هذا ما نُزِّلَ مِنْ جَبَرُوتِ العِزَّةِ بِلِسانِ القُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ عَلَى النَّبِيِّينَ مِنْ قَبْلُ. وَإِنَّا أَخَذْنا جَوَاهِرَهُ وَأَقْمَصْناهُ قَمِيصَ الاخْتِصارِ فَضْلاً عَلَى الأَحْبَارِ لِيُوفُوا بِعَهْدِ اللهِ وَيُؤَدُّوا أَمانَاتِهِ فِي أَنْفُسِهِمْ وَلِيَكُونُنَّ بِجَوْهَرِ التُّقَى فِي أَرْضِ الرُّوحِ مِنَ الفائِزِينَ.
3فِي أَوَّلِ القَوْلِ امْلِكْ قَلْباً جَيِّداً حَسَناً مُنيراً لِتَمْلِكَ مُلْكاً دائِماً باقِياً أَزَلاً قَدِيماً.
يَا ابْنَ الرُّوحِأَحَبُّ الأَشْيَاءِ عِنْدِي الإنْصافُ. لا تَرْغَبْ عَنْهُ إِنْ تَكُنْ إِلَيَّ راغِباً وَلا تَغْفَلْ مِنْهُ لِتَكُونَ لِي أَمِيناً وَأَنْتَ تُوَفَّقُ بِذلِكَ أَنْ تُشَاهِدَ الأَشْياءَ بِعَيْنِكَ لا بِعَيْنِ العِبادِ وَتَعْرِفَها بِمَعْرِفَتِكَ لا بِمَعْرِفَةِ أَحَدٍ فِي البِلادِ. فَكِّرْ فِي ذلِكَ كَيْفَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ. ذلِكَ مِنْ عَطِيَّتِي عَلَيْكَ وَعِنايَتي لَكَ فَاجْعَلْهُ أَمامَ عَيْنَيْكَ.
4كُنْتُ فِي قِدَمِ ذاتِي وَأَزَلِيَّةِ كَيْنُونَتِي؛ عَرَفْتُ حُبّي فِيكَ خَلَقْتُكَ، وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مِثالِي وَأَظْهَرْتُ لَكَ جَمَالي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِأَحْبَبْتُ خَلْقَكَ فَخَلَقْتُكَ، فَأَحْبِبْني كَيْ أَذْكُرَكَ، وَفِي رُوحِ الْحَياةِ أُثَبِّتُكَ.
يَا ابْنَ الوُجُودِأَحْبِبْني لأُحِبَّكَ. إِنْ لَمْ تُحِبَّنِي لَنْ أُحِبَّكَ أَبَداً فَاعْرِف يا عَبْدُ.
5رِضْوانُكَ حُبِّي وَجَنَّتُكَ وَصْلي فَادْخُلْ فِيها وَلا تَصْبِرْ. هذَا ما قُدِّرَ لَكَ فِي مَلَكُوتِنا الأَعْلَى وَجَبَرُوتِنَا الأَسْنى.
يَا ابْنَ البَشَرِإِنْ تُحِبَّ نَفْسي فَأَعْرِضْ عَنْ نَفْسِكَ، وَإِنْ تُرِدْ رِضائِي فَأَغْمِضْ عَنْ رِضائِكَ، لِتَكُونَ فِيَّ فانِياً وَأَكُونَ فِيْكَ باقِياً.
6ما قُدِّرَ لَكَ الرَّاحَةُ إِلاَّ بِإِعْراضِكَ عَنْ نَفْسِكَ وَإِقْبالِكَ بِنَفْسي، لأَنَّهُ يَنْبَغي أَنْ يَكُونَ افْتِخارُكَ بِاسْمِي لا بِاسْمِكَ، وَاتِّكالُكَ عَلى وَجْهِي لا عَلى وَجْهِكَ لأَنِّي وَحْدي أُحِبُّ أَنْ أَكُونَ مَحْبوباً فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
يَا ابْنَ الوُجُودِحُبِّي حِصْني مَنْ دَخَلَ فِيهِ نَجا وَأَمِنَ وَمَنْ أَعْرَضَ غَوَى وَهَلَكَ.
7حِصْنِي أَنْتَ فَادْخُلْ فِيهِ لِتَكُونَ سالِماً. حُبّي فِيْكَ فَاعْرِفْهُ مِنْكَ لِتَجِدَني قَريباً.
يَا ابْنَ الوُجُودِمِشْكاتِي أَنْتَ وَمِصْباحِي فِيْكَ؛ فَاسْتَنِرْ بِهِ وَلا تَفْحَصْ عَنْ غَيْري، لأَنِّي خَلَقْتُكَ غَنِيَّاً وَجَعَلْتُ النِّعْمَةَ عَلَيْكَ بالِغَةً.
8صَنَعْتُكَ بِأَيادِي الْقُوَّةِ وَخَلَقْتُكَ بِأَنامِلِ الْقُدْرَةِ، وَأَوْدَعْتُ فِيْكَ جَوْهَرَ نُوري فَاسْتَغْنِ بِهِ عَنْ كُلِّ شَيءٍ، لأَنَّ صُنْعي كامِلٌ وَحُكْمي نافِذٌ لا تَشُكَّ فِيهِ وَلا تَكُنْ فِيهِ مُرِيباً.
يَا ابْنَ الرُّوحِخَلَقْتُكَ غَنِيّاً كَيْفَ تَفْتَقِرُ، وَصَنَعْتُكَ عَزِيزاً بِمَ تَسْتَذِلُّ، وَمِنْ جَوْهَرِ العِلْمِ أَظْهَرْتُكَ لِمَ تَسْتَعْلِمُ عَنْ دُونِي، وَمِنْ طينِ الْحُبِّ عَجَنْتُكَ كَيْفَ تَشْتَغِلُ بِغَيْري؛ فَأَرْجِعِ الْبَصَرَ إِلَيْكَ لِتَجِدَني فِيكَ قائِماً قادِراً مُقْتَدِراً قَيُّوماً.
9أَنْتَ مُلْكِي وَمُلْكِي لا يَفْنى. كَيْفَ تَخافُ مِنْ فَنائِكَ، وَأَنْتَ نُوري وَنُوري لا يُطْفى. كَيْفَ تَضْطَرِبُ مِنْ إِطْفائِكَ، وَأَنْتَ بَهائِي وَبَهائِي لا يُغْشى، وَأَنْتَ قَمِيصي وَقَميصِي لا يَبْلَى. فَاسْتَرِح فِي حُبِّكَ إِيّايَ لِكَيْ تَجِدَنِي فِي الأُفُقِ الأَعْلى.
يَا ابْنَ البَيانوَجِّهْ بِوَجْهِي وَأَعْرِضْ عَنْ غَيْرِي، لأَنَّ سُلْطانِي باقٍ لا يَزُولُ أَبَداً وَمُلكِي دائِمٌ لا يَحُولُ أَبَداً. وَإِنْ تَطْلُبْ سِوائِي لَنْ تَجِدَ لَوْ تَفْحَصُ فِي الوُجُودِ سَرْمَداً أَزَلاً.
10انْسَ دُونِي وَآنِسْ بِرُوحِي، هذا مِنْ جَوْهَرِ أَمْري فَأَقْبِلْ إِلَيْهِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِاكْفِ بِنَفْسِي عَنْ دُونِي وَلا تَطْلُبْ مُعِيناً سِوائِي، لأَنَّ ما دُونِي لَنْ يَكْفِيَكَ أَبَداً.
يَا ابْنَ الرُّوحِلا تَطْلُبْ مِنِّي ما لا نُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ، ثُمَّ ارْضَ بِما قَضَيْنَا لِوَجْهِكَ، لأَنَّ ما يَنْفَعُكَ هذا إِنْ تَكُنْ بِهِ راضِياً.
11أَوْدَعْتُ فِيكَ رُوحاً مِنِّي لِتَكُونَ حَبِيباً لِي؛ لِمَ تَرَكْتَنِي وَطَلَبْتَ مَحْبُوباً سِوائِي.
يَا ابْنَ الرُّوحِحَقِّي عَلَيْكَ كَبِيرٌ لا يُنْسَى، وَفَضْلِي بِكَ عَظيمٌ لا يُغْشى، وَحُبِّي فِيكَ مَوْجُودٌ لا يُغَطَّى، وَنُوري لَكَ مَشْهُودٌ لا يَخْفى.
12قَدَّرْتُ لَكَ مِنَ الشَّجَرِ الأَبْهى الْفَواكِهَ الأَصْفى، كَيْفَ أَعْرَضْتَ عَنْهُ وَرَضِيتَ بِالَّذي هُوَ أَدْنى، فارْجِعْ إِلى ما هُوَ خَيْرٌ لَكَ فِي الأُفُقِ الأَعْلَى.
يَا ابْنَ الرُّوحِخَلَقْتُكَ عَالِياً، جَعَلْتَ نَفْسَكَ دانِيَةً؛ فَاصْعَدْ إِلى ما خُلِقْتَ لَهُ.
يَا ابْنَ العَماءِأَدْعُوكَ إِلى الْبَقَاءِ وَأَنْتَ تَبْتَغِي الْفَنَاءَ، بِمَ أَعْرَضْتَ عَمَّا نُحِبُّ وَأَقْبَلْتَ إِلى ما تُحِبُّ.
13لا تَتَعَدَّ عَنْ حَدِّكَ وَلا تَدَّعِ ما لا يَنْبَغِي لِنَفْسِكَ، اسْجُدْ لِطَلْعَةِ رَبِّكَ ذِي الْقُدْرَةِ وَالاقْتِدارِ.
يَا ابْنَ الرُّوحِلا تَفْتَخِرْ عَلَى الْمِسْكِينِ بِافْتِخارِ نَفْسِكَ، لأَنِّي أَمْشي قُدّامَهُ وَأَراكَ فِي سُوءِ حالِكَ وَأَلْعَنُ عَلَيْكَ إِلَى الأَبَدِ.
14كَيْفَ نَسِيتَ عُيوبَ نَفْسِكَ وَاشْتَغَلْتَ بِعُيُوبِ عِبادِي. مَنْ كانَ عَلى ذلِكَ فَعَلَيْهِ لَعْنَةٌ مِنِّي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِلا تَنَفَّسْ بِخَطَأِ أَحَدٍ ما دُمْتَ خاطِئاً، وَإِنْ تَفْعَلْ بِغَيْرِ ذلِكَ مَلْعُونٌ أَنْتَ، وَأَنَا شاهِدٌ بِذلِكَ.
يَا ابْنَ الرُّوحِأَيْقِنْ بِأَنَّ الَّذي يَأْمُرُ النَّاسَ بِالْعَدْلِ وَيَرْتَكِبُ الْفَحْشَاءَ فِي نَفْسِهِ، إِنَّهُ لَيْسَ مِنِّي وَلَوْ كانَ عَلى اسْمِي.
15لا تَنْسِبْ إِلى نَفْسٍ ما لا تُحِبُّهُ لِنَفْسِكَ، وَلا تَقُلْ ما لا تَفْعَل. هذا أَمْرِي عَلَيْكَ فَاعْمَلْ بِهِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِلا تَحْرِمْ وَجْهَ عَبْدِي إِذا سَأَلَكَ فِي شَيْءٍ؛ لأَنَّ وَجْهَهُ وَجْهِي فَاخْجَلْ مِنِّي.
يَا ابْنَ الوُجُودِحاسِبْ نَفْسَكَ فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُحَاسَبَ، لأَنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيكَ بَغْتَةً وَتَقُومُ عَلَى الْحِسابِ فِي نَفْسِكَ.
16جَعَلْتُ لَكَ الْمَوْتَ بِشَارَةً، كَيْفَ تَحْزَنُ مِنْهُ. وَجَعَلْتُ النُّورَ لَكَ ضِياءً، كَيْفَ تَحْتَجِبُ عَنْهُ.
يَا ابْنَ الرُّوحِبِبِشارَةِ النُّورِ أُبَشِّرُكَ فَاسْتَبْشِرْ بِهِ، وَإِلى مَقَرِّ القُدْسِ أَدْعُوكَ تَحَصَّنْ فِيهِ، لِتَسْتَريحَ إِلى أَبَدِ الأَبَدِ.
يَا ابْنَ الرُّوحِرُوحُ القُدْسِ يُبَشِّرُكَ بِالأُنْسِ، كَيْفَ تَحْزَنُ. وَرُوحُ الأَمْرِ يُؤَيِّدُكَ عَلَى الأَمْرِ، كَيْفَ تَحْتَجِبُ. وَنُورُ الوَجْهِ يَمْشِي قُدَّامَكَ، كَيْفَ تَضِلُّ.
17لا تَحْزَنْ إِلاّ فِي بُعْدِكَ عَنَّا، وَلا تَفْرَحْ إِلاّ فِي قُرْبِكَ بِنا وَالرُّجُوعِ إِلَيْنا.
يَا ابْنَ الإِنْسانِافْرَحْ بِسُرُورِ قَلْبِكَ، لِتَكُونَ قابِلاً لِلِقائِي وَمِرآةً لِجَمالِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِلا تُعَرِّ نَفْسَكَ عَنْ جَميلِ رِدائِي وَلا تَحْرِمْ نَصِيبَكَ مِنْ بَديعِ حِياضِي؛ لِئَلاَّ يَأْخُذَكَ الظَّمَأُ فِي سَرْمَدِيَّةِ ذاتِي.
18اعْمَلْ حُدُودِي حُبّاً لِي، ثُمَّ انْهِ نَفْسَكَ عَمّا تَهْوى طَلَباً لِرِضائِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِلا تَتْرُكْ أَوامِرِي حُبّاً لِجَمَالِي، وَلا تَنْسَ وَصايايَ ابْتِغاءً لِرِضائِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِارْكُضْ فِي بَرِّ الْعَماءِ ثُمَّ أَسْرِعْ فِي مَيْدانِ السَّمآءِ. لَنْ تَجِدَ الرَّاحَةَ إِلاَّ بِالخُضُوعِ لأَمْرِنا وَالتَّواضُعِ لِوَجْهِنا.
19عَظِّمْ أَمْرِي لأُظْهِرَ عَلَيْكَ مِنْ أَسْرارِ العِظَمِ، وَأُشْرِقَ عَلَيْكَ بِأَنْوارِ الْقِدَمِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِكُنْ لِي خاضِعاً لأَكُونَ لَكَ مُتَواضِعاً، وَكُنْ لأَمْري ناصِراً لِتَكُونَ فِي المُلْكِ مَنْصُوراً.
يَا ابْنَ الوُجُودِاذْكُرْنِي فِي أَرْضِي لأَذْكُرَكَ فِي سَمائِي؛ لِتَقَرَّ بِهِ عَيْنُكَ وَتَقَرَّ بِهِ عَيْنِي.
20سَمْعُكَ سَمْعِي فَاسْمَعْ بِهِ، وَبَصَرُكَ بَصَرِي فَأَبْصِرْ بِهِ؛ لِتَشْهَدَ فِي سِرِّكَ لِي تَقْدِيساً عَلِيّاً، لأَشْهَدَ لَكَ فِي نَفْسي مَقاماً رَفِيعاً.
يَا ابْنَ الوُجُودِاسْتَشْهِدْ فِي سَبِيلي رَاضِياً عَنّي وَشاكِراً لِقَضائِي، لِتَسْتَريحَ مَعِي فِي قِبابِ العَظَمَةِ خَلْفَ سُرادِقِ الْعِزَّةِ.
21فَكِّرْ فِي أَمْرِكَ وَتَدَبَّرْ فِي فِعْلِكَ. أَتُحِبُّ أَنْ تَمُوتَ عَلَى الْفِراشِ أَوْ تُسْتَشْهَدَ فِي سَبِيلِي عَلَى التُّرابِ، وَتَكُونَ مَطْلِعَ أَمْرِي وَمَظْهَرَ نُوري فِي أَعْلَى الْفِرْدَوْسِ، فَأَنْصِفْ يا عَبْدُ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِوَجَمالِي تَخَضُّبُ شَعْرِكَ مِنْ دَمِكَ لَكانَ أَكْبَرَ عِنْدي عَنْ خَلْقِ الكَوْنَيْنِ وَضِياءِ الثَّقَلَيْنِ، فَاجْهَد فِيهِ يا عَبْدُ.
22لِكُلِّ شَيْءٍ عَلامَةٌ؛ وَعَلامَةُ الْحُبِّ الصَّبْرُ فِي قَضَائِي وَالاصْطِبارُ فِي بَلائِي.
يَا ابْنَ الإِنْسانِالْمُحِبُّ الصَّادِقُ يَرْجُو الْبَلاءَ كَرَجاءِ الْعاصِي إِلَى الْمَغْفِرَةِ وَالمُذْنِبِ إِلَى الرَّحْمَةِ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِإِنْ لا يُصيبُكَ البَلاءُ فِي سَبِيْلِي كَيْفَ تَسْلُكُ سُبُلَ الرَّاضِينَ فِي رِضائِي، وَإِنْ لا تَمَسُّكَ المَشَقَّةُ شَوْقاً لِلِقائِي كَيْفَ يُصِيبُكَ النُّورُ حُبّاً لِجَمالِي.
23بَلاَئِي عِنايَتي، ظاهِرُهُ نارٌ وَنِقْمَةٌ وَباطِنُهُ نُورٌ وَرَحْمَةٌ. فاسْتَبِقْ إِلَيْهِ لِتَكُونَ نُوراً أَزَلِيّاً وَرُوحاً قِدَمِيّاً، وَهُوَ أَمْري فَاعْرِفْهُ.
يَا ابْنَ البَشَرِإِنْ أَصَابَتْكَ نِعْمَةٌ لا تَفْرَحْ بِها، وَإِنْ تَمَسَّكَ ذِلَّةٌ لا تَحْزَنْ مِنْهَا، لأَنَّ كِلْتَيْهِما تَزُولانِ فِي حِين وَتَبِيدانِ فِي وَقْتٍ.
24إِنْ يَمَسَّكَ الفَقْرُ لا تَحْزَنْ، لأَنَّ سُلْطانَ الغِنى يَنْزِلُ عَلَيْكَ فِي مَدَى الأَيَّامِ. وَمِنَ الذِّلَّةِ لا تَخَفْ، لأَنَّ الْعِزَّةَ تُصِيبُكَ فِي مَدَى الزَّمانِ.
يَا ابْنَ الوُجُودِإِنْ تُحِبَّ هذِهِ الدَّوْلَةَ الباقِيَةَ الأَبَدِيَّةَ وَهذِهِ الْحَياةَ الْقِدَمِيَّةَ الأَزَلِيَّةَ، فَاتْرُكْ هذِهِ الدَّوْلَةَ الْفانِيَةَ الزَّائِلَةَ.
يَا ابْنَ الوُجُودِلا تَشْتَغِل بِالدُّنْيا؛ لأَنَّ بِالنَّارِ نَمْتَحِنُ الذَّهَبَ، وَبِالذَّهَبِ نَمْتَحِنُ العِبادَ.
25أَنْتَ تُريدُ الذَّهَبَ وَأَنا أُريدُ تَنْزيهَكَ عَنْهُ، وَأَنْتَ عَرَفْتَ غَنَاءَ نَفْسِكَ فِيهِ، وَأَنَا عَرَفْتُ الْغَناءَ فِي تَقْدِيسِكَ عَنْهُ. وَعَمْري هَذا عِلْمِي وَذلِكَ ظَنُّكَ؛ كَيْفَ يَجْتَمِعُ أَمْرِي مَعَ أَمْرِكَ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِأَنْفِقْ مالِي عَلى فُقَرائِي لِتُنْفِقَ فِي السَّمآءِ مِنْ كُنُوزِ عِزِّ لا تَفْنى وَخَزائِنِ مَجْدٍ لا تَبْلى؛ وَلكِنْ وَعَمْري إِنْفاقَ الرُّوحِ أَجْمَلُ لَوْ تُشاهِدْ بِعَيْني.
26هَيْكَلُ الْوُجُودِ عَرْشي، نَظِّفْهُ عَنْ كُلِّ شَيْءٍ لاِسْتِوائِي بِهِ وَاسْتِقْرارِي عَلَيْهِ.
يَا ابْنَ الوُجُودِفُؤادُكَ مَنْزِلِي قَدِّسْهُ لِنُزُولِي، وَرُوحُكَ مَنْظَرِي طَهِّرْها لِظُهُوري.
يَا ابْنَ الإِنْسانِأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِي لأَرْفَعَ رَأْسي عَنْ جَيْبِكَ مُشْرِقاً مُضِيئاً.
27اصْعَدْ إِلى سَمائِي لِكَيْ تَرى وِصالِي؛ لِتَشْرَبَ مِنْ زُلالِ خَمْرٍ لا مِثالَ وَكُؤُبِ مَجْدٍ لا زَوالَ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِقَدْ مَضى عَلَيْكَ أَيَّامٌ، وَاشْتَغَلْتَ فِيها بِمَا تَهْوى بِهِ نَفْسُكَ مِنَ الظُّنُونِ وَالأَوْهَامِ. إِلى مَتى تَكُونُ راقِداً عَلَى بِساطِكَ. ارْفَعْ رَأْسَكَ عَنِ النَّوْمِ؛ إِنَّ الشَّمْسَ ارْتَفَعَتْ فِي وَسَطِ الزَّوالِ، لَعَلَّ تُشْرِقُ عَلَيْكَ بِأَنْوارِ الْجَمالِ.
28أَشْرَقْتُ عَلَيْكَ النُّورَ مِنْ أُفُقِ الطُّورِ، وَنَفَخْتَ رُوحَ السَّناءِ في سِيناءِ قَلْبِكَ؛ فَأَفْرِغْ نَفْسَكَ عَنِ الحُجُباتِ وَالظُّنُوناتِ، ثُمَّ ادْخُلْ عَلَى البِساطِ لِتَكُونَ قابِلاً لِلْبَقاءِ وَلائِقاً لِلِّقاءِ، كَيْ لا يَأْخُذَكَ مَوْتٌ وَلا نَصْبٌ وَلا لَغُوبٌ.
يَا ابْنَ الإِنْسانِأَزَلِيَّتي إِبْداعِي أَبْدَعْتُها لَكَ، فَاجْعَلْها رِداءً لِهَيْكَلِكَ. وَأَحَدِيَّتي إِحْداثي اخْتَرَعْتُها لأَجْلِكَ، فَاجْعَلْها قَمِيصَ نَفْسِكَ لِتَكُونَ مَشْرِقَ قَيُّومِيَّتِي إِلى الأَبَدِ.
29عَظَمَتِي عَطِيَّتِي إِلَيْكَ، وَكِبْرِيائِي رَحْمَتِي عَلَيْكَ، وَما يَنْبَغِي لِنَفْسِي لا يُدْرِكُهُ أَحَدٌ وَلَنْ تُحْصِيَهُ نَفْسٌ؛ قَدْ أَخْزَنْتُهُ فِي خَزائِنِ سِرِّي وَكَنائِزِ أَمْرِي تَلَطُّفاً لِعِبادِي وَتَرَحُّماً لِخَلْقِي.
يَا ابْناءَ الْهُوِيَّةِ فِي الْغَيْبِسَتُمْنَعُونَ عَنْ حُبِّي وَتَضْطَرِبُ النُّفُوسُ مِنْ ذِكْرِي؛ لأَنَّ الْعُقُولَ لَنْ تَطيقَنِي وَالْقُلُوبَ لَنْ تَسَعَني.
30وَرُوحِي وَعِنايَتِي ثُمَّ رَحْمَتِي وَجَمالِي، كُلُّ ما نَزَّلْتُ عَلَيْكَ مِنْ لِسانِ الْقُدْرَةِ وَكَتَبْتُهُ بِقَلَمِ القُوَّةِ قَدْ نَزَّلْناهُ عَلى قَدْرِكَ وَلَحْنِكَ لا عَلى شَأْنِي وَلَحْني.
31هَلْ عَرَفْتُمْ لِمَ خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ واحِدٍ؛ لِئَلاَّ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ عَلى أَحَدٍ. وَتَفَكَّرُوا فِي كُلِّ حِينٍ فِي خَلْقِ أَنْفُسِكُم؛ إِذاً يَنْبَغِي كَما خَلَقْناكُم مِنْ شَيْءٍ واحِدٍ أَنْ تَكُونُوا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ، بِحَيْثُ تَمْشُونَ عَلى رِجْلٍ واحِدَةٍ، وَتَأْكُلُونَ مِنْ فَمٍ واحِدٍ، وَتَسْكُنُونَ فِي أَرْضٍ واحِدَةٍ؛ حَتَّى تَظْهَرَ مِنْ كَيْنُوناتِكُمْ وَأَعْمالِكُمْ وَأَفْعالِكُمْ آياتُ التَّوْحِيدِ وَجَواهِرُ التَّجْرِيدِ. هذا نُصْحِي عَلَيْكُم يا مَلأَ الأَنْوارِ، فَانْتَصِحُوا مِنْهُ لِتَجِدُوا ثَمَراتِ القُدْسِ مِنْ شَجَرِ عِزٍّ مَنيعٍ.
32أَنْتُمْ خَزائِني، لأَنَّ فِيكُم كَنَزْتُ لآلِئَ أَسْرارِي وَجَوَاهِرَ عِلْمِي، فَاحْفَظُوها لِئَلاَّ يَطَّلِعَ عَلَيْهَا أَغْيارُ عِبادِي وَأَشْرارُ خَلْقِي.
يَا ابْنَ مَنْ قامَ فِي مَلَكُوتِ نَفْسِهِاعْلَمْ بِأَنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكَ رَوائِحَ الْقُدْسِ كُلَّها، وَأَتْمَمْتُ الْقَوْلَ عَلَيْكَ وَأَكْمَلْتُ النِّعْمَةَ بِكَ وَرَضِيتُ لَكَ ما رَضِيتُ لِنَفْسِي، فَارْضَ عَنِّي ثُمَّ اشْكُرْ لِي.
33اكتُبْ كُلَّ ما أَلْقَيْنَاكَ مِنْ مِدادِ النُّورِ عَلَى لَوْحِ الرُّوحِ. وَإِنْ لَنْ تَقْدِرَ عَلَى ذلِكَ فاجْعَلِ المِدادَ مِنْ جَوْهَرِ الفُؤادِ، وَإِنْ لَنْ تَسْتَطِيعَ فَاكْتُبْ مِنَ المِدَادِ الأَحْمَرِ الَّذِي سُفِكَ فِي سَبيلي؛ إِنَّهُ أَحْلَى عِنْدِي مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، لِيَثْبُتَ نُورُهُ إِلَى الأَبَدِ.
34