبَتَ غُصْنُ الأَمْرِ مِن هَذا الأَصْلِ الَّذِي اسْتَحْكَمَهُ اللهُ فِي أَرْضِ المَشِيَّةِ وَارْتَفَعَ فَرْعُهُ إلى مَقَامٍ أَحاطَ كُلَّ الوُجُودِ فَتَعَالَى مِنْ هَذا الصُّنْعِ المُتَعالِي المُبَارَكِ العَزِيزِ المَنِيع. أَنْ يَا قَوْمِ تَقَرَّبُوا إلَيْهِ وَذوقُوا منْهُ أَثْمارَ الحِكْمَةِ وَالعِلْمِ مِنْ لَدُن عَزيزٍ عَليمٍ. وَمَنْ لَمْ يَذُقْ مِنْهُ يَكُونُ مَحْرُومًا عَنْ نِعْمَةِ اللهِ وَلَوْ يُرْزَقُ بِكُلِّ مَا عَلَى الأَرضِ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ العَارِفِينَ. قُلْ قَدْ فُصِّلِ مِنْ لَوْحِ الأَعظَمِ كَلِمَةٌ عَلَى الفَضْلِ وَزَيَّنَها اللهُ بِطِرَازِ نَفسِهِ وَجَعَلَها سُلْطَانًا عَلَى مَنْ عَلَى الأَرْضِ وَآيَةَ عَظَمَتِه وَاقْتِدَارِه بَيْنَ العَالَمِينَ لِيُمَجِّدُنَّ النَّاسُ بِهِ رَبَّهُمُ العَزِيْزَ المُقْتَدِرَ الحَكِيمَ وَيُسَبِّحُنَّ بِهِ بَارِئَهُمْ وَيُقَدِّسُنَّ نَفْسَ اللهِ القائِمَةَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ إِنْ هَذَا إِلا تَنْزيلٌ مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ قَدِيمٍ. قُلْ يا قَوْمِ فَاشْكُرُوا اللهَ لِظُهُورِهِ لأَنَّه لَهُوَ الفَضلُ الأَعْظَمُ عَلَيكُم وَنِعْمَتُهُ الأَتَمُّ لَكُمْ وَبِهِ يَحْيى كلُّ عَظْمٍ رَمِيمٍ، مَنْ تَوَجَّهَ إلَيْهِ فَقَدْ تَوَجَّهَ إِلى اللهِ فَمنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنْ جَمَالِي وَكَفرَ
بِبُرْهانِي وَكانَ مِنَ المُسْرِفينَ. إِنَّهُ لَوَدِيعَةُ اللهِ بَيْنَكَمُ وَأَمانَتُهُ فِيكُمْ وَظُهُورُهُ عَلَيكُمْ وَطلُوعُهُ بَيْنَ عِبادِه المُقرَّبينَ كَذِلكَ أُمِرْتُ أنْ أُبَلِّغَكُمْ رِسالَةَ اللهِ بَارِئِكُمْ وَبَلَّغْتُكُمْ بِما أَمِرتُ بِهِ إذًا يَشْهَدُ اللهُ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ مَلائِكَتُهُ وَرُسُلُهُ ثمَّ عِبادُهُ المُقَدَّسِينَ. أَنِ اسْتَنْشِقُوا رَائِحَةَ الرِّضْوَانِ مِن أَوْرَادِهِ ولا تَكُونُنَّ مِنَ المَحرُومِينَ. أَنِ اغْتَنِمُوا فَضْلَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَلا تَحْتَجِبُوا عَنْهُ وَإِنَّا قَدْ بَعَثْناهُ عَلَى هَيْكَلِ الإِنْسانِ فَتَبارَكَ اللهُ مُبْدِعُ ما يَشَاءُ بِأَمْرِه المُبْرَمِ الحَكِيمِ. إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مَنَعُوا أَنْفُسَهُمْ عَنْ ظِلِّ الغُصْنِ أُولَئِكَ تاهُوا فِي العَرآءِ وَأَحْرَقَتْهُمْ حَرارَةُ الهَوَى وَكانُوا مِنَ الهَالِكينَ. أنِ اسْرِعُوا يا قَومِ إلَى ظِلِّ اللهِ لِيَحفَظَكُمْ عَنْ حَرِّ يَوْمِ الَّذِي لَنْ يَجِدَ أَحَدٌ لِنَفْسِه ظِلاًّ ولا مِأْوًى إِلا ظِلَّ اسْمِهِ الغَفُورِ الرَّحِيمِ. أَنِ البِسُوا يا قَوْمِ ثَوبَ الإِيقانِ لِيَحْفَظَكُمْ عَن رَمْي الظُّنُونِ وَالأَوْهامِ وَتَكُونُنَّ مِن المُوقِنيِنَ فِي هَذِهِ الأَيَّامِ الَّتي لَنْ يُوقِنَ أَحَدٌ وَلَنْ يَسْتَقِرَّ عَلى الأَمرِ إِلا بِأَن يَنْقَطِعَ عَنْ كُلِّ ما فِي أَيْدِي النّاسِ وَيَتَوَجَّهَ إِلى مَنْظَرِ قُدْسٍ مُنِيرٍ. يَا قَوْمِ أَتَتَّخِذُونَ الجِبْتَ لأَنفُسِكُمْ مُعينًا مِنْ دونِ اللهِ وَتَتَّبِعُونَ الطّاغُوتَ رَبًّا مِنْ دُونِ رَبِّكُمُ المُقْتَدِرِ القَديرِ. دَعُوا يا قَوْمِ ذِكْرَهُما ثُمَّ خذُوا كَأْسَ الحَيَوانِ بِاسْمِ رَبِّكُمُ الرَّحمنِ تَاللهِ بِقَطْرَةٍ مِنَها يَحْيَى الإِمكانُ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ العَالِمينَ. قُلِ اليَوْمَ لا عاصِمَ لأَحَدٍ مِنْ أَمْرِ اللهِ ولا مَهْرَبَ لِنَفْسٍ إِلا اللهُ وَهَذَا لَهُوَ الحَقُّ وَما بَعْدَ الحَقِّ إِلا الضَّلالُ المُبِينُ. وَلَقَدْ حَتَمَ اللهُ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِأَنْ يُبَلِّغُوا أَمْرَهُ عَلَى ما يَكُونُ مُسْتَطِيعًا عَلَيْهِ كَذلِكَ قُدِّرَ الأَمْرُ مِنْ إِصْبَعِ القُدْرَةِ وَالاقْتِدارِ عَلَى أَلْواحِ عِزٍّ عَظِيمِ. وَمَنْ أَحْيَى نَفْسًا فِي هَذَا الأَمْرِ كَمَنْ أَحَيى العِبَادَ كُلَّهُم وَيْبَعَثُهُ اللهُ يَوْمَ القِيامَةِ فِي رِضْوانِ الأَحَدِيَّةِ بِطِرازِ نَفْسِهِ المُهَيْمِنِ
العَزِيزِ الكَرِيمِ. وَإِنَّ هَذَا نُصْرَتُكُمْ رَبَّكُمْ وَمِنْ دُونِ ذلِكَ لَنْ يُذْكَرَ اليَوْمَ عِنْدَ اللهِ رَبِّكُمْ وربِّ آبائِكُم الأَوَّلِينَ. وَإِنَّكَ أَنْتَ يا عَبْدُ أَنِ اسْتَمِعْ مَا وَصَّيْنَاكَ فِي اللَّوْحِ ثُمَّ ابْتَغِ فَضْلَ رَبِّكَ فِي كُلِّ حِينٍ. ثُمَّ انْشُرِ اللَّوحَ بَيْنَ يَدَيِّ الَّذِينَ هُمْ آمَنُوا بِاللهِ وَبِآياتِهِ لِيُبَلِّغُنَّ ما فِيهِ وَيَكُونُنَّ مِنَ المُحْسِنينَ. قُلْ يا قَوْمِ لا تُفْسِدُوا فِي الأرْضِ وَلا تُجادِلُوا مَعَ النَّاسِ لأَنَّ هَذَا لَمْ يكُنْ شَأْنَ الَّذِينَ هُمُ اتَّخَذُوا فِي ظِلِّ رَبِّهِمْ مَقامًا كانَ عَلَى الحَقِّ أَمِين. وإذَا وَجَدْتُمْ عَطْشانًا فَاسْقُوهُ مِنْ كَأْسِ الكَوْثَرِ والتَّسْنيمِ، وَإِنْ وَجَدْتُمْ ذَاتَ أُذُنٍ وَاعِيَةٍ فَاتْلُوا عَلَيهِ آيَاتِ اللهِ المُقْتَدِرِ العَزِيزِ الرَّحِيم. أَنِ افْتَحُوا اللِّسانَ بِالبَيانِ الحَسَنةِ ثُمَّ ذَكِّروا النَّاسَ إِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُقْبِلاً إلَى حَرَمِ اللهِ وإِلا دَعُوهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ اتْركُوهُمْ فِي أَصْلِ الجَحِيمِ. إِيَّاكُمْ أَنْ لا تَنْشُرُوا لَئَالِئَ المَعَانِي عِنْدَ كُلِّ أَكْمَهٍ عَقِيمٍ. لأنَّ الأَعْمَى يَكُونُ مَحْرومًا عَنْ مُشاهَدَةِ الأَنْوارِ وَلَنْ يَفْرِقَ الحَجَرَ عَنْ لُؤْلُؤِ قُدْسٍ ثَمِينٍ. إِنَّكِ لَوْ تُلْقِي عَلَى الحَجَرِ أَلْفَ سَنَةٍ مِنْ آياتِ عِزٍّ بَدِيعِ هَلْ يَفْقَهُ فِي نَفْسِه أَوْ يُؤثِّرُ فِيهِ لا فَوَرَبِّكَ الرَّحْمنِ الرِّحِيمِ، وَلَوْ تَقْرَأُ كُلَّ الآياتِ عَلَى الأَصَمِّ هَل يَسمَعُ مِنها حَرْفًا لا فَوَجَمالِ عِزٍّ قَدِيمٍ. كذَلِكَ أَلقَيْناكَ مِنْ جَواهِرِ الحِكْمَةِ وَالبَيانِ لِتَكُونَ ناظِرًا إِلَى شَطْرِ رَبِّكَ وَتَنْقَطِعَ عَنِ العَالَمِينَ وَالرُّوحُ عَلَيْكَ وَعَلَى الَّذينَ هُمْ اسْتَقرُّوا عَلَى مَقَرِّ القُدْسِ وَكَانُوا فِي أَمْرِ رَبِّهِمْ عَلَى اسْتِقَامَةٍ مُبِينٍ.
ألواح مباركة حول العهد والميثاقيا غُصْنِيَ الأَعْظَمَ قَد حَضَرَ لَدَى المَظْلُومِ كِتَابُكَ وَسَمِعْنَا مَا نَاجَيْتَ بِهِ اللهَ رَبَّ العَالَمينَ. إِنَّا جَعَلْناكَ حِرْزًا لِلْعَالَمِينَ وَحِفْظًا لِمَنْ فِي السَّمواتِ وَالأَرَضينَ وَحِصْنًا لِمَنْ آمَنَ بِاللهِ الفَرْدِ الخَبِير. نَسأَلُ اللهَ بِأَنْ يَحْفَظَهُمْ بِكَ وَيُغْنِيَهُم بِكَ وَيَرزُقَهُمْ بِكَ وَيُلْهِمَكَ ما يَكوُنُ مَطْلِعَ الغِنَى لأَهْلِ الإِنْشاءِ وبَحْرَ الكَرَمِ لِمَنْ فِي العَالَمِ ومَشْرِقَ الفَضْلِ عَلى الأُمَمِ. إِنَّهُ لَهُوَ المُقْتَدِرُ العَلِيمُ الحَكِيمُ ونسأَلُهُ بأَنْ يَسقِيَ بِكَ الأَرْضَ وَمَا عَلَيها لِتَنْبُتَ مِنها كَلأُ الحِكْمَةِ وَالبيانِ وَسُنبُلاتُ العِلْمِ والعِرفان. إِنَّه وَليُّ مَن والاهُ وَمُعينُ مَن ناجاهُ. لا إِلهَ إِلا هُوَ العَزِيزُ الحَمِيدُ.
الأَعْظَمُ الأَبْهَىيا إِلهي هذَا غُصْنٌ انْشَعَبَ مِن دَوْحَةِ فَرْدانيَّتِكَ وَسِدْرَةِ وَحْدانِيَّتِكَ تَراهُ يا إلهِي ناظرًا إِلَيْكَ وَمُتَمُسِّكًا بِحَبْلِ أَلْطافِكَ فاحْفَظْهُ فِي جِوارِ رَحْمَتِكَ أَنْتَ تَعْلَمُ يا إِلهي أَنِّي ما أُريدُه إِلا بِما أَرَدتَه وَما أَختَرتُهُ إِلا بِما اصْطَفَيْتَهُ فانْصُرْهُ بِجُنودِ أَرْضِكَ وسَمائِكَ وانْصُرْ يا إِلهِي مَنْ نَصَرَهُ ثُمَّ اخْتَرْ مَنِ اخْتارَه وَأَيِّدْ مَنْ أَقْبَلَ إلَيْهِ ثُمَّ اخْذُلْ مَنْ أَنْكَرَهُ وَلَمْ يُرِدْهُ. أَيْ رَبِّ تَرى حِينَ الوَحْي يَتَحَرَّكُ قَلَمِي وَتَرْتَعِشُ أَرْكانِي. أَسأَلُكَ بِوَلَهِي فِي حُبِّكَ وَشَوْقِي فِي إِظْهارِ أَمْرِكَ بأَنْ تُقَدِّرَ لَهُ وَلِمُحِبِّيهِ ما قَدَّرْتَه لِسُفرائِكَ وَأُمناءِ وَحْيِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ اللهُ المُقْتَدِرُ القَدِيرُ.
مُقتَطَفٌ مِنْ لَوْحٍ مُوَجَّهٍ لِحَضْرَةِ عَبْدِ البَهآءِ
طُوبَى لِقَلَمِكُمْ وَمِدادِكُمْ وَلِوَرَقٍ فازَ بِذِكْرِكُمْ نَسْأَلُ اللهَ أَنْ يُدْخِلَ بِكُمْ عِبادَه فِي لُجَّةِ بَحْرِ أَحَدِيَّتهِ وَيَسْقِيَهُمْ بِذِكْرِكَ كَوْثَرَ الحَيَوانِ وَبِبَيانِكَ رَحيقَ العِرْفان وَيَمُدَّكَ بِجنودِ العِلْم وَالحِكْمَةِ بِحَيْثُ يَفْتَحُ بِكَ مدائِنَ الآفاقِ وَالقُلوبِ لا إِلهَ إِلا هُو العزيزُ المحبوبُ. يا بَصَرِي عَليْكَ بَهائِي وَبَحْرُ عِنايَتِي وَشَمْسُ فَضْلِي وَسَماءُ رَحْمَتي نَسأَلُ اللهَ أَن يُنَوِّرَ العالمَ بِعِلْمِكَ وَحِكْمَتِكَ وَيُقَدِّرَ لَكَ ما يَفْرَحُ بِهِ قَلْبُكَ وَيُقِرَّ عَيْنَكَ إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البَهاءُ وَالرَّحْمَةُ وَالثَّناءُ عَلَيْكُمْ وَعَلَى مَن يَطُوفُ حَوْلَكُمْ.
كِتَابُ عَهْدِيإِنَّهُ وَإِنْ كَانَ الأُفُقُ الأَعْلَى خَالٍ مِنْ زُخْرُفِ الدُّنْيَا، وَلَكِنَّنَا تَرَكْنَا فِي خَزَائِنِ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ مِيرَاثًا مَرْغُوبًا لا عِدْلَ لَهُ لِلْوَارِثِينَ. إِنَّنَا لَمْ نَتْرُكْ كَنْزًا وَلَمْ نَزِدْ فِي الْمَشَقَّةِ وَالْعَنَاءِ. إِنَّ لَفِي الثَّرْوَةِ وَأَيْمُ اللهِ خَوْفًا مَسْتُورًا وَخَطَرًا مَكْنُونًا. انْظُرُوا ثُمَّ اذْكُرُوا مَا أَنْزَلَهُ الرَّحْمَنُ فِي الْفُرْقَانِ "وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ الَّذِي جَمَعَ مَالاً وَعَدَّدَهُ". لَيْسَ لِثَرْوَةِ الْعَالَمِ وَفَاءٌ وَكُلُّ مَا يُدْرِكُهُ الْفَنَاءُ وَيكونُ قَابِلاً لِلتَّغْيِيرِ مَا كَانَ مُسْتَحَقًّا لِلاعْتِنآءِ بِهِ وَلَنْ يَكُونَ إِلاَّ عَلَى قَدْرٍ مَعْلُومٍ. كَانَ مَقْصُودُ هَذَا الْمَظْلُومِ مِنْ تَحَمُّلِ الشَّدَائِدِ وَالْبَلاَيَا، وَإِنْزَالِ الآيَاتِ وَإِظْهَارِ الْبَيِّنَاتِ، إِخْمَادَ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ عَسَى أَنْ تَتَنَوَّرَ آفَاقُ أَفْئِدَةِ أَهْلِ الْعَالَمِ بِنُورِ الاتِّفَاقِ، وَتَفُوزَ بِالرَّاحَةِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَمِنْ أُفُقِ اللَّوْحِ الإِلَهِيِّ يَلُوحُ وَيُشْرِقُ نَيِّرُ هَذَا الْبَيَانِ، وَعَلَى الْكُلِّ أَنْ يَكُونُوا نَاظِرِينَ إِلَيْهِ.
يَا أَهْلَ الْعَالَمِ أُوصِيكُمْ بِمَا يُؤَدِّي إِلَى ارْتِفَاعِ مَقَامَاتِكُمْ. تَمَسَّكُوا
بِتَقْوَى اللهِ، وَتَشَبَّثُوا بِذَيْلِ الْمَعْرُوفِ. أَلْحَقُّ أَقُولُ إِنَّ اللِّسَانَ قَدْ خُلِقَ لِذِكْرِ الْخَيْرِ فَلا تُدَنِّسُوهُ بِالْقَوْلِ السَّيِّئِ، عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ. وَيَجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ بَعْدَ الآنِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا بِمَا يَنْبَغِي، وَأَنْ يَجْتَنِبُوا اللَّعْنَ وَالطَّعْنَ وَمَا يَتَكَدَّرُ بِهِ الإِنْسَانُ فَإِنَّ مَقَامَ الإِنْسَانِ لَعَظِيمٌ وَمُنْذُ مُدَّةٍ ظَهَرَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا مِنْ مَخْزِنِ الْقَلَمِ الأَبْهَى. إِنَّ هَذَا الْيَوْمَ يَوْمٌ عَظِيمٌ وَمُبَارَكٌ، وَكُلُّ مَا كَانَ مسْتُورًا فِي الإِنْسَانِ فَإِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ وَسَيْظَهَرُ مِنْ بَعْدُ. إِنَّ مَقَامَ الإِنْسَانِ عَظِيمٌ إِذَا تَمَسَّكَ بِالْحَقِّ وَالصِّدْقِ، وَثَبَتَ عَلَى الأَمْرِ وَرَسَخَ. إِنَّ الإِنْسَانَ الْحَقِيقِيَّ مَشْهُودٌ بِمَثَابَةِ السَّمَاءِ لَدَى الرَّحْمَنِ فَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ سَمْعُهُ وَبَصَرُهُ وَالنُّجُومُ أَخْلاقُهُ الْمُنِيرَةُ الْفَاضِلَةُ، وَمَقَامُهُ أَعْلَى الْمَقَامِ، وَآثَارُهُ مُرَبِّيَةٌ لِعَالَمِ الإِمْكَانِ. كُلُّ مُقْبِلٍ وَجَدَ فِي هَذَا الْيَوْمِ عَرْفَ الْقَمِيصِ وَتَوَجَّهَ بِقَلْبٍ طَاهِرٍ إِلَى الأُفُقِ الأَعْلَى مَذْكُورٌ مِنْ أَهْلِ الْبَهآءِ فِي الصَّحِيفَةِ الْحَمْرآءِ. خُذْ قَدَحَ عِنَايَتِي بِاسْمِي ثُمَّ اشْرَبْ مِنْهُ بِذِكْرِي الْعَزِيزِ الْبَدِيعِ.
يَا أَهْلَ الْعَالَمِ إِنَّ دِينَ اللهِ وُجِدَ مِنْ أَجْلِ الْمَحَبَّةِ وَالاتِّحَادِ فَلاَ تَجْعَلُوهُ سَبَبَ الْعَدَاوَةِ وَالاخْتِلاَفِ فَقَدْ ثَبَتَ لَدَى أَصْحَابِ الْبَصَرِ وَأَهْلِ الْمَنْظَرِ الأَكْبَرِ نُزُولُ كُلِّ مَا هُوَ سَبَبُ حِفْظِ الْعِبَادِ، وَعِلَّةُ رَاحَتِهِمْ وَاسْتِقْرَارِهِمْ مِنَ الْقَلَمِ الأَعْلَى. وَلَكِنَّ جُهَلاَءَ الأَرْضِ بِمَا أَنَّهُمْ رَبِيبُو النَّفْسِ وَالْهَوَسِ فَهُمْ غَافِلُونَ عَنْ حِكَمِ الْحَكِيمِ الْحَقِيقِيِّ الْبَالِغَةِ، وَنَاطِقُونَ وَعَامِلُونَ بِالظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ.
يَا أَوْلِيَاءَ اللهِ وَأُمَنَاءَهِ إِنَّ الْمُلُوكَ مَظَاهِرُ قُدْرَةِ الْحَقِّ وَمَطَالِعُ عِزِّهِ وَثَرْوَتِهِ فَادْعُوا اللهَ بِحَقِّهِمْ. فَحُكُومَةُ الأَرْضِ قَدْ مَنَّ بِهَا عَلَيْهِمْ كَمَا اخْتَصَّ الْقُلُوبَ لنَفْسِهِ قَدْ نَهَى اللهُ عَنِ النِّزَاعِ وَالْجِدَالِ نَهْيًا عَظِيمًا فِي الْكِتَابِ هَذَا أَمْرُ اللهِ فِي هَذَا الظُّهُورِ الأَعْظَمِ وَعَصَمَهُ مِنْ حُكْمِ الْمَحْوِ، وَزَيَّنَهُ بِطِرَازِ الإِثْبَاتِ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، يَلْزَمُ عَلَى الكُلِّ إِعانَةُ تِلْكَ النُّفُوسِ مِنْ مَظَاهِرِ الْحُكْمِ وَمَطَالِعِ الأَمْرِ الْمُزَيَّنِينَ بِطِرَازِ الْعَدْلِ
وَالإِنْصَافِ. طُوبَى لِلأُمَرآءِ وَالْعُلَمآءِ فِي الْبَهَاءِ أُولَئِكَ أُمَنَائِي بَيْنَ عِبَادِي، وَمَشَارِقُ أَحْكَامِي بَيْنَ خَلْقِي. عَلَيْهِمْ بَهَائِي وَرَحْمَتِي وَفَضْلِي الَّذِي أَحَاطَ الْوُجُودَ. قَدْ نُزِّلَ فِي الْكِتَابِ الأَقْدَسِ فِي هَذَا الْمَقَامِ مَا تَلْمَعُ مِنْ آفَاقِ كَلِمَاتِهِ أَنْوَارُ الْعَطَايَا الإِلَهِيَّةِ سَاطِعَةً وَمُشْرِقَةً.
يَا أَغْصَانِي إِنَّ فِي الْوُجُودِ قُوَّةً عَظِيمَةً مَكْنُونَةً وَقُدْرَةً كَامِلَةً مَسْتُورَةً، فَكُونُوا نَاظِرِينَ إِلَيْهَا وَمُتَّجِهِينَ إِلى جِهَةِ اتِّحَادِهَا لا إِلَى الاخْتِلاَفَاتِ الظَّاهِرَةِ مِنْهَا. إِنَّ وَصِيَّةَ اللهِ هِيَ: أَنْ يَتَوَجَّهَ عُمُومُ الأَغْصَانِ وَالأَفْنَانِ وَالْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْغُصْنِ الأَعْظَمِ. انْظُرُوا إِلَى مَا أَنْزَلْنَاهُ فِي كِتَابِي الأَقْدَسِ: "إِذَا غِيضَ بَحْرُ الْوِصَالِ، وَقُضِيَ كِتَابُ الْمَبْدَءِ فِي الْمَآلِ، تَوَجَّهُوا إِلَى مَنْ أَرَادَهُ اللهُ الَّذِي انْشَعَبَ مِنْ هَذَا الأَصْلِ الْقَدِيمِ". وَقَدْ كَانَ الْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الآيَةِ الْمُبَارَكَةِ الْغُصْنُ الأَعْظَمُ. كَذَلِكَ أَظْهَرْنَا الأَمْرَ فَضْلاً مِنْ عِنْدِنَا وَأَنَا الْفَضَّالُ الْكَرِيمُ. قَدْ قَدَّرَ اللهُ مَقَامَ الْغُصْنِ الأَكْبَرِ بَعْدَ مَقَامِهِ إِنَّهُ هُوَ الآمِرُ الْحَكِيمُ. قَدِ اصْطَفَيْنَا الأَكْبَرَ بَعْدَ الأَعْظَمِ أَمْرًا مِنْ لَدُنْ عَلِيمٍ خَبِيرٍ. مَحَبَّةُ الأَغْصَانِ وَاجِبَةٌ عَلَى الْكُلِّ، وَلَكِنْ مَا قَدَّرَ اللهُ لَهُمْ حَقًّا فِي أَمْوَالِ النَّاسِ.
يَا أَغْصَانِي وَأَفْنَانِي وَذَوِي قَرَابَتِي: نُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ، وَبِمَعْرُوفٍ، وَبِمَا يَنْبَغِي، وَبِمَا تَرْتَفِعُ بِهِ مَقَامَاتُكُمْ. الْحَقُّ أَقُولُ إِنَّ التَّقْوَى هِيَ الْقَائِدُ الأَعْظَمُ لِنُصْرَةِ أَمْرِ اللهِ، وَالأَخْلاَقَ وَالأَعْمَالَ الطَّيِّبَةَ الطَّاهِرَةَ الْمَرْضِيَّةَ كَانَتْ وَلاَ تَزَالُ كَالْجُنُودِ اللاَّئِقَةِ لِهَذَا الْقَائِدِ. قُلْ يَا عِبَادِي لاَ تَجْعَلُوا أَسْبَابَ النَّظْمِ سَبَبَ الاضْطِرَابِ وَالارْتِبَاكِ، وَعِلَّةَ الاتِّحَادِ لاَ تَجْعَلُوهَا عِلَّةَ الاخْتِلاَفِ. الأَمَلُ أَنْ يَتَّجِهَ أَهْلُ الْبَهآءِ إِلَى الْكَلِمَةِ الْمُبَارَكَةِ "قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ" وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ الْعُلْيَا بِمَثَابَةِ الْمَاءِ لإِطْفآءِ نَارِ الضَّغِينَةِ وَالْبَغْضَاءِ الْمَكْنُونَةِ الْمَخْزُونَةِ فِي الْقُلُوبِ وَالصُّدُورِ، وَإِنَّ الأَحْزَابَ الْمُخْتَلِفَةَ لَتَفُوزُ بِنُورِ الاتِّحَادِ الْحَقِيقِيِّ مِنْ هَذِهِ الْكَلِمَةِ الْوَاحِدَةِ. إِنَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَيَهْدِي
السَّبِيلَ وَهُوَ الْمُقْتَدِرُ الْعَزِيزُ الْجَمِيلُ. احْتِرَامُ الأَغْصَانِ وَرِعَايَتُهُمْ وَاجِبٌ عَلَى الْجَمِيعِ لإِعْزَازِ الأَمْرِ وَارْتِفَاعِ الْكَلِمَةِ. وَقَدْ ذُكِرَ هَذَا الْحُكْمُ وَسُطِّرَ فِي كُتُبِ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ طُوبَى لِمَنْ فَازَ بِمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ لَدُنْ آمِرٍ قَدِيمٍ وَكَذَلِكَ احْتِرَامُ الْحَرَمِ وَآلِ اللهِ وَالأَفْنَانِ وَالْمُنْتَسِبِينَ. وَنُوصِيكُمْ بِخِدْمَةِ الأُمَمِ وَإِصْلاَحِ الْعَالَمِ، قَدْ نُزِّلَ مِنْ مَلَكُوتِ بَيَانِ مَقْصُودِ الْعَالَمِينَ مَا هُوَ سَبَبُ حَيَاةِ الْعَالَمِ وَنَجَاةِ الأُمَمِ. فَأَصْغُوا إِلَى نَصَائِحِ الْقَلَمِ الأَعْلَى بِالأُذُنِ الْحَقِيقِيَّةِ. إِنَّهَا خَيْرٌ لَكُمْ عَمَّا عَلَى الأَرْضِ يَشْهَدُ بِذَلِكَ كِتَابِيَ الْعَزِيزُ الْبَدِيعُ.
مصائب الجمال المباركألقى حضرة عبد البهاء الخطبة التالية بمنزله المبارك
هو اللهأريد اليوم أن أبيّن لكم قدرًا من مصائب الجمال المبارك:
في يوم من أيّام السّنة الثّالثة لظهور الباب حبس الجمال المبارك فِي طهران. وفي اليوم التّالي اعترض جمع من الأمراء ووزراء الدولة وتوسّطوا، فأفرج عَنْ الجمال المبارك وأطلق سراحه، وبينما كان حضرته فِي سفر إلى مازندران ميمّمًا وجهه شطر قلعة الشّيخ طبرسي هجمت جماعة من الفرسان ليلاً واقتادت الجمال المبارك مع أحد عشر شخصًا وساقتهم جميعًا إلى مدينة آمُل، وفي أحد الأيّام اجتمع جميع العلماء فِي المسجد وأحضروا الجمال المبارك إليه، كما اجتمع أهل مدينة آمُل أيضًا وقد تسلح كلّ صنف منهم بسلاح: النّجار بقدّومه، والقصّاب بساطوره، والزّارع بفأسه وبلطته، وكان هدفهم أن يقتلوا الجمال المبارك بالإجماع.
وشرع العلماء فِي إلقاء الأسئلة العلميّة عَلَى حضرته، وكانوا يتلقّون عَلَى كلّ سؤال جوابًا كافيًا شافيًا، وأثبت الجمال المبارك حقيقة الظّهور بالأدلّة والبراهين الثّابتة، وعجز العلماء، فاتّجهوا إلى الحصول عَلَى شيء من كتاباته. فاستخرجوا لوحًا من ألواح النّقطة الأولى من جيب أحد خدم الجمال المبارك، وهو المدعو الملاّ باقر ، وكان بهذا اللّوح فقرة من بيانات أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام يقول فيها: "محو الموهوم وصحو المعلوم". فتضاحك الملاّ علي جان أحد علماء آمُل وقال لقد اتّضحت فضيلة الباب وميزته، إنّ الانسان الّذي يكتب كلمة الصّحو بالصّاد تفهم مرتبة علمه لأن الصّحو تكتب بالسّين وقد كتبها الباب خطأ. فقال الجمال المبارك: بل إنّ السّيّد الفقيه هو الذي أخطأ ولم يفهم. إنّ هذه العبارة مأخوذة من كلام أمير المؤمنين وهو يجيب كميل بن زياد النّخعي عندما سأله عَنْ الحقيقة، فقد أجابه أمير المؤمنين بعدّة فقرات، فكان كميل يقول لأمير المؤمنين بعد كلّ فقرة "زدني بيانًا" إلى أن تفضّل بقوله: "محو الموهوم وصحو المعلوم" أي أنّ من يطلب فهم الحقيقة ويريد الوصول إِلَى الحق يجب عليه أن يطهّر قلبه ويقدّسه عَنْ أوهام التّقاليد وشائعاتها، وأن ينظر إلى ما يقوله صاحب الدّعوة، بمعنى أنّه يتخلّى عَنْ الموهوم وينظر إلى المعلوم. وعندما ظهر رسول الله كان اليهود والنّصارى كلّما تخلّوا عَنْ أوهامهم واستمعوا إليه اهتدوا إلى الحقيقة، وكلمة الصّحو بالصّاد معناها التّفطّن، والسّهو بالسّين معناها النّسيان والغفلة، وشتّان بين الكلمتين، فأنت قد سهوت وغفلت عَنْ أن هذه العبارة كتبت صحيحة.
فلما جرت هذه البيانات من اللّسان المبارك بمحضر الخواصّ والعوام ذهلوا جميعًا وبهتوا، ووضح لهم جهل ذلك المجتهد وعلموا أنّ ذلك الفقيه عار عَنْ العلم وبريء منه. فثقل عَلَى العلماء هذا الموقف وأدركوا أنّه لو ألقى الجمال المبارك ببياناته عَلَى الملأ فِي عدّة مجالس
عامّة لآمن به أكثر الخلق ولهذا اتّفقوا عَلَى إصدار حكم الإعدام عليه. وقد خاف الميرزا تقي خان حاكم آمُل من هذا الأمر واضطرب اضطرابًا عظيمًا، وأدرك أنّه لو حدث ذلك لشبّت بين قبيلتيّ نوري ولاريجاني – أكبر طائفتي مازندران – نار الحرب والقتال إلى الأبد. فخطر له أن يكتفي بأذيّة الجمال المبارك تطييبًا لنفوس العلماء وتسكينًا لخواطرهم. فأمر أن يضرب الجمال المبارك بالعصا. فضرب حتّى سالت الدّماء من قدميه.
بعد ذلك أحضروه إلى مسجد قريب من بيت الحاكم، وأوقفوه بجوار الحائط وأمر الميرزا تقي خان بعضًا من رجاله سرًّا أن يهدموا هذا الحائط من الخلف، ويحملوا الجمال المبارك إلى منزل الحاكم. ففعل رجال الحاكم ذلك واختطفوا الجمال المبارك بسرعة من بين الجمع المحتشد وحملوه إلى منزل الميرزا تقي خان. وقبل أن يتحوّل النّاس إلى النّاحية الأخرى من الحائط كان الرّجال قد وصلوا بالجمال المبارك إلى المنزل وأغلقوا الباب وراءهم، وصعد خدم الحاكم فوق السّطح ومنعوا النّاس وصدوهم وفرّقوهم بكلّ وسيلة. وقد حال هذا التّدبير دون قيام العلمآء بقتل الجمال المبارك فِي ذلك اليوم.
وبعد عدة أيام توجه الجمال المبارك إلى طهران، وفي السّنة الثّامنة لظهور النقطة الأولى حبس فِي طهران، وألقي به فِي غياهب سجن لا ينفذ إليه نور النّهار قطّ، وضيّقوا عليه تضييقًا شديدًا لا يمكن وصفه، فقيّدوا قدميه، ووضعوا فِي عنقه سلاسل بلغ من ثقلها أنّها كانت تحني قامة الجمال المبارك لو لم تكن مركّزة عَلَى حمّالة خشبية، كما سلبوا ملابسه ووضعوا عَلَى رأسه لبدة عتيقة ممزّقة، وظلّ الجمال المبارك عَلَى هذه الحال فِي هذا السّجن مدّة أربعة أشهر.
ثم أخرج من الحبس ونفي إلى بغداد، وفي بغداد أقام إحدى عشرة
سنة سافر خلالها إلى كردستان حيث أقام فيها عامين، أما باقي المدة فقضاها فِي بغداد، وفي هذه السّنوات الإحدى عشرة اشتعلت نار العداوة والبغضاء فِي صدور أعدائه، فِي حين ظلّ الجمال المبارك فِي غاية البشاشة والسّرور، وقد جد المعاندون فِي إلحاق الضّرر بالجمال المبارك بحيث إنّه كان فِي الصّبح يفقد الأمل فِي البقاء حتّى المساء، وفي المساء يفقد الأمل فِي البقاء حتّى الصّباح، وفي هذه السّنوات كان العلماء يقبلون عليه من جميع الجهات ويفوزون بمحضره ويطرحون عليه أسئلتهم العلميّة ويسمعون الأجوبة الشّافية الكافية عليها، وكان ذلك سبب اشتهار صيت الجمال المبارك فِي جميع الأرجاء، وقد كتب علماء إيران المقيمون فِي بغداد إلى ناصر الدّين شاه يعلمونه بذلك فالتمس هذا من السّلطان العثماني أن ينفي الجمال المبارك من بغداد إلى أسطنبول، فنقل إلى اسطنبول بأمر السّلطان العثماني، وبعد أن قضى فيها أربعة أشهر نفي إلى الروميلّي (أدرنة)، ومرّة أخرى التمس ناصر الدّين شاه أن ينفى من الروميلّي إلى عكّا، فأنزل الجمال المبارك فِي السّجن المعروف بالقشلة العسكريّة وقضى بقية حياته فِي عكّا سجينًا، أمّا البلايا الَّتي أصابت الجمال المبارك فِي سجن عكا فلا يمكن أن توصف.
وبعد أن نزل فِي سجن عكّا أرسل ألواحه إلى جميع سلاطين الأرض ما عدا اللّوح المرسل إلى ناصر الدّين شاه حمله الميرزا بديع خراساني، وقال له الجمال المبارك: ان قبلت الاستشهاد فاحمله، فقبل الميرزا بديع الشّهادة وحمل اللّوح ويمّم شطر إيران إلى أن بلغ طهران، ولم يكن يلتقي بالأحباء أثناء الطّريق، وفي ذلك الوقت كان ناصر الدّين شاه يصطاف فِي نياوران بشميران فذهب الميرزا بديع وصعد إلى هضبة تواجه قصر الشّاه. وفي ذات يوم كان ناصر الدّين شاه يتأمّل المناظر من حوله بالمنظار المقرّب، فرأى شخصًا يجلس عَلَى قمّة الهضبة، وقد
ارتدى الملابس البيضاء، وفي اليوم التّالي رأى الشّخص نفسه وهو يتأمّل المناظر من حوله بالمنظار المقرّب. وفي اليوم الثّالث أيضًا رآه فِي الوضع نفسه فعرف أن له حاجة. فأرسل فِي طلبه ولمّا سئل من أنت؟ ولماذا تجلس هنا؟ قال إنّي أحمل رسالة من شخص عظيم إلى السّلطان. فأراد رجال السّلطان أخذ الرّسالة منه إلاّ أنّه قال: لا بدّ أن أسلّمها إلى السّلطان يدًا بيد. فحمله هؤلاء إلى محضر الشّاه فسأله الشّاه: من أنت؟ وماذا بيدك؟ فقال هذه رسالة من بهاء الله أحضرتها إلى الشّاه. فتناول الشّاه الرّسالة وأمر بتوقيفه، فحملوه وحبسوه. فطلب الشّاه أن يسألوه عَنْ رفاقه، فلما سئل قال: أنا لا أعرف أحدًا وليس لي رفيق، فعذّبوه ثلاثة أيام بشتّى ألوان التّعذيب والضّرب والكيّ فلم يصرّح باسم أحد قطّ، والتقطوا له صورة وهم يعذّبوه ثم قتلوه فِي اليوم الثّالث.
ثمّ إنّ الشّاه أرسل هذه الرّسالة إلى العلماء كي يردّوا عليها. وبعد عدّة أيّام قال العلماء: "إنّ هذا الشّخص هو عدوك" فقال الشّاه: أنا أعرف أنّه عدوي وإنّما طلبت إليكم أن تجيبوا عَلَى مطالبها، فلم يكتبوا جوابًا. فغضب الشّاه وقال: إنّني أحترم العلماء كلّ هذا الاحترام وأنعم عليهم كلّ هذا الإنعام كي يكتبوا فِي مثل هذا اليوم ردًّا عَلَى مثل هذه الرّسالة، فإذا بهم اليوم يجيبون بمثل هذا الجواب.
ولقد تفضّل الجمال المبارك فِي ذلك اللّوح بقوله: إنّ الأمر لا يخرج عَنْ إحدى اثنتين: إمّا أنّه حقّ وإمّا أنّه باطل، فأحضر العلماء وأحضرني كي أناقشهم. فإن كان حقًّا آمنت به، وإن كان باطلاً فافعل بي ما شئت. وفي هذا اللّوح أيضًا يقدم النّصائح لناصر الدّين شاه ويقول له: لا تغترّ بسلطنة فانية فكم من السلاطين جاءوا وذهبوا جميعًا لم يبق لهم من أثر. وهذا الأمر أمر الله، وإنّك لا تستطيع مقاومته ولا تقدر عَلَى منعه. فإنّ أمر الله لا يقدر عَلَى مقاومته أحد، وأنت أيضًا لا
تستطيع ذلك. وعمّا قريب سيرتفع أمر الله ويحيط الشّرق والغرب، فلم يقبل النّصائح الإلهيّة، وظلّ عَلَى غروره حتّى مات تاركًا هذا العالم.
ثمّ إنّ الجمال المبارك بقي فِي هذا السّجن إلا أنّه كان فِي منتهى العزّة، ولم يكن سجنه كسجن الآخرين لأنّه لم يأبه لأيّ شخص قطّ. وكم من مرّة جَاءَ رجال الدّولة والتمسوا أن يتشرّفوا بمحضره فلم يكن يأذن لهم، بل إنّ متصرف عكّا ظلّ خمس سنوات يرجو ويلتمس أن يتشرّف بمحضره فلم يأذن له، ولم يمض وقت طويل حتّى صار يخرج من السّجن كلّما أراد الخروج، وجَاءَ المتصرّف وجميع الموظفين من عكّا إلى القصر الذي نزله والذي يبعد عَنْ المدينة مسافة نصف فرسخ وذلك بمناسبة عقد قران آقا سيّد علي، ومع ذلك لم يلتفت إليهم الجمال المبارك بالسّؤال عَنْ أحوالهم.
وبعد، هذه خلاصة البلايا الَّتي تحمّلها الجمال المبارك والمشقّات الَّتي عاناها، والسّجون الَّتي ألقي فيها والسّلام.
صعود حضرة بهاء اللهانقضى ما يقرب من نصف قرن عَلَى بداية الدّين، لقد احتضنه العداء فِي مهده، وحرم فِي طفولته من مبشّره وزعيمه إذ صرعه العدوّ اللّدود الطّاغية، ثم جَاءَ نيّره الثّاني الأعظم فاستطاع فِي أقلّ من نصف قرن أن يقيل عثرته – رغم النّفي المتتابع – وان يعلو بنجمه بإعلانه رسالته وتنزيل شريعته وصياغة مبادئه ونظمه البديع. وما كاد الدّين يتمتّع بالإشراق والازدهار الذي لم يرَ مثله من قبل حتّى اختطفت مؤسّسه يد القدر بغتة وعلى غير انتظار. فغرق أتباعه فِي بحار اللّوعة والفزع، على حين انتعشت آمال هادميه من جديد، وطمع فيه خصومه السّياسيّون والدّينيّون مرّة أخرى.
ويقرّر حضرة عبد البهاء أن حضرة بهاء الله أفصح عن حنينه إلى مغادرة هذا العالم قبل صعوده بتسعة أشهر. ومنذ ذلك الوقت ازداد هذا الحنين وضوحًا فِي ثنايا تعليقاته لهؤلاء الذين فازوا بلقائه، وأصبح من البيّن أنّ ختام حياته الأرضيّة وشيك قريب – وإن امتنع أن يصرّح بذلك لأحد. وفي اللّيلة السّابقة على اليوم الحادي عشر من شوّال 1309 هـ الموافق 8 مايو 1892 – ارتفعت درجة حرارته ارتفاعًا طفيفًا ومع أنّها زادت فِي اليوم التّالي ولكنّها سرعان ما خفّت بعد ذلك ومضى يأذن لبعض الأحبّاء والزوّار، ولكنّه سرعان ما تجلّى أنّه ليس بخير. إذ عاودته الحمّى وارتفعت درجة حرارته أكثر من ذي قبل. وأخذت حالته العامّة تزداد سوءًا. وتلا ذلك مضاعفات انتهت بصعوده فِي فجر اليوم الثّاني من ذي القعدة سنة 1309 للهجرة – الموافق التّاسع والعشرين من مايو 1892م – بعد ثماني ساعات من غروب الشّمس؛ بالغًا من العمر خمسة وسبعين عامًا، فرفرفت روحه بعد أن تخلّصت أخيرًا من أوصاب حياة ازدحمت بالشّدائد والمحن، وهاجرت إلى "ممالك أخرى" وهي "المقامات الَّتي ما وقعت عليها عيون أهل الأسماء"؛ والعوالم الَّتي أمرته "ورقة نوراء لابسة ثيابًا رفيعة بيضاء" أن يسرع إليها كما وصف فِي لوح الرّؤيا النّازل يوم عيد ميلاد مبشّره قبل تسعة عشر عامًا.
وقبل صعوده بستّة أيام كان يستلقي فِي فراشه عَلَى صدر أحد أبنائه فدعا بكلّ المؤمنين وبكثير من الزّائرين الّذين اجتمعوا فِي القصر. فكان ذلك آخر تشرّف لهم بمحضره. ولقد خاطب الجمع الباكي الملتفّ من حوله خطابًا رقيقًا فقال: "إنّي راضٍ عنكم جميعًا فلقد أدّيتم خدمات عديدة وتحمّلتم المشقّة. كنتم تجيئون كلّ صباح وكنتم تجيئون كلّ مساء. أيّدكم الله جميعًا ووفّقكم إلى الاتّحاد وارتفاع أمر مالك الإيجاد". ووجّه إلى النّساء المجتمعات إلى جوار فراشه ومن بينهنّ أسرته كلمات تشجيع مماثلة ، مؤكّدًا لهنّ تأكيدًا قاطعًا بأنّه عهد بهنّ
إلى رعاية الغصن الأعظم وعنايته فِي وثيقة عهد بها إليه.
وسرعان ما طيّرت أنباء صعوده إلى السّلطان عبد الحميد فِي برقيّة بدأت بأن "قد أفلت شمس البهاء"، وفيها أحيط السّلطان علمًا بنيّة دفن رفاته المقدّسة فِي حرم قصر البهجة، فوافق السّلطان عَلَى ذلك فِي الحال. فأخلد حضرة بهاء الله إلى الرّاحة فِي الغرفة الشّمالية القصوى من المنزل الذي كان يسكنه زوج ابنته، وهو المنزل المتّجه إلى الشّمال من بين المنازل الثّلاثة الواقعة إلى الغرب من القصر والملاصقة له. وكان دفنه يوم صعوده بعد الغروب بقليل.
وقد امتاز النّبيل المفجوع بالتّشرف بمحضر حضرة بهاء الله أيّام مرضة. وقد انتدبه حضرة عبد البهاء ليتخيّر تلك الفقرات الَّتي يتألّف من مجموعها لوح الزّيارة الّذي يُتلى فِي المقام الأقدس وبعد صعود محبوبه الأبهى ألقى بنفسه فِي البحر من هول الفجيعة. ولقد كتب يصف آلام تلك الأيّام وأوجاعها قال "كأنّي بالاضطراب الرّوحي الذي ثارت ثائرته فِي دنيا الفناء قد جعل عوالم البقاء ترتجف... وإنّ لساني الباطن والظاهر ليعجزان عَنْ تصوير الحال الَّتي كنا فيها... وفي فورة الهرج السّائد كان من الممكن أن ترى جمعًا غفيرًا من أهالي عكّاء والقرى المجاورة يزحمون الحقول المجاورة المحيطة بالقصر وهم يبكون ويلطمون عَلَى رؤوسهم نائحين معولين".
واستمرّ عدد كبير من النّائحين – الأغنياء والفقراء عَلَى السّواء – يتفجّعون أسبوعًا كاملاً مع الأسرة الثّكلى، آخذين بنصيب من الطّعام الذي قدّمته الأسرة بسخاء. واشترك النّابهون فِي التّفجّع عَلَى هذا الخطب الجلل، ومنهم الشّيعيّ والسّنّيّ والمسيحيّ واليهوديّ والدّرزيّ والشّاعر والعالم ورجل الدّولة. وظلّوا يعدّدون مناقب حضرة بهاء الله ومآثره ونواحي عظمته. وكتب كثير منهم المدائح شعرًا ونثرًا بالعربيّة
والتّركيّة. ووردت المدائح المماثلة من بلاد قصيّة كدمشق وحلب وبيروت والقاهرة. ولقد عرضت هذه الشّواهد المشرقة كلّها عَلَى حضرة عبد البهاء الذي أصبح يمثّل أمر الزّعيم الرّاحل؛ والذي اختلط تمجيده فِي هذه المدائح بذكر محامد والده العظيم ونعوته.
ومع ذلك فلم تكن هذه الشّواهد الوفيرة الدّالّة عَلَى الحزن، وتلك التّعبيرات النّاطقة بالإعجاب – تلك الَّتي أثارها صعود حضرة بهاء الله فِي صدور غير المؤمنين فِي الأرض المقدّسة وما حولها– إلاّ قطرة إذا هي قورنت ببحار الأسى وشواهد الإخلاص البالغ الَّتي تموّجت – ساعة غروب شمس الحقيقة – فِي قلوب الآلاف المؤلّفة ممّن اعتنقوا أمره وعزموا عَلَى أن يرفعوا رايته فِي إيران والهند وروسيا والعراق وتركيا وفلسطين ومصر وسوريّا.
بصعود حضرة بهاء الله انتهت فترة لا مثيل لها ولا نظير فِي تاريخ العالم الدّينيّ من عدّة وجوه، وقطع القرن الأوّل من التّاريخ البهائيّ الأوّل نصف شوطه. نعم، انتهت فترة لا يضارعها فِي سموّها ولا فِي خصوبتها ولا فِي مداها أيّة فترة فِي أيّ دورة سالفة أخرى، فهي فترة يمكن أن توصف، باستثناء سنوات ثلاث، بأنّها نصف قرن من التّنزيل التّقدميّ المنهمر، وبأنّها فترة آتت فيها الرّسالة الَّتي أعلنها حضرة الباب ثمرتها الذّهبية المشتهاة، وانتهى بها أعظم وأخطر طور وإن لم يكن أروع وأبهج طور من أطوار عصر البطولة المجيد. فِي هذه الفترة أشرقت شمس الحقيقة – أعظم نيّرات العالم – فِي سياه ﭼال بطهران، واخترقت السّحب الَّتي غلفتها فِي بغداد، وعانت كسوفًا وقتيًّا وهي تبلغ سمتها فِي أدرنة، وغربت أخيرًا فِي عكاء فلا تعود إلى الإشراق قطّ قبل ألف عام كامل، وأعلن دين الله الجديد – وقطب كلّ الدّورات السّالفة – عَلَى رؤوس الأشهاد بلا تحفّظ، وتحقّقت النّبوءات المبشّرة بقدومه تحقّقًا
ملحوظًا لا خفآء فيه كما أعلنت الشّرائع والأحكام الأساسيّة والمبادئ الجوهريّة، وصيغ النّظام العالميّ المقبل – لحمة وسدى – بكلّ جلاء ووضوح. وتحدّدت علاقته العضويّة ومسلكه نحو الأديان السّابقة تحديدًا لا يرقى إليه شكّ. وتأسّست الهيئات الأوّليّة الَّتي قدّر لجنين النّظام العالمي أن يتكامل وينضج فِي أحشائها تأسيسًا محكمًا. وانتقل إلى الأجيال القادمة ذلك الميثاق الذي من شأنه أن يرعى سلامة الدّين العالميّ ويصون تماسكه. ووعد الناس بتحقيق وحدة الجنس البشريّ وإقرار السّلام الأعظم وافتتاح الحضارة العالميّة وعدًا أكيدًا لا جدال فيه. وتكرّرت الإنذارات بالمصائب الَّتي تنتظر الملوك ورجال الدّين والحكومات كمقدّمة لتلك الخاتمة المجيدة. وصدر النّداء العظيم لقادة العالم الجديد – وهو النّداء المبشّر بالرّسالة الَّتي عهد بها فيما بعد إلى أمريكا الشّماليّة. وتم الاتّصال المبدئيّ بشعب آمنت سليلة أسرته المالكة بالدّين قبل نهاية القرن البهائيّ الأوّل. واطلقت الدّفعة الأصليّة الَّتي ما زالت تغدق – وستظلّ تغدق عَلَى مدى عشرات متلاحقة من السّنين – بركاتها العميمة ذات الصّبغة الرّوحيّة والإداريّة عَلَى جبل الرّبّ المقدّس المشرف عَلَى السّجن الأعظم. وأخيرًا ارتفعت أعلام الفتح الرّوحيّ المظفّرة الَّتي قدّر لها أن ترفرف قبل انتهاء القرن الأوّل عَلَى ما لا يقلّ عَنْ ستّين قطرًا فِي نصفيّ الكرة الشّرقيّ والغربيّ.
نعم، لقد استطاع دين حضرة بهاء الله – الذي كان يقف آنذاك عَلَى أعتاب العقد السّادس من عمره – أن يبدي قدرته عَلَى أن يمضي إلى الأمام فِي الطّريق الَّتي رسمها له مؤسّسه، لا يصدعه صادع ولا يفسده مفسد؛ وأن يبدي أمام الأجيال المتعاقبة آيات الطّاقة السّماويّة الَّتي أغدقها عليه مؤسّسه أيّما إغداق – كلّ ذلك بفضل سعة مجال كتاباته المقدّسة وتنوّعها، وضخامة عدد شهدائه وإقدام أبطاله، والمثل الذي ضربه أتباعه، والجزاء العادل الذي لقيه خصومه، ونفاذ تأثيره وبطولة
مبشّره الَّتي ليس كمثلها شَيْءٌ، وعظمة مؤسّسه الَّتي تغشى العيون وتخطف الأبصار، والفعالية الغيبيّة الَّتي يبديها روحه الغلاّب الّذي لا يقهر...
تاريخ صعود حضرة بهاء اللهوبيان الوقائع الَّتي جرت فِي تلك الأيّام كما شرحها
الملاّ محمّد زرندي الملقب بـ "نبيل"يروي النّبيل الوقائع كما سمعها من غصن الله الأعظم وسرّه الأكرم فيقول:
"قبل وقوع هذه الرّزيّة العظمى بتسعة أشهر تفضّل حضرة بهاء الله قائلاً: "ما عدت أريد البقاء فِي هذا العالم" وكان يتكلّم مع الأحباء الّذين تشرّفوا بلقائه طيلة هذه الشّهور التّسعة عَنْ الوصايا والبيانات الَّتي يُستَشَمُّ منها عرف الوداع الذي كان يتأهّب له بسرعة ويستعدّ. ولكنّه لم يظهر ذلك بصراحة، حتّى كَانَتْ ليلة الأحد فِي الحادي عشر من شهر شوّال الموافق ليوم الخمسين بعد النيروز، ففي تلك اللّيلة ظهرت أثار الحمّى فِي جسد المبارك ولكنّ حضرته لم يظهر شيئًا، وفي صبيحة اليوم التّالي تشرّف بمحضره جميع الأحبّاء وعند العصر اشتدّت حرارة الحمىّ وبعد العصر لم يتشرّف سوى واحد من الأحبّاء حيث كان مثوله ضروريًّا. وفي يوم الإثنين – وهو اليوم الثّاني – لم يتشرّف بلقائه أيضًا سوى واحد من الأحباء. وأمّا فِي اليوم الثّالث أي يوم الثّلاثاء استدعاني حضرته عند الظهيرة فتشرّفت قريبًا من نصف ساعة كان خلالها يتمشّى طورًا ويجلس قليلاً ويظهر لي عناياته الكافية ويمطرني ببياناته الوافية، فيا ليت كُنْتَ أدرك أنّه اللّقاء الأخير حتّى أمسك بذيل ردائه وأرجوه أن يقبلني فداء له وأن يخرجني من دار الغرور هذه إلى بحر السّرور، آه آه قضى وأمضى.
وفي عصر ذلك اليوم تشرّف بمحضره جناب الحاج نياز قادمًا من مصر وتشرّف معه جمع من الأحبّاء وفتح باب اللّقاء للجميع ففاز الأحبّاء بلقائه زرافات حتّى الغروب. وبعد ذلك اليوم لم يفز أحد من الأحبّاء بالمثول وسدّ باب اللّقاء واسودّت السّماء من أنين المهجورين وحنينهم. ومجمل القول تتابعت الأيّام واللّيالي عَلَى هذا المنوال حتّى جَاءَ يوم الإثنين أي اليوم التّاسع، وكان ذلك يوم أحزان للمحبّين. نزل فِي هذا اليوم حضرة غصن الله الأعظم إلى محلّ المسافرين وأبلغ الجميع تحيّات الجمال المبارك وذكر بأنّ حضرته تفضّل قائلاً "يجب عَلَى الكلّ أن يقوموا عَلَى ما يؤدّي إلى رفع شأن امر الله صابرين ساكنين ثابتين راسخين وألا يضطربوا لأنّي سأكون معهم وأينما كنت أذكرهم وأفكّر فيهم" فأحرقت هذه البيانات قلوب الحاضرين لأنّ منها كان يستشمّ عرف وداع مالك الإبداع، وكاد ان يذهب بهم التّشويش والقلق إلى حدّ الهلاك، فمن باب اللّطف والرّحمة بدّل ذلك المحبوب غدهم – أي يوم الثّلاثاء وهو اليوم العاشر – بيوم سرور وبهجة وغبطة، إذ نزل حضرة غصن الله الأعظم عند طلوع الفجر وبشّر الجميع بصحّة حضرة بهاء الله وسلامته وكان وجهه كالورد المتفتّح ضحوكًا وأخذ يوقظ المسافرين واحدًا تلو الآخر ببشرى رحمة مولى الكريم قائلاً: "قوموا واحمدوا الله واشكروه واشربوا الشّاي ببهجة وسرور، فحمدًا لنفسه الأعلى الأبهى بأنّ صحّة الجمال المبارك عَلَى ما يرام وآثار العناية العظمى ظاهرة من جبينه المبارك"، وفي الحقيقة عمّ السّرور قلوب المحبّين والطّائفين حول عَرْش حضرته فِي ذلك اليوم البهّاج سرورًا عظيمًا بانت علاماته عَلَى جميع أهالي عكّاء بل سرت إلى سكّان بر الشّام أجمعين، وكان الكلّ من عامّ وخاصّ مشغول بالتّهنئة والتّمجيد وكأنّهم فِي يوم عيد، حيثّ إنّه منذ يوم حدوث الحمىّ حجزت الحكومة زهاء ألف شخص من الفلاحين والفقراء قسرًا وألبستهم اللّباس العسكريّ
وأخذت تدرّبهم تدريبًا عسكريًّا لإرسالهم إلى الجبهة فِي أقصى الدّيار، وكانت خيامهم بالقرب من القصر المبارك وكان حنين ذويهم وبكاء أطفالهم ونسائهم متعاليًا ليلاً ونهارًا من كلّ مكان. وفي صباح ذلك اليوم السّعيد بالذّات – يوم الفرح والسّرور – وصلت فجأة برقيّة من السّلطان تأمر بإطلاق سراح الجميع ففاز الكلّ بخلعة السّرور والحبور بيمن مالك الظّهور. وأمر حضرة الغصن الأعظم بذبح عدد من الخرفان وزّعت على الفقراء والأسرى والمساجين واليتامى على نحو دلعت ألسنة الجميع بالشّكر ممّن كانوا داخل عكّاء أو خارجها طالبين بقاء نعمة المحبوب الأبهى وكان ذلك اليوم يومًا مشهودًا لم يخطر مثله على بال أحد فِي جميع أنحاء برّ الشّام.
وشرّف عكّاء حضرة الغصن الأعظم فِي نفس اليوم وبلّغ الأحبّاء رجالاً ونساءً فِي منازلهم تحيّات حضرة بهاء الله وفي عصر يوم الأحد – وهو اليوم الخامس عشر – فاز بلقائه المبارك فِي القصر كلّ الأحبّاء وجمع كبير من المهاجرين والمسافرين، وكان حضرته فِي سريره متكئًا على حضرة غصن الله الأعظم والأحبّاء من حوله يبكون فرحًا وقد عرتهم البلبلة من فرط السّرور، وكان لسان العظمة ينطق مع الجميع بكلّ لطف ومكرمة قائلاً: "إنّي راضٍ عنكم جميعًا كلّكم خدمتم وتعبتم وأتيتم صباحًا ومساءً، أيّدكم الله ووفّقكم عَلَى الاتّحاد وارتفاع أمر مالك الإيجاد".
وكان ذلك تشرّفهم الأخير بمحضره المبارك، ومن بعده أغلق باب اللّقاء على أهل الأرض والسّماء حتّى أتت ليلة السّبت وهي اللّيلة الحادية والعشرين من حدوث الحمّى والَّتي توافق لليوم الثّاني من شهر ذي القعدة الحرام سنة 1309 هجريّة والتّاسع والعشرين من أيّار سنة 1892 ميلاديّة واليوم السّبعين بعد النّيروز، فشاءت إرادة سلطان البقاء المحتومة
أن يخرج المحبوب من سجن عكاء ويعرج إلى ممالكه الأخرى "الَّتي ما وقعت عليها عيون أهل الأسماء" فاضطربت عوالم ربّ الأرباب من هذا الانقلاب الواقع فِي هذا العالم التّرابيّ. وفي السّاعة الثّامنة أي الثّالثة بعد منتصف اللّيل من تلك اللّيلة الظّلماء الَّتي فيها بكت السّماء عَلَى الثّرى، ظهر ما نزّل من لسان الله فِي كتابه الأقدس، ويعجز لسان القال عن بيان ذلك الحال "الملك والملكوت لله ولا حول ولا قوّة إلا بالله".
اجتمع أهالي عكّاء وقراها فِي محشر كبير على أرض تلك البقعة المجاورة للقصر وهم يبكون وينوحون ويولولون ويندبون مصيبتهم الدّهماء. ودام هذا المحشر أسبوعًا كاملاً يأتي فِي كلّ يوم جمع غفير من الأغنياء والفقراء واليتامى والأسرى ويتنعّمون على مائدة منعم العالمين...
وفي اليوم الثّاني للصّعود توارت برقيّات التّعازي من جميع الجهات من الفضلاء والعلماء والأدباء وكبار القوم من مسلمين ونصارى وغيرهم إلى ساحة الغصن الأعظم وتليت القصائد الغرّاء فِي الرّثاء والعزاء وفي مديح سلطان الايجاد.. ".
ومن كلمات الرّثاء الواردة إلى حضرة عبد البهاء ينقل
ما كتبه الشّاب الأديب السّيّد جاد عيد وهذا نصّه:إلى غرّة جبين الدّهر وإنسان عين الفضل سيّدي ومولاي العالم العامل فضيلتلو عبّاس أفندي الأفخم دام عزّه.
تنازل يا مولاي يا فخر النّدى وأمير المكرمات وتقبّل من مفتون آدابكم عبارات يبعد نطقها عن رقيق معانيكم كبعد الأرض عن نور السّماء. حاول أن يأتي على ذكر صفة من صفات مولاكم الجليل وسيّدكم النّبيل وبدركم السّاطع وكوكبكم اللامع. حاول أن يوصف خطبًا
ذهلت لديه بصائر أولي الحكمة وحارت عقول أصحاب العلم والفهم.
خطب ألمّ بكلّ قطر نعيه كادت له شَمَم الجبال تزولحاول أن يصف مصيبة كسفت لها شمس الضّحى وأفل بدر المكرمات وكبا زناد المجد وانفصمت عرى العلياء وشوّه وجه الحزم والعزم. وغاضت ينابيع المعارف وتنكّرت سبلها. وأقفرت ربوع المسرّة ودرست معاهدها. حاول أن يصف خطب فقيد تقوّضت لمنعاه الأضالع وارتجّت لوقعه القلوب واستكّت المسامع. فشاهدنا الكرامة تندب حظّها والسّيادة تبكي حامي ذمارها والعلى يؤبّن ابن بجدته والجود يرثي راعي حرمته.
حتّى خلنا من الأسى كلّ طفل نائحًا قبل أن يتمّ الرّضاعا
وقام مفتونو بهائه يبكونه عدد إنعامه وعدله وهبّت قلوب أبنائهم تنتحب عليه بمقدار ما زرع فيها من حبّه وفضله. كيف لا وهو الرّاحل الذي تولّت المكرمات برحيله والواعظ المرشد الّذي هداهم بواسع علمه وجزيل فضله. فأيّ آثاره لا يندبون بعده وهم لا يطلبون محمدة وعدلاً إلا وجدوهما عنده. أَآثار علمه الَّتي خزّنها فِي صدورهم أم واسع فضله الّذي شمل به كبيرهم وصغيرهم أم أثيل مجده وجزيل حكمته أم عظيم نبله وشريف كرامته. ولسنا بعد رياسته عنّا وعلوّ مقامه ورفعة شأنه لنستطيع الإتيان بجزء من الواجب فِي تعداد صفاته وحسناته ولو جمعنا فِي رثائه جميع ما قيل فِي الدّنيا من رثاء الملوك والأمراء وأفاضل النّاس. فلا محاسن فضله تدرك ولا مآثر عدله تعدّ ولا فيوض مراحمه توصف ولا غزارة مكارمه تحصر ولا كرم أعراقه ككرم أعراق النّاس. فإنّ كلّ هذه الصّفات الَّتي كان فيها آية الله فِي خلقه لم تكن لتفي بوصف بعثته الشّريفة فهو الإمام المنفرد بصفاته والحبر المتناهي بحسناته ومبرّاته. بل هو فوق ما يصف الواصفون وينعت النّاعتون.
الرّاحل الذي لم يترك للنّاس زادًا غير أكباد ملتهبة ودمع مصبوب. فكيف يسوغ وصف من جلّت صفاته عَنْ التّغيير بل كيف يليق أن يخزن الدمع بعد فقد هذا السّيّد الخطير. ولقد
جمد الماء رعبة وارتياعا وجرى الصّخر أنّة والتياعا
وضياء إلهنا استحال ظلاما وإلى المحو مطلقًا قد تداعى
مُذ هوى من أعالي الفضل طود راسخ جاوز السّماك ارتفاعا
وإنّا لنجلّ هذا البدر عن أن يغور فِي القبور وهذا النّجم عن أن يبيت تحت الثّرى. إنّما هو نجم بهاء لم يكن إلا لينقل فِي بروج سعده ويقترن بمنازل عزّه ومجده.
حاشا علاه من الممات وإنّما هي نقلة فيها المنى والسّؤال
ولقد ناداه من أحبّه فأجاب بعد أن ترك آثارًا تذكر متمّمًا بعثته الشّريفة وبعد أن أوجد فِي هذا الوجود معادن لطف وجود كفى بوجودهم عزًّا وشرفًا. فسيادتكم مولاي وأتباعكم الكرام أصحاب المآثر الحميدة تجدّدون بنور حكمتكم وعلمكم ما سنّه نجم بهائكم المنتقل فِي بروج مجده فهو وإن أحزنكم وأحزن الجميع بنقلته فقد سرّ ملائكة دار النّعيم حيث مقرّه السعيد. فتقبّل أيّها السّيّد السّند من عاجز عَنْ إدراك سرّ معجزاتك ومقصّر عَنْ أداء حقّ الواجب نحو كرامة عنصرك أنت يا من زرعت فِي قلوبنا بذور المحبّة واستملتنا بكلّيّتنا إلى عشق صفاتك مراسيم التّعزية الَّتي نجهل والله كيف يليق الإتيان بها. فباهر علمك وواسع حلمك يدركان سرّ قصورنا وتقصرينا. أدام الله بقاءكم وحضرات إخوتكم الكرام بالعزّ والإسعاد.
ملحقإِلهِي إِلهِي إِنِّي أَبْسُطُ إِلَيكَ أَكُفَّ التَّضَرُّعِ وَالتَّبَتُّلِ وَالابْتِهالِ، وَأُعَفِّرُ وَجْهِي بِتُرَابِ عَتَبَةٍ تَقَدَّسَتْ عَنْ إِدْرَاكِ أَهْلِ الحَقائِقِ وَالنُّعُوتِ مِنْ أُولِي الأَلْبَابِ، أَنْ تَنْظُرَ إِلَى عَبْدِكَ الخَاضِعِ الخَاشِعِ بِبَابِ أَحَدِيَّتِكَ بِلَحَظَاتِ أَعْيُنِ رَحْمَانِيَّتِكَ وَتَغَمِّرَهُ فِي بِحَارِ رَحْمَةِ صَمَدَانِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ إِنَّهُ عَبْدُكَ البَائِسُ الفَقِيرُ وَرَقِيقُكَ السَّائِلُ المُتِضَرِّعُ الأَسِيرُ، مُبْتَهِلٌ إِلَيْكَ مُتَوَكِّلٌ عَلَيْكَ مُتَضَرِّعٌ بَيْنَ يَدَيْكَ يُنَادِيكَ وَيُنَاجِيكَ وَيَقُولُ: رَبِّ أَيِّدْنِي عَلَى خِدْمَةِ أَحِبَّائِكَ وَقَوِّنِي عَلَى عُبُودِيَّةِ حَضْرةِ أَحَدِيَّتِكَ، وَنَوِّرْ جَبِينِي بِأَنْوَارِ التَّعَبُّدِ فِي سَاحَةِ قُدْسِكَ وَالتَّبَتُّلِ إِلَى مَلَكُوتِ عَظَمَتِكَ، وحَقِّقْنِي بِالْفَنَآءِ فِي فِنَآءِ بَابِ أُلُوهِيَّتِكَ وأَعِنِّي عَلَى المُوَاظَبَةِ عَلَى الانْعِدَامِ فِي رَحْبَةِ رُبُوبِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ اسْقِنِي كَأْسَ الفَنَاءِ وَأَلْبِسنِي ثَوبَ الْفَنَاءِ وَأَغْرِقْنِي فِي بَحْرِ الْفَنَآءِ، وَاجْعَلْنِي غُبَارًا فِي مَمَرِّ الأَحِبَّاءِ وَاجْعَلنِي فِدَاءً لِلأَرْضِ الَّتي وَطِئَتْهَا أَقْدَامُ الأَصْفِياءِ فِي سَبِيلِكَ يا رَبَّ الْعِزَّةِ وَالْعُلَى، إِنَّكَ أَنْتَ الْكَرِيمُ الْمُتَعَال. هذَا مَا يُنَادِيكَ بِهِ ذَلِكَ العَبْدُ فِي البُكُورِ وَالآصَالِ، أَيْ رَبِّ حَقِّقْ آمَالَهُ وَنَوِّرْ أَسْرَارَهُ وَاشْرَحْ صَدْرَهُ وَأَوْقِدْ مِصْبَاحَهُ فِي خِدْمَةِ
أَمْرِكَ وَعِبَادِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الْكَرِيمُ الْرَّحِيمُ الْوَهَّابُ وَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الرَّؤُوفُ الرَّحْمنُ. ع ع
مناجاة لحضرة عبد البهاءأَيْ رَبِّ تَعْلَمُ وَتَشْهَدُ أَنَّ هَذَا المُتَذَلِّلَ مُكِبٌّ بِوَجْهِهِ عَلَى التُّرَابِ، وَيُناجِيكَ فِي خَفِيَّاتِ سِرِّهِ، وَيَقُوْلُ إِلهي إِلهي حَقِّقْنِي بِعُبُودِيَّةِ عَتَبَتِكَ الطَّيِّبَةِ الطَّاهِرَةِ، وَثَبِّتْ رِقِّيَّتِي بِحَضْرَتِكَ المُقَدَّسَةِ العَاطِرَةِ، وَاجْعًلْنِي فانِيًا فِي سَاحَةِ أَحِبَّتِكَ الرَّحِيْبَةِ، وَقانِتًا فِي رَحْبَةِ أَرِقَّائِكَ الفَسِيْحَةِ، أَيْ رَبِّ قَدِّرْ لِيَ الفَنَاءَ البَحْتَ وِالاضْمِحْلالَ الصِّرْفَ فِي أَمْرِكَ، حَتَّى يَنْدَكَّ طَوْدُ وُجُوْدِي عِنْدَ سُجُوْدِي بِبَابِ أَحَدِيَّتِكَ مِنْ سَطَوَاتِ آياتِ فَرْدَانِيَّتِكَ، وَيَضْمَحِلَّ حَقِيقَةُ ذَاتِي عِنْدَ مُناجاتِي بِفِنآءِ حَضْرَةِ رُبُوبِيَّتِكَ، أَيْ رَبِّ لَيْسَ لِي نارٌ أَشَدُّ مِنْ بَقَائِي عِنْدَ ظُهُورِ آيَاتِ تَوْحِيْدِكَ، وَلَيْسَ لِي جَحِيْمٌ أَعْظَمُ مِنْ وُجُودِي عِنْدَ تَلأَلُؤِ أَنْوارِ تَفْرِيدِكَ، أَيْ رَبِّ خَلِّصْنِي مِنْ هَذِهِ الوَرْطَةِ المُوحِشَةِ، وَنَجِّنِي مِنْ هَذِهِ اللُّجَّةِ المُدْهِشَةِ، إِنَّكَ أَنْتَ الكَرِيْمُ، إِنَّكَ أَنْتَ الرَّحِيْمُ يا ذَا الفّضْلِ العَظِيمِ.
*******"... أَيْ رَبِّ وَغَايَةَ رَجَائي أَتَضَرَّعُ إِلَيْكَ وَأَبْتَهِلُ إِلَيْكَ وضَجِيجي يَرْتَفِعُ إِلَى مَلَكُوتِكَ الأَبْهَى وَصَرِيخِي يَتَصَاعَدُ إِلَى مَلئِكَ الأَعْلَى، أَنْ تُقَرِّبَ أَيَّامَ رُجُوعِي إِلَيْكَ وَوُرُوْدِي عَلَيْكَ وَوُفُودِي بَيْنَ يَدَيْكَ، أَيْ رَبِّ ضَاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِرَحْبِهَا، وَاشْتَدَّتْ عَلَيَّ الأَزْمَةُ بِأَسْرِهَا، وَأَحَاطَتْنِي جُنُودُ الشُّبُهَاتِ مِنْ جَمِيْعِ الجِهَاتِ، وَأَغَارَتْ عَلَيَّ جُمُوعُ الخُصَمَآءِ مِنْ كُلَّ الأَنْحَآءِ، أَنْجِدْنِي بِقَبِيلٍ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ مِنْ
مَلَكُوتِكَ الأَبْهَى، وَانْصُرنِي بِنُزُولِ جُيُوشٍ مُتَوَسِّمِينَ مِنْ مَلئِكَ الأَعْلَى، كَما وَعَدْتَني حِينَ انْدَكَّ طُورُ وُجُودِي مِنْ تَجَلِّيْكَ عَلَى سِينآءِ الظُّهُوْرِ مَشْهَدِ اللِّقآءِ، وَإِنِّي مُطْمَئِنُّ القَلْبِ مُتَيَقِّنُ الفُؤَادِ إِنَّكَ تُنْجِزُ وَعْدَكَ الحَقَّ وَقَوْلَكَ الصِّدْقَ، يا مَحبُوبَ مَنْ فِي الأَرْضِ وَالسَّمَآءِ، فَاخْلُقِ اللَّهُمَّ نُفُوسًا زَكِيَّةً وَقُلُوبًا صَافِيَةً وَوُجُوهًا نَوْرَآءَ وَجِبَاهًا بَيْضَاءَ وَصُدُورًا مُنْشَرِحَةً بآيَاتِ قُدْسِكَ يا رَبِّيَ الأَبْهَى، وَأَلْسُنًا نَاطِقَةً بذكرِكَ يا ذَا الأَسْمَآءِ الحُسْنَى، وَكَيْنُونَاتٍ لَطِيفَةً صَافِيَةً مُسْتَنْبِئَةً عَنْكَ يَا رَبَّ السَّمَوَاتِ العُلَى، لِيَقُومُوا عَلَى نَشْرِ الآياتِ وَإِعْلاءِ الكَلِمَةِ وَإِشْهَارِ البَيِّنَاتِ، مُتَمَسِّكِيْنَ بِالمِيْثَاقِ وَمُتَشَبِّثِيْنَ بِعَهْدِكَ يَا رَبَّ الرَّاياتِ، وَيَفْتَحُوا قِلاعَ القُلُوبِ وَمَعَاقِلَ النُّفُوسِ وَيُسَخِّرُوا الأَرْوَاحَ فَإنَّهُمْ جُنُودُ مَلَكُوتِكَ الأَعْلَى يا رَبِّيَ الأَبْهَى.
ألواح وصايا حضرة عبد البهاءحَمْدًا لِمَن صانَ هَيكلَ أمرِه بدِرْعِ الميثاقِ عَن سِهامِ الشُّبُهاتِ وَحَمَى حِمَى شَرِيعَتِه السَّمحاءِ وَوقَى مَحَجَّتَهُ البَيضآءَ بجُنُود عُهودِه من هجُوم عُصبَةٍ ناقِضَةٍ وَثُلَّةٍ هَادِمَةٍ لِلبُنْيَانِ، وَحَرَسَ الحِصْنَ الحَصينَ وَدينَهُ المُبينَ بِرِجالٍ لا تَأْخُذُهُمْ لَوْمَةُ لائِم ولا تُلهِيهِمْ تِجارَةٌ ولا عِزَّةٌ ولا سُلْطَةٌ عَنْ عَهْدِ اللهِ وَمِيثاقِهِ الثَّابِتِ بِآياتٍ بَيِّناتٍ مِنْ أَثَرِ القَلَم الأَعْلَى فِي لَوْحٍ حَفيظٍ.
وَالتَّحِيَّةُ وَالثَّنآءُ وَالصَّلاةُ وَالبَهاءُ عَلَى أَوَّلِ غُصْنٍ مُبارَكٍ خَضِلٍ نَضِرٍ رَيَّانٍ مِن السِّدْرَةِ المُقَدَّسَةِ الرَّحْمانيَّةِ مُنْشَعِبٍ مِنْ كِلْتَي الشَّجَرَتَيْنِ الرَّبَّانِيَّتَيْنِ، وَأَبْدَعِ جَوْهَرةٍ فَريدَةٍ عَصْماءَ تَتَلأْلأُ مِنْ خِلالِ البَحْرَيْنِ
المُتلاطِمَينِ. وَعَلى فُروعِ دَوْحَةِ القُدْسِ وَأَفْنانِ سِدْرَةِ الحَقِّ الَّذين ثَبَتُوا عَلَى المِيثاقِ فِي يَوْمِ الطَّلاقِ، وَعَلَى أَيادي أمرِ اللهِ الَّذينَ نَشَروا نفحاتِ اللهِ وَنَطَقوا بحُجَجِ اللهِ وَبلّغوا دينَ اللهِ وَرَوَّجُوا شَرِيعَةَ اللهِ وَانْقَطَعوا عَن غَيرِ اللهِ وَزَهِدوا فِي الدُّنيا وَأَجَّجُوا نِيرانَ مَحَبَّةِ اللهِ بَيْنَ الضُّلُوعِ وَالأَحشآءِ مِن عِبادِ اللهِ، وَعَلَى الَّذينَ آمنوا وَاطْمَأَنُّوا وَثَبَتُوا عَلَى مِيثاقِ اللهِ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي يَلُوحُ ويُضيءُ مِنْ فَجْرِ الهُدَى مِنْ بَعْدِي أَلا وَهُوَ فَرْعٌ مُقَدَّسٌ مُبَارَكٌ مُنْشَعِبٌ مِنَ الشَّجَرَتَيْنِ المُبَارَكَتَيْنِ. طُوبَى لِمَنِ اسْتَظَلَّ فِي ظِلِّه المَمْدُودِ عَلَى العَالَمِينَ.
يا أحبّاء الله، إنّ أعظم الأمور هو المحافظة عَلَى دين الله وصيانة شريعة الله وحماية أمر الله وخدمة كلمة الله، وفي هذا السّبيل قد سيَّل آلاف من النفوس دماءهم الطّاهرة وفدوا بأرواحهم العزيزة مسرعين إلى مقر الفداء راقصين، ورفعوا علم دين الله ورقموا بدمائهم آيات التّوحيد وأصبح الصّدر المبارك – صدر حضرة الأعلى– روحي له الفداء هدفًا لآلاف سهام البلايا. وقد جرحت قدما حضرة جمال القدم المباركتان روحي لأحبّائه الفداء، وتأثّرتا من الضّرب بالعصا فِي مازندران، وصار عنقه المقدّس وقدمه المباركة مصفّدين بالسّلاسل والأغلال فِي سجن طهران. وفي مدّة خمسين سنة لم تخلُ ساعة من تواتر البلايا والآفات وهجوم المصائب والملمّات. ومن ذلك أنّه نفي من الوطن بعد كلّ هذه الصّدمات الشّديدة وابتُليَ بالآلام والمحن. وفي العراق كان نيّر الآفاق فِي كلّ آن معرض الكسوف من أهل النّفاق، وفي النّهاية نُفي إلى المدينة الكبيرة ومنها إلى أرض السّرّ ثمّ إلى السّجن الأعظم وهو فِي نهاية المظلوميّة. هكذا نُفي مظلوم الآفاق روحي لأحبّائه الفداء، أربع مرّات من مدينة إلى مدينة حتّى استقرّ فِي هذا السّجن حبسًا مؤبّدًا، وبقي سجينًا مظلومًا فِي سجن القتلَة والسّارقين وقطّاع الطّرق. وهذه إحدى
البلايا الَّتي نزلت بالجمال المبارك وقيسوا عليها باقي البلايا. وكان من جملة ما ورد عَلَى جمال القدم من هذه البلايا عدوان الميرزا يحيى واعتسافه وطغيانه وجُوره مع أنّه نشأ منذ نعومة أظفاره فِي حضن عناية هذا السّجين المظلوم وكان موضع ملاطفته وتدليله فِي كل حين وأعلى ذكره وحفظه من كلّ الآفات وجعله عزيز الدّارين. فبالرّغم ممَّا ورد فِي وصايا حضرة الأعلى ونصائحه الشّديدة وتصريحه بالنصّ القاطع: (إِيَّاكَ إِيَّاكَ أَنْ تَحْتَجِبَ بِالواحِدِ الأَوَّلِ وَمَا نُزِّلَ فِي البَيانِ). والواحد الأول هو نفس حضرة الأعلى المبارك وحروف "حيّ" الثّمانية عشر. بالرّغم من كلّ ذلك فإنّ ميرزا يحيى أظهر إنكاره وتكذيبه وألقى الشّبهات واستنكف وأغمض بصره عَنْ الآيات البيّنات. ويا ليته اكتفى بهذا، بل إنّه عمل عَلَى هدر الدّم الأطهر ورفع عَقِيرَتَهُ بالضّجيج والعويل مُوَلْوِلاً ناسبًا إلى حضرته الظّلم والاعتساف. فما أعظم الفتن والفساد اللّذين أحدثهما فِي أرض السّرّ حتّى كان سببًا فِي نفي نيّر الإشراق إلى السّجن الأعظم إلى أن أفُل عنه مظلومًا.
أيّها الثّابتون عَلَى الميثاق، (اعلموا) أنّ مركز النّقض ومحور الشّقاق – ميرزا محمّد علي– قد انحرف عَنْ ظلّ الأمر ونقض الميثاق وحرّف آيات الكتاب وأوجد الخلل العظيم فِي دين الله وشتّت حزب الله وقام عَلَى أذيّة عبد البهاء بمنتهى البغضاء وهاجم هذا العبد –عبد العتبة المقدّسة– بعداوة لا حدّ لها. ولم يترك سهما إلاّ ورشقه فِي صدر هذا المظلوم، ولم يدَع لي جرحًا إلاّ أدماه، ولم يدّخر سُمًّا إلاّ وجرّعَ هذا البائس إيّاه.
قسمًا بالجمال الأقدس الأبهى وبالنّور المشرق من حضرة الأعلى روحي لأرقّائهما الفداء، لقد بكى من هذا الظّلم أهل سرادق الملكوت الأبهى، وارتفع نحيب وعويل الملأ الأعلى، وجزَعَت وفزَعَت حوريّات
الفردوس، وزفَرَت وتأَوّهت طلعات القدس. وقد بلغ الظّلم والاعتساف من عديم الإنصاف هذا درجة أنّه أصاب أصل الشّجرة المباركة بفأس، وضرب هيكل أمر الله ضربة شديدة فأجرى الدّمع دمًا من أعين أحبّاء الجمال المبارك وأبهج وأَسَرَّ أعداء الحقّ ونَفَّرَ الكثيرين من طلاب الحقيقة عَنْ أمر الله بنقض العهد فتوقَّعَت أمّة يحيى المأيوسة حصول ما ترجّته، صيَّر نفسه منفورًا منه، وشجَّع وجرَّأ أعداء الاسم الأعظم، وألقى الشّبهات ونبذ الآيات المحكمات. ولولا ما وعد به جمال القدم من توالي التّأييدات لهذا اللاشيء لانعدم أمر الله ومحا بكلّيته ولتداعى البنيان الرّحماني من أساسه. ولكن الحمد لله، قد جَاءَت نصرة الملكوت الأبهى وهجمت جنود الملأ الأعلى وارتفع أمر الله وطبّق صيت الحقّ كلّ العالم وسُمِعَتْ كلمة الله فِي كل الآفاق وارتفع علم الحقّ وبلغت رايات التّقديس أوج الأثير ورتّلت آيات التّوحيد.
والآن فحفظًا لدين الله ووقايةً وحمايةً لشريعة الله وصيانة لأمر الله، يجب التّشبّث بنصّ الآية المباركة الثّابتة فِي حقّه حيث لا يتصوّر انحراف أعظم من هذا، قوله تعالى وتقدّس (ولكنّ أحبائي الجهلاء اتّخذوه شريكًا لنفسي وفسدوا فِي البلاد وكانوا من المفسدين). لاحظ مقدار جهل النّاس العظيم فإنّ النفوس الَّتي كَانَتْ فِي الحضور، رغم ما شاهدت، قد أذاعت أيضًا مثل هذه الأقاويل، إلى أن قال جلّت صراحته: (وإذا انحرف آنًا عَنْ ظلّ الأمر فيكون معدومًا صرفًا). فلاحظوا عظم قدر هذا التّأكيد فهو يعني صراحة أنّه إذا انحرف آنًا أي إذا حصل ميلٌ قيض رأس شعرة إلى اليمين أو اليسار، تحقّق الانحراف. ثمّ وقوله: (فيكون معدومًا صرفًا) هو كما تشاهدون الآن، كيف أنّ غضب الله قد أحاط به، وكيف أنّه يؤول يومًا فيومًا إلى الانعدام. فسوف ترونه وأعوانه سرًّا وجهارًا فِي خسرانٍ مُبين.
أيّ انحراف أعظم من نقض ميثاق الله! أيّ انحراف أعظم من
تحريف الآيات وإسقاط الآيات والكلمات! دقّقوا فِي إعلان الميرزا بديع الله! فأيّ انحراف أعظم من الافتراء عَلَى مركز الميثاق! أيّ انحراف أكبر من نشر الأراجيف فِي حقّ هيكل العهد! أيّ انحراف أشدّ من الفتوى بقتل محور الميثاق. بحيث استدلّ بآية (من يدّعي قبل الألف) مع أنّه بنفسه لم يستحِ بادّعائه فِي أيّام الجمال المبارك، وقد تفضّل جمال القدم بردّ ادّعائه بنفس العنوان الّذي سلف. ولا يزال ادّعاؤه موجودًا بخطّه وختمه.
فأيّ انحراف أتمّ من الكذب والبهتان على أحبّاء الله! أيّ انحراف أسوأ من أن يكون سببًا فِي حبس الأحبّاء الرّبانيّين وسجنهم! أيّ انحراف أصعب من تسليم الآيات والكلمات والمكاتيب إلى الحكومة قصد القيام عَلَى قتل هذا المظلوم! أيّ انحراف أشدّ من تضييع أمر الله واصطناع وتزوير المكاتيب والمراسلات المشحونة بالمفتريات الَّتي تؤدي إلى تخوّف الحكومة ودهشتها والَّتي كان يقصد من ورائها سفك دم هذا المظلوم، ولا تزال تلك المكاتيب فِي حوزة الحكومة! فأيّ انحراف أشنع من الظّلم والطّغيان! أيّ انحراف أرذل من تشتيت شمل الفرقة النّاجية! أيّ انحراف أفضح من إلقاء الشّبهات! أيّ انحراف أفظع من تأويلات أهل الارتياب الرّكيكة! أيّ انحراف أخبث من الاتّفاق مع أعداء الله والغرباء! إذ منذ عدّة أشهر اتّفق ناقض الميثاق مع فئة وأعدّوا تقريرًا ولم يتركوا شيئًا من الافتراء والبهتان إلا وذكروه فيه وقالوا: إنّ عبد البهاء - والعياذ بالله - هو العدوّ الصّائل عَلَى مركز السّلطنة العظمى ولا يريد بها غير السّوء. ولا حصر للمفتريات العديدة الشّديدة من هذا القبيل والَّتي شوّشت أفكار الحكومة السّلطانيّة إلى أن جَاءَت فِي النّهاية هيئة تفتيش من مركز الحكومة وقامت بالتّفتيش، عَلَى غير عادة إنصاف المليك وعدله، حيث أجرته بنهاية الاعتساف، بمعنى أنّه اجتمع بالهيئة أعداء الحقّ وأعطوها تفاصيل وشروحًا تفوق ما ورد فِي التّقرير.
وقد أخذت الهيئة بها من دون تحقيق وهي أنّ هذا العبد، معاذ الله، قد رفع عَلَمًا فِي هذه المدينة ودعا النّاس إلى الاجتماع تحت ذلك العَلَمْ لتأسيس سلطنة جديدة وأنّه أنشأ قلعة عَلَى جبل الكرمل، وقد تبعه وأطاعه جميع أهالي هذه الجهات، وعمل عَلَى تفريق الدّين الإسلاميّ وعقد عهدًا مع المسيحيّين وقصد – معاذ الله – أن يحدث الثّلمة الكبرى فِي السّلطنة العظمى، وإلى ما هنالك من تلك المفتريات، أعاذنا الله من هذا الإفك العظيم. والحال إنّنا ممنوعون بالنّصوص الإلهيّة عَنْ الفساد ومأمورون بالصّلح والصّلاح ومجبورون عَلَى المصادقة والمحبّة والمسالمة مع جميع الأقوام وأمم الآفاق وعلى إطاعة الحكومة ومحّبة الخير لها. فخيانة السّلطنة العادلة خيانة الحقّ وطلب السّوء للحكومة تمرّد عَلَى أمر الله. فمع وُجُود هذه النّصوص القاطعة كيف يخطر ببال أمثالنا المسجونين مثل هذا التّصور الباطل. وبما أنّنا مسجونون فِي هذا السّجن فكيف يتسنّى لنا مثل هذه الخيانة ولكن ما الفائدة وهيئة التّفتيش صدّقت هذه المفتريات من أخي وعمّال السوء وقدّمتها إلى حضرة المليك. ولا يزال هذا المسجون محاطًا بالطّوفان الأعظم إلى أن تصدر إرادة حضرة السّلطان أيّده الله عَلَى العدل، إِمّا لي وَإِمَّا عَلَيَّ. وفي كلّ حال فإنّ عبد البهاء فِي نهاية السّكون والاستقرار، مستعدّ لتضحية الرّوح بغاية التّسليم والرّضاء.
فأيّ انحراف أشنع وأفظع وأقبح من هذا! وهكذا يفكّر مركز البغضاء فِي قتل عبد البهاء كما هو ثابت بخطّ ميرزا شعاع طيّ هذه الوصيّة وهو يثبت ويوضّح أنّهم حقًّا يعملون بكمال التّدبير عَلَى القتل. وهاكم نصّ عبارة ميرزا شعاع كما رُقمت فِي مكتوبه (إنّني فِي كلّ حين ألعن كلّ من سبّب هذا الاختلاف وأنطق قائلاً: ربّي لا ترحمه! وآمل أن يظهر سريعًا مظهر "يبعث"، ولو أنّه ظاهرٌ مشهود من غير التباس. وإنّني لا أستطيع زيادة فِي الشرح). والمقصود من هذه العبارة،
الآية المباركة: (من ادّعى قبل الألف). ومنها يتّضح كيف يترصّدون لقتل عبد البهاء. ومن قوله: (لا أستطيع زيادة فِي الشرح) يفهم بالفراسة ما اتّخذوه من التّمهيد والتّدبير بهذا الصّدد. فإذا بيّنوا أكثر من ذلك، ربّما تقع الورقة فِي اليد فيحبط ذلك التّمهيد وذلك التّدبير. وهذه العبارة هي لمجرّد التّبشير بأنّ كافّة التّدابير والقرارات قد اتّخذت بهذا الصّدد.
إِلهِي إِلهِي تَرَى عَبْدَكَ المَظْلُومَ بَيْنَ مَخالِبِ سِباعٍ ضارِيَةٍ وَذِئابٍ كاسِرَةٍ وَوُحُوشٍ خاسِرَةٍ. رَبِّ وَفِّقْنِي فِي حُبِّكَ علَى تَجَرُّعِ هذِهِ الكَأَسِ الطَّافِحَةِ بصَهْبآءِ الوَفآءِ المُمْتَلِئَةِ بِفَيْضِ العَطآءِ حَتَّى يَحْمَرَّ قَمِيصِي بِدَمِي طَرِيحًا عَلَى التُّرابِ صَرِيعًا لا حَراكَ لِلأَعْضآءِ، هذا مُنَائِي وَرَجَائي وَأَمِلِي وَعِزِّي وَعَلائي، وَلْيَكُنْ خاتِمَةُ حَياتِي خِتامَ مِسْكٍ يا رَبِّي وَمَلاذِي. وَهَلْ مِنْ مَوْهِبَةٍ أعْظَمُ مِنْ هَذَا؟ لا وَحَضْرةِ عِزِّكَ، وَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّنِي أَذُوقُ هذِهِ الكَأْسَ فِي كُلِّ الأَيَّامِ بِمَا اكْتَسَبَتْ أَيْدِي الَّذِينَ نَقضُوا المِيثاقَ وأَعْلَنُوا الشِّقَاقَ وَأَظْهَرُوا النِّفاقَ وَأَظْهَرُوا فِي الأَرْضِ الفَسادَ وَما رَاعُوا حُرمَتَكَ بَيْنَ العِبادِ. رَبِّ احْفَظْ حِصْنَ دِينِكَ المُبِينِ مِنْ هَؤلاءِ النَّاكِثينَ، وَاحْرُسْ حِماكَ الحَصِينَ مِنْ عُصْبَةِ المَارِقين، إِنَّكَ أَنْتَ القَوِيُّ المُقْتَدِرُ العَزِيزُ المَتِينُ.
وبالاختصار يا أحباء الله، إنّ مركز النّقض – الميرزا محمّد علي – قد سقط وانفصل من الشّجرة المباركة وفقًا للنّصّ القاطع الإلهيّ بسبب هذه الانحرافات الَّتي لا تُحصى. وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَـكِنْ كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.
إِلهِي إِلهِي، احفَظْ عبادَك الأُمنآءَ مِنْ شَرِّ النَّفسِ وَالهَوى وَاحْرُسْهمْ بِعَينِ رعايَتِكَ من الحِقدِ وِالحَسَدِ وَالبَغضآءِ وَأَدْخِلْهُم فِي حِصنِ
كِلاءَتِكَ الحَصِينِ مِنْ سِهَامِ الشُّبُهاتِ وَاجْعَلْهُمْ مَظاهِرَ آياتِكَ البَيِّناتِ وَنَوِّرْ وجُوهَهُمْ بِشُعاعٍ سَاطِعٍ مِنْ أُفُقِ تَوْحِيدِكَ، وَاشْرَحْ صُدُورَهُمْ بِآياتٍ نازِلةٍ مِنْ مَلَكُوتِ تَفْريدِكَ وَاشْدُدْ أُزُورَهُمْ بقُوَّةٍ نَافِذَةٍ مِنْ جَبَرُوتِ تَجْرِيدِكَ. إِنَّكَ أَنْتَ الفَضَّالُ الحَافِظُ القَوِيُّ العَزِيزُ.
أيّها الثّابتون عَلَى الميثاق. إذا قصد هذا الطّائر المظلوم المكسور الجناح الملأ الأعلى، وأسرع إلى عالم الخفا واستقرّ جسده تحت أطباق التّراب أو فُقد، فعلى الأفنان الثّابتين الرّاسخين فِي ميثاق الله الذين نبتوا من سدرة التّقديس أن يقوموا بالاتّفاق مع حضرات أيادي أمر الله عليهم بهاء الله، ومع جميع الأنصار والمحبّين عَلَى نشر نفحات الله وتبليغ أمر الله وترويج دين الله قلبًا وروحًا ولا يصبرون دقيقة ولا يستريحون آنًا، وينتشرون فِي الممالك والدّيار ويطوفون كلّ البلاد ويجوسون خلال الأقاليم لا يستقرّون دقيقة ولا يهدأون آنًا ولا تطلب نفس الرّاحة، وتعلو منهم فِي كلّ صقعٍ صيحة – يا بهاء الأبهى – وتطبق الآفاق شهرتهم فِي كلّ البلاد، ويكونون شموعًا مضيئة فِي كلّ نادٍ، ويشعلون نار العشق فِي كلّ محفل كي تشرق أنوار الحقّ فِي قطب الآفاق وتدخل أمم الشّرق والغرب أفواجًا فِي ظلّ كلمة الله، وتهبّ نفحات القدس وتستنير الوجوه وتصير القلوب ربّانيّة والنّفوس رحمانيّة، ويجب اعتبار أهميّة أمر التّبليغ – فإنّه أسّ الأساس. لأنّ أهمّ الأمور فِي هذه الأيّام هداية الملل والأمم، وإنّ هذا العبد المظلوم مشغول ليلاً ونهارًا بالتّرويج والتّشويق، ولم يسكن دقيقة حتّى أحاط الآفاق صيت أمر الله وأيقظت الشّرق والغرب نفحات الملكوت الأبهى، فيجب عَلَى أحبّاء الله أن ينسجوا عَلَى هذا المنوال. هذا هو شرط الوفاء، هذا ما تقتضيه عبوديّة عتبة البهآء. إنّ حواريّي حضرة الرّوح قد نسوا أنفسهم وجميع شؤونهم بالكلّيّة وتركوا بهجتهم وراحتهم وتقدّسوا وتنزهوا عَنْ الهوس
والهوى وبرّأوا أنفسهم من كلّ علقة وانتشروا فِي الممالك والدّيار وقاموا عَلَى هداية من عَلَى الأرض حتّى جعلوا العالم عالمًا جديدًا وأناروا عالم التّراب وضحّوا بآخر نسمة من حياتهم فِي سبيل محبوب القلوب الرّحمانيّ واستشهد كلّ واحد منهم فِي جهة. فَبِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ.
يا أحبّائي الأودّاء، بعد فقدان هذا المظلوم، يجب عَلَى أغصان السّدرة المباركة وأفنانها وأيادي أمر الله وأحبّاء الجمال الأبهى أن يتوجّهوا إلى فرع السّدرتين النّابت من الشّجرتين المقدّستين المباركتين – الّذي برز إلى الوجود من اقتران فرعيّ الدّوحتين الرّحمانيّتين يعني – شوقي أفندي – إذ هو آية الله والغصن الممتاز ووليّ أمر الله ومرجع جميع الأغصان والأفنان وأيادي أمر الله وأحبّاء الله ومبيّن آيات الله ومن بعده بكرًا بعد بكرٍ يعني من سلالته، والفرع المقدّس - أي وليّ أمر الله – وبيت العدل العمومي الّذي يؤسّس ويشكّل بانتخاب العموم، كلاهما تحت حفظ وصيانة الجمال الأبهى وحراسة العصمة الفائضة من حضرة الأعلى، روحي لهما الفداء، كلّ ما يقرّرانه من عند الله. مَنْ خَالَفَهُ وَخَالَفَهُمْ فَقَدْ خالَفَ اللهَ، وَمَنْ عَصَاهُمْ فَقَدْ عَصَى اللهَ، وَمَنْ عَارَضَهُ فَقَدْ عَارَضَ اللهَ، وَمَنْ نازَعَهُمْ فَقَدْ نازَعَ اللهَ، وَمَنْ جادَلَهُ فَقَدْ جادَلَ اللهَ، وَمَنْ جَحَدَهُ فَقَدْ جَحَدَ اللهَ، وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَنْكَرَ اللهَ، وَمَنْ انْحازَ وَافْتَرَقَ وَاعْتَزَلَ عَنْهُ، فَقَدِ اعْتَزَلَ وَاجْتَنَبَ وَابْتَعَدَ عَن اللهِ، عَلَيْهِ غَضَبُ اللهِ، عَلَيْهِ قَهْرُ اللهِ، وَعَلَيْهِ نَقْمَةُ اللهِ.
إنّه بطاعة من هو وليّ أمر الله يبقى حصن أمر الله المتين محفوظًا ومصونًا. فيجب على أعضاء بيت العدل وجميع الأغصان والأفنان وأيادي أمر الله كمال الطّاعة والتّمكين والانقياد والتّوجه والخضوع والخشوع لوليّ أمر الله. فأيّ نفس خالفت فقد خالفت الحقّ وكانت
سبب تشتيت أمر الله وعلّة تفريق كلمة الله ومظهرًا من مظاهر مركز النّقض. حذارِ من أن يحدث مثل ما حدث بعد الصّعود حيث أبى مركز النّقض واستكبر فقد أدّعى التّوحيد المصطنع وحرم نفسه وشوّش الأفكار وسمّ النفوس ولا شكّ أنّ كلّ مغرور أراد الفساد والتّفرقة، لا يقول صراحة إنّ له غرضًا، بل لا بد أن ينتحل أسبابًا ويتوسّل بذرائع عدّة كالعسجد المغشوش فيكون سبب تفريق جمع أهل البهاء. فالمقصود أنّه يجب أن يكون أيادي أمر الله يقظين، ويُخرجوا من جمع أهل البهاء فورًا أيّ شخص بمجرّد اعتراضه عَلَى وليّ أمر الله ومخالفته له، ولا يقبلون منه أبدًا أيّ عذر كان. فكثيرًا ما يتمثّل الباطل المحض بصورة الخير لإلقاء الشّبهات.
يا أحبّاء الله، يجب عَلَى وليّ أمر الله أن يعيّن فِي زمان حياته من هو بعده لكيلا يحصل الاختلاف بعد صعوده. والشّخص المعيّن يجب أن يكون مظهر التّقديس والتّنزيه وتقوى الله والعلم والفضل والكمال. لهذا إذا لم يكن الولد البكر لوليّ أمر الله مظهر الولد سرّ أبيه، يعني ليس من عنصره الرّوحاني ولم يجتمع شرف الأعراق بحسن الأخلاق، فيجب أن ينتخب غصنًا آخر. وعلى أيادي أمر الله أن ينتخبوا تسعة أفراد من جمعهم ليشتغلوا عَلَى الدّوام بالخدمات المهمّة لوليّ أمر الله. ويتحقّق انتخاب هؤلاء التّسعة إما باتّفاق مجمع أيادي أمر الله أو بأكثرية الآراء. وعلى هؤلاء التّسعة أن يصدّقوا، إما بالاتّفاق أو بأكثرية الآراء عَلَى الغصن المنتخب الّذي يعيّنه وليّ أمر الله بعده. ويجب أن يتمّ هذا التّصديق بحيث لا يعلم المصدّق من غير المصدّق.
أيّها الأحباء، عَلَى وليّ أمر الله أن يسمّي أيادي أمر الله ويعيّنهم ويجب عَلَى الكلّ أن يكونوا فِي ظلّه وتحت حكمه. فإذا تمرّد أحد من الأيادي أو غيرهم، وأراد الانشقاق فعليه غضب الله وقهره لأنّه يكون
سبب تفريق دين الله. ووظيفة أيادي أمر الله هي نشر نفحات الله وتربية النفوس بتعليم العلوم وتحسين أخلاق العموم والتّقديس والتّنزية فِي جميع الشّؤون. ويجب أن تتجلّى واضحة تقوى الله من أطوارهم وأحوالهم وأعمالهم وأقوالهم. ومجمع الأيادي هذا هو تحت إدارة ولي أمر الله الّذي عليه أن يحضّهم دائمًا عَلَى السّعي والجدّ والجهد فِي نشر نفحات الله وهداية من عَلَى الأرض، لأنّ جميع العوالم تضيء بنور الهداية. ولا يجوز الفتور دقيقة فِي هذا الأمر المفروض عَلَى كلّ نفس حتّى يصبح عالم الوجود جنّة الأبهى ويصير وجه الغبراء فردوسًا أعلى ويزول النّزاع والجدال من بين الأمم والملل والشّعوب والقبائل والدّول، ويصير كلّ من عَلَى الأرض ملّة واحدة وجنسًا واحدًا ووطنًا واحدًا، وإذا حصل اختلاف، فعلى المحكمة العموميّة المشتملة عَلَى أعضاء من جميع الدّول والملل أن تفصل فِي الدّعوى، وحكمها هو القاطع.
يا أحبّاء الله، إنّ النّزاع والجدال ممنوع فِي هذا الدّور المقدس، وكلّ متجاوز محروم، ويجب معاملة جميع الطّوائف والقبائل سواء أكانوا من الأحبّاء أو الأغيار بنهاية المحبّة والصِّدْقِ والأمانة وبالمودّة القلبيّة حتّى تكون المحبّة والرّعاية بدرجة يرى غير الحبيب نفسه حبيبًا، والعدوّ نفسه صديقًا بمعنى أنّه لا يرى تفاوتًا فِي المعاملة أبدًا لأنّ الإطلاق أمر إلهيّ والتّقييد من خصائص الإمكان. لهذا يجب أن تظهر الفضائل والكمالات من حقيقة كلّ إنسان ويشمل نورها العموم. وكما أنّ نور الشّمس يشرق عَلَى العالم وأمطار الرّحمة الإلهيّة تفيض عَلَى كلّ الأمم ونسيم الحياة المنعش يحيي كلّ ذي روح، والمائدة الإلهيّة ممدودة لجميع الكائنات الحيّة. هكذا يجب أن تشمل عواطف عباد الله وألطافهم جميع البشر بنحو الإطلاق. ففي هذا المقام يمتنع التّقييد والتّخصيص بالمرّة. إذًا، أيها الأحبّاء الأودّاء، يجب أن تعاملوا جميع الملل والطّوائف والأديان بكمال المحبّة والخلوص والصّداقة والوفاء والمودّة
ملتمسين الخير لهم حتّى يصبح عالم الوجود ثملاً من كأس فيض البهآء وتُمحى الجهالة والعداوة والبغضاء والأحقاد من عَلَى وجه الأرض، وتُبدَّلَ ظلمة التّفرقة بين جميع الشّعوب والقبائل بأنوار الوحدة. فإذا عاملكم سائر الملل والطّوائف بالجفاء فعاملوهم بالوفاء، أو الظّلم فبالعدل، وإن اجتنبوكم فاجتذبوهم، وإن أظهروا لكم العداوة قابلوهم بالمحبّة، وإن أعطوكم السّمّ فامنحوهم الشّهد، وإذا جرحوكم فكونوا مرهمًا. هذه صِفَةُ المُخلِصينَ وَسِمَةُ الصَّادِقِينَ.
أمّا بيت العدل الّذي جعله الله مصدر كلّ خير ومصونًا من كلّ خطأ، فيجب أن يُنتخب انتخابًا عامًّا وأن يُشكّل من النّفوس المؤمنة، ويجب أن يكون أعضاؤه مظاهر تقوى الله ومطالع العلم والنّهى ومن الثّابتين فِي دين الله والمحبّين لخير جميع نوع الإنسان. والمقصود ببيت العدل هو بيت العدل العموميّ وذلك يعني أن تُشكّل فِي جميع البلاد بيوت عدل خصوصيّة وهذه تنتخب بيت العدل العموميّ. وهذا المجمع هو مرجع كلّ الأمور ومؤسّس القوانين والأحكام الَّتي لم ترد فِي النّصوص الإلهيّة. وفي هذا المجلس تحلّ جميع المسائل المُشكلة. ووليّ أمر الله هو الرّئيس المُقدّس لهذا المجلس والعضو الأعظم الممتاز الذي لا ينعزل. وإذا لم يحضر بذاته الاجتماعات فيختار نائبًا ووكيلاً عنه، وإذا اقترف أحدُ الأعضاء ذنبًا يلحق ضرّه العموم. فأمرُ إخراجه لوليّ أمر اللهِ خاصّة وأمّا انتخاب غيره فمن حقّ الأمة. وبيت العدل هذا هو مصدر التّشريع، والحكومة هي القوّة التّنفيذيّة. والتّشريع يجب أن يكون مؤيّدًا بالتّنفيذ، والتّنفيذ يجب أن يكون ظهيرًا ومعينًا للتّشريع حتّى يحصل من ارتباط هاتين القوّتين والتئامهما متانة دعائم العدل والإنصاف ورزانته، فتصير الأقاليم جنّة نعيم وفردوسًا أعلى.
رَبِّ وَفِّقْ أَحِبَّاءَكَ عَلى الثَّبُوتِ عَلى دِينِكَ وَالسُّلُوكِ فِي سَبِيلِكَ
وَالاسْتِقَامَةِ عَلَى أَمْرِكَ، وَأَيِّدْهُمْ عَلَى مُقاوَمَةِ النَّفْسِ وَالهَوى وَاتِّباعِ نُورِ الهُدَى، إِنَّكَ أَنْتَ المُقْتَدِرُ العَزيزُ القَيُّومُ، وَإِنَّكَ أَنْتَ الكَريمُ الرَّحِيمُ العَزِيزُ الوَهَّابُ.
يا أحبّاء عبد البهآء، إنّ حضرة ذي الجلال قد مَنَّ عَلَى عباده بمحض ألطافه الَّتي لا نهاية لها بتعيين حقوق اللهِ، وإلا فالحقّ وعباده مستغنون عن الكائنات، والله غنيّ عن العالمين. وفرض الحقوق إنّما هو سبب لثبوت النّفوس ورسوخها وحصول البركة فِي جميع الشّؤون، وترجع حقوق الله إلى وليّ أمر الله لتُصرف فِي نشر نفحات الله وارتفاع كلمة الله والأعمال الخيريّة والمنافع العموميّة.
يا أحبّاء الله، إنّ الواجب عليكم الخضوع لسلطان كلّ ذي تاج عادل، والخشوع للسّدّة الملوكيّة من كلّ ملك كامل، وخدمة الملوك بمنتهى الصّداقة والأمانة مطيعين محبّين للخير غير متداخلين فِي الشّؤون السّياسيّة إلا بإذن وإجازة منهم، لأنّ خيانة كلّ سلطان عادل هي خيانة الله. هَذِهِ هِيَ نَصِيحَةٌ مِنِّي وَفَرْضٌ عَلَيكُم مِن اللهِ. فَطُوبَى لِلْعَامِلِينَ. ع ع
هذه الورقة كَانَتْ محفوظة بباطن الأرض مدّة وأثّرت فيها الرّطوبة وعند إخراجها لوحظ أنّ الرطوبة أثّرت فِي بعض المواقع فيها، وإذ كَانَتْ البقعة المباركة فِي أشدّ حالات الانقلاب، فقد تركت الورقة عَلَى حالها. ع ع
هو اللهرَبِّ وَرَجائِيْ وَمُغِيثِي وَمُنائِي وَمُجِيرِي وَمُعِينِي وَمَلاذِي، تَرَانِيْ غَرِيقًا فِي بِحَارِ المَصائِبِ القَاصِمَةِ لِلظُّهُورِ وَالرَّزايَا الْمُضَيِّقَةِ لِلصُّدُورِ وَالبَلايا المُشَتِّتَةِ لِلشَّمْلِ وَالمِحَنِ وَالآلامِ المُفَرِّقةِ لِلجَمْعِ. وَأحاطَتْنِي الشَّدائِدُ مِنْ جَمِيعِ الجِهَاتِ وِأَحْدَقَتْ بِي المَخَاطِرُ مِن كُلِّ الأطرافِ خَاِئضًا فِي غِمارِ الطَّامَّةِ الكُبرَى، واقِعًا فِي بِئرٍ لا قَرارَ لَهَا، مُضْطَهَدًا مِنَ الأَعدآءِ، ومُحْتَرِقًا فِي نِيرانِ البَغضآءِ مِنْ ذَوِي القُربَى، الَّذِينَ أَخَذْتَ مِنهُم العَهْدَ الوَثِيقَ وَالمِيثَاقَ الغَليظَ أَنْ يَتَوجَّهُوا بِالقُلُوبِ إِلى هَذَا المَظْلُومِ، ويَدْفَعوا عَنِّي كُلَّ جَهُولٍ وَظَلومٍ، وَيُرْجِعُوا ما اخْتَلَفوا فِي الكِتابِ إِلى هَذا الفَرِيدِ الوَحِيدِ حَتّى يَظْهَرَ لَهُمُ الصَّوابُ، وَتَنْدَفِعَ الشُّبُهَاتُ، وَتَنْتَشِرَ الآيَاتُ. وَلكِنَّهُمْ، يَا إِلهِي، تَراهُمْ بِعَينِكَ الَّتي لا تَنامُ نَقَضُوا المِيثَاقَ وَنَكَصُوا عَلَى الأَعقَابِ، وَنَكَثُوا العَهْدَ بِكلِّ بُغْضٍ وَشِقاقٍ، وَقامُوا عَلَى النِّفاقِ وَاشْتَدَّ بِذَلِكَ السَّاقُ بِالسَّاقِ، وَقَامُوا عَلَى قَصْمِ ظَهِري وَكَسرِ أَزرِي بِظُلْمٍ لا يُطَاقُ، وَنَشَرُوا أَورَاقَ الشُّبُهاتِ وَافتَرَوْا عَلَيَّ بكُلِّ كِذْبٍ واعتِسافٍ. وَلَمْ يَكتَفُوا بِذَلِكَ، بَلْ زَعيمُهُمْ تَجاسَرَ يا إِلهي بِتَحْريفِ الكِتابِ وَتَبْدِيلِ فَصْلِ الخِطَابِ وَتَبعيضِ آثارِ قَلَمِكَ الأَعلَى وتَلصِيقِ مَا كَتَبْتَهُ بِحَقِّ أَوَّلِ ظَالِمٍ ظَلَمَكَ وأَنْكَرَكَ وَكَفَرَ بِآياتِكَ الكُبْرَى بِما أَنْزَلْتَهُ بِحَقِّ عَبْدِكَ المَظْلُومِ فِي الآفاقِ حَتَّى يَخْدَعَ النَّاسَ وَيُوَسْوِسَ فِي صُدُورِ أَهْلِ الإِخْلاصِ. كَما أَقَرَّ وَاعتَرَفَ بِهِ زَعيمُهُم الثَّانِي بِخَطِّهِ وَخَتْمِهِ وَنَشَرَهُ فِي الآفاقِ، فَهَلْ يا إِلهِي ظُلمٌ أَعظَمُ مِن هَذَا؟ وَلَمْ يَكتَفُوا بِذَلِكَ، بَلْ سَعَوْا بِكُلِّ فَسادٍ وعِنَادٍ وَكِذْبٍ وَبُهتَانٍ وَافْتِرآءٍ وَازْدِراءٍ عِنْدَ الحُكُومةِ بِهَذا القُطْرِ وسَائِرِ الجِهاتِ وَنَسَبُوا إِليَّ
الفَسادَ وَمَلأُوا الآذانَ بما تَشْمَئِزُّ مِنه الأَسْماعُ. فَخَشِيَتِ الحُكُومَةُ وخَافَ السُّلطَانُ وَتَوَهَّمَ الأَعْيَانُ فَضاقَتِ الصُّدُورُ وَتَشَوَّشَتِ الأُمورُ وَاضْطَرَبَتِ النُّفُوسُ وَاضْطَرَمَتْ نيران الحَسْرَةِ وَالأَحْزَانِ فِي القُلُوبِ وَتَزَلْزَلَتْ وَتَفَرَّقَتْ أَرْكَانُ الأَوْرَاقِ المُقَدَّسَةِ فَسَالَتْ أَعْيُنُهُنَّ بِالعَبَراتِ وَصَعِدَتْ مِنْ قُلُوبِهِنَّ الزَّفَراتُ واحْتَرَقَتْ أَحْشَاؤُهُنَّ بِنارِ الحَسَراتِ حُزْنًا عَلَى عَبْدِكَ المَظْلُومِ بِأَيْدِي هَؤلآءِ الأَقْرِبآءِ الأَعْدَاءِ.
تَرَى يا إِلهِي يَبْكِي عَلَيَّ كُلُّ الأَشْياءِ، وَيَفْرَحُ بِبَلائِي ذَوُو القُرْبَى، فَوَعِزَّتِكَ يَا إِلهِي، بَعْضُ الأَعْداءِ رَثَوْا عَلَى ضُرِّي وَبَلائِي، وَبَكَوْا بَعْضُ الحُسَّادِ عَلَى كُرْبَتِي وَغُرْبَتِي وَابْتِلائِي، لأَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا مِنِّي إِلا كُلَّ مَوَدَّةٍ وَاعْتِنآءٍ، وَلَمْ يُشاهِدُوا مِنْ عَبْدِكَ إِلاَّ الرَّأْفَةَ وَالوَلآءَ. فَلَمَّا رَأَوْنِي خَائِضًا فِي عُبابِ المَصَائِبِ وَالبَلاءِ وَهَدَفًا لِسِهامِ القَضاءِ، رَقَّوْا لي وَتَدَمَّعَت أَعْينُهُمْ بِالبُكاءِ وَقالُوا: نَشْهَدُ بِاللهِ بأَنَّنا ما رَأَيْنَا مِنْهُ إِلاَّ وَفاءً وَعطاءً وَالرَّأْفَةَ الكُبْرَى، وَلكِنَّ النّاقِضِينَ النَّاعِقِينَ زادُوا فِي البَغْضآءِ وَاسْتَبشَروا بِوُقُوعِي فِي المِحْنَةِ العُظْمَى وَشَمَّرُوا عَنِ السَّاقِ وَاهْتَزُّوا طَرَبًا مِنْ حُصُولِ حَوادِثَ مُحْزِنَةٍ لِلْقُلُوبِ وَالأَرْواحِ.
رَبِّ إِنّي أَدْعُوكَ بِلِسانِي وَجِنانِي أَنْ لا تُؤآخِذَهُم بِظُلْمِهِمْ وَاعْتِسَافِهِمْ وَنِفَاقِهِمْ وَشِقَاقِهِمْ لأنَّهُمْ جُهَلآءُ بُلَهآءٌ، لا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ الخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلا يُمَيِّزُونَ العَدْلَ وَالإِنْصافَ عَنِ الفَحْشآءِ وَالمُنْكَرِ وَالاعْتِسَافِ، يَتَّبِعُونَ شَهَواتِ أَنْفُسِهِم وَيَقْتَدُونَ بِأَنْقَصِهِم وَأَجْهَلِهِمْ. رَبِّ ارْحَمْهُمْ وَاحْفَظْهُمْ مِنَ البَلاءِ بِهَذا الأَثْناءِ، وَاجْعَلْ جَميعَ المِحَنِ وَالآلامِ لِعَبْدِكَ الوَاقِعِ فِي هَذِهِ البِئْرِ الظَّلمآءِ، وَخَصِّصْنِي بِكُلِّ بَلاءٍ
وَاجْعَلْنِي فِداءً لِجَمِيعِ الأَحِبَّاءِ فَدَيْتُهُمْ بِرُوحِي وَذَاتِي وَنَفْسِي وَكَيْنونَتي وَهُوِيَّتِي وَحَقِيقَتِي، يا رَبِّيَ الأَعْلَى.
إِلهِي إِلهِي، إِنِّي أُكِبُّ بوَجهِي عَلى تُرابِ الذُّلِّ والانْكِسَارِ وَأَدْعُوكَ بِكُلِّ تَضَرُّعٍ وَابْتِهَالٍ، أَنْ تَغْفُرَ لِكُلِّ مَنْ آذانِي وَتَعْفُوَ عَنْ كُلِّ مَنْ أَرادَنِي بِسُوءٍ وَأَهانَنِي، وتُبَدِّلَ سَيِّئاتِ كُلِّ مَنْ ظَلَمَنِي بِالحَسَناتِ وَتَرْزُقَهُم مِنَ الخَيراتِ وَتَقَدِّرَ لَهُم كلَّ المَسَرّاتِ وَتُنْقِذَهُم مِنَ الحَسَراتِ وَتُقَدِّرَ لَهُم كلَّ راحةٍ ورَخاءٍ وتَخْتَصَّهُمْ بِالعَطآءِ وَالسَّراءِ إِنَّكَ أَنْتَ المُقتَدِرُ العَزيزُ المُهَيْمِنُ القَيُّوم.
أيّها الأحبّاء الأعزّاء، أنا الآن في خطر عظيم، وأمل ساعة في الحياة مفقود. فاضطررت لتحرير هذه الورقة حفظًا لأمر الله وصيانة لدينه وحفظًا لكلمته وصونًا لتعاليمه. قسمًا بجمال القدم، إنّ هذا المظلوم كان وعلى الدّوام، لا يحمل بغضًا ولا يضمر سوءًا لأحد ولم أذكر إلا كلمة الخير. غير أنّي مكلّف أشد التّكليف ومضطرّ ومجبر على حفظ أمر الله وصيانته ووقايته. لهذا، وأنا في نهاية الحسرة والأسف، أوصيكم أن تحافظوا على أمر الله وتصونوا شريعة الله وتتجنّبوا الاختلاف كلّ التّجنّب فأساس عقائد أهل البهاء روحي لهم الفدآء، هو أنّ حضرة الرّبّ الأعلى مظهر الوحدانيّة والفردانيّة الإلهيّة ومبشّر جمال القدم، وحضرة جمال الأبهى، روحي لأحبّائه الثّابتين فداء، المظهر الكلّيّ الإلهيّ ومطلع الحقيقة المقدّسة الرّبّانيّة، وما دون كلّ عباد له وكلّ بأمره يعملون، ومرجع الكلّ الكتاب الأقدس وكلّ مسألة غير منصوصة ترجع إلى بيت العدل العموميّ، وكلّ ما يقرّره بيت العدل بالاتّفاق أو باكثريّة الآراء هو حقّ وهو مراد الله. من تجاوز عنه فهو ممّن أحبّ الشّقاق وأظهر النّفاق وأعرض عن ربِّ الميثاق. والمراد هو بيت العدل العموميّ الّذي يُنتخب
من جميع البلاد، وذلك يعني أنّ أحّباء الشّرق والغرب الموجودين ينتخبون الأعضاء بقاعدة الانتخاب المصطلح عليها في بلاد الغرب كالإنجليز ويجتمع هؤلاء الأعضاء فِي مكان ويتذاكرون في كلّ ما وقع فيه الاختلاف أو في المسائل المبهمة أو في المسائل غير المنصوصة وكلّ ما يقررونه هو كالنّصّ وحيث إنّ بيت العدل هو واضع قوانين المعاملات غير المنصوصة فهو أيضًا يستطيع نسخ تلك القوانين يعني أنّ بيت العدل يضع اليوم قانونًا في مسألة ويعمل به، ولكن بعد مائة سنة يحصل تغيّرٌ كلّيّ فِي الحالة العموميّة ويحصل اختلاف في الأزمان، فيستطيع بيت العدل الثّاني أن يبدّل تلك المسألة القانونيّة حسب اقتضاء الزّمان لأنّها لم تكن نصًّا صريحًا إلهيًّا فالواضع هو بيت العدل والنّاسخ أيضًا هو بيت العدل.
إنّ أعظم أساس لأمر الله هو الاجتناب والابتعاد عن النّاقضين لأنّهم يمحون أمر الله بالكلّيّة ويسحقون شريعة الله وتذهب جميع المتاعب سدًى. أيّها الأحباء، يجب الرّحمة بحضرة الأعلى والوفاء للجمال المبارك، يجب السّعي بكلّ القوى حتّى لا تذهب هدرًا جميع هذه البلايا المحن والصّدمات والدّماء النّقيّة الطّاهرة الَّتي سُفكت فِي سبيل الله. وإنّكم تعلمون ما فعله مركز النّقض – الميرزا محمّد علي – وأعوانه. فأحد أعمال هذا الشّخص تحريف الكتاب وهو ما عرفه الكلّ بحمد الله – وذلك مثبوت وواضح بشهادة أخيه – الميرزا بديع الله – الّذي كتبها وختمها وهي موجودة وثابتة ومطبوعة وهذه إحدى سيّئاته فهل يتصوّر انحراف أعظم من هذا الانحراف المنصوص؟ لا والله، وإنّ سيّئاته مرقومة فِي ورقة مخصوصة ستطّلعون عليها إن شاء الله. وباختصار فإنّ هذا الشّخص قد سقط بالنّص الإلهيّ، لمجرّد انحراف بسيط، فكيف به وقد هدم البنيان ونقض العهد والميثاق وحرّف الكتاب وألقى الشبهات وافترى على عبد البهآء وادّعى ادعاءآت ما أنزل الله بها
من سلطان، وألقى الفساد وسعى فِي سفك دم عبد البهاء وغير ذلك ممّا يعلمه الجميع. ومعلوم أيضًا أنّ هذا الشّخص إذا وجد فرجة أو ثغرة ينفذ منها إلى هذا الأمر لكان سببًا فِي محوه وانعدامه بالكلّيّة، فحذار من التّقرّب من هذا الشّخص لأن التّقرّب إليه أفظع من الاقتراب من النّار.
سبحان الله، بعد أن أعلن الميرزا بديع الله نقض هذا الشخص بخطّه وأعلن تحريفه للكتاب، عاد فأظهر ندمه وأسفه لأنّه لم يستطع التّوفيق بين أهوائه النّفسانيّة وبين مقتضيات الإيمان والإذعان واتّباع العهد والميثاق وأراد أن يجمع أوراقه المطبوعة سرًّا واتّصل خفية بمركز النّقض وعكف على إطلاعه على ما يجري فِي البيت يوميًّا وكان له دخل كبير فِي الفساد الأخير. وبعد أن كانت الأمور قد انتظمت، والحمد لله، واستراح الأحبّاء نوعًا، ظهر الفساد مرّة أخرى من اليوم الذي عاد فيه هذا مرّة ثانية. وحرّرنا فِي ورقة أخرى بعضًا من أطواره وحركاته الَّتي ترمي إلى الفساد. والمقصود أنّ أنصار العهد والميثاق يجب أن يكونوا يقظين بعد هذا المظلوم حتّى لا يُحدث هذا الشّخص المُفسد ثغرة ويلقي الشّبهات والفساد سرًّا فيقتلع أمر الله من جذوره بالكلّيّة. فاحذروا ألبتّة بل مائة مرّة ألبتّة من معاشرته. ودقّقوا وراقبوا وابحثوا وافحصوا حتّى إذا كانت أيّة صلة لنفس به سرًّا أو جهرًا فأخرجوا ذلك الشخص أيضًا من بينكم لئلا يظهر الفساد والفتن.
يا أحبّاء الله اسعَوْا بالرّوح لكي تحفظوا أمر الله من هجوم النّفوس غير المخلصة. لأنّ أمثال هذه النّفوس يكونون سببًا لاعوجاج المستقيم من الأمور وعكس نتائج المساعي الخيرية.
إِلهِي إِلهِي، أُشْهِدُكَ وَأَنبياءَكَ وَرُسُلَكَ وَأَوليَاءَكَ وأَصفِيِاءَكَ بِأَنِّي أَتمَمْتُ الحُجَّةَ عَلَى أَحِبَّائِكَ وَبَيَّنْتُ لَهُم كُلَّ شَيْءٍ حَتّى يُحافِظوا عَلى
دِينِكَ وَالطَّرِيقَةِ المُسْتَقِيمَةِ وَشَريعَتِكَ النَّوْراءِ إِنَّكَ أَنْتَ المُطَّلِعُ العَلِيمُ. ع ع
هُوَ اللهُ الشَّاهِدُ الكَافِيرَبِّ ومَحْبُوبِي ومَقْصُودِي، إِنَّكَ لَتَعْلَمُ وَتَرى ما وَرَدَ علَى عَبْدِكَ المُتَذَلِّلِ بِبابِ أَحَدِيَّتِكَ وَمَا جَنَى عَلَيْهِ أَهْلُ الجَفاءِ النَّاقِضُونَ لِمِيثاقِ فَرْدَانِيَّتِكَ النَّاكِثُونَ لِعَهدِ حَضْرةِ رَحْمانِيَّتِكَ. إِنَّهُ ما مِنْ يَوْمٍ إِلاّ وَرَمَوْني بِسِهام البَغْضآءِ، وما مِنْ ليلٍ إِلاّ وبَيَّتُوا يُشاوِرونَ فِي ضُرِّي فِي السِّرِّ وَالخَفَى، وَمَا مِنْ صَباحٍ إِلاّ ارْتَكَبوا ما ناحَ بهِ الملأُ الأَعْلَى. وما مِنْ مَساءٍ إِلاّ أَنْ سَلَّوْا عَليَّ سَيْفَ الاعْتِسَافِ وَرَشَقُونِي بِنِصَالِ الافْتِراءِ عِنْدَ الأَشْقِيآءِ، مَعَ ذَلِكَ صَبَر عَبْدُك المُتَذَلِّلُ إِلَيْكَ وَاحْتَمَلَ مِنْهُمْ كُلَّ بَلاءٍ وَأَذَىً مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى إِزْهاقِ كَلِمَتِهِمْ وَإِخْمَادِ جَمْرَتِهِم وَإِطْفاءِ نِيرانِ طُغْيَانِهِمْ بِقُوَّتِكَ وقُدْرَتِكَ. وَتَرَى يا إِلهِي لَمْ يَزِدْهُمْ صَبْرِي وَتَحَمُّلِي وَصَمْتِي إِلاَّ ظُلْمًا وَعُتُوًا وَاسْتِكبارًا. فَوَعِزَّتِكَ يا مَحْبُوبِي طَغَوْا وَبَغَوْا حَتّى لَمْ يَدَعُوني آنًا مُستَرِيحَ الفُؤآدِ سَاكِنَ الجأْشِ حَتَّى أَقُومَ عَلَى إِعْلاءِ كَلِمَتِكَ كما يَنْبغِي بَيْنَ الوَرَى وأَخْدِمَ عَتَبَةَ قُدْسِكَ بِقَلْبٍ طَافِحٍ بِسُرورِ أَهْلِ مَلَكُوتِ الأَبْهَى.
رَبِّ قَدْ طَفَحَ عَلَيَّ كَأْسُ البَلاءِ وَاشْتَدَّتِ اللَّطَماتُ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ الجِهاتِ وتَتابَعَتْ سِهامُ الرَّزِيَّةِ وَتَوَالَت أَسِنَّةُ المُصيبَةِ، فَعَجِزْتُ مِنَ الشَّدائِدِ وِوَهَنَتْ مِنِّي القُوى مِن هُجُومِ الشَّارِدِ وَالوارِدِ مِنَ الأَعْداءِ، وَأَنا فَريدٌ وَوَحيدٌ فِي هذِه المَواردِ، رَبِّ ارْحَمْنِي وَارْفَعْنِي إِلَيْكَ وَاسْقنِي كَأْسَ الفِداءِ فَقَدْ ضاقَتْ عَلَيَّ الأَرْضُ بِرَحْبِها إِنَّكَ أَنْتَ
الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ وَإِنّكَ أَنْتَ الفَضَّالُ الكَريمُ.
أيّها الأحبّاء المخلصون الحقيقيّون الموفون لهذا المظلوم، علمتم وشهدتم جميعًا ما وقع فيه هذا المظلوم والمسجون بعد صعود نيّر الآفاق واصطلائه بنار الفراق، من المصائب والبلايا من مساعي ناقضي الميثاق حتى إنّ جميع أعداء الحقّ من كلّ الجهات انتهزوا فرصة أفول شمس الحقيقة واتّخذوها غنيمة وهجموا هجمة واحدة بكلّ ما لديهم من قوّة وفي مثل هذه الحالة وتلك المصيبة قام النّاقضون بمنتهى الاعتساف عَلَى الأذيّة والبغضاء وأظهروا فِي كلّ لحظة مائة ألف جفاء. وقاموا عَلَى هدم بنيان الميثاق بفساد عظيم. وكان هذا المظلوم المسجون قائمًا بكمال الهمّة عَلَى السّتر والكتمان علّهم بذلك يرجعون ويندمون. ولكن الصّبر والتّحمّل عَلَى هذا الجفآء أدّى إلى زيادة جرأة أهل الطّغيان وجسارتهم حتّى إنّهم حرّروا أوراق الشّبهات بخطّهم ونشروها مطبوعة فِي جميع الآفاق، وظنّوا أنّ مثل هذا الهذيان يكون سبب انعدام العهد والميثاق، بناءً عَلَى ذلك نهض أحبّاء الله بكمال القوّة والوثوق وقاوموا أعداء الميثاق بقوّة ملكوتيّة وقدرة جبروتيّة وتأييد سماويّ وتوفيق صمدانيّ وموهبة ربّانيّة وأجابوا عَلَى رسالة الشّبهات والأوراق المهيّجة النّارية بالبراهين القاطعة والأدلّة الواضحة والنّصوص الإلهيّة بما يقرب من سبعين رسالة فَرَجَعَ كَيْدُ مَرْكَزِ النَّقْضِ إِلى نَحْرِهِ وَباءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِ الذِّلَّةُ وَالهَوانُ إِلَى يَوْمِ القِيامِ. فَتَبًّا وَسُحْقًا وَذُلاًّ لِقوْمٍ سُوءِ أَخْسَرينَ. وعندما خابوا وخسروا فِي سعيهم أمام أحباء الله ورأَوْا عَلَم الميثاق مرتفعًا فِي جميع الآفاق وشاهدوا قوّة ميثاق حضرة الرّحمن، شبّت فِي صدورهم نيران الحسد عَلَى شأنٍ لا يذكر بالبيان، واتّخذوا بكلّ ما استطاعوا من قوّة وبغض وعداوة طريقًا آخر وسلكوا سبيلاً آخر وأظهروا رأيًا آخر. وفكّروا فِي إشعال نار الفتنة عند الحكومة واتّهموا هذا المظلوم المسجون بالفساد ومعاندته للدّولة
وبغضه وعدائه لسرير السّلطنة رجاء أن يعدم ويقتل عبد البهآء ويتّسع الميدان لأعداء الميثاق يجولون فيه ويصولون بخيلهم ويوقعون الجميع فِي الخسران ويهدمون بنيان أمر الله تمامًا من أساسه إذا سنحت لهم الفرصة. لهذا يجب عَلَى أحبّاء الله أن يجتنبوا ويحترزوا من هؤلاء بالمرّة ويقاوموا دسائسهم ووساوسهم ويحافظوا عَلَى شريعة الله ودين الله وأن يَهْتَمَّ جميع الأحبّاء بالسّعي فِي التّبليغ ونشر نفحات الله. وإن منع شخص أو محفل من المحافل نشر أنوار الإيقان ينصحهم أحبّاء الله بأنّ أعظم موهبة إلهية هي التّبليغ وهو سبب التّأييد وأوّل تكليف علينا فكيف نحرم أنفسنا عَنْ هذه الموهبة ولا نجعل أرواحنا وأموالنا وراحتنا وهدوءنا فداء للجمال الأبهى وتبليغ أمر الله ولكن بالحكمة المذكورة فِي الكتاب لا بخرق الأحجاب وعليكم البهاء الأبهى.
يا أحبّاء عبد البهاء الأوفياء، يجب أن تحافظوا كلّ المحافظة عَلَى فرع الشّجرتين المباركتين، وثمرة السّدرتين الرّحمانيّتين – شوقي أفندي – حتّى لا يغبّر خاطره النّوراني بغبار الكدر والحزن ويزداد فرحه وسروره وروحانيّته يومًا فيومًا وحتّى يصبح شجرة ذات ثمر، إذ إنّه هو وليّ أمر الله بعد عبد البهاء ويجب عَلَى الأفنان والأيادي وأحباء الله إطاعته والتّوجّه إليه. مَنْ عَصَى أَمْرَهُ فَقَدْ عَصَى اللهَ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَقَدْ أَعْرَضَ عَنِ اللهِ وَمَنْ أَنْكَرَهُ فَقَدْ أَنْكَرَ الحَقَّ. حَذارِ أَنْ يُأَوِّل أحد هذه الكلمات ليتذرّع به كلّ ناقض ناكث فِي رفع عَلَم المخالفة أو يستبدّ برأيه ويفتح باب الاجتهاد كما حصل بعد الصّعود. فليس لنفس حقّ فِي رأي واعتقاد مخصوص، عَلَى الكلّ أن يقتبس من مركز الأمر وبيت العدل ومَا عَداهُمَا كُلُّ مُخالِفٍ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ وَعَلَيكُمُ البَهآءُ الأَبْهِى.
هو الأبهىأيّها الثّابت عَلَى العهد والميثاق، إنّ الجمال المبارك روحي لاحبّائه الثّابتين الرّاسخين فدآء، شيّد فِي هذا الكور العظيم أركان الأمر من الزّبر الحديد كسدّ ذي القرنين. ووضع أساس دين الله عَلَى البنيان المرصوص حتى لا ينفذ إليه بأيّ وجه من الوجوه يأجوج الشّبهات ومأجوج الإشارات ويبقى حصن الأمر الحصين محفوظًا مصونًا. لقد ذكر حضرة بهاء الله العهد والميثاق مدّة ثلاثين سنة، نزّلت فيها كلمة الميثاق والإيمان من قلمه المبارك وجرى عَلَى لسانه ذكرها، حتّى ظهر "كتاب عهدي" وهو اللّوح المقدس المحفوظ المصون، كأنّه الرّقّ المنشور والكتاب المسطور. ولقد خاب وخسر أمل كلّ الّذين كانوا يترقّبون أن يدبّ الخلاف وتنتشر الشّبهات، فلقد سطعت شمس عهد الله بنورها، فأضاءت الشّرق والغرب حتّى أخذ بهذا الكتاب ملوك الأرض جميعًا وحفظوه فِي خزائنهم. ولقد طبّق صيت هذا الميثاق العظيم الآفاق كلّها، وما هو برواية يكذّب راويها، أو كتاب بخطّ كاتب يرقى إليه شكّ يسبّب عدم الاطمئنان، فقد خطّه القلم الأعلى، ورغم ذلك كلّه هناك بعض البلهاء يسعون بالحيلة والخداع إلى النّفاذ إليه، وخلق الاختلاف حتّى يهدموا بذلك بنيان الأمر الإلهيّ، فباطل ما هم يظنّون. ع ع
من بيانات حضرة ولي أمر اللهيخالجني شعور عميق أنّ من الضّروريّ الآن بذل المحاولة كي يتّضح فِي الأذهان المقام الذي يتبوّأه حضرة عبد البهاء وأهميّة مركزه فِي هذا الدّور المقدّس. وسيصعب علينا حقًّا، نحن الّذين نقف غير بعيدين عَنْ مثل هذه الشّخصية الجبّارة، الَّتي تجذبنا إليها جذبًا قويًّا، أن
ندرك إدراكًا واضحًا دقيقًا دور من يقوم بوظيفة فريدة ومن له طابع خلق متفرّد فِي دورة حضرة بهاء الله، وفي تاريخ الأديان السّماويّة جميعها.
وبالرّغم من أنّ [حضرة عبد البهاء] يسير فِي مدار يخصّه وحده، ويتمتّع بمقام يختلف اختلافًا جوهريًّا عن المقام الذي يتبوّأه صاحب الظّهور البهائيّ والمبشّر به، فإنّه بفضل ما خصّص له من مقام فِي ميثاق حضرة بهاء الله، يشترك معهما فِي تأليف ما يمكن أن يسمّى بالشخصيات الرئيسة الثّلاث لهذا الدّين – وهو شأن لا مثيل له فِي تاريخ العالم الرّوحيّ. فبالاشتراك معهما [حضرة بهاء الله وحضرة الباب] نجده باسطًا ظلّه على مقدّرات هذا الدّين الإلهيّ الّذي لا يزال فِي مرحلة الطّفولة وهو [حضرة عبد البهاء] فِي مستوى لا يأمل أحد أن يصله قبل مرور ألف سنة كاملة – أكان ذلك واحدًا من النّاس أو هيئة من الهيئات تقوم على خدمة مصالح [هذا الدين].
فالحطّ من مقامه السّامي بتشبيه مقامه بالمقام الذي يحتلّه أولئك الذين ألقيت على عواتقهم مسؤوليّة تنفيذ سلطته أو اعتباره مساويًا له يكون بمثابة تدنيس [لذكراه]. وما هذا الاتّجاه بأقلّ خطورة من الاعتقاد الّذي يميل إلى إعطائه المساواة المطلقة مع شخصيّة هذا الدّين الرّئيسة أو المبشّر به. فمهما كان البون الذي يفصل عبد البهاء عمّن يكون مصدر ظهور إلهيّ مستقلّ شاسعًا، فإنّ ذلك لا يمكن أبدًا أن يُعتبر مساويًا للهوّة الأكثر اتّساعًا الَّتي تفصل بين من هو مركز الميثاق وبين وكلائه الّذين تقع على عواتقهم مسؤوليّة إكمال رسالته، بغضّ النّظر عن الاسم الّذي يحملونه، أو المركز الّذي يحتلّونه، أو الوظائف الَّتي يؤدّونها، أو الإنجازات الَّتي يمكنهم تحقيقها فِي المستقبل. فليتأمّل [إذًا] أولئك الّذين عرفوا حضرة عبد البهاء، وتولّد لديهم لاتّصالهم بشخصيّته الجذّابة إعجاب حماسيّ – فليتأمل هؤلاء فِي ضوء هذا البيان
عظمة ذلك الذي يتبوّأ مقامًا أسمى بكثير [من مقام حضرة عبد البهاء].
إنّ حضرة عبد البهاء ليس مظهرًا إلهيًّا رغم كونه خليفة والده، ولا يستوي مقامه مع مقام والده. إذ إنّه لا يمكن لأحد سوى حضرة الباب أو حضرة بهاء الله أن يعتبر نفسه صاحب مقام [ظهور] قبل انقضاء ألف سنة كاملة – وما هذه إلاّ حقائق موجودة فِي أسّ أساس البيانات الصّادرة عن مؤسّس ديننا وعن مبيّن تعاليمه.
ينذرنا "الكتاب الأقدس" إنذارًا صريحًا: "مَنْ يَدَّعِي أمْرًا قَبْلَ إِتْمَامِ أَلْفِ سَنَةٍ كامِلَةٍ إِنَّهُ كَذَّابٌ مُفْتَرٍ، نَسْأَلُ اللهَ بأَنْ يُؤَيَّدَهُ عَلَى الرُّجُوعِ. إِنْ تابَ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ، وَإِنْ أَصَرَّ عَلَى ما قالَ يَبْعَثُ عَلَيْهِ مَن لا يَرحَمُهُ إِنَّهُ شُديدُ العِقابِ″. ويضيف إلى ذلك مُؤَكِّدًا: "مَنْ يُأَوِّلُ هذِهِ الآيَةَ أَوْ يُفَسِّرُها بِغَيْرِ ما نُزِّلَ فِي الظَّاهِرِ، إِنَّهُ مَحْرُومٌ مِنْ رُوحِ اللهِ وَرَحْمَتِهِ الَّتي سَبَقَتِ العالَمِينَ". وفي بيان حاسم آخر قوله معرّبًا: ″إن ظهر أحد بكلّ الآيات قبل إِتمام ألف سنة كاملة الَّتي هي اثنا عشر شهرًا بما نزّل فِي الفرقان وتسعة عشر شهرًا بما نزّل فِي البيان وكلّ شهر منها تسعة عشر يومًا، فلا تصدّقوه قطّ".
وتؤكّد بيانات حضرة عبد البهاء نفسه هذا الإنذار، وهي البيانات الَّتي لا تقلّ تأكيدًا أو إلزامًا إذ يعلن: "إنّ اعتقادي الثّابت وجوهر إيماني الواضح الجليّ، وهو إيمان واعتقاد يشاركني فيه أهل الملكوت الأبهى مشاركة كلّيّة، هو: أنّ الجمال المبارك شمس الحقيقة، ونوره هو نور الحقّ، وبالمثل فإنّ الباب شمس الحقيقة ونوره هو نور الحقّ... أمّا مقامي فهو مقام العبوديّة – العبوديّة الكاملة، الطّاهرة، الحقيقيّة، الثّابتة المستمرّة، الواضحة، الجليّة – الَّتي لا تخضع لأيّ تفسير مهما كان... أنا مبيّن كلمة الله، وهذا هو بياني".
ألا يسلب حضرة عبد البهاء فِي وصيّته السّلاح الرّئيس لأولئك الّذين سعوا طويلاً وبإلحاح إلى أن يلصقوا به تهمة ادّعائه لنفسه ادّعاءً ضمنيًّا، مقامًا يساوي أو يجاوز [على حدّ قول هؤلاء] مقام حضرة بهاء الله؟ و[قد كتب وصيّته تلك] بأسلوب أَلجَمَ من ناقضي ميثاق والده أكثرهم عداء له. وهكذا نجد إحدى أكثر الفقرات أهمّيّة فِي الوثيقة الأخيرة الَّتي تركت لتعبّر عَلَى مدى الزّمان عَنْ رغبات وإرشادات [المولى] الرّاحل: "إِنَّ أساس عقائد أهل البهاء، روحي لهم الفداء، هو أنّ حضرة الرّبّ الأعلى مظهر الوحدانيّة والفردانيّة الإلهيّة ومبشّر جمال القدم، وحضرة جمال الأبهى، روحي لاحبّائه الثّابتين فداء، المظهر الكلّيّ الإلهيّ ومطلع الحقيقة المقدّسة الرّبّانيّة، وما دون كلّ عباد له وكلّ بأمره يعملون".
لزام علينا [إذًا] ألا نستخلص بأيّ شكل من الأشكال من هذه البيانات الواضحة ذات الطّابع الجدّيّ والَّتي تتعارى مع أيّ ادّعاء [للنّبوّة]، أنّ حضرة عبد البهاء ما هو إلا مجرّد عبد من عباد الجمال المبارك ليس إلا، أو أنّ أقصى ما يمكن أن يكونه هو صاحب وظيفة محدودةٍ، وظيفة كونه المبيّن المفوّض لتعاليم والده. إنّي براء من مثل هذه الأفكار أو من أيّة رغبة فِي غرس مثل هذه المشاعر. فإذا ما نظرنا إليه بهذا المنظار [أي أنّه مجرّد عبد من عباد الجمال المبارك] يكون ذلك بمثابة خيانة سافرة للميراث الغالي الّذي تركه حضرة بهاء الله لبني البشر. إنَّ المقامَ الذي اسبغه عليه القلم الأعلى مقام فِي غاية الرّفعة يتخطّى ويعلو عَلَى ما تتضمّنه هذه البيانات الَّتي خطّها [حضرة عبد البهاء] بنفسه. فالإشارات الواردة بقلم حضرة بهاء الله، أكانت فِي "الكتاب الأقدس" (أهمّ آثار حضرة بهاء الله وأقدسها) أو فِي "كتاب عهدي" (كتاب ميثاقه) أو فِي "سورة الغصن" – هذه الإشارات الَّتي تدعمها الألواح الأخرى الَّتي وجّهها إليه والده دعمًا قويًّا تخلع على
حضرة عبد البهاء سلطة وتحيطه بهالة لا يمكن للجيل الحالي أن يقدّرهما حقّ قدرهما أبدًا.
إنّ عبد البهاء يجب أن ينظر إليه دومًا عَلَى أنّه أولاً وقبل كلّ شيء، مركز ميثاق حضرة بهاء الله ومحوره وهو الميثاق المنقطع النّظير المحيط بكلّ شيء وأنّه أسمى ما صاغته يده، والمرآة الصّافية لنوره، والمثل الأعلى لتعاليمه، ومبيّن كلمته المعصوم، والجامع لكلّ الكمالات البهائيّة، المتمثّلة فيه كلّ الفضائل البهائيّة، والغصن الأعظم المنشعب من الأصل القديم، وغصن الأمر الذي استحكمه الله فِي أرض المشيئة والّذي "طاف حوله الأسماء"، مصدر وحدة العالم الإنسانيّ، وراية الصّلح الأعظم، والقمر الّذي يدور فِي الفلك الرئيس لهذا الدّور الأقدس. فهذه الأسماء والألقاب تكمن فِي اسم حضرة عبد البهآء السّحريّ وتجد فيه أعظم تعبير وأدقّه وأصدقه. غير أنّه فوق كلّ هذا – وأكثر منه – "سرّ الله" وهي التّسمية الَّتي اختارها حضرة بهاء الله نفسه ليطلقها عليه، وهي تسمية لا تبرّر بأي شكل من الأشكال أن ننسب إليه مقام النُّبُوَّة، بل تشير إلى كيفيّة اختلاط الخصائص المتباينة وانسجامها انسجامًا كاملاً فِي شخص حضرة عبد البهاء، وهي خصائص الطّبيعة الإنسانيّة والمعرفة الإلهيّة الغيبيّة.
يصرح "الكتاب الأقدس": "إِذَا غِيضَ بَحْرُ الوِصالِ، وَقُضِيَ كِتابُ الْمَبْدَءِ فِي الْمَآلِ. تَوَجَّهُوا إِلَى مَنْ أَرادَهُ اللهُ الَّذي انْشَعَبَ مِنْ هذا الأَصْلِ القَدِيم". وأيضًا قوله: "إِذَا طارَتِ الوَرْقَاءُ عَنْ أَيْكِ الثَّناءِ وقَصَدَتِ الْمَقْصَدَ الأَقْصَى الأَخْفى أَرْجِعُوا ما لا عَرَفْتُمُوهُ مِنَ الْكِتَابِ إِلَى الْفَرْعِ الْمُنْشَعِبِ مِنْ هذَا الأَصْلِ الْقَوِيمِ".
ويصرّح حضرة بهاء الله فِي "كتاب عهدي" أيضًا بكلّ وضوح وجلالٍ "إنّ وصيّة الله هي: أن يتوجّه عموم الأغصان والأفنان
والمنتسبين إلى الغصن الأعظم. انظروا إلى ما أنزلناه فِي كتابي الأقدس: إِذَا غِيضَ بَحْرُ الْوِصَالِ، وَقُضِيَ كتابُ المَبْدَءِ فِي المآل، تَوَجَّهوا إِلَى مَنْ أَرادَه اللهُ الَّذي انْشَعَبَ مِنْ هذا الأَصْلِ القَدِيم. وقد كان المقصود من هذه الآيةِ المبارَكَةِ الغَصنَ الأعظِمَ [حضرة عبد البهاء]. كَذلِكَ أظْهَرْنا الأَمْرَ فَضلاً مِنْ عِنْدِنا وَأَنا الفَضَّالُ الْكَرِيمُ".
وأمّا فِي "سورة الغصن" فإنّنا نجد هذه الآيات: "قد انشعب من سدرة المنتهى هذا الهيكل المقدّس الأبهى غصن القدس فهنيئًا لمن استظلّ فِي ظلّه وكان من الرّاقدين. قل قد نبت غصن الأمر من هذا الأصل الذي استحكمه الله فِي أرض المشيئة وارتفع فرعه إلى مقام أحاط كلّ الوجود فتعالى هذا الصّنع المتعالي المبارك العزيز المنيع. أن يا قوم تقرّبوا إليه وذوقوا منه أثمار الحكمة والعلم من لدن عزيز عليم. ومن لم يذق منه يكون محرومًا عن نعمة الله ولو يرزق بكلّ ما عَلَى الأرض إن أنتم من العارفين، قل قد فصّل من لوح الأعظم كلمة عَلَى الفضل وزيّنها الله بطراز نفسه وجعلها سلطانًا عَلَى من عَلَى الأرض وآية عظمته واقتداره بين العالمين ليمجدنّ النّاس به ربّهم العزيز المقتدر الحكيم ويسبّحنّ به بارئهم ويقدّسنّ نفس الله القائمة عَلَى كلّ شيء إن هذا إلا تنزيل من لدن عليم قديم، قل يا قوم فاشكروا الله لظهوره وإنّه لهو الفضل الأعظم عليكم ونعمته الأتمّ لكم وبه يحيى كلّ عظم رميم، من توجّه إليه فقد توجّه إلى الله فمن أعرض عنه فقد أعرض عن جمالي وكفر ببرهاني وكان من المسرفين، إنّه لوديعة الله بينكم وأمانته فيكم وظهوره عليكم وطلوعه بين عباده المقرّبين، كذلك أمرت أن أبلّغكم رسالة الله بارئكم وبلَّغتكم بما أمرت به إذًا يشهد الله عَلَى ذلك ثمّ ملائكته ورسله ثمّ عباده المقدّسين، أن استنشقوا رائحة الرّضوان من أوراده ولا تكوننّ من المحرومين، أن اغتنموا فضل الله عليكم ولا تحتجبوا عنه وإنّا قد بعثناه عَلَى هيكل الإنسان فتبارك الله مبدع ما يشاء
بامره المبرم الحكيم، إنّ الذين هم منعوا أنفسهم عَنْ ظلّ الغصن أولئك تاهوا فِي العراء وأحرقتهم حرارة الهوى وكانوا من الهالكين"*.
ويخاطب حضرة بهاء الله حضرة عبد البهاء فِي لوح كتبه بخطّ يده: "يا بصري، عليك بهائي وبحر عنايتي وشمس فضلي وسماء رحمتي نسأل الله أن ينوّر العالم بعلمك وحكمتك ويقدّر لك ما يفرح به قلبك وتقرّ عينك″. فِي لوح آخر يكتب متفضّلاً: "البهاء عليك وعلى من يخدمك ويطوف حولك والويل والعذاب لمن يخالفك ويؤذيك. طوبى لمن والاك والسّقر لمن عاداك". ويعود فيؤكّد فِي لوح آخر: "إنّا جعلناك حرزًا للعالمين وحفظًا لمن فِي السّموات والأرضين وحصنًا لمن آمن بالله الفرد الخبير، نسأل الله بأن يحفظهم بك ويلهمك ما يكون مطلع الغنى لأهل الإنشاء وبحر الكرم لمن فِي العالم ومشرق الفضل عَلَى الأمم".
وفي دعاء نزّل تكريمًا لحضرة عبد البهاء يتفضّل حضرة بهاء الله: "أنت تعلم يا إلهي أنّي ما أريد إلا بما أردته وما اخترته إلا بما اصطفيته فانصره بجنود أرضك وسمائك... أسألك بولهي فِي حبّك وشوقي فِي أمرك بأن تقدّر له ولمحبّيه ما قدّرته لسفرائك وأمناء وحيك. إنّك أنت الله المقتدر القدير".
وفي خطاب أملاه حضرة بهاء الله عَلَى كاتب وحيه الميرزا آقا جان وموجّهًا لحضرة عبد البهاء بينما كان حضرته يزور مدينة بيروت يُقرأ ما يلي: "حَمْدًا لِمَنْ تَشَرَّفَ أَرْضَ البآءِ بِقُدومِ مَنْ طافَ حَوْلَهُ الأَسْماءُ بِذلِكَ بَشَّرَتِ الذَّرَّاتُ كُلَّ المُمْكِناتِ بِما طَلَعَ وَلاحَ وظَهَرَ وأَشْرَقَ وَخَرَجَ مِنْ بابِ السِّجْنِ وَأُفُقِهِ شَمْسُ جَمالِ غُصْنِ اللهِ الأَعْظَمِ العَظِيمِ وَسرِّ اللهِ الأَقْوَمِ القَويمِ مُتَوَجِّهًا إِلَى مَقامٍ آخَر. بِذلِكَ تَكدَّرَتْ أَرْضُ
السِّجْنِ وَفَرِحَتْ أُخْرَى. تَعالَى تَعالَى رَبُّنا فاطِرُ السَّماءِ وخَالقُ الأَشياءِ الَّذي بِسُلْطانِه فُتِحَ بابُ السِّجْنِ لِيَظْهَرَ ما أَنْزَلَهُ فِي الأَلْواحِ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُ لَهُوَ المُقْتَدِرُ عَلَى ما يَشَاءُ وَفِي قَبْضَتِهِ مَلَكُوتُ الإِنْشاءِ وَهُوَ المُقْتَدِرُ العَلِيمُ الحَكِيمُ. طوبَى لأَرْضٍ فازَتْ بِقُدُومِهِ وَلِعَيْنٍ قَرَّتْ بِجَمالِهِ وَلِسَمَعٍ تَشرّفَ بِإِصْغاءِ نِدائِهِ وَلِقَلْبٍ ذاقَ حَلاوَةَ حُبِّهِ وَلِصَدْرٍ رَحِبَ بِذكرِه وَلِقَلَمٍ تَحَرَّكَ عَلى ثَنائِه وَلِلوحٍ حَمَلَ آثارَهُ".
ويكتب حضرة عبد البهاء ليؤكّد السّلطة الَّتي خولها إليه حضرة بهاء الله فيصرّح بما يلي: "حسب النّصّ الصّريح لكتاب الأقدس جعل حضرة بهاء الله مركز الميثاق مبيّنًا لكلماته، فهذا الميثاق عَلَى درجة من المناعة والمتانة بحيث إنّه لم يأتِ بمثيل له أيّ مظهر من المظاهر الدّينيّة منذ البداية حتّى يومنا هذا".
فمهما كان مقام حضرة عبد البهاء مقامًا ساميًا، وكان الثّناء الّذي مجّد به حضرة بهاء الله ابنه فِي أثاره المقدّسة ثناءً مدرارًا، فلا يجب أن نفسّر أنّ مثل هذه الميزة الفريدة الَّتي أنعم بها عَلَى حضرة عبد البهاء تعطيه مقامًا مساويًا لمقام والده، أي مقام المظهر الإلهيّ نفسه. ولكن إذا ما فسّرت أيّ من هذه النّصوص المقتطفة بهذه الطّريقة فسيكون هذا التّفسير ولأسباب واضحة، معارضًا لتلك التّصريحات والإنذارات الجليّة والَّتي أشرت إليها من قبل. وبالفعل كما بيّنت آنفًا الّذين يبالغون فِي المقام الذي أعطي لحضرة عبد البهاء يكونون فِي موقف يلامون عليه ويتسبّبون بإلحاق الأذى نفسه الذي يتسبّب به أولئك الذين يقلّلون من شأن مقامه. وما هذا إلا لأنّهم بإلحاحهم عَلَى نتيجة استخلصوها بدون أيّ مبرر من آثار حضرة بهاء الله يكونون – دون أن يكون لهم قصد فِي ذلك – قد أعطوا لأعداء الأمر وبصورة مستمرّة الأدلّة الَّتي يحتاجها
هؤلاء لاتّهاماتهم الباطلة وتصريحاتهم المضلّلة، ويعاونونهم عَلَى تبرير تلك الاتّهامات.
كما أشعر أنّه من الضّروري إذًا أن أبيّن بدون أيّ تردّد أو مواربة عَلَى أنّه لا يوجد أيّ سند للرّأي الذي يميل إلى الأخذ بما يمكن أن يوصف "بالوحدة الغيبيّة" الَّتي تربط بينه وبين والده، أو بينه وبين أيّ مظهر من المظاهر الإلهيّة السّابقة- فمثل هذا السّند لا يوجد فِي "الكتاب الأقدس". ولا فِي "كتاب عهدي" ولا حتّى فِي "سورة الغصن" أو فِي أيّ لوح من الألواح، أكَانَتْ هذه ألواحًا أظهرها حضرة بهاء الله أو حضرة عبد البهاء...
فالتّعليق الّذي كتبه حضرة عبد البهاء بنفسه عَنْ "سورة الغصن" هو: "أؤكّد أنّ المعنى الحقيقيّ، والمغزى الأصليّ، والسّرّ الخفيّ لهذه الآيات، ولهذه الكلمات، هو عبوديّتي للجمال الأبهى وعتبته المقدّسة، وفناء ذاتي وانعدامي التّام عنده. إنّ هذا لهو تاجي المنير وغاية أملي. وبهذا فخري فِي ملكوت الأرض والسّماء. وبهذا يكون عزّي بين جموع المختارين من عباده". وينذرنا فِي المقطع الذي يتلو هذا مباشرة قائلاً: "لا يسمح لأحد أن يبيّن هذه الآيات تبيانًا آخر". ويعود فيؤكّد بهذا الخصوص قائلاً: "إنّني مبيّن كلمة الله طبقًا لتلك النّصوص الواضحة فِي "الكتاب الأقدس" و "كتاب عهدي" وكلّ من ينحرف عَنْ تبياني إنّما هو ضحيّة هواه".
وعلاوة عَلَى ذلك فإنّ الاستنتاج الّذي لا يمكن تلافيه إذا ما اعتقدنا فِي المطابقة الذّاتيّة لمؤسّس ديننا مع من يحتلّ مركز ميثاقه هو أَن نضع حضرة عبد البهاء فِي مقام هو أسمى من مقام حضرة الباب – وهذا عكس المبدأ الأساسيّ لهذا الظّهور – رغم أنّ هذا المبدأ لم يصبح معروفًا معرفة تامّة بعد. وسيبرّر مثل هذا الزّعم الخاطئ التّهمة الَّتي
وجّهها النّاقضون طيلة دورة حضرة عبد البهاء، والَّتي سعوا بها لتسميم أفكار أتباع حضرة بهاء الله المخلصين وتزييف إدراكهم.
ولعلّه من الأصحّ طبقًا للمبادئ الَّتي نصّها كلّ من حضرة بهاء الله وحضرة الباب أن يكون بدلاً من هذه المعادلة المطابقة بين حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء – وهي مطابقة غير حقيقيّة – اعتبار مبشّر ديننا ومؤسّس هذا الدّين مطابقين فِي جوهرهما، وهي حقيقة يؤكّدها دون أي التباس نصّ "سورة الهيكل" حيث يتفضل حضرة بهاء الله قائلاً: "لَوْ كَانَ النُّقْطَةُ الأُولَى عَلَى زَعْمِكُمْ غَيْرِي، وَيُدْرِكُ لِقائِي لَنْ يُفَارِقَ مِنِّي، وَيَسْتَأْنِسُ بِنَفْسي، واسْتأْنَسْتُ بِنَفْسِهِ فِي أَيَّامي، إِنَّهُ ناحَ لِفِرَاقِي. قَدْ سَبَقَنِي لِيُبَشِّرَ النَّاسَ بِمَلَكُوتي كَذلِك نُزِّل فِي الأَلْواحِ إِنْ أَنْتُمْ مِنَ النَّاظِرينَ، فيَا لَيْتَ يَكُونُ مِنْ ذِي سَمَعٍ لِيَسْمعَ ضَجِيجَهُ فِي البَيان بِمَا وَرَدَ عَلَى نَفْسِي مِنْ هَؤلاءِ الغافلين"... ليس حضرة عبد البهاء مظهرًا إلهيًّا، فهو يستقي نوره وعونه من المنبع الرّئيس للظّهور البهائيّ. فهو كان يعكس أشعّة نور مجد حضرة بهاء الله كمرآة صافية كاملة لا يمتلك فِي ذاته تلك الحقيقة الشّاملة الَّتي لا يمكن أن توصف والَّتي تكون حيازتها ميزةً من ميّزات النُّبُوَّة. إنّ كلمات حضرة عبد البهاء ليست فِي نفس مرتبة كلمات حضرة بهاء الله رغم أنّها سارية المفعول مثل كلمات حضرة بهاء الله. فلا يجب أن نعتبر حضرة عبد البهاء بمثابة مجيء يسوع المسيح، أي الابن الّذي سيأتي فِي مجد الأب، إنّ كلّ هذه الحقائق تجد ما يبرّرها وما يؤكّدها فِي البيان التّالي الذي وجّهه حضرة عبد البهاء إلى بعض المؤمنين فِي أمريكا، وهو ما يجدر بي أن أختم به هذا الجزء من مقالي: "لقد كتبتم أنّ هناك اختلافًا فِي الرّأي لدى المؤمنين حول المجيء الثّاني للسّيّد المسيح... ولقد ظهر هذا السّؤال مرّة بعد أخرى، وأعطي جوابه من قلم عبد البهاء فِي بيان واضح لا مجال إلى رفضه، وهو أنّ المقصود فِي النّبوءآت من ربّ الجنود
والمسيح الموعود هو الجمال المبارك وحضرة الأعلى، ويجب أن تكون عقائدكم مركَّزة عَلَى هذا النّصّ. إنّ اسمي عبد البهاء، وصفتي عبد البهاء، وذاتي عبد البهاء، وحقيقتي عبد البهاء، وحمدي عبد البهاء، وعبوديّتي للجمال المبارك هي إكليلي الجليل... فليس لي أبدًا ولن يكون لي اسم أو لقب أو ذكر أو ثناء سوى إنّني عبد البهاء. إنّ هذا هو أملي وغاية رجائي، وفي هذا حياتي الأبديّة ومجدي الخالد".
صعود حضرة عبد البهاء1انتهى الآن عمل حضرة عبد البهاء العظيم، وانجزت الرّسالة التّاريخيّة الَّتي حمّلها إيّاه والده منذ تسع وعشرين سنة خلت إنجازًا مجيدًا، فكتب بذلك فصل خالد فِي تاريخ القرن البهائي الأوّل وشارف النّهاية عصر البطولة المجيد من الدّورة البهائيّة – ذلك العصر الذي اشترك فيه حضرة عبد البهاء منذ البداية، ولعب فيه دورًا فريدًا، ولقد قاسى كما لم يقاسِ أحد من تلاميذ الأمر الذي تَجَرَّعُوا كأس الشّهادة، وجاهد كما لم يجاهد أحد من أبطاله العظام، وشهد من الفتوحات ما لم يشهده المبشّر بالدّين ولا مؤسّس الدين.
وفي نهاية رحلاته الغربيّة الشّاقّة الَّتي استنزفت آخر دانق من قوّته المضمحلّة كتب يقول: "أيّها الأحبّاء سيأتي وقت أفارقكم فيه، لقد فعلت كلّ ما يجب عليّ أن أفعله، وخدمت أمر حضرة بهاء الله بقدر ما أوتيت من قوّة، ولم أهدأ فِي حياتي لا ليلاً ولا نهارًا، وإنّي لآمل كلّ الأمل أن أرى الأحبّاء الأعزّاء يتحمّلون مسؤوليّات الأمر المبارك، أيّام حياتي معدودة ولم يعد لي فيها من سرور سوى هذا الأمل"، ومن قبل ذلك بعد سنوات أشار إلى صعوده بقوله: "أيها الأحبّاء الأوفياء ! إذا
اتّفق فِي وقت من الأوقات أن حدثت فِي البقعة المباركة حوادث مؤلمة فلا تضطربوا ولا تفزعوا ولا تخافوا ولا تحزنوا قطّ ومائة قطّ! فإنّ ما يحدث يكون سببًا لعلوّ كلمة الله وانتشار نفحاته". ثمّ بقوله أيضًا: "اعلموا أنّي بينكم دائمًا أبدًا سواء أكنت فِي هذا العالم أم لم أكن". كما أنّه نصح لأحبّائه فِي أحد ألواحه الأخيرة بقوله: "لا ينبغي لكم أن تنظروا لشخص عبد البهاء لأنّه سوف يودّعكم آخر الأمر، وإنّما انظروا إلى كلمة الله... إنّ أحبّاء الله يجب أن يقوموا بثبات راسخ بحيث لو أصبح مائة من أمثال عبد البهاء هدفًا لسهام البلاء فِي لحظة واحدة لما تغيّر العزم ولا النّيّة ولما تبدّل الاشتعال والانجذاب والاشتغال بخدمة أمر الله".
وفي لوح وجّهه إلى أحبّاء أمريكا قبل صعوده بأيّام قلائل أرخى العنان لحنينه المكبوت إلى مغادرة هذا العالم فقال: "لقد هجرت العالم وأهله... أضطرب فِي قفص هذا العالم اضطراب الطّائر المفزع يضرب بجناحيه وذنبه. وفي كلّ يوم أحنّ إلى الطّيران إلى ملكوتك. يا بهاء الأبهى! اسقني كأس الفداء ونجّني". وقبل صعوده بستّة أشهر تقريبًا أنزل مناجاة تشريفًا لأحد أقارب الباب فكتب فيها يقول: "رَبِّ قَدْ وَهَنَ العَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ العُمْرِ عَتِيًّا، فَما بَقِيَ لي لا حَرَكَةٌ وَلا سُكُونٌ وَلا قَوَّةٌ حَتّى أَقُومَ بِها عَلَى عُبودِيَّةِ أَحِبَّتِكَ الَّذينَ اخْتَرتَهُمْ فِي بابِ أَحَدِيَّتكَ وَانْتَخَبْتَهُمْ لإِعلاءِ كَلِمَتِكَ وَاجْتَبَيْتَهُمْ لِنَشْرِ نَفَحاتِكَ. رَبِّ رَبِّ عَجِّلْ فِي عُرُوجي إِلى عَتَبَتِكَ العُلْيا وَصُعُودِي إِلى النَّشْأَةِ الأُخْرَى وَوُفُودِي عَلَى بَابِ فَضْلِكَ فِي جِوارِ رَحْمَتِكَ الكُبْرى".
ومن الأحلام الَّتي كان يراها، ومن الأحاديث الَّتي كان يتفضّل بها، ومن الألواح الَّتي كان ينزلها كان اقتراب خاتمته الحثيث يزداد اتّضاحًا، فقبل صعوده بشهرين أخبر أهله بحلم رآه، قال: "رأيتني أقف
في محراب مسجد عظيم مكان الإمام، وفي تلك الأثناء أدركت أنّ عددًا عظيمًا من النّاس طفقوا يدخلون جماعة فِي أثر جماعة فيزداد بهم عدد المصلّين حتّى أصبحوا جمعًا غفيرًا واصطفّوا من خلفي، وفي وقفتي هذه أذّنت فيهم بصوت مرتفع ثمّ خطر لي بغتة أن أخرج من المسجد. فلمّا وجدت نفسي خارجه فكّرت: لماذا خرجت قبل إنهاء الصّلاة؟ ولكنّي قلت لنفسي: لا بأس! ما دمت قد أذّنت للصّلاة بصوت مرتفع فإنّ هذا الجمع الغفير سوف يؤدّون الصّلاة وحدهم" وبعد أسابيع قليلة، حين كان يقيم فِي غرفة منعزلة فِي حديقة منزله، قصّ حلمًا آخر عَلَى من كان حوله قال: "رأيت حلمًا، وشاهدت الجمال المبارك يقبل عليّ ويقول لي اهدم هذه الغرفة". ولم يدرك أحد من الحاضرين دلالة هذا الحلم حتّى صعد حضرته بعد ذلك بسرعة. حينذاك اتّضح لهم جميعًا أنّ ما أريد بكلمة الغرفة إنّما كان هيكل جسده.
وقبل شهر من صعوده (الذي حدث فِي السّاعات الأولى من اليوم الثّامن والعشرين من تشرين الثّاني سنة 1921 وهو فِي عامه الثّامن والسّبعين) أشار إلى ذلك صراحة فِي كلمات مستبشرة مطمئنّة وجّهها إلى مؤمن كان يندب موت أخيه، وقبل أسبوعين من صعوده تحدّث إلى بستانيه المخلص فِي نغمة تشير إشارة واضحة إلى أنّه يعلم اقتراب أجله، قال: "لقد تعبت تعبًا لا يوصف بوصف وبلغ بي الأمر مبلغه بحيث يجب أن أترك كل شيء وأفرّ، إنّني أعجز عن المشي من شدّة الضّعف" ومضى يقول: "ولقد اتّفق لي فِي أواخر أيام الجمال المبارك أن وردت ساحته المقدسة يومًا وتشرّفت بدخول غرفة التّحرير ونزول الآيات فِي البهجة فلاحظت أنّ الألواح والأوراق والآثار العديدة قد تبعثرت فِي أطراف الغرفة رزمًا رزمًا فشرعت عَلَى الفور فِي جمع تلك الأوراق، فشاهدت الجمال المبارك وتفضل فقال: ماذا تفعل؟ لا فائدة
من جمع هذه الأوراق! يجب أن أترك كلّ شيء وأرحل. وأنا الآن قد أتممت أعمالي ولست قادرًا على تحمّل ما هو أكثر من هذا، فيجب إذًا أن أترك كلّ شيء وأرحل".
وطفق عبد البهاء حتّى اليوم الأخير من حياته الأرضيّة يغدق المحبّة الَّتي كان يغدقها من قبل عَلَى الرّفيع والوضيع عَلَى حدّ سواء، ويبذل المعونة الَّتي كان يبذلها من قبل للفقير والمسكين، ويقوم بما كان يقوم به نحو دين والده من واجبات كانت ديدنه من أيّام طفولته، وفي يوم الجمعة السّابق لصعوده شهد صلاة الظّهر فِي المسجد – رغم إعيائه – وفرّق الصّدقات من بعد ذلك عَلَى الفقراء كما كانت عادته، وأملى بضعة ألواح – كانت هي آخر ما أنزل – وبارك زواج خادم أمين كان حضرته أصرّ عَلَى أن يتمّ فِي ذلك اليوم، وحضر اجتماع الأحبّاء المعتاد فِي منزله، فلمّا كان اليوم التّالي أحسّ بالحمّى، ولمّا كان غير قادر عَلَى مغادرة المنزل فِي يوم الأحد التّالي فقد أرسل جميع الأحبّاء إلى مقام الباب ليحضروا الاحتفال الذي أقامه زائر فارسيّ بمناسبة ذكرى إعلان الميثاق، واستقبل بحفاوته المواتية ورقّة حاشيته مفتي حيفا ورئيس بلديّتها ورئيس شرطتها فِي عصر ذلك اليوم نفسه رغم الإعياء المتزايد، وفي تلك اللّيلة – وهي آخر ليلة من حياته – استفسر عن صحة كلّ فرد من أفراد عائلته وكذلك عن صحّة الزوّار والأحبّاء فِي حيفا قبل أن يأوي إلى فراشه.
وفي السّاعة الواحدة والرّبع صباحًا نهض ومضى إلى منضدة فِي غرفته وشرب قليلاً من الماء ثم عاد إلى فراشه، وبعد قليل طلب إلى إحدى ابنيته اللّتين سهرتا عليه أن ترفع الستائر الشّبكيّة شاكيًا من أنّه يجد صعوبة فِي التّنفّس، وأحضر له شيء من ماء الورد فشرب منه ثم استلقى مرّة أخرى فلمّا عرض عليه الطّعام قال بوضوح "أتريدون أن أتناول شيئًا من الطّعام وأنا ذاهب؟" وبعد دقيقة أخرى رفّت روحه
بجناحيها صاعدة إلى مقرها الأبديّ لتنضمّ – بعد حينٍ طويل – إلى مجد أبيه المحبوب، وتتذوّق سعادة الاتّحاد معه اتّحادًا دائمًا.
وانتشرت أنباء صعوده المفاجئ غير المتوقّع انتشار النّار المستشرية فِي أرجاء المدينة، وطيّرت فِي الحال عَلَى أسلاك البرق إلى أنحاء المعمورة القصيّة، فما لبث أن صعق الحزن جامعة أتباع حضرة بهاء الله فِي الشّرق والغرب، انهالت الرّسائل من القاصي والدّاني، من الرّفيع والوضيع عَنْ طريق البرق والبريد حاملة إلى العائلة الثّكلى الملتاعة عبارات التّمجيد والإخلاص والحزن والرّثاء.
أبرق ونستن تشرشل1 وزير المستعمرات البريطانيّة إلى السّيّد هربرت صامويل2 المندوب السّامي فِي فلسطين عَلَى الفور مكلّفًا إيّاه أن "يبلّغ الجامعة البهائية باسم حكومة جلالة الملك – عزاءها ومشاطرتها الأحزان". وأبرق الفيكونت أللّنبي3 المندوب السّامي فِي مصر إلى المندوب السّامي فِي فلسطين راجيًا إيّاه أن "يبلّغ أقارب المرحوم السّير عبد البهاء عبّاس أفندي والجامعة البهائيّة عزاءه الحارّ فِي فقدان الزّعيم المبجّل". وكلف مجلس الوزراء فِي بغداد رئيس الوزراء السيد عبد الرحمن أن يبلّغ "عزاءهم إلى أسرة صاحب الفضيلة عبد البهاء فِي مصيبتهم". وأرسل الجنرال كونجريف4 القائد العام للبعثة المصريّة العسكريّة إلى المندوب السّامي فِي فلسطين رسالة يرجوه فيها أن "يبلّغ أحرّ العزاء لأسرة المرحوم السّير عبّاس البهائي". وكتب الجنرال السّير آرثر موني5 حاكم فلسطين السّابق فعبّر عَنْ حزنه واحترامه العميقين له
وإعجابه به وعن مؤاساته فِي الخسارة الَّتي تكبّدتها أسرته. وكتبت شخصيّة من الشّخصيات الممتازة فِي جوّ جامعة اكسفورد العلمي، وهو أستاذ مشهور وعالم جليل باسمه واسم زوجته فقال: "إنّ الصّعود وراء الحجاب إلى حياة أكمل وأتمّ لا بدّ أن يكون عجيبًا ومباركًا عَلَى نحو خاصّ بالقياس إلى من سما بأفكاره وجاهد فِي أن يحيى حياة سامية هنا عَلَى الأرض".
أسهمت كثير من الجرائد المختلفة أمثال التّيمز6 اللندنيّة والدّيلي ميل7 والمورنينج بوست8 والنّيويورك ورلد9 ولوتان10 والتّيمز الهنديّة11 وغيرها من الجرائد الصّادرة باللّغات المختلفة وفي الأقطار المختلفة، أقول أسهمت فِي تأبين ذلك الّذي أدّى لقضيّة الإخاء الإنسانيّ والسّلام العالميّ هذه الخدمات الشّهيرة الخالدة.
وأرسل السّير هربرت صمويل من فوره رسالة يفصح فيها عَنْ رغبته فِي تشييع الجنازة لكي "أعبر عَنْ احترامي لعقيدته وتبجيلي لشخصه" كما كتب فيما بعد، أمّا موكب الجنازة الذي سار صباح الثّلاثاء – والّذي لم تشهد له فلسطين مثيلاً مِنْ قَبْلُ – فقد اشترك فيه ما لا يقلّ عَنْ عشرة آلاف نسمة تمثّل كلّ طبقة ودين وجنس فِي هذه البلاد. ولقد شهد المندوب السّامي فيما بعد فقال "اجتمعت جموع غفيرة آسفة عَلَى موته ومستبشرة بذكرى حياته". وكذلك كتب السّير رونالد
ستورز12 حاكم القدس حينذاك فقال فِي وصف موكب الجنازة "لم أعرف قطّ تعبيرًا أشدّ اتّحادًا عن الأسف والاحترام كذلك الذي أوحت به بساطة ذلك الموكب المطلقة″.
وحمل التّابوت الّذي يحتوي رفات حضرة عبد البهاء إلى مقرّه الأخير عَلَى أكتاف أحبّائه، وتقدّمت موكب الجنازة كوكبة من بوليس المدينة كحرس شرف، تلاها بالتّرتيب فريق الكشّافة الإسلاميّة والمسيحيّة رافعين أعلامهما، ثم طائفة من المرتّلين المسلمين يرتّلون آيات القرآن، ثمّ أقطاب المسلمين وعلى رأسهم المفتي، ثمّ بعض القساوسة اللاتين واليونان والانجليكان.
وسار خلف التّابوت أفراد عائلته والسّير هربرت صمويل المندوب السّامي البريطاني والسّير رونالد ستورز حاكم القدس والسّير ستيوارت سيمس13 حاكم فينقيا ورجال الدّولة وقناصل الدّول المختلفة المقيمين بحيفا، ووجوه فلسطين من المسلمين واليهود والمسيحيّين والدّروز، كما سار المصريّون واليونان والأتراك والعرب والأكراد والأوربّيّون والأمريكيّون رجالاً ونساء وأطفالاً، ورقى الموكب الثّاكل الطّويل فِي سيره البطيء بين نحيب القلوب المفجوعة وأنينها- سفوح الكرمل حتى وصل إلى مقام الباب.
وبجوار المدخل الشّرقي للمقام وضع التّابوت المقدّس عَلَى منضدة عاديّة، وبمحضر من هذا الجمع الحاشد ألقى تسعة خطباء من المسلمين واليهود والمسيحيّين خطبهم التّأبينيّة وكان من بينهم مفتي حيفا، فلمّا فرغ هؤلاء تقدّم المندوب السّامي من التّابوت وانحنى برأسه نحو المقام ورفع لعبد البهاء فروض الوداع الأخير، وحذا حذوه رجال الدّولة
الآخرون. ثم نقل التّابوت إلى إحدى غرفات المقام، وهناك خفض بحزن وإجلال ووضع فِي مقرّه الأخير فِي مدفن مجاور لتلك الَّتي ترقد فيها رفات الباب.
وفي غضون الأسبوع الذي تلا صعوده كان الطّعام يقدّم يوميًّا فِي منزله لفقراء من حيفا يتراوحون بين الخمسين فقيرًا والمائة فقير، عَلَى حين فرّقت الحنطة لذكراه فِي اليوم السّابع فيما يقرب من ألف فقير بغضّ الطرف عَنْ عقائدهم أو أجناسهم، وفي اليوم الأربعين أقيم احتفال مهيب تخليدًا لذكراه دعي إليه ما يقرب من ستّمائة نسمة من أهالي حيفا وعكاء والأماكن المجاورة فِي فلسطين وسوريّا بما فيهم رجال الدّولة ووجوه من مختلف الملل والأجناس، وقدّم الطعام لأكثر من مائة فقير فِي ذلك اليوم أيضًا.
ونهض أحد الضيوف المجتمعين – وهو الحاكم فينقيا فألقى خطابه التّأبينيّ الأخير لذكرى حضرة عبد البهاء بقوله: "أعتقد أن لدى الكثيرين منّا صورة واضحة للسّير عبد البهاء عباس، لهامته الجليلة وهو يمشي مفكّرًا فِي شوارعنا، لمسلكه اللّطيف الرّقيق، لشفقته، لحبّه للأطفال والأزهار، لكرمه وعنايته بالفقراء المساكين، وقد بلغ من لطفه وبساطته أن كان المرء ينسى أنّه بمحضر معلّم عظيم، وأنّ كتاباته وأحاديثه ما زالت عزاء وإلهامًا لمئات وألوف من النّاس فِي الشّرق والغرب".
وهكذا انتهت ولاية من كان يجسّد بفضل المنزلة الَّتي وهبها إيّاه والده – مؤسّسة لا شبيه لها فِي التّاريخ الدّيني كلّه، وهي ولاية تشير إلى المرحلة النّهائيّة من العصر الرّسولي البطولي ألا وهو أمجد عصور دورة حضرة بهاء الله.
على يديه تمّ إعلان الميثاق ذلك "الميراث المرغوب الّذي لا عدل
له" الّذي أورثه إيّاه مؤسّس الدّورة البهائيّة، كما تمّ الدّفاع عنه وثبتت حقيقته، وبتلك القوّة الَّتي منحته إيّاها هذه الأداة الإلهيّة المقدّسة اخترق الغرب نور دين الله الجديد، وانتشر حتى جزائر المحيط الهادئ، وأضاء حواشي قارة استراليشيا، وبتدخّله الشّخصي ذاع صيت الرّسالة الَّتي ذاق حاملها مرارة الحبس مدى حياته، وتجلّت طبيعتها وغايتها لأوّل مرة فِي تاريخها أمام جموع من المستمعين المتحمّسين من كافّة الأجناس والطّبقات فِي أهمّ مدن القارّة الأوروبّية والأمريكيّة الشّماليّة، وبسهره الدّائب نقلت رفات حضرة الباب (بعد إخفائها خمسين سنة) إلى الأرض المقدّسة آمنة، واستقرّت استقرارًا خالدًا لائقًا فِي البقعة الَّتي عيّنها حضرة بهاء الله بنفسه وباركها بمحضره، وبفعاليّته الجريئة شيّد فِي آسيا الوسطى، فِي تركستان الرّوسية أول "مشرق الأذكار" فِي العالم البهائي، وبتشجيعه الدّائم بدأت مهمّة مماثلة ولكنّها عَلَى نطاق أكبر، وبارك لها أرضًا فِي قلب قارة أميركا الشّماليّة، وبفضل العناية الَّتي ظلّلته منذ افتتاح عهده ذلّ عدوّه السّلطانيّ حتّى تساوى بالتّراب، واستؤصلت شأفة النّاقض الأكبر لميثاق والده وزال زوالاً نهائيًّا ذلك الخطر الّذي كان يتهدّد قلب الدّين منذ أن أخرج حضرة بهاء الله إلى الأراضي التّركيّة، وبمتابعته لتعليماته وعمله بمقتضى المبادئ والشّرائع الَّتي سنّها والده تشكّلت الهيئات الأساسيّة المبشّرة بالافتتاح الرّسمي للنّظام الإداريّ الّذي أخذ يتأسّس بعد صعوده، وبمجهوده المتواصل اتّضحت المبادئ والتّعاليم الَّتي تكوّن لحمة إلهام والده وسداه وتدعّمت أصولها الأساسيّة وشرحت ونفذت موادها تنفيذًا مفصلا وتجلّت صحّة حقائقها وضرورتها تجلّيًا كاملاً، كما يتّضح ذلك من موضوعاته الَّتي كتبها، وآلاف الألواح الَّتي أنزلها، وخطبه ومناجاته وأشعاره وتفسيراته الَّتي خلّفها للأجيال القادمة ومعظمها بالفارسيّة وبعضها بالعربيّة وقليل منها بالتّركيّة، وبالإنذارات الَّتي نطق
بها قدّرت للانسانيّة الغافلة الغارقة فِي المادّيّة النّاسية لربّها الأخطار الَّتي تهدّد حياتها المنظّمة، واضطرّت – نتيجة لضلالها الملحّ – إلى أن تتحمّل وقع الصّدمات المبدئيّة لهذا الانقلاب العالميّ الّذي ما زال إلى يومنا هذا يزعزع أسس المجتمع الإنسانيّ، وأخيرًا بذلك التّوكيل الذي أعطاه للجامعة الجريئة الَّتي سكبت فتوحات أفرادها الرّاسخة نورًا وهّاجًا عَلَى صفحات ولايته، أقول بهذا التّوكيل نفّذ خطّة استطاعت – بعد افتتاحها الرّسميّ مباشرة – أن تفوز بفتح قارة أستراليا، وعملت فيما بعد عَلَى اجتذاب قلب ملكة مؤمنة إلى دين والده، وما زالت إلى اليوم بفضل تفتّح إمكانياتها تفتحًّا لا يقاوم ترقى بالحياة الرّوحيّة رقيًّا مدهشًا فِي كافة جمهوريّات أميركا اللاتينيّة فلا تلبث حتّى تكتب خاتمة لائقة لتاريخ قرن كامل.
صفحة خاليةالصفحة مقدّمة 5 النّصوص المباركة الَّتي تقرّر الأيّام التّسعة 7 لائحة بمواعيد الأيّام التّسعة 11 ملحوظة 12 بعض النّصوص المباركة بخصوص ميلاد حضرة الأعلى 13 الفصل الأول: ميلاد حضرة الأعلى 15 مقتطف من مناجاة حضرة الباب 17 من مناجاة حضرة الباب 18 لوح المولود (بسم المولود الّذي جعله الله مبشّرًا لاسمه العزيز الودود) 19 مقتطف من لوح الرّؤيا 21 ولادة حضرة الباب ونشأته 22 أوصاف حضرة الباب وشمائله من المصادر المتعدّدة 27 الفصل الثّاني: ميلاد حضرة بهاء الله 29 مقتطف من لوح الرّؤيا 31
لوح المولود (الأقدس الأمنع الأعظم، قد جَاءَ عيد المولود ...) 31 هو الله، أن يا معشر العشّاق تالله هذه لليلة ما ظهر مثلها فِي الإمكان 33 مقتطفات من ألواح حضرة بهاء الله 35 ولادة حضرة بهاء الله ونشأته – مقتطفات من خطابة حضرة عبد البهاء - 36 ثناء من حضرة ولي أمر الله وصلاته لحضرة بهاء الله 39 ميلاد حضرة بهاء الله من تاريخ النّبيل 40 من أوصاف طفولة حضرة بهاء الله 42 الفصل الثّالث: إعلان دعوة حضرة الأعلى 45 مقتطفات من كتاب "قيّوم الأسماء" 47 مقتطفات من توقيع حضرة النّقطة الأولى 49 من مناجاة لحضرة الأعلى 53 لوح النّاقوس (هو العزيز، هذه روضة الفردوس ...) 57 لوح غلام الخلد 61 لوح حضرة بهاء الله فِي ليلة المبعث 64 مقتطفات من الآثار المباركة حول ليلة المبعث 66 خطبة حضرة عبد البهاء عَنْ إعلان دعوة حضرة الباب 69 مقتطف من لوح حضرة عبد البهاء 73 وقائع إعلان الدّعوة من تاريخ النّبيل 73 الفصل الرّابع: استشهاد حضرة الأعلى 87 مناجاة لحضرة الأعلى من "قيّوم الأسماء" 89
لوح الزّيارة 89 مقتطفات من ألواح حضرة بهاء الله 91 مقتطف من سورة الأحزان المنزلة 92 مناجاة صدر من قلم حضرة وليّ أمر الله 93 وقائع استشهاد حضرة الباب 94 الفصل الخامس: عيد الرّضوان 107 مقتطفات من الكتاب الأقدس 109 سورة الصّبر 110 هو المستوي على هذا العرش المنير، يا قلم الأبهى بشّر الملأ الأعلى 136 قد طلع جمال القدس عن خلف الحجاب وإنّ هذا لشيء عجاب 138 نزّل في يوم أوّل الرّضوان – هو الظّاهر المستور العزيز العليم الصّبور 139 بسم الله العزيز الوهّاب، سبحانك اللّهم أسألك بهذا اليوم 144 هذا لوح قد نزّل في الرّضوان ليقرأ الكلّ في عيد الرّضوان بلحن الله العزيز الحكيم
154 سورة القلم 158 مقتطف من لوح مبارك لأيّام الرّضوان 166 مقتطف من لوح آخر 168 مقتطفات من بيانات حضرة الباب بشأن ظهور حضرة بهاء الله 172 نصوص مباركة بخصوص عيد الرّضوان 174
خطاب ألقاه حضرة عبد البهاء في اليوم التّاسع من الرّضوان 177 إعلان الدّعوة 181 ابتداء الرّحلة الطّويلة 184 لمحات عن لقاءات ووصف الجمال المبارك 186 الفصل السّادس: عيد النّيروز 193 مقتطفات من الكتاب الأقدس 195 أنا الأقدس الأعظم، لك الحمد يا إلهي بما جعلت هذا اليوم عيدًا للمقرّبين 195 يُقرأ فِي النّيروز وعيد الصّيام – هو الحيّ الباقي القيّوم 197 هو الأقدس الأعظم الأعلى، سبحانك اللّهمّ يا إله العالم ومالك الأمم 201 الأعظم، لك الحمد يا إلهي بما جعلت النّيروز عيدًا 204 الخطبة المباركة لحضرة عبد البهاء يوم النّيروز 205 الفصل السّابع: صعود حضرة بهاء الله 209 لوح الزّيارة 211 مقتطفات من الكتاب الأقدس 212 سورة الغصن 213 ألواح مباركة حول العهد والميثاق 217 الأعظم الأبهى 217 مقتطف من لوح موجّه لحضرة عبد البهاء 218 كتاب عهدي (مترجمًا) 218
خطبة لحضرة عبد البهاء عن مصائب الجمال المبارك 221 صعود حضرة بهاء الله 226 تاريخ صعود حضرة بهاء الله بقلم نبيل الزّرندي 231 ملحق: صعود حضرة عبد البهاء 237 مناجاة اللّقاء 239 مناجاة لحضرة عبد البهاء 240 ألواح وصايا حضرة عبد البهاء (مترجمًا) 241 هو الله، أيّها الثّابت على العهد والميثاق 254 هو الله الشّاهد الكافي 259 هو الأبهى 262 من بيانات حضرة وليّ أمر الله 262 صعود حضرة عبد البهاء 272
1 من كتاب القرن البديع------------------------------------------------------------
---------------------------------------------------------------------------
3