أولاً: مراجعةٌ عامّةٌ – فرصةٌ للتَّفكير .......................................... 7
ثانياً: تفهُّم مغزى أحداث التّاريخ: نداءٌ إلى قادةِ العالمِ ......................... 13
ثالثاً: توضيح دور الأمم المتّحدة في إطار النِّظام العالميِّ الذي أخذت تبرز معالمه ..................................................................
18أ - إنعاش دور الجمعيّة العامّة ....................................... 20
1- رفع الحدّ الأدنى للعضويّة .............................. . 21
2- تعيين هيئة لدراسة الحدود والتّخوم ....................... 22
3- البحث عن ترتيبات جديدة للأمور الماليّة ................. 23
4- الالتزام بلغةٍ عالميّةٍ إضافيّةٍ وخطٍّ عموميٍّ ................ 23
5- دراسة استخدام عملةٍ عالميّةٍ موحَّدةٍ ...................... 24
ب- تطوير دور تنفيذيّ هادف ........................................ 25
1- تحديدُ استخدام حقّ النَّقض (الفيتو) ....................... 26
2- اتِّخاذُ ترتيباتٍ عسكريَّةٍ خاصّة ........................... 26
3- تطبيق مبدأ الأمن المُشترك على مشاكل أخرى عالميّة .... 27
4- الحفاظُ على مؤسّسات الأمم المتّحدة النّاجحة ذات الدّور التّنفيذيّ المُستقلّ .........................................
28ج- محكمةٌ دوليّةٌ لها سُلطتها الأقوى ................................. 28
1- توسيع نطاق اختصاص محكمة العدلِ الدّوليَّة ............. 30
2- التّنسيقُ بين المحاكم المتخصِّصة ......................... 31
رابعاً: إطلاق قدرات الفرد: تحدٍّ هامّ وكبير أمام النّظام العالميّ الجديد ........... 31
5أ - تعزيزُ التّطوير الاقتصاديّ ..................................... . 33
1- إطلاقُ حملةٍ جادّةٍ لتطبيق برنامج 21 .................... 35
ب- حمايةُ حقوقِ الإنسانِ الأساسيّة ................................... 36
1- تقوية آليّة عمل الأمم المتّحدة الخاصّة بالمُراقبة والتّنفيذ والمتابعة ................................................
392- تشجيعُ المُصادقةِ العالميَّةِ على المواثيق الدّوليّة لحقوق الإنسان ..................................................
393- ضمان احترام هيئات المُراقبة التّابعة للأمم المتّحدة العاملة في مجال حقوق الإنسان .................................
39ج- تحسينُ وضعِ المرأة ............................................. 40
1- زيادة مشاركة النّساء في وفود الدّول الأعضاء ........... 43
2- تشجيعُ المُصادقة العالميّة على المواثيق الدّوليّة التي تصون حقوق المرأة وتُحسّن من وضعها ........................
433- وضع خطّة عمل لتنفيذ برامج مؤتمر بكين ............... 44
د- التّركيزُ على التَّطوُّر الأخلاقيّ ................................... 44
1- دعم تطوير مناهج للتَّعليم الأخلاقيّ في المدارس .......... 45
خامساً: منعطف التّحوّل أمام كافّة الأمم: نداء موجّه إلى قادة العالم .............. 46
الهوامش ......................................................................... 49
6"إنَّ اتّحاد الجنس البشريّ كلّه يمثِّل الإشارة المُميِّزة للمرحلة التي يقترب منها المجتمع الإنسـانيّ الآن. فاتّحاد العائلة، واتّحاد القبيلة، واتّحاد المدينة - الدّولة، ثم قيام الأمّة - الدّولة كانت مُحاولات تتابعت وكُتب لها كامل النّجاح. أمّا اتّحاد العالم بدوله وشعوبه، فهو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه بشرّية معذّبة. لقد انقضى عهد بناء الأمَم وتشييد الدّول. والفوضى الكامنة في النّظرية القائلة بسيادة الدّولة تتّجه الآن إلى ذروتها، فعالمٌ ينمو نحو النّضوج، عليه أن يتخلّى عن التّشبّث بهذا الزَّيف، ويعترف بوحدة العلاقات الإنسانيّة وشمولها، ويؤسِّس نهائِيَّا الجهاز الذي يمكن أن يجسّد على خير وجه هذا المبدأ الأساسيّ في حياته."
حضرة شوقي أفندي، 1936اتّسم القرن العشرون، وهو من أكثر مراحل التّاريخ اضطراباً، بانقلابات عدّة وثورات وتغييرات في صلب أفكار وتقاليد سادت ردحاً من الزّمن. فسقوط الأنظمة الاستعماريّة والامبراطوريّات العظمى في القرن التّاسع عشر، وارتفاع أنظمة جلبت معها الكوارث
7مثل الدّكتاتوريّة والفاشيّة والشّيوعيّة ثم انهيارها، كلّ ذلك كان بعض ثورات مدمّرة تسبّبت في موت الملايين والقضاء على أنماط من الحياة القديمة، وعلى أعراف وتقاليد سائدة، كما تسبّبت في اندثار مؤسّسات تمتّعت بسمعةٍ طيّبة.
وهناك حركات واتّجاهات كانت في دورها الإيجابيّ أكثر وضوحاً. فالاكتشافات العلميّة والنّظرة الاجتماعيّة الجديدة دفعت نحو التّغيير الاجتماعيّ والاقتصاديّ والثّقافيّ، ومهّدت السّبيل أمام تعريف جديد بحقوق الإنسان وتأكيد كرامته واحترام ذاته، بالإضافة إلى خلق ميدان واسع من الفرص لتحقيق إنجازات فرديّة وجماعيّة، وفتح آفاق جديدة من المعرفة والوعي الإنسانيّ.
هاتان العمليّتان التّوأم: انهيار المؤسّسات القديمة من جهة، وفتح أبواب جديدة للفكر من جهة أخرى، هما دليل على توجّه واحد أخذ يزداد زخماً في السّنوات المائة الماضية، وهو التّوجّه نحو تعاظم الاعتماد المتبادل والتّكامل بين المجتمعات البشريّة.
إنّه توجّه يُمكن ملاحظته في ميادين واسعة عدّة: من اندماج الأسواق الماليّة العالميّة والذي يعكس بدوره اعتماد البشريّة على مصادر متنوّعة للطّاقة والغذاء والمواد الخامّ والتّقنيّة والمعرفة، إلى بناء شبكات للاتّصالات الدّوليّة والمواصلات. كما يُمكن ملاحظة هذا التّوجه في الإدراك العلميّ للبيئة الحيويّة المُترابطة للكُرة الأرضيّة، وهو ما دقَّ ناقوس الحاجة المُلحّة إلى تعاون وتنسيق عالميّين. ومن جهة أخرى تبدو لنا صورة هذا التّوجه هدّامة أحياناً فيما يمكن أن تفعله أنظمة التّسليح الحديثة التي تطاولت فعاليّاتها إلى أن أصبح بمقدور مجموعة صغيرة من الأفراد تدمير الحضارة
8الإنسانيّة ذاتها. لذا، فإنّ الوعي العالميّ بهذا التّوجّه بشقّيه –البنّاء والهدّام- سيقرّبنا بشدّة نحو الصّورة الطّبيعية المألوفة لهذا الكوكب بِلَوْنَية الأزرق والأبيض الّذي يسبح في فضاء أسود لا مُتناهٍ، فيعكس لنا صورة تخبرنا بحقيقتنا كشعبٍ واحدٍ يعيش على أرضٍ واحدةٍ غنيٍّ بالتّنوّع والتّعدّد.
ووجهٌ آخر لهذا التّوجّه نراه في الجهود الدّؤوبة التي تبذلها دول العالم لتأسيس نظامٍ سياسيٍّ عالميّ يوفّر سبل السّلام والعدالة والازدهار للجنس البشريّ. فخلال القرن الحاليّ، حاولت البشريّة مرّتين وضع نظامٍ عالميٍّ جديد؛ وفي كلّ مرّة حاولت أن تركّز على الاعتراف المتنامي بالاعتماد المتبادل للمصالح العالميّة، بينما تحاول المحافظة على نظام يراعي سيادة الدّولة على أنّها فوق كلّ اعتبار مهما كان. فنظرة إلى القرن الحاليّ، الذي يقترب من نهايته، تخبرنا أنّ تأسيس عصبة الأمم، وهو إنجاز كبير لمفهوم الأمن المشترك، يُعدّ خطوة حاسمة أولى نحو بناء النّظام العالميّ.
أمّا التّجربة الثّانية، والتي أملتها أهوال الحرب العالميّة الثّانية ووضعت ميثاقها تلك الدّول المُنتصرة، فقد وفّرت للدّول والشّعوب خلال السّنوات الخمسين الماضية هيئةً دوليةً تلوذ بها آخر المطاف، وهي مؤسّسة فريدة يرتفع صرحها رمزاً نبيلاً للمصالح المشتركة للبشريّة كافّة.
لقد أظهرت هيئة الأمم المتّحدة – كمنظّمة دوليّة – قدرة البشريّة على العمل المُوحّد في ميـادين الصّحة والزّراعة والتّعليم وحماية البيئة ورعاية الطّفولة. وبتبنّيها مواثيق دوليّة لحقوق الإنسان، فقد أكّدت على إرادتنا الأخلاقيّة الجماعيّة في بناء مستقبل أفضل لبَني
9جنسنا. كما أظهرت مشاعر إنسانيّة عميقة بتقديم الموارد البشريّة والدّعم الماليّ لمساعدة الشّعوب الفقيرة والأقلّ حظّاً. وفي الميادين الأكثر أهميّة في مجال بناء السّلام وصُنع السّلام والمحافظة على السّلام، فقد أضاءت الأمم المتّحدة مشاعل على طريق مستقبلٍ واعدٍ خالٍ من الحروب.
ومع ذلك، فقد ثبت أنّ الأهداف العامّة المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتّحدة لم تتحقّق. فبالرغم من آمال مؤسّسيها، فإنّ تأسيس هذه المنظّمة الدّولية منذ خمسين عاماً لم يجلب لنا السّلام ولم يُحقّق ازدهار الجنس البشريّ.
ومع أنّ هيئة الأمم المتّحدة لعبت دوراً فاعلاً حال دون نشوب حربٍ عالميّةٍ ثالثة، إلا أنّ السّنوات الخمس الماضية شهدت الكثير من الصّراعات المحلّية والعالميّة والإقليميّة التي ذهب ضحيّتها الملايين. ومع أن تحسّن العلاقات بين الدّول العُظمى قد أزال أسباب الصّراعات من دوافع فكريّة وعقائديّة، إلا أنّ نار الحميّة العرقيّة والطائفيّة التي كانت دفينةً مدةً طويلة، قد بدأ يرتفع لهيبُها لتُصبح مصدراً جديداً للنّزاعات. وبالرّغم من أنّ انتهاء الحرب الباردة قد خفّف من التّهديد باندلاع حربٍ عالميّةٍ مدمِّرةٍ ، فما زالت هناك وسائل وتقنيّات ومشاعر مكبوتة، بدرجة ما، يمكن أن تجلب لكوكبنا دماراً شاملاً.
ولا زالت أمامنا مشاكل اجتماعيّة كبيرة. ففي الوقت الذي تمّ فيه التّوصّل إلى مستوى جديد من الإجماع العالميّ على مشاريع تُعنى بالتّقدّم الصّحيّ والتّنمية المُستدامة وحقوق الإنسان، إلا أنّ الأوضاع قد ازدادت سوءاً وتدنّت في أماكن مختلفة من العالم. وما
10امتداد التّعصّب العرقيّ والتّطرّف الدّينيّ، وتفشّي سرطان المادّيّة المُطلقة وارتفاع معدّل الجريمة والمنظّمة منها، واتّساع مدى العُنف الذي يصعُب على العقل تصوُّره وارتفاع وتيرته، وازدياد الهوّة بين الأغنياء والفقراء، واستمرار الظلم المحيق بالنِّساء، والضّرر العام الذي تتوارثه الأجيال نتيجة التّفكّك الأسريّ الشّامـل، والتّمسّك المفرط بمبادئ الفكر الرّأسماليّ وأساليبه، وتعاظم الفساد السّياسيّ؛ ما هي إلا مشاكل تدلُّ على تدنّي الأوضاع في العالم. كما أنّ ما لا يقلّ عن مليار شخصٍ يعيشون في فقرٍ مدقعٍ، وأكثر من ثُلث سكّان المعمورة أُمِّيُّون.
وبينما تقودُ العمليّتان التّوأم – الهدم والبناء - العالمَ إلى الذُّرى نوعاً ما، فإنّ الذِّكرى الخمسين لتأسيس الأمم المتّحدة تهيِّئ فرصةً ثمينةً للتّوقُّف قليلاً والتّفكُّر مَلِيَّاً في أنّه كيف يُمكن للبشريّة مجتمعةً أن تُواجه مستقبلها ومصيرها؟ وحقيقة القول هي أنّ عدّة اقتراحات بنّاءة لاحت مؤخّراً في الأفق وترمي إلى تقوية الأمم المتّحدة ورفع كفاءتها في التّنسيق بين جهود الدّول في مجابهة هذه التّحديات.
ويُمكن تصنيف هذه المقترحات في فئات ثلاث: فئة تتطرَّق بشكلٍ رئيسٍ إلى المشاكل البيروقراطيّة والإداريّة والماليّة ضمن النّظام القائم للأمم المتّحدة، وأخرى ينادي أصحابها بإعادة تشكيل الهيئات والمجالس مثل: المجلس الاقتصاديّ والاجتماعيّ ومجلس الوصاية ومؤسّسات بريتون وُودز "Bretton Woods" الاقتصاديّة. وثالثة تقترح تغييراً في الهيكل السّياسيّ للمنظّمة داعية، على سبيل المثال، إلى التّوسُّع في تشكيل بُنية مجلس الأمن و/أو تعديل ميثاق الأمم المُتّحدة نفسه.
11مُعظمُ هذه المُقترحات بنّاءةٌ وبعضُها استفزازيٌّ مُثير. إلا أنّ أكثرَها اتِّزاناً ومنطقاً ذلك التّقرير الذي أعدّته "لجنة الحُكم العالميّ" بعنوان "جِوارُنا العالميّ"، حيث يدعو إلى تبنِّي قِيَمٍ جديدةٍ وإصلاحات هيكليَّة في الأمم المتّحدة نفسها.
وبروح المشاركة في النّقاش والمشورة الجارية في هذا الموضوع الهامّ والأساسيّ، ارتـأت الجامعة البهائيّة العالميّة أن تساهم بأفكارها التي ترتكز بشكل أساسيّ على مقترحات ثلاثة:
أوّلها: إنّ المُشاورات حول مستقبل هيئة الأمم المتّحدة يجب أن تدور ضمن السّياق العام والشّامل لعملية تأسيس النّظام العالميّ وتطوّره واتّجاهه. فهيئة الأمم المتّحدة نشأت جنباً إلى جنب مع مؤسّسات أخرى عظيمة خلال القرن العشرين، وبالإجمال فإنّ هذه المؤسّسات سوف تُحدّد ماهيّة تطوّر النّظام العالميّ، وهي نفسها سوف تأخذ شكلها من خلال هذا التّطوّر. لهذا يجب دراسة أهداف هيئة الأمم المتّحدة ومهامّها ودورها ومبادئ أعمالها ونشاطاتها فقط على ضوء مدى ملاءمتها وخدمتها للأهداف العامّة للنّظام العالميّ.
ثانيها: حيث أنّ الجنس البشري كيانٌ موحّدٌ لا يتجزّأ، فإن كلّ فردٍ يولد فيه يكون أمانةً بيد الجميع. فهذه العلاقة بين الفرد والمجموعة تشكّل القاعدة الأخلاقية لمعظم بنود حقوق الإنسان التي تسعى مؤسّسات الأمم المتّحدة إلى تعريفها وتحديدها. كما تساعد على تحديد هدفٍ رئيس غالبٍ في النّظام العالميّ يكمن في وضع الحقوق المشروعة للفرد والمحافظة عليها.
ثالثها: إنّ المداولات حول مستقبل النّظام العالميّ يجب أن تَطال عموم الجنس البشريّ. ولأهميّتها البالغة يجب ألا تقتصر على
12القادة، سواء في المراكز الحكوميّة أو الوسط التّجاري أو الهيئات العلميّة أو الدّينيّة أو المنظّمات المدنيّة الاجتماعيّة، بل على العكس من ذلك، يجب أن تضمّ المداولات عنصر الرّجال والنّساء على مستوى القاعدة. فالمشاركة الواسعة تزيد العمليّة قوّةً ذاتيّةً من خلال بثِّ الوعي لمفهوم المُواطنة العالميّة كما تُعطي دعماً أكبر لنظامٍ عالميٍّ شاملٍ واسعٍ في مداه.
ثانياً : تفهُّم مغزى أحداثِ التّاريخ: نداءٌ إلى قادةِ العالمِ
تنظرُ الجامعة البهائيّة العالميّة إلى الاضطرابات الرَّاهنة والظُّروف المُفجعة التي تمرُّ بها الشؤون الإنسانيّة على أنَّها مرحلةٌ طبيعيةٌ من مراحل التّطوُّر العضويّ الذي يقودُ حتماً في النِّهاية إلى وحدة الجنس البشريّ ضمن نظامٍ اجتماعيٍّ واحدٍ، حدوده هذا الكوكب الأرضيّ.
لقد مرَّ الجنسُ البشريّ، كوحدةٍ عضويّةٍ متميِّزةٍ، بمراحل من التّطوُّر تُشبهُ المراحل التي تصاحب عادةً عهد الطُّفولة والحداثة في حياة الأفراد. وها هو الآن يمرُّ في الحقبة الختاميَّة للمرحلة العاصفة من سنوات المُراهقة، ويقترب من سنِّ الرُّشد الذي طال الانتظار لبلوغه. إنَّ عمليّة الاندماج والتّكامل العالميّ في مجال المال والأعمال والاتِّصالات – وهي الآن حقيقة واقعة – قد أخذت طريقها إلى عالم السِّياسة أيضاً.
لقد تسارعت هذه العمليّة عبر التّاريخ بسبب أحداث مأساويّة مُفجعة ومفاجئة. فالدَّمار الذي أحدثته الحرب العالميّة الأولى ثم الثَّانية أنجبَ عصبةَ الأمم ثم الأمم المُتّحدة على التَّوالي. فهل
13ستتحقَّق لنا الإنجازات المستقبليّة بوسيلة تجارب لا يمكن تخيُّل ما فيها من رعب وهلع، أم بفضل الإرادة على التَّشاور والحوار؟ إنّه خيارٌ يواجه سكَّان الأرض قاطبةً. وعليه سيكون الإخفاق في اتّخاذ موقفٍ حازمٍ مخالفاً لما يُمليه الضَّمير، وتقصيراً في تحمُّل المسؤوليّات.
وحيث أن السّيادة في الوقت الحاضر للدّولة، فإنّ الواجب في وضع هيكلِ النِّظام العالميّ الجديد بكلِّ دقَّة ووضوح يقعُ على كاهل قادة الدُّول ورؤساء الحكومات. لذا نناشد القادة في مختلف المستويات أن يقوموا بدورٍ هادفٍ بنّاءٍ في دعمِ اجتماعٍ لقادة العالم وتنظيمه قبل انتهاء القرن الحاليّ، وذلك للبحث قي كيفيَّة تحديد النِّظام العالميّ وإعادة بناءِ هيكله على نحوٍ يستطيع به أن يواجه التَّحديات التي تؤرِّق العالم. ويمكن تسمية هذا الاجتماع، كما اقترح البعض، "القمة الدّوليّة للسّياسة العالميّة".
هذا المؤتمرُ المُقترح يمكن أن يقومَ على حصاد تجارب من سلسلةِ المؤتمرات النّاجحة التي عقدتها الأمم المتّحدة في أوائل التّسعينيّات؛ ومنها: القمّة العالميّة للطّفولة عام 1990، وقمّة الأرض عام 1992، والمؤتمر العالميّ لحقوق الإنسان عام 1993، والمؤتمر الدّوليّ للسّكان والتّنمية عام 1994، والقمّة العالميّة للتّنمية الاجتماعيّة عام 1995 ، والمؤتمر العالميّ الرّابع للمرأة عام 1995. وقد وضعت هذه المؤتمرات جميعها أسلوباً جديداً للمداولات والحوار الدّوليّ في القضايا الهامّة والحسّاسة.
وكان من أهمّ أسباب النَّجاح في هذه المُداولات تلك المشاركة الفاعلة للهيئات المدنيّة. فالمناقشات المستفيضة المُضنية بين الوفود
14الرَّسميّة، حول إعادة هيكلة البُنَى السِّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة العالميّة، قد تحدّدت وتشكّلت بالانخراط المباشر والمؤثّر لهذه المؤسّسات في المناقشات، بما يعكس احتياجات الأفراد واهتماماتهم على مستوى القاعدة. ومن الجدير بالذِّكر أنّ اجتماع قادة العالم في كلِّ مناسبة، بحضور الهيئات المدنيَّة والأهليَّة ووسائل الإعلام العالميَّة، كان يُضفي على فعاليّات المؤتمر طابعاً قانونيّاً وإجماعاً عالميّاً.
وفي إعدادهم للمؤتمر الدّوليّ المُقترح، على قادةِ العالم أن يعُوا هذه الدُّروس والعِبَر، فيصِلوا إلى أوسعِ قاعدةٍ شعبيّةٍ مُمكنةٍ، ليَضمنوا تسخير إرادة شعوب العالم ودعمها.
ينتابُ البعضَ خوفٌ من وصول المؤسّسات السّياسيّة الدّوليّة إلى المركزيّة المُفرطة في اتّخاذ القرارات؛ مما يخلق حاجزاً من البيروقراطيّة لا مبرِّر له. ولا بدَّ من التّأكيـد هنا، بكلِّ قوّة ووضوح، على أنّ أيَّ هيكلٍ للسِّياسة الدّوليّة عليه – من حيثُ المبدأ ومن الناحية العمليّة – أن يضمنَ بقاء مسؤوليّة اتّخاذ القرار في المستويات المُلائمة.
إنَّ تحقيقَ التَّوازن المطلوب ليس سهل المنال دائماً. فالتّنمية الجادّة والتّقدم الحقيقيّ لا يمكن إحرازهما إلا بجهود النَّاس، فُرادى وجماعات، في مواجهة الاهتمامات والمُتطلَّبات، طبقاً لمكانهم وزمانهم. ويمكن أن يُقال هنا أن اللاّمركزية في اتِّخاذ القرار أمرٌ لا بدَّ منه لعمليَّة التّطوُّر. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإنَّه من الواضح أنَّ النِّظام العالميّ يحتاج إلى درجةٍ من التَّوجُّه العالميّ والتّنسيق الدّوليّ.
15لذلك، وطبقاً لمبادئ اللاّمركزية المذكورة أعلاه، فإنّ المؤسّسات يجب أن تُمنح صلاحيَّة العمل فقط في تلك الشّؤون العالميَّة التي تعجز فيها الدُّول المُستقلَّة عن التَّصـرُّف بشأنها، أو التّدخّل للمُحافظة على حقوق الشّعوب والدّول الأعضاء. أما الشّؤون الأخرى، فيجب تفويضها للمؤسّسات الوطنيّة والمحليّة في الدّولة.
بالإضافة إلى ذلك، على قادة العالم أن يُمعنُوا النَّظر في مجموعةٍ من أساليب الحُكم ووسائله بهدف التَّوصل إلى صيغةٍ محدّدةٍ للنِّظام العالميّ في المستقبل. فبدل أن يؤسَّس طبقاً لأنظمة حكمٍ قائمةٍ، يمكن للنّظام المقترح أن يستوعب في إطاره تلك العناصر والمفاهيم والأساليـب الإيجابيّة في كلٍّ منها.
وعلى سبيلِ المثال، فإنَّ النِّظام الاتِّحادي يعتبر أحد الأنظمة الحاليّة التي جرى اختبارها عبر السّنين، ويمكنه أن يحتضن التَّنوع والتَّعدد ضمن إطار الوحدة والاتّحاد. وقد أثبت كفاءته في تحقيق اللاّمركزية في السُّلطة، وفي صنع القرار بين دول معقَّدة التَّركيب غير متجانسة، محافظاً في الوقت نفسه على مستوى من الوحدة والاستقرار. ونموذج آخر يستحقُّ الدِّراسة هو نظام رابطة الشُّعوب (الكومنولث)، إذا ما طُبِّق عالمياً فإنه يُؤْثِرُ مصالح المجموع على المصلحة القوميَّة.
إنّ بذل عناية فائقة في تصميم هيكل النِّظام العالميّ هو ما يجب أن يحوز على اهتماماتنا حتى لا يتحوَّل مع السِّنين إلى شكلٍ من أشكال الاستبداد، أو حكم الأقليّة، أو الغوغائيّة التي تفسد أجهزة المؤسّسات السّياسيّة ذات العلاقة وأنشطتها.
16في عام 1955، وفي تقييم العقد الأوّل لميثاق الأمم المتّحدة، قدّمت الجامعة البهائيّة العالميّة بياناً إلى الأمم المتّحدة مستنداً إلى أفكار صاغها حضرة بهاء الله قبل قرنٍ تقريباً. إنّ المفهوم البهائيّ للنّظام العالميّ محدّدٌ بالإطار التّالي: " إنَّ شكلاً من أشكالِ الحكومة العالميّة يجب أن يتطوَّر، فتتنازل من أجله جميع أمم العالم طوعاً عن جميع ادِّعاءاتها في شنِّ الحُروب، ويكون له حقّ فرض الضّرائب والحدّ من التّسلّح واقتصاره على حفظ الأمن الدّاخليّ ضمن حدود سيادته. ومثل هذه الحكومة يجب أن تضمَّ، ضمن إطارها، هيئةً تنفيذيّةً عالميّة تستطيع أن تفرض سلطتها العُليا، التي لا ينازعها فيها أحد، على كلِّ عضوٍ معاندٍ من أعضاء الجامعة الدَّوليّة. وأنّ برلماناً عالمياً يُنتخب أعضاؤه من بين شعوب الأقطار، وتصادق على انتخابهم حكومات الأقطار ذاتها، يجب أن ينشأ، علاوة على محكمة عُليا تكون أحكامها ملزمةً للفرقاء المعنيّين حتّى في الحالات التي يمتنع فيها أولئك الفرقاء عن عرض قضيّتهم عليها طوعاً."
وبينما نحن نؤمن بأنّ شكلَ هذه الحكومة العالميّة هو الضَّمان الوحيد للإنسانيَّة والمصير الحتميّ لها، فإنّنا نُدرك بأنَّها تمثِّل صورة المجتمع الدَّوليّ في المدى البعيد. وعلى ضوء الضّغوط التي تمثّلها طبيعة المصالح بين الدّول في الوقت الحاضر، فإنّ العالم في حاجةٍ إلى خطط استراتيجيّة جريئة وعمليّة تتجاوز مجرَّد رسم صورةٍ للمستقبل. ومع ذلك، لو ركَّزنا على هذا المفهوم وأخضعناه لاهتماماتنا سينبثق عنه توجُّه واضحٌ متناسقٌ نحو تغييرٍ جوهريٍّ من بين العديد من الأفكار والنّظريّات المُتضاربة.
17ثالثاً : توضيح دور الأمم المتّحدة في إطار النّظام العالميّ الذي أخذت تبرز معالمُه
كانت الأمم المُتّحدة محوراً لتنظيمٍ عالميّ شكّلته الدُّول المُنتصرة في الحرب العالميَّة الثّانية. وعلى مدى العقود الطّويلة من الصِّراع الأيديولوجيّ بين الشَّرق والغرب، كانت منتدىً دوليَّاً للحوار، محقِّقة بذلك هدفها الأساسيّ. وعلى مرِّ السِّنين امتدَّ نشاطها اتساعاً، لا ليشمل وضع المعاييـر الدَّوليّة ودعم برامج التَّطوير الاجتماعيّ والاقتصاديّ وتنشيطها فحسب، بل في حفظ السَّلام في قارّات متعدِّدة.
وفي الفترة نفسها، شهد عالمنا في واقعه السّياسيّ تحوّلاً مثيراً. فحين قيام هيئة الأمم المتَّحدة، انضوت تحت جناحيها خمسون دولةً مستقلّةً، إلا أنّ العدد ارتفع ليتجاوز 185 دولةً حاليّاً. وبعدما وضعت الحرب العالميّة الثّانية أوزارها أخذت الحكومات دورها الرّئيس في السّاحة الدّوليّة، بينما نرى اليوم تأثيراً متعاظماً لمنظّمات تمثِّل المجتمع المدنيّ، ولمؤسسات متعدِّدة الجنسيّات، مما جعلنا أمام صورةٍ سياسيّةٍ متشابكة أكثر تعقيداً.
ورغم أنّ مهمّة الأمم المتّحدة أخذت تزداد تعقيداً، إلا أن هذه الهيئة قد حافظت بشكل عامّ على هيكلها الذي صُمِّم قبل خمسين عاماً لمنظّمةٍ دوليّةٍ حديثةٍ. لذا فإنّه من الطّبيعيّ أن تثير ذكرى تأسيسها الخمسون حواراً جديداً حول قدرتها على مواجهة الواقع السياسيّ للقرن الحادي والعشرين في مختلف الأقطار. ومن سوء الطّالع أنّ في هذا الحوار جانباً من الانتقاد أكثر منه إلى الثَّناء.
18معظم النّقد المُوجّه إلى نشاطات الأمم المتّحدة مردّه مقارنتها بما تقوم به المنظّمات الرّائدة في القطاع الخاصّ، أو بما نذهب إليه من توقّعات مبالغ فيها في بادئ الأمر. وبالرّغم من أن بعض أوجه المُقارنة مفيد في تحسين أداء الأمم المتّحدة وفعاليّتها، إلا أن أكثرها غير عادلٍ في مُجمله. فالأمم المتّحدة لا تعوزها السُّلطة الواضحة فحسب، بل هي تفتقر إلى تلك الموارد الضَّرورية لإبراز كفاءتها في معظم الحالات. وما الأصوات المرتفعة بفشل الأمم المتّحدة إلا إدانةٌ لأعضائها أنفسهم.
إذا ما وضعناها في الميزان، بمعزلٍ عن واقع وسطها الذي تعمل فيه، فإنّ الأمم المتّحدة ستبدو لنا في كلِّ الأحوال غير كفؤة وغير فاعلة. بينما لو نظرنا إليها من منظور أنّها واحدةٌ من عناصر تشكِّل عمليّةً من التَّطوّر تشمل أجهزة النِّظام العالميّ ومؤسّساته، ستبرز أمامنا انتصاراتها وسنرى من حولنا أنوار إنجازاتها. فالتَّجربة التي عركت الأمم المتّحدة في خطواتها الأولى لهي مصدرٌ خصبٌ من المعرفة لأصحاب الفكر التّطوُّري، يستلهمون منها دورها في المستقبل ضمن النِّظام العالميّ.
يكتنزُ الفكر التّطوّري تلك القُدرة على تخيُّل شكل مؤسّسة تخدم على المدى البعيد، وتعي إمكانيّاتها المُتأصّلة للتّطوُّر والنّموّ، ولتحديد المبادئ الأساسيّة التي تتحكَّم بنموِّها، ولوضع استراتيجيّة فاعلة لتطبيقها في المدى القريب، وحتى لتوقُّع أحداث مفاجئة يمكن أن تعترض طريقها.
إنّ دراسة منظّمة الأمم المتّحدة من هذا المنظور تكشف أمامنا فرصاً متميّزة فريدة لتقوية نظامها الحاليّ دون الحاجة إلى إعادة
19تشكيل مؤسّساتها الرّئيسة بكاملها، أو إعادة النَّظر جذريّـاً في جوهر عمليّاتها. وفي واقع الأمر، فإننا نُسلِّم بأنَّ أيَّ اقتراح في سبيل إصلاح الأمم المتّحدة لا يمكنه التّأثير بفاعليّة عالية ما لم تكن توصياته في جميع بنودها منسجمةً متوازنةً، وتعمل على توجيه الأمم المتّحدة نحو طريق التّطوّر في دورٍ مميّز مناسب ضمن النِّظام العالميِّ المُرتقب.
كلُّنا أيمانٌ بأنّ توصياتنا الموضَّحة فيما يلي تتَّفق بمجموعها مع المتطلَّبات، وأنَّ تبنِّيها يمثِّل خطوةً مدروسة وهامّةً نحو بناء نظامٍ عالميٍّ يحقِّق المزيد من العدالة.
أ- إنعاشُ دورِ الجمعيّة العامّةلا شكَّ أنَّ سُلطة القانون هي الأساس لأيِّ نظامٍ للحُكم. وأوَّل مؤسَّسة تعمل على نشر هذا القانون وإشاعته هي السُّلطة التَّشريعيّة. وبينما نجد أنَّ السُّلطة التَّشريعيّة، على المستويين المحليّ والوطنيّ، تنال الاحترام اللاّزم، فإنّها على المستوى الإقليميّ والدّوليّ تبعث على الرّيبة والخوف.
بالإضافة إلى أنّ الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة كانت هدفاً للانتقاد لعدم كفاءتها، وبالرّغم من أن بعض التُّهم تفتقر إلى أساسٍ من الصِّحة، إلا أن هنالك أمرَيْن اثنَيْن على الأقلّ يضعفان من قدرة الجمعيّة العامّة على العمل بفاعليّة:
أولهما: إنّ النّظام الحاليّ يُبالغ في تركيزه على سيادة الدّولة مما يضعنا أمام مزيجٍ غريبٍ من الفوضى الاجتماعيّة والسياسيّة والحفاظ على السِّيادة. وفي إعادة تشكيل هيئة الأمم المتّحدة، فإنّ نظامها
20التّشريعيّ وأسلوب التّصويت يحتاجان إلى تمثيلٍ أكثر دقّة لشعوب العالم ودُوَلِه.
ثانيهما: قرارات الجمعية العامة ليست مُلزمة إلا إذا صادقت عليها الدُّول الأعضاء، واعتبرتها معاهدةً واتِّفاقية. وإذا كان النِّظام الحاليّ، الذي يضع سيادة الدّولة فوق كلِّ اعتبار، سيستبدل إلى نظامٍ يُعنى بمصالح بشريّة واحدة مترابطة، فإنَّ قرارات الجمعيّة العامّة المتعلّقة ببعض القضايا المحدودة يجب أن تصطبغ تدريجياً بقوَّة القانون الذي يشتمل على نصوص للتَّنفيذ وأخرى للعقوبات.
فنُقطتا الضَّعف هاتان مرتبطتان معاً. ذلك لأنّ معظم شعوب العالم تُبطِن مشاعر الشَّكِّ والرِّيبة تجاه الحكومة العالميّة، ولا تودُّ الخضوع لمؤسّسةٍ دوليّةٍ ما لم تكن ممثَّلةً تمثيلاً حقيقيّاً صادقاً فيها.
ومع ذلك فإنَّ هناك إجراءات خمسةً عمليّة يمكن لها في المدى القريب أن تقوّي الجمعيّة العامّة وتعزِّز مكانتها وتعطّر سمعتها لتتلاءم وتوجُّهاتها في المدى البعيد، وهي:
1- رفع الحدّ الأدنى للعضويّةإنّ الحدَّ الأدنى للمعايير التي تحدِّد تعامل الحكومة مع شعبها حدَّده الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومواثيقه الدَّوليّة اللاّحقة، والتي بمجموعها تدعى بِ "الميثاق العالميّ لحقوق الإنسان."
وبدون الالتزام الثّابت بإجراء انتخابات دوريّة تشارك فيها فئات الشّعب باقتراعٍ سرِّيٍّ وبحُرِّية تامّة في التّعبير، مع مراعاة حقوق الإنسان، ستقف الدَّولة العضو حائلاً دون مشاركةٍ فاعلةٍ عقلانيّةٍ
21نقترح إيقاع عقوبات على الدّول الأعضاء التي تخرق هذه المعايير. وبنفس الطّريقة فإنّ الدّول التي تودُّ الانتساب تُحرم من العضويّة حتى تعمل على تطبيق هذه المعايير أو تبذل مجهوداً واضحاً في هذا السَّبيل.
2- تعيين هيئة لدراسة الحدود والتّخوملا تزال قضايا التَّحرُّر المعلّقة تشكِّل مصدراً رئيساً للحروب والمنازعات، وهذا ما يؤكّد الحاجة الماسّة إلى اتّفاقات عامة للحدود الدَّوليّة. ولا يمكن التّوصُّل إلى مثل هذه المعاهدات إلا إذا أخذنا بعين الاعتبار أسلوب التّحكيم الذي عُرِّفت بموجبه الدّول ووضعت حدودها، ومعالجة القضايا المُعلّقة للشّعوب والجماعات العرقيّة.
وبدلاً من إحالة مثل هذه القضايا للمحكمة الدّوليّة، نرى أنّه من الأفضل تأسيس هيئـةٍ دوليّةٍ خاصّةٍ مهمَّتها النَّظر في كافّة المطالب والادِّعاءات الرَّاجعة إلى الحدود الدَّوليّة، ثمّ رفع توصياتها لوضعها موضع التَّنفيذ بعد دراسة مستفيضة. وستعمل النّتائج بمثابة نظام إنذارٍ مبكِّر لتحسّس مواضع التّوتّر المتزايد بين الجماعات العرقيّة أو المدنيّة، وستكون عاملاً مساعداً في تقدير مدى التّهديدات في الحالات التي يمكن الاستفادة من الجهود الدّبلوماسيّة الوقائيّة المبكِّرة في حلِّها.
فلِكَيْ نؤسّس مجتمعاً حقيقيّاً وأصيلاً للشّعوب في المدى البعيد، فإنّه من الضّروري إنهاء كافّة النّزاعات الحدوديّة بالكامل. فموضوع
22إنّ إحجامَ بعض الدُّول الأعضاء عن الإيفاءِ بالتزاماتها الماليَّة في الوقت المُحدَّد قد سبَّب عجزاً في ميزانيّة الأمم المتّحدة. وقد تضاعف هذا العجز بسبب غياب السُّلطة في فرض فوائد على الأموال المتأخِّرة، وازداد تفاقماً من بيروقراطيّة بعض عمليّاتها وعدم كفاءتها، ممّا دفع المنظّمة إلى التّعامل معها بعقليّة إدارة الأزمات.
إنّ الدّفعات الماليّة التّطوّعيّة من قبل الدّول الأعضاء لن تكون أسلوباً فاعلاً في تمويل منظّمةٍ دوليّةٍ كهذه. فالأمر يتطلّب ابتكار وسائل أقوى لإيجاد مصادر دخل تُسهِّل عمل أجهزة الأمم المتّحدة. ووصولاً إلى هذا الهدف، نقترح فوراً تشكيل فريق عمل من الخبراء الأكفّاء، يبدأ في البحث عن حلول مناسبة بكلِّ جديَّة واهتمام.
وعند دراسته للخيارات المتاحة، على فريق العمل هذا أن يراعي عدداً من مبادئ أساسيّة منها؛ أولاً: يجب عدم فرض رسوم على من لا تمثيل له، وثانياً: تحقيقاً للعدالة والإنصاف، يجب أن تكون الرّسوم مقسَّمة إلى درجات، وثالثاً: عدم إغفال وضع آليّة لتشجيع المساهمات التّطوّعية من قبل الأفراد والجماعات.
4- الالتزام بلغةٍ عالميّةٍ إضافيّةٍ وخطٍّ عموميٍّإنّ هيئة الأمم المتّحدة، التي تستخدم حاليّاً ستّ لغاتٍ رسميّةً، سوف تجني فائدة أكبر إذا ما اختارت لغةً واحدةً حيَّةً، أو سعت إلى إيجاد لغةٍ جديدةٍ تتبنَّى استخدامها كلغة إضافيّة في كافّة اجتماعاتها.
23وقد أيَّدت مثل هذه الخطوة عدّة مجموعات، بدءاً من مجموعة الاسبرانتو وانتهاءً بالجامعة البهائيَّة العالميَّة نفسها. فإلى جانب التّوفير المادّي وتبسيط الإجراءات البيروقراطيّة، فإنّ خطوةً كهذه ستنقلنا قُدُماً نحو روح الوحدة والاتِّحاد.
ولهذا، نقترح تشكيل هيئة رفيعة المستوى يمثّل أعضاؤها مناطق مختلفة ومجالات متعدِّدة، تدخل في صلب الموضوع، تشمل اللّغويات والاقتصاد وعلم الاجتماع والتّعليم والإعلام، لتأخذ على عاتقها دراسةً دقيقةً لاختيار لغةٍ عالميَّةٍ إضافيّة، والاتّفاق على خطٍّ عموميّ.
وفي نهايةِ المطاف، نرى أنَّ العالم لا بُدَّ له من اتِّخاذ لغةٍ عالميّةٍ واحدةٍ مُتَّفق عليها وخطّ عموميّ ليُدرَّس في المدارس في جميع أنحاءِ العالم؛ وستكون لغةً إضافيّةً إلى جانب اللّغة أو اللّغات الأصليّة للقُطر. والهدف منه تسهيل عمليّة الانتقال إلى المُجتمع العالميّ من خلال توفير سبلٍ أفضل للاتّصال بين الشّعوب، وتخفيض التّكاليف الإداريّة للمؤسّسات التّجارية والحكومات والهيئات الأخرى المعنيَّة بالعولمة، وخلق روابط أمتن بين كافّة أفراد الأسرة البشريّة.
إنّه علاجٌ جديرٌ بالدِّراسة الدَّقيقة، وهو لا يدعو إلى طمس أيَّة لغةٍ حيَّةٍ أو ثقافةٍ متوارثة.
5- دراسةُ استخدام عملةٍ عالميّةٍ موحّدةٍإنّ استخدام عملةٍ عالميَّةٍ موحَّدةٍ، كعاملٍ حيويّ على طريق التَّكامل الاقتصادي العالميّ، لهو حاجة أصبحت واضحة. ويؤمن الاقتصاديّون أنه من بين فوائدها الأخرى إعاقة عمليّات المُضاربة
24غير المُنتجة، والحدّ من تقلّبات السّوق الفجائيّة، وإحداث التّقارب بين مستويات الدّخل والأسعار على الصّعيد العالميّ مما يوفّر كثيراً من الأموال.
إنّ إمكانيَّة التّوفير هذه لن تتحقَّق ما لم تتوفّر مجموعة من الأدلّة الدّامغة تزيل القلق والرّيبة من قلوب المتشكِّكين، مدعمة بخطّةٍ جديرةٍ بالثِّقة. إنَّنا نقترح تعيين لجنةٍ مكوَّنةٍ من نخبـةٍ من قادة الحكومات والأكاديميّين والخبراء للبدء فوراً بدراسة الفوائد الاقتصاديّة والسّياسيّة للعملة الموحَّدة وتبعاتها، ثم وضع أسلوبٍ فاعلٍ ومؤثِّر للتّنفيذ.
ب- تطويرُ دور تنفيذيّ هادفإنّ أهمّ دور تنفيذيّ على المستوى الدّوليّ هو وضع ميثاق الأمن المشترك موضع التّنفيذ.
ويتطلّب الأمن المُشترك ميثاقاً مُبرماً بين الأمم يدعو إلى تنسيقٍ تامٍّ يقف أمام أيّ تهديدٍ يواجه الجماعة. وتعتمد فعاليّة الميثاق على مدى التزام الأعضاء بخير الجماعة، حتى لو كان ذلك بدافع من مصلحة ذاتيّة بعيداً عن الأنانيّة.
وضمن نطاق هيئة الأمم المتّحدة، فإنّ الدَّور التّنفيذيّ غالباً ما يأخذه مجلس الأمن، بينما تشاركه الأمانة العامّة في الفعاليّات الأخرى. وكلاهما غير قادر على تنفيذ المهام المناطة به. فمجلس الأمن يعاني من عدم قدرته على اتّخاذ إجراءات حازمة، والأمانة العامّة تئنُّ تحت ثقل مطالب الدُّول الأعضاء.
وعلى المدى القريب، يمكن اتّخاذ أربعة إجراءات عمليّة لتقوية
25كان الهدفُ الأساس لميثاق الأمم المتّحدة في منح الأعضاء الخمسة الدّائمين حقَّ النَّقض (الفيتو)، منع مجلس الأمن من السَّماح بالقيام بعملٍ عسكريّ ضدَّ أيّ عضوٍ دائم، أو استخدام القوّة ضدّ رغبة ذلك العضو. ويمكننا القول بأنَّ حقَّ النّقض (الفيتو) أصبح يستخدم مراراً لتحقيق الأمن الوطنيّ أو الإقليميّ مع ابتداء الحرب الباردة.
في الوثيقة التي قدّمتها الجامعة البهائيّة العالميّة عام 1955 حول إصلاحات مقترحة على بُنية الأمم المتّحدة، تطرّقت إلى فكرة الإلغاء التّدريجيّ لمبدَأيْ: "العضويّة الدّائمة"، و"حقّ النّقض (الفيتو)" بهدف بناءِ جسور الثّقة بمجلس الأمن وتقويتها. واليوم، وبعد أربعين عاماً نعود لنؤكد على هذا الموقف، ونقترح مع ذلك اتّخاذ خطوة انتقاليّة لوضع إجراءات تحدُّ من استخدام حقّ النّقض في سبيل تحقيق الهدف الرّئيس للميثاق.
2- اتّخاذُ ترتيباتٍ عسكريّةٍ خاصّةولدعم عمليّات الأمم المتّحدة في حفظ السّلام، وتعزيز مصداقيّة قرارات مجلس الأمن، يتوجّب تشكيل قوّة دوليّة تنتمي في ولائها للأمم المتّحدة بعيداً عن أيَّة اعتبارات وطنيّة، ويتمّ تسليحها تسليحاً كاملاً، وتوضع تحت قيادة الأمين العامّ وإشرافه، وتحت سلطة مجلس الأمن، كما أنّ الجمعية العامّة للأمم المتّحدة
26ستحدّد مصادر تمويلها. ولدى تأسيسها، سيعمل الأمين العام على رفد هذه القوّة بكوادر مدرّبة كفؤة من مختلف أرجاءِ العالم.
وإذا ما تشكَّلت تلك القوّة بالشَّكل السَّليم، فإنّها ستخلق لدى الجميع شعوراً بالأمن، ممّا سيدفع إلى خطوات أخرى نحو نزع السّلاح في العالم، ويفسح المجال أمام حظرٍ كاملٍ لأسلحة الدَّمار الشَّامل. إضافة إلى ذلك، وتمشِّياً مع مبدأ الأمن المشترك، فإنَّ الدُّول الأعضاء ستتفهّم بالتَّدريج أنّها بحاجة إلى سلاحٍ للدِّفاع عن نفسها ولحماية أمنها لا لهدفٍ آخر.
في خطوةٍ فوريّةٍ نحو تأسيس هذه القوّة، فإنّه يمكن اعتماد النِّظام الذي يتمُّ بموجبه حاليّاً تشكيل قوّات عسكريّة أساسيّة للانتشار السَّريع عند نشوب الأزمات.
3- تطبيقُ مبدأ الأمن المُشترك على مشاكل أخرى عالميّة
بالرّغم من أنّ مبدأ الأمن المُشترك قد استحدث أساساً في إطار التّهديدات بالعدوان العسكريّ، إلا أن البعض يرى فيه إمكانيّة تطبيقه حاليّاً على نطاقٍ واسعٍ لمواجهة جميع التَّهديدات التي تبدو حسب الظّاهر محليّة، إلا أنها نتيجة لمشاكل معقَّدة قد برزت من انحلال النّظام العالميّ القائم. ومن هذه التّهديدات، على سبيل المثال لا الحصر، تجارة المخدّرات والأمن الغذائي وظهور الأوبئة الجديدة الفتّاكة.
إنّنا على يقينٍ بأنَّ هذا الموضوع يجب وضعه على جدول أعمال المؤتمر العالميّ المقترح. ومع ذلك فإنّه من غير المحتمل أن تنجح
27الخطط الشاملة للأمن المشترك في اجتثاث أسباب العدوان العسكريّ.
4- الحفاظُ على مؤسّسات الأمم المتّحدة النّاجحة ذات الدّور التّنفيذيّ المُستقلّ
بعضُ المنظّمات التي تتمتّع بقسطٍ وافرٍ من الاستقلاليّة داخل الأسرة الدّوليّة، مثل: مؤسسة الأمم المتّحدة لرعاية الطّفولة (اليونيسيف)، ومنظّمة الطّيران المدنيّ الدّوليّة، والاتّحاد البريديّ العالمـيّ، والاتّحاد الدّوليّ للاتّصالات السّلكيّة واللاّسلكيّة، ومنظّمة العمل الدّوليّة، ومنظّمة الصّحة العالميّة، قد أصابت نجاحاً بارزاً في ميادين محدّدة وهامّة على السّاحة الدّوليّة.
وبالإجمال، فإنّ هذه المنظّمات تملك جهازها التّنفيذيّ الخاصّ بها، ويجب دعم استقلاليّتها والحفاظ عليها كجزءٍ من الدّور التّنفيذيّ العالميّ.
ج- محكمةٌ دوليَّةٌ لها سُلطتُها الأقوىفي أيِّ نظامٍ لإدارة شؤون العالم، من الضَّروريّ وجود سلطةٍ قضائيّةٍ قويّة تدعم باقي السّلطات، وتحافظ على التّوازن بينها، وتحقّق العدالة وتصونها. إنّ الدّافع لخلق مجتمع تسوده العدالة كان من بين القوى الأساسيّة على مرّ التّاريخ. ولا شكّ أنّ حضارة عالميّة دائمة لا يمكن تأسيسها إلاّ على قواعد متينة من العدل.
إنّ العدل هو القوّة الوحيدة التي باستطاعتها أن تُترجم بزوغ وعي
28الإنسانيّة بوحدة الجنس البشريّ إلى إرادة جماعيّة يمكنها، بكلِّ ثقة، من بناءِ حياة المُجتمعات الإنسانيّة على هذا الكوكب. إنّه عهد، يشهد شعوب العالم، وهي تستزيد من حصولها على المعرفة باختلاف أنواعها وعلى الأفكار بتنوُّع أشكالها، سيجد أنَّ العدل سيفرض مبدأ حيوياً للنّظام الاجتماعيّ النّاجح.
فعلى المُستوى الفرديّ، فإنَّ العدلَ والإنصاف هما قدرةُ الإنسان على التَّمييز بين الخطأ والصَّواب. وبالمنظار الإلهيّ، كما يؤكده حضرة بهاء الله، فهو "أحبُّ الأشياء" الذي يدعو كلّ فرد أن يرى "الأشياء" بعينه "لا بعين العباد" وأن يعرفها بمعرفته "لا بمعرفة أحد في البلاد".
والعدلُ، عند الجماعة، هو نبراسها في اتّخاذ قرارها. ذلك لأنّه السّبيل الوحيد نحو تحقيق وحدة الفكر والعمل. وبعيداً عن إثارة روح القصاص المتسربلة بالعدل، كما كان في الماضي، فإنّ العدل هو التّعبير العمليّ للحقيقة القائلة بأنّه في سبيل تطوُّر الجنس البشريّ فإنَّ مصالح الفرد ترتبط ارتباطاً وثيقاً وحتميّاً بمصالح المُجتمع. وحتى يكون العدل هاديَ المجتمع الإنسانيّ في تعاملاتـه، لا بدّ من توفير جوٍّ من المشورة يسمح بدراسة الخيارات وتفحّصها، بالحياد اللازم، واتخاذ الإجراءات التّنفيذية المناسبة. وفي جوِّ كهذا، تتنحّى جانباً مؤثّرات النّزعات المتأصّلة نحو التّلاعب والانحياز في عمليّة اتّخاذ القرار.
إنَّ مفهوماً للعدل كهذا يجب أن يتأصَّل في النُّفوس تدريجيّاً بإدراكنا حقيقة التَّداخل الحتميّ لمصالح الأفراد والمجتمعات في هذا العالم المترابط. وفي هذا السّياق، يكون العدل هو الخيط
29الذي يدخل في نسيج كلِّ تعاملٍ إنسانيّ يَطال الأسرة ومن حولها ليصل إلى العالم بأسره.
وفي النِّظام الذي تعمل بموجبه الأمم المتّحدة حاليّاً، نجد أساساً لمحكمةٍ دوليّةٍ أكبر قوّة. وعندما تشكّلت محكمة العدل العُليا عام 1945، لتكون الأداة القضائيّة الرّئيسة في الهيئة الدّوليّة، تميّزت بعدّة جوانب إيجابيّة؛ منها، على سبيل المثال، أسلوب اختيار أعضائها بحيث يمثّلون طبقات مختلفة من فئات الشّعوب ومن مناطق متعدِّدة وأنظمة قضائيّة متنوّعة.
إنّ الخلل الأساسيّ، الذي تعاني منه المحكمة الدّوليّة، هو افتقارها إلى سلطة تمنحها صلاحيّة اتّخاذ القرار القانونيّ المُلزم، باستثناء الحالات التي اختارت فيها الدّول مُسبقاً الالتزام بقرارات هذه المحكمة. فبدون هذه السّلطة تقف عاجزةً عن تحقيق العدالة ونشرها. ومع مرور الوقت، يمكن لقرارات هذه المحكمة أن تكون ملزمةً لكافّة الدُّول. أما على المدى القريب، فيُمكن العمل على تقويـة المحكمة الدّوليّة بإجراءَيْن آخرَيْن كالتّالي:
1- توسيع نطاقِ اختصاص محكمة العدلِ الدَّوليَّةطبقاً لما هو معمولٌ به حالياً، فإنَّ نطاق عمل المحكمة محصورٌ بأنواع محدَّدة من القضايا لا يحقُّ إلا للدّول الأعضاء رفعها دون غيرها. فنقترح منح منظماتٍ أخرى، منبثقة عن الأمم المتّحدة، مثل هذا الامتياز، لا أن يبقى محصوراً بالدُّول الأعضاء فقط.
30يجب أن تعمل محكمة العدل الدّوليّة كمظلّةٍ تضمُّ المحاكم المتخصّصة القائمة والجديدة، بحيث تعمـل حَكَماً يفصل في القضايا الدّوليّة ضمن مجالات متخصّصة محدَّدة.
ويمكن إيجاد عناصر لنظامٍ قضائيٍّ موحَّد في محاكم متخصّصة للفصل في قضايا تتعلَّق بالتِّجارة والنَّقل، وفي التّوصيات المقدّمة لمحاكم مثل محكمة الجنايات الدّوليّة، والمحكمة المختصّة بشؤون البيئة، علاوة على قضايا أخرى قد تحتاج إلى أن تُخصَّص لها محاكم تدخل تحت هذه المظلّة؛ مثل موضوع الإرهاب الدّوليّ والاتّجار بالمخدرات.
رابعاً : إطلاقُ قُدراتِ الفرد: تحدٍّ هامٌّ وكبيرٌ أمامَ النِّظامِ العالميِّ الجديد
إنَّ الهدف الرّئيس لمؤسّسات الحكم، وعلى كافّة المستويات، هو تحقيقُ التّقدم في الحضارة الإنسانيّة. ومن الصّعب تحقيق ذلك دون المشاركة الفاعلة النّابعة من وجدان الأفراد في حياة مجتمعهم وشؤونه.
وفي تركيزها على بناء المؤسّسات وخلق مجتمع الشّعوب والأمم، نجد أنّ الهيئات الدّوليّة عبر التّاريخ قد ظلّت بعيدةً عن عقول شعوب العالم وأفئدتهم. فلم يتطوّر لدى غالبيّة الشّعوب حتى الآن أيّ ميل للتّقارب نحو مؤسّسات كالأمم المتّحدة. وما يزيدها ابتعاداً عن السّاحة الدّوليّة طبقات من الحكم متعدِّدة، عدا ما تحدثه وسائل الإعلام من إرباكٍ وتشويش لدى عامّة النّاس في تغطيتها
31للأحداث، اللّهمَّ إلا من نفرٍ قليلٍ كان لهم بعض الاتّصال بالسّاحة الدَّوليّة عبر قنوات استطاعوا فيها أن يحقّقوا ذاتهم بالخدمة في منظّمات المجتمع المدنيّ.
وتكمن المفارقة في أنَّ المؤسّسات الدّوليّة لا تستطيع الارتقاءَ إلى مستوىً من النُّضج والتّأثير، كهيئة حاكمة لها دورها في تحقيق هدفها الرّئيس في صنع الحضارة الإنسانيّة، ما لم تُدرك جوهر علاقتها المتداخلة بشعوب العالم وتعمل على رعايتها. إنَّ إدراكاً كهذا سوف يقيم في النّفوس دعائم الثّقة ويحفزها على دعمٍ من شأنه غَذُّ الخُطَى نحو نظامٍ عالميٍّ جديد.
إنَّ المهام المطلوبة لتطوير مجتمعٍ دوليٍّ تدعونا إلى الارتقاء إلى مستوياتٍ من القدرات والطّاقات تتعدّى ما استطاع الجنس البشريّ أن يصلَه حتى الآن. ولتحقيق ذلك، فإنّ الأمر يتطلّب فتح الأبواب مشرعةً أمام كلِّ فرد للوصول إلى المعرفة بأوسع مداها. فنجاح المؤسّسات الدَّوليّة في بعث الطّاقات الكامنة لدى شعوب العالم وتوجيهها يعتمد على مدى قدرتها في تحقيق التّوازن في ممارستها سلطتها، لتفوز بثقة من تقوم على رعاية مصالحهم ودعمهم واحترامهم، منتهجةً سبل المشورة الحرَّة الصَّريحة، وإلى أقصى حدٍّ ممكن، مع أولئك الذين ستتأثَّر مصالحهم بالقرار.
والأفراد، الذين يمنحون الثِّقة والاحترام لهذه المؤسّسات، سوف يقومون بمطالبة السُّلطات في حكومتهم بزيادة دعمها السّياسيّ والاقتصاديّ للنِّظام الدَّوليّ. وبفضل ازدياد قوَّتها وتأثيرها، سترتقي المؤسّسات الدّوليّة إلى وضع يمكّنها من اتّخاذ خطوات أخرى وإجراءات إضافيّة في سبيل تأسيس نظامٍ عالميٍّ فاعلٍ وشرعيّ.
32وإلى جانب الإجراءات الواجب اتِّخاذها في تقوية بُنيتها، فإنّ الأمم المتّحدة في حاجة إلى تبنِّي مبادرات من شأنها إطلاق القوى الكامنة في جميع الأفراد للمُساهمة في عمليّة التّغيير هذه. ولتحقيق ذلك لا بدّ من التّفكير ببعض الأمور التي تُسهم في سرعة تطوير الفرد والمجتمع، وأخذها بعين الاعتبار. ومن بينها: تعزيز التّطوير الاقتصاديّ، وحماية حقوق الإنسان، وتحسين وضع المـرأة، والتّركيز على التّرقّي الأخلاقيّ. إنها أولوياتٌ أربعٌ على درجةٍ عظيمةٍ من التَّرابط في تقدُّم الحضارة يجب أن تلقى الاهتمام اللاّزم في برامج الأمم المتّحدة.
أ- تعزيزُ التّطوير الاقتصاديّإنَّ الخطط التي اعتمدتها هيئة الأمم المتّحدة والبنك الدّوليّ وعددٌ من الحكومات في التّطوير الاقتصاديّ، خلال السّنوات الخمسين الماضية قد جاءت مخيِّبة للآمال في نتائجها، بالرّغم مـن تنفيذها بإخلاص. ففي معظم أنحاءِ العالم اتَّسعت الهُوَّة بين الأغنياء والفقراء بتعاظم التَّفاوت في مستوى الدَّخل، وأفلت زمامُ السَّيطرة على الآفات الاجتماعيَّة. وفي واقع الحال لم تَعُد الجريمة، أو تفشّي الأوبئة والأمراض، ظاهرةً متناميةً فحسب، بل استفحلت في جسم الإنسانيّة، وباتَ من الصَّعب التَّغلُّب عليها.
يمكننا إرجاع الفشل هذا إلى عوامل عدّة منها: التّركيز الخاطئ على مشاريع واسعة في مداها، وانتهاج المركزيّة الموغلة في إدارتها، وقوانين التّجارة الدّوليّة غير العادلة، والفساد المستشري في ثنايا النّظام الحالي، واستثناء المرأة من مراكز صُنع القرار على
33كافّة المستويات، والعجز في ضمان وصول موارد التّنمية للفقراء وتحويلها بدل ذلك إلى التَّجهيزات العسكريَّة.
إنَّ التَّفحص الموضوعيّ لهذه الحقائق سيكشف لنا خللاً أساسيّاً عامّاً في نمط التَّطوير الاجتماعيّ الحاليّ ألا وهو: معالجة الحاجات والمتطلَّبات المادّية للإنسان، دون اعتبارٍ للحوافز الروحانيَّة وقواها العاملة.
علينا ألا نُربك عمليّة التّنمية بالمساعي لخلق مجتمعٍ استهلاكيّ لا يعوزه الدّعم، ذلك لأنَّ الازدهار الحقيقيّ يَطال السّعادة الرّوحانيّة والمادّية معاً. بالطّعام والشّراب والمأوى ودرجة من الرّاحة الدّنيويّة لن يشبع الإنسان في رغباته بالرّغم من ضرورتها، كما لا يمكن إشباعها بتحقيق فوزٍ معنويّ يتيح لصاحبه التّميُّز الاجتماعيّ أو السُّلطة السّياسيّة. وحتى الإنجازات الفكريّة لا تُشبع ما فينا من رغبات وحوافز دفينة.
إنّ التّعطّش لِمَا هو أعظم، لِمَا يتعدّى حدود ذاتنا، يمكِّنُنا من إدراك حقيقة الرّوح الإنسانيّة وفهمها. ومع أن الجانب الرّوحيّ في طبيعتنا مغمورٌ بكفاحنا اليوميّ لتأمين متطلّباتنا الماديّة، فلا يجوز إغفال الرّوح في توقها لما هو أسمى. وعليه، فإنّ نمط التّطوير المُستدام يجب أن يَدمِج الطّموحات الرّوحانيّة والحاجات الماديّة جنباً إلى جنب.
إنَّ التّربية والتّعليم هما الاستثمار الأفضل في التّطوير الاقتصاديّ. ويخبرنا حضرة بهاء الله بقوله: "الإنسانُ هو الطِّلَسْمُ الأعظم، ولكن عدم التّربية حرمه ممَّا فيه". وكذلك يتفضّل: "انظر إلى الإنسان! فهو بمثابة معدنٍ يحوي أحجاراً كريمةً تخرج
34بالتّربية جواهره إلى عرصة الشّهود، وينتفع بها العالم الإنسانيّ". فالتّعليمُ الحقيقيّ يتجاوز الحصول على المعرفة الإنسانيّة المحدودة، أو إتقان مهاراتٍ تتّصل بحياتنا. فبالإضافة إلى وجوب اعتباره عنصراً أساسيّاً في عملية التّطوير، يجب أن يؤهّلنا التّعليم بكيفيّة الحصول على المعرفة، ويفجِّر في داخلنا قوى الفكر والبحث والتَّحليل، ويغذّي أركان الطّالب بفضائل أخلاقيّة لا غنىً عنها.
إنّه الأسلوب الشّامل نحو تأهيلٍ يتيحُ للنّاس مشاركتهم الفاعلة في تكوين الثّروة، ودعمهم في توزيعها العادل.
إنَّ الثّروة الحقيقيّة لا تتحقّق في إنجاز العمل كسباً للرّزق فحسب، بل في اعتبارها خدمة للمجتمع الإنسانيّ أيضاً. لذا يدخل في اعتقادنا أنّ العمل المُثمر هو حاجة أساسيّة للرّوح الإنسانـيّ، بقدر ما هو ضروريّ وهامّ لتطوّر الفرد في شؤون حياته كضرورة الطّعام والماء النّظيف والهواء العليل لجسمه العنصريّ.
إنّ اقتصار التّركيز في خططنا على إعادة توزيع الثّروة المادّية سيكون مصيره الفشل على المدى البعيد، ذلك لأن الجانب الرّوحيّ في الإنسان يأبى عليه التّواكل. وعليه، فإنّه من الواجب ضمان توزيع الثّروة بأسلوبٍ عادلٍ، وربطها بعمليّة إيجادها وابتكار أساليب تحقيقها.
وفي سبيلِ الوصول إلى مستوىً أفضل من التّطوير، نقترح على منظومة الأمم المتّحدة التّوصيات التّالية:
1- إطلاقُ حملةٍ جادّةٍ لتطبيق برنامج 21تضمّنت خطّة العمل التي أعدّت في مؤتمر الأمم المتّحدة
35للتّنمية والبيئة مجموعةً واسعةً من الآراء التي قدَّمتها الهيئات المدنيّة إلى جانب ما ورد في هذه الوثيقة من مبادئ مماثلة، إلا أنّ ما أنجزته الدّول الأعضاء من هذه الخطة كان نذراً يسيراً لسوء الحظّ.
وإذا كان لأهداف برنامج 21 أن تتحقّق، فمن الواجب بذل مجهودٍ موسَّعٍ على غرار مشروع مارشال في إعادة تطوير أوروبا ما بعد الحرب العالمية، ولو أنّه مختلفٌ في طبيعته. وفي هذه الحالة يمكن لمؤسّسات بريتون وُودز (Bretton Woods) الإعلان عن حملة من شأنها الإسراع في مجهودات التّنفيذ الوطنيّة. وتكليف كهذا لا يمكن أن يصدر إلا عن مؤتمرٍ مماثلٍ لمؤتمر بريتون وُودز الأوّل الذي عقد قبل خمسين عاماً، وتخصيصه لإعادة النَّظر في هذه المؤسَّسات بشكلٍ شاملٍ بهدف توفير موارد كافية لشعوب العالم، لتتمكّن من تنفيذ المبادرات المحليّة. كما يُمكن للمؤتمر أن يوسّع برنامجه ليشمل موضوعاتٍ أعمق تتعلَّق بالأمـن الاقتصاديّ العالميّ من خلال تحديث المؤسّسات الدّوليّة القائمة، أو إنشاء هياكل جديدة.
وإذا كُتب لها النَّجاح، فإنَّ هذه الأداة الجديدة يمكن أن تمتدَّ وتتَّسع، فتعمل على التَّنسيق في تطبيق الإجراءات التي تبنّاها مؤتمر القمّة الاجتماعيّ الأخير.
ب- حمايةُ حقوقِ الإنسانِ الأساسيّةمنذُ أن تأسّست هيئة الأمم المتّحدة، خلال العقود الخمسة الماضية، ساد الاعتقاد بضرورة الاعتراف بحقوق الإنسان إذا ما أردنا للسّلام والتّقدم الاجتماعيّ والنموّ الاقتصاديّ أن يأخذ طريقه
36قٌدُما، وأنّه من الضَّروريّ حماية تلك الحقوق دوليّاً.
إنّ الأساس لاتفاقيّة دوليّة حول طبيعة حقوق الإنسان يرتكز على الوثيقة الهامّة في الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان الذي تبنَّته الأمم المتّحدة عام 1948؛ وجاء تفصيله بإسهابٍ في الميثاقيْن الدَّوليَّين: "الميثاق الدّوليّ للحقوق المدنيّة والسياسيَّة" و" الميثاق الدّوليّ للحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديَّة والثّقافيَّة"، بالإضافة إلى خمسةٍ وسبعين ميثاقاً وإعلاناً يحدِّد ويعزِّز حقوق النِّساء والأطفال، وحريَّة العبادة، وحقّ التّطوُّر والتّقدُّم، وغيرها من الحقوق.
وللنِّظام الحاليّ للأمم المتّحدة حول حقوق الإنسان نقطتا ضعف رئيستان وهما: الوسائل المحدَّدة للتّنفيذ والمتابعة، وقلَّة التّركيز على الواجبات التي تترتَّب على كافّة الحقوق.
إنّ وضع حقوق الإنسان موضع التّطبيق، على المستوى الدّوليّ، يجب أن يُعالَج بطريقة تشابه أسلوب معالجة أيّ عدوان عسكريّ تحت ظلّ نظام الأمن المشترك. فأيُّ خرقٍ لحقوق الإنسان في دولة ما يجب أن يستدعيَ اهتمام باقي الدّول، فتستجيب آليّات التّنفيذ استجابـة موحّدة من قبل المجتمع الدّوليّ بأسره. أمّا متى وكيف يمكن التّدخل لحماية حقوق الإنسان، فإنه أمرٌ صعبٌ، والإجابة عنه أصعب. فالتّنفيذ الحازم يتطلّب درجةً عاليةً من الإجماع الدَّوليّ حول الأمور التي تشكّل خرقاً فاضحاً مقصوداً.
لقد اتُّخذت خطواتٌ هامّةٌ نحو إجماعٍ دوليٍّ خلال المجهودات التي أسفـرت عن عقد مؤتمر حقوق الإنسان عام 1993. وقد أكَّد هذا المؤتمر بشكل قاطع على أن حقوق الإنسان هي حقوق عالمية ووحدة واحدة لا تتجزَّأ. فأنهى بذلك نقاشاً في مفهومٍ ساد طويلاً
37بأن الحقوق المدنيَّة والسياسيَّة ذات أهميّة قليلة نسبيّاً إذا ما قورنت بالحقوق الاجتماعيّة والاقتصاديّة والثّقافيّة. كما أكّدت قرارات المؤتمر على وجوب تطبيق مبادئ حقوق الإنسان بغضِّ النَّظر عن العِرق والجنس والمعتقد الدِّينيّ أو القوميّة. ويدخل في مضمونها مساواةُ الرَّجل والمرأة، وتساوي حقوق الأفراد في جميع أنحاء العالم فيما يتعلَّق بحرِّية البحث والتّقصّي، والحصول على المعلومات، وممارسة الشَّعائر الدّينيّة، وحقّ الفرد في الحصول على حاجاته الأساسيّة مثل الغذاء والمأوى والرّعاية الصحيّة. وبالإضافة إلى ضرورة توفير الإجماع الدَّوليّ، وضرورة دعم تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، فمن الأهميّة بمكان إيجاد وعيٍ أكبر بأن كلّ حقّ فيها يحمل في طيّاته واجباً ومسؤوليّة.
وعلى سبيل المثال، فإنّ حقَّك في اعتبارك شخصاً اعتباريّاً أمام القانون يلزمك بإطاعته، مما يجعل القانون والنّظام القضائيّ أكثر عدالة. وبالمثل، فإنّه على الصّعيد الاقتصاديّ والاجتماعيّ، يقضي الحقّ في الزّواج مسؤوليّة إعالة العائلة وتربية الأطفال ومعاملة جميع أفراد العائلة باحترام. إنّ الحقّ في العمل لا يمكن فصله عن مسؤوليّة الفرد في إنجازه بأفضل ما يمكن. وفي المفهوم الأوسع، فإنّ حقوق الإنسان "العالميّة" تدلُّ ضمناً على مسؤوليّةٍ تجاه الجنس البشري بأكمله.
وخلاصة القول، فإنّه بينما ترجع للفرد مسؤوليّة القيام بواجباته في كلّ ميدان، فإنّ على المؤسّسات الدّوليّة واجب حماية حقوقه المتّصلة بتلك الواجبات. ولأجل ذلك نقترح إجراءات ثلاثة للتّنفيذ الفوريّ هي التّالية:
381- تقوية آليّة عمل الأمم المتّحدة الخاصّة بالمُراقبة والتّنفيذ والمتابعة
إنّ آليّة عمل الأمم المتّحدة الخاصّة بالمراقبة والتّنفيذ والمتابعة لمدى التزام الحكومات بتطبيق المواثيق الدّوليَّة تعتبر غير كافية؛ ذلك لأنَّ مركز حقوق الإنسان مكوَّن من عددٍ ضئيلٍ من الخُبراء والمختصِّين الذين يناضلون في دعم المجهودات من أجل مراقبة التزام الدُّول بكافّة المعاهدات التي صادقت عليها.
نعتقد بأنّ الموارد المخصَّصة لهذا المركز بحاجة إلى زيادةٍ كبيرةٍ إذا ما أريد له الإيفاء بمسؤوليّاته بالشّكل المناسب.
2- تشجيعُ المُصادقةِ العالميَّةِ على المواثيق الدّولية لحقوق الإنسان
حيثُ أنّ المُصادقة على المواثيق الدّوليّة لحقوق الإنسان تُشكّل التزاماً من جانب الدّول الأعضاء بتنفيذها - وإن يكن غير مطبَّق على أرض الواقع - فإنَّها تتيح للسِّكرتير العامّ ولكافّة أجهزة الأمم المتّحدة الاستفادة من كلِّ فرصة لحثِّ الدُّول الأعضاء على التّنفيذ. وفي واقع الأمر، فإنَّ وضع جدولٍ زمنيٍّ مُحدَّدٍ وحازمٍ للمُصادقة العالميّة يمكن أن يكون أسلوباً مُحفِّزاً تضعه الجمعيّة العموميّة نصبَ أعينها.
3- ضمان احترام هيئات المُراقبة التّابعة للأمم المتّحدة العاملة في مجال حقوق الإنسان
بما أنّ المهامَ الموكلةَ لهيئات مراقبة حقوق الإنسان هامّةٌ وخطيرةٌ في طبيعتها، فمن الواجب على هيئة الأمم المتّحدة أن
39تكون واعيةً تماماً لما قد تخلِّفه هذه الهيئات في الأذهان من انطباعات انعكاساً لفعاليّاتها أو هيكل تكوينها، فتولي نفس الدّرجة من الأهميّة للتّداول عند العمل على إيجاد حلول للمواقف المحرجة.
نعتقد أنّه من الحكمةِ بمكان أن تتمَّ دراسةٌ وافيةٌ لمؤهّلات الدُّول المرشَّحة لِشَغْل المناصب البارزة في عضويّة لجنة حقوق الإنسان، أو في أيّة هيئة مراقبة أخرى؛ فتُستثنى منها من لم يصادق على المواثيق الدَّوليّة، ولو أنّ حقَّها في المُناقشة يبقى محفوظاً. وهذا ما يُبقي الأمم المتّحدة بعيـدةً عن مواطن الشُّبهة أو الإحراج.
كما نعتقد بوجوب وضع استثناءٍ لهذه القاعدة يقضي بأنَّ الدُّول الأعضاء، غير الخاضعة لرقابة الأمم المتّحدة، والتي يكفل دستورها حمايةً كافيةً لحقوق الإنسان الأساسيَّة ولم تتمكَّن من التَّصديق على الميثاق لأسباب سياسيَّة داخليّة، لا مانع من انتخابها لِشَغل المناصب البارزة.
وأخيراً، فإنَّه من الحكمة تجريدُ الدُّول الأعضاء، التي صادقت على المواثيق الدَّوليّة، والخاضعة للمُراقبة لانتهاكاتها الصَّارخة لحقوق الإنسان، من حقِّ انتخابها لمناصبَ في المؤتمرات الدَّوليّة أو في الاجتماعات الأخرى للجنة حقوق الإنسان، إذ أنَّ ذلك يحِدُّ من الانطباعِ الشَّائع بعدم جدِّيّة الإجراءات.
ج- تحسينُ وضعِ المرأةِلا يُمكنُ تحقيقُ حضارةٍ عالميّةٍ دائمة التّطوّر في ظلِّ السَّلام المنشود دون مشاركة كاملة للمرأة في مختلف النَّشاطات
40الإنسانية. وبينما نجد دعماً متزايداً لهذا المفهوم، إلا أنَّ البونَ لا يزال شاسعاً بين القبول الفكريّ والتَّطبيق العمليّ.
لقد آن الأوانُ لمؤسّساتِ العالم، التي غالبيَّة أعضائها من الرِّجال، أن تستخدمَ تأثيرها في تعزيز مشاركةٍ منهجيّة للنِّساء، ليس من قبيل التَّعاطف أو التَّضحية الذَّاتيّة، بل من دوافع الاعتقاد بأنَّ مساهمات النِّساء ضروريَّةٌ للمجتمع حتى يتطوَّر. وعندما تجدُ تلك المساهمات ذلك التَّقدير اللاّزم، عندها فقط سيُجَدُّ في طلبها وستُحاك في نسيج المُجتمع الإنسانيّ، وتكون النّتيجةُ حضارةً أكثرَ أمناً واتِّزاناً وعدلاً وازدهاراً.
لا يجدرُ بالاختلافات البيولوجيّة الواضحة بين الجنسين أن تكون سبباً في عدم المساواة والتَّفرقة، بل هما وجهان متكاملان لشيءٍ واحدٍ. فإذا نالت المرأة تقديراً لائقاً على دورها كأمّ، فبالمثل سيلقى دورها في رعاية الأطفال وتربيتهم ذلك الاحترام والمكافأة المناسبة. كما يجب الإقرار بأنّ الدّور في إنجاب الأطفال لا يقلِّل من قدرة المرأة القياديّة والفكريّة والعلميّة والإبداعيّة، بل قد يكون داعماً لها.
ونعتقد بأنّ إحرازَ التَّقدم في بعض الميادين الحيويَّة سيكون له الأثرُ الأكبرُ في تقـدُّم المرأة. ونشارككم بوجهات النّظر التّالية التي تشكّل أساساً لما يليها من اقتراحات:
أولاً: قبل كلّ شيءٍ، يجب اجتثاث العُنف ضدَّ النِّساء والفتيات، وهو من أكثر الانتهاكات لحقوق الإنسان انتشاراً ووضوحاً، إذ أصبح العنف جزءاً من واقع حياة الكثير من النِّساء في العالم بغضِّ النَّظر عن العِرق والمُستوى الاجتماعي أو التّعليمي. وفي كثيرٍ من
41المُجتمعات، تعتبر التّقاليد السّائدة أنّ المرأة في مستوى أدنى، أو تشكِّل عبئاً مما يجعلها هدفاً سهلاً للغضب والإحباط. ولن تقف الإجراءات القانونيّة، أو أساليب التّنفيذ الشّديدة، حائلاً دون ذلك، وسيكون تأثيرُها ضعيفاً ما لم يحدث التّغيير في التَّفكير والمواقف لدى الرِّجال. ولن تتمتّع النّساء بالأمان ما لم يتبلور وعيٌ اجتماعيٌّ جديد يشجب مجرَّد التَّفكير الفوقيّ تجاه المرأة، أو بدافع العطف عليها، ويستنكر كلَّ أشكال العنف الجسديّ؛ معتبراً كلَّ ذلك مدعاةً للخزي والخجل.
ثانياً: تبقى العائلة حجر الأساس في بناءِ المُجتمع الإنسانيّ. فالسّلوكيّات المكتسبة بالمُشاهدة والتّعلم ضمن إطارها سوف تنعكس وتتفاعل على مختلف مستويات المجتمع. لهذا يتوجّب على كلِّ فردٍ من أفراد هذه المؤسَّسة الإلهيَّة (العائلة) أن يتغيّر، بحيث يصبح مبدأ مساواة الرَّجل والمرأة مندمجاً في نفسه ومن صفاته الذّاتيّة. وأبعد من ذلك، فإذا ما دعّمت كيانَ العائلة أواصرُ متينة من المحبة والوحدة بين أفرادها، سيتجاوز تأثيرها حدود العائلة ويسري إلى المجتمع عامّةً.
ثالثاً: بينما يهدف المجتمع، بشكلٍ رئيسٍ، إلى تعليم جميع أفراده، فإنَّ الحاجة الأعظم في هذه المرحلة التّاريخيّة من عمر الإنسانيّة تستوجب تعليم النِّساء والفتيات. ومنذ عشرين عاماً ونيِّف، أثبتت الدِّراسات مبدأً ثابتاً وهو أن مـن بين كافّة الاستثمارات المُتاحة تبقى ثمارُ تعليم النساء والفتيات تشكِّل أكبر عائدٍ نفعيٍّ في مجال التَّطوير الاجتماعيّ والقضاء على الفقر وتقدُّم المُجتمع.
رابعاً: إنّ الحوار العالميّ حول دور الرّجال والنّساء يجب أن
42يعزِّز الاعتراف بالتّكامل الحقيقيّ لكلا الجنسين. وما الفوارق بينهما إلا تأكيدٌ طبيعيٌّ للحاجة الماسَّة إلى أن يعمل الرّجال والنّساء معاً لإظهار قدراتهما وتنميتها لخير الحضارة الإنسانيّة، ولا أقلَّ منه حفظ الجنس البشريّ. وتلك هي فوارق ملازمة في الصِّفات المتفاعلة لطبيعتهما البشريّة المشتركة. إنّ حواراً كهذا يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تلك القوى التي أدَّت إلى اضطهاد المرأة عبر التّاريخ لنستشرف منها الحقائق الاجتماعيّة والسياسيّة والروحانيّة الجديدة التي تعمل الآن على تغيير حضارتنا.
وفي مقدِّمة هذا الحوار، نضع أمامكم مثالاً استقيناه من التّعاليم البهائيّة. "إنّ العالمَ الإنسانيّ أشبه بطيرٍ له جناحان؛ أحدهما الرّجال والآخر النّساء. وما لم يكن الجناحان قويّين تويِّدهما قوّة واحدة، فإنّ هذا الطّير لا يمكن أن يطير نحو السّماء".
وفوق هذا كله فإنّنا ندعم الإجراءات الخاصّة الثلاثة التّالية:
1- زيادة مشاركة النِّساء في وفود الدُّول الأعضاءنوصي بأن تشجَّع الدُّول الأعضاء على تعيين المزيد من النِّساء في مركز سفير أو ما شابهه من المراكز الدّبلوماسيّة.
2- تشجيع المصادقة العالميَّة على المواثيق الدَّوليّة التي تصون حقوق المرأة وتُحسِّن من وضعها
وكما هو الحال في المواثيق الدّوليّة المتعلّقة بحقوق الإنسان، فإنَّ على الأمين العام للأمم المتّحدة وكافّة هيئاتها واجب الاستفادة من كلِّ فرصةٍ لتشجيع الدُّول الأعضاء على المُصادقة على المواثيق
43والاتّفاقات التي تصون حقوق المرأة وتسعى إلى تقدُّمها.
3- وضع خطّة عمل لتنفيذ برامج مؤتمر بكينكان إعلان "سياسات النّظرة المستقبليّة" الذي أقرّه مؤتمر نيروبي في غاية الجرأة والطُّموح في التَّخيُّل، إلا أنه أصيب بنكسةٍ في التّنفيذ والفاعليّة. نعتقد بأنّ علينا أن نتَّعظَ من هذه التَّجربة المريرة، فنعمل على وضع خطَّة مُتماسكة، بحيث لا تلقى خطّة العمل الموضوعة لتنفيذ برامـج مؤتمر بكين نفسَ المصير.
نقترح تأسيس نظامٍ للمُراقبة والمُتابعة يقوم بإعداد التّقارير اللاّزمة حول الإجراءات المطبَّقة ثم عرض النَّتائج على الجمعيّة العامّة سنويّاً؛ مبيّناً فيه أعلى عشرين دولةً عضواً وأدنى عشرين دولةً في التّجاوب والالتزام.
د- التّركيزُ على التَّطوُّر الأخلاقيّمع أنّ دمج أفراد المجتمع الإنسانيّ في مجموعاتٍ، تكبر وتزداد عدداً، يتأثَّر عادةً بثقافات الشُّعوب والمواقع الجغرافيّة، إلا أنّ هذه العمليَّة قد سيّرتها الاتّجاهات الدّينيّة، وكانت العامل الأقوى في تغيير التّفكير والسّلوك الإنسانيّ. ونعني بالدِّين هنا جوهره وحقيقته الأساسيّة لا الأفكار والتّقاليـد التي غلّفته بالتّدريج، وهوت به إلى عالمِ المحو والنِّسيان.
وفي كلماته يتفضّل حضرة عبد البهاء بقوله: "مَثَل المدنيّة المادّيّة كمِثْل جسد الإنسان؛ مع أنّه على درجةٍ عاليةٍ من الأناقة والجمال إلا أنّه يعدُّ ميّتا. أمّا المدنيّة الرّوحانيّة، فهي كالرّوح التي
44تمدُّ الجسد بالحياة... وبدونها يبقى جسدُ العالم لا حياة فيه".
إنّ مبدأً يعزز قواعد أخلاقيّة وقيماً محدّدة يمكن أن يكون مثيراً للجدل، خاصَّة في هذا العصر المتّصف بالنِّسبيّة الإنسانيّة. ومع هذا، فإنَّ لدينا إيماناً قاطعاً بوجود قيمٍ مشتركةٍ تجاهلها، لأسباب سياسيّة، أولئك الذين بالغوا في التّوجّه إلى الاختلافات الفرعيّة في الدّين أو في الممارسات الثّقافيّة. هذه القيم والفضائل الأساسيّة التي دعت إليها كافّة الجماعات الرّوحيّة تشكّل هيكلاً أساسيّاً للتطوّر الأخلاقيّ.
إنّ التّأمّل في القيم المشتركة التي أفاضت بها الأديان العظيمة والأنظمة الأخلاقيّة على البشريّة يكشف لنا أنّ كلّ واحد منها يدعو إلى الوحدة والتّعاون والتّآخي بين البشر، ويحدِّد معالم السُّلوك القويم المسؤول، ويعزِّز تطوير الفضائل باعتبارها الأساس المتين لعلاقاتٍ قائمةٍ على الثِّقة ومراعـاة المبادئ.
1- دعم تطوير مناهج للتّعليم الأخلاقيّ في المدارسنؤيِّد بكلِّ قوَّة قيام حملةٍ عالميَّة لتعزيز التَّطوُّر الأخلاقيّ. وبكلِّ بساطةٍ، فإنّ على هذه الحملة أن تشجِّع المُبادرات المحليّة في أرجاء العالم، وتساعدها على إدخال البُعد الأخلاقيّ في مناهج تعليم الأطفال. وقد يتطلَّب ذلك عقد المؤتمرات، ونشر المواد التّعليميّة المناسبة، إلى جانب العديد من النّشاطات المُساندة الأخرى والتي تمثِّل بمجموعها خيرَ استثمارٍ لجيلِ المُستقبل.
يمكن أن تبدأ حملة التّطوّر الأخلاقيّ هذه ببعض المبادئ البسيطة مثل: الاستقامة والصِّدق والأمانة لأنّها أساس الاستقرار
45والتّقدّم. كما أن الإيثار وحبّ الغير فضيلةٌ يجب أن تقود توجّهات الإنسان، بحيث يصبح الإخلاص واحترام حقوق الآخرين جزءاً من كيانه ومكمِّلاً لسلوكه، وخدمة العالم الإنسانيّ هي المصدر الحقيقيّ للسّعادة؛ بها نعتزُّ ونفتخر، ومنها ندرك المغزى من حياتنا.
نؤمن بأنّ نجاح الحملة يتوقّف على مدى تغلغل قوّة الدّين في مجهوداتنا. فمبدأ الفصـل بين الدّين والدّولة يجب ألا يُستخدم حائلاً دون قوّة هذا التّأثير المُثمر، وعليه يكون إشراك الجماعات الدّينيّة في هذه المبادرة الهامّة، كشركاء متعاونين، أمراً لا بدّ منه.
وبينما تمضي هذه الحملة قدماً، فإنّها ستنمّي عند الفرد قواه، فيتغيّر أسلوب تعامله مع مجتمعه على اختلاف مستوياته الاقتصاديّة والاجتماعيّة والعرقيّة والدّينيّة.
خامساً : منعطفُ التّحوُّلِ أمامَ كافّةِ الأممِ: نداءٌ موجَّهٌ إلى قادةِ العالمِ
ها قد وصلنا إلى منعطفٍ للتَّغيير والتَّطوير أمام جميع الشُّعوب والأمم!
"إنّ اتّحاد الجنس البشريّ كلّه يمثِّل الإشارة المُميِّزة للمرحلة التي يقترب منها المجتمع الإنسـانيّ الآن. فاتّحاد العائلة، واتّحاد القبيلة، واتّحاد المدينة - الدّولة، ثم قيام الأمّة - الدّولة كانت مُحاولات تتابعت وكُتب لها كامل النّجاح. أمّا اتّحاد العالم بدوله وشعوبه، فهو الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه بشرّية معذّبة. لقد انقضى عهد بناء الأمم وتشييد الدّول. والفوضى الكامنة في النّظريّة القائلة بسيادة الدّولة تتّجه الآن إلى ذروتها، فعالمٌ ينمو نحو النّضوج، عليه أن يتخلّى عن التّشبّث بهذا الزَّيف، ويعترف بوحدة
46العلاقات الإنسانيّة وشمولها، ويؤسِّس نهائِيَّا الجهاز الذي يمكن أن يجسّد على خير وجه هذا المبدأ الأساسيّ في حياته".
قبل قرنٍ ونيِّف من الزّمان، دعا حضرة بهاء الله إلى وحدانيّة الله، ووحدة الجنس البشريّ، وإلى أنّ الرّسالات السّماويّة للبشريّة ما هي إلا مراحل الكشف الإلهيّ عن إرادته لتحقيق الهدف من خلق الإنسان. كما أعلن أنّ الزّمان الذي أخبرت به جميع الكتب الإلهيّة قد أتى، وستشهد الإنسانيّة أخيراً اتّحاد كافّة الشّعوب والأمم في مجتمعٍ ينعم بالسّلام والتّكامل والتّآخي.
كما تفضَّل حضرته أيضاً بأنّ ما قدّر للإنسان لا يقتصر على إقامة مجتمعٍ إنسانيٍّ مزدهر مادّيَّاً، بل في بناءِ حضارةٍ عالميَّة تدفع الأفراد إلى العمل ككائنات، جِبِلَّتُهُم أخلاقيّة، يدركون جوهر طبيعتهم، وقادرون على الوصول إلى آفاق أسمى تعجز عن تحقيقها أعلى درجة من الحضـارة المادّيّة بمفردها.
كان حضرة بهاء الله من أوائل المنادين بِ "نظام عالميّ جديد"، واصفاً التّغييرات السّياسيّة والاجتماعيّة والدّينيّة التي تعصف بحياة البشر بقوله :"تُشاهد اليوم علاماتِ الهرج والمرج الوشيك، حيث أنّ النِّظام القائم ويا للأسف في نقصٍ مُبين"، كما تفضَّل أيضاً بقوله: "سوف يُطوى بساط الدّنيا ويُبسط بساطٌ آخر".
ولتحقيق هذا الهدف، وجَّه قولَه المبارك لقادة الأرض وشعوبها على السَّواء، وحمَّلهم المسؤوليّة بقوله: "ليسَ الفخرُ لمن يحبُّ الوطن بل لمن يحبُّ العالم. يُعْتَبَرُ العالمُ في الحقيقة وطناً واحداً، ومَنْ على الأرض أهله".
وفوق كلِّ هذا وذاك، يجب أن يتحرَّك قادة الجيل القادم بدافع
47الرَّغبة الصَّادقة في خدمة المجتمع الإنسانيّ بأسره، وأن يدركوا أنَّ القيادةَ مسؤوليّةٌ وليست مقاماً للامتيازات. لقد أوغل القادة والأتباع على السَّواء فيما مضى في إساءة فهمها على أنّها تكريس السّيطرة على الآخرين. حقّاً فإنَّ عصرنا الحالي يتطلّب تعريفاً جديداً للقيادة، ويستوجب نمطاً جديداً من القياديّين.
وتتجلّى حقيقة هذا الأمر بشكلٍ خاصّ على الصّعيد الدّوليّ. فتنمية الإحساس بالثِّقة وإقامة جسورها، وغرس مشاعر التّآلف الوطيد في قلوب شعوب العالم تجاه مؤسّسات النّظام العالميّ، كلّها تستدعي أن يفكّر القادة مليّاً في تصرّفاتهم.
وبسجلِّهم الشّخصيّ الحاكي عن استقامتهم ونظافة مسلكهم، عليهم أن يساعدوا في إعادة الثّقة بالحكومات. عليهم أن يتحلُّوا بالأمانة والتّواضع والتّوجّه الصّادق في تحرّي حقيقة كلّ أمر، ملتزمين بالمبادئ هادياً لهم. وبذلك يخدمون مصالح البشريّة البعيدة المدى على أفضل وجهٍ ممكن.
"ولتكن نظرتكم شاملةً للعالم لا أن تنحصر في نفوسكم" - كما تفضل حضرة بهاءالله- "لا تنهمكوا في شؤون أنفسكم، بل فكّروا في إصلاح العالم وتهذيب الأمم".
48